عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 10-06-2022, 10:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,602
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الرابع
الحلقة (133)

من صــ 237 الى صـ
ـ 244




فلما تحققت قلوبهم بهذه المعارف وانقادت وذلت لعزة ربها ومولاها وأجابتها جوارحهم أعطوا كلما سألوه من ذلك فلم يسألوا شيئا منه إلا قال الله تعالى: قد فعلت كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك. فهذه كلمات قصيرة مختصرة في معرفة مقدار هذه الآيات العظيمة الشأن الجليلة المقدار التي خص الله بها رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم وأمته من كنز تحت العرش. وبعد ففيها من المعارف وحقائق العلوم ما تعجز عقول البشر عن الإحاطة به والله المرغوب إليه أن لا يحرمنا الفهم في كتابه إنه رحيم ودود. والحمد لله وحده وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده وآله وصحبه أجمعين.
(لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ... (286)
(هل الأفعال الاختيارية من العباد تحصل بخلق الله تعالى وبخلق العبد؟)
سئل شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -:

ما قول أهل الإسلام الراسخين في جذر الكلام الباسقين في فن الأحكام حياكم العلام في صدور دار السلام؛ وحباكم القيام بتوضيح ما استبهم على الأفهام في معتقد أهل السنة والجماعة. نضر الله أرواح السلف وكثر أعداد الخلف وأمدهم بأنواع اللطف. بأن الأفعال الاختيارية من العباد تحصل بخلق الله تعالى وبخلق العبد فحقيقة كسب العبد ما هي؟ وبعد هذا هل هو مؤثر في وجود الفعل؟ أم غير مؤثر؟. فإن كان فيصير العبد مشاركا للخالق في خلق الفعل فلا يكون العبد كاسبا؛ بل شريكا خالقا - وأهل السنة بررة برآء من هذا القول - وإن لم يكن مؤثرا في وجود الفعل فقد وجد الفعل بكماله بالحق سبحانه وتعالى وليس للعبد في ذلك شيء فلزم الجبر الذي يطوي بساط الشرع وأهل السنة الغراء والمحجة البيضاء فارون من هذه الكلمة الشنعاء والعقيدة العوراء. ولم ينسب إلى العبد الطاعة والعصيان والكفر والإيمان حتى يستحق الغضب والرضوان.
فكيف السلوك أيها الهداة الأدلاء على اللحب المستقيم والمنهج القويم؟ وطرفي قصد الأمور ذميم. فبينوا بيانا يطلق العقول من هذا العقال ويشفي القلوب من هذا الداء العضال. أيدكم بروح القدس من له صفات الكمال فأجاب الشيخ الإمام العالم الرباني، المقذوف في قلبه النور الإلهي الجامع أشتات الفضائل، مفتي المسلمين تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية - رحمه الله تعالى -
قال: رضي الله عنه تلخيص الجواب: أن الكسب هو الفعل الذي يعود على فاعله بنفع أو ضر كما قال تعالى: {لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} فبين سبحانه أن كسب النفس لها أو عليها والناس يقولون: فلان كسب مالا أو حمدا أو شرفا كما أنه ينتفع بذلك ولما كان العباد يكملون بأفعالهم ويصلحون بها إذ كانوا في أول الخلق خلقوا ناقصين صح إثبات السبب إذ كمالهم وصلاحهم عن أفعالهم والله سبحانه وتعالى فعله وصنعه عن كماله وجلاله فأفعاله عن أسمائه وصفاته ومشتقة منها كما قال سبحانه وتعالى: {أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها من اسمي} والعبد أسماؤه وصفاته عن أفعاله فيحدث له اسم العالم والكامل بعد حدوث العلم والكمال فيه. ومن هنا ضلت " القدرية " حيث شبهوا أفعاله - سبحانه وتعالى - عما يقولون علوا كبيرا - بأفعال العباد وكانوا هم المشبهة في الأفعال فاعتقدوا أن ما حسن منهم حسن منه مطلقا وما قبح منهم قبح منه مطلقا بقدر علمهم وعقلهم أو ما علموا أنها إنما حسنت منهم لإفضائها إلى ما فيه صلاحهم وفلاحهم؛ وقبحت لإفضائها إلى ما فيه فسادهم والله سبحانه متعال عن أن يلحقه ما لا يليق به سبحانه.

وأما قوله: هل هو مؤثر في وجود الفعل أو غير مؤثر؟ فالكلام في مقامين:
(أحدهما) أن هذا سؤال فاسد إن أخذ على ظاهره؛ لأن كسب العبد هو نفس فعله وصنعه فكيف يقال: هل يؤثر كسبه في فعله أو هل يكون الشيء مؤثرا في نفسه؟ وإن حسب حاسب أن الكسب هو التعاطي والمباشرة وقصد الشيء ومحاولته فهذه كلها أفعال يقال فيها ما يقال في أفعال البدن من قيام وقعود.

وأظن السائل فهم هذا وتشبث بقول من يقول: إن فعل العبد يحصل بخلق الله عز وجل وكسب العبد. وتحقيق الكلام أن يقال: فعل العبد خلق لله - عز وجل - وكسب للعبد؛ إلا أن يراد أن أفعال بدنه تحصل بكسبه: أي بقصده وتأخيه. وكأنه قال: أفعاله الظاهرة تحصل بأفعاله الباطنة؛ وغير مستنكر عدم تجديد هذا السؤال فإنه مزلة أقدام ومضلة أفهام. وحسن المسألة نصف العلم. إذا كان السائل قد تصور السؤال. وإنما يطلب إثبات الشيء أو نفيه ولو حصل التصور التام لعلم أحد الطرفين.
والمقام الثاني: في تحرير السؤال وجوابه - وهو أن يقال هل قدرة العبد المخلوقة مؤثرة في وجود فعله فإن كانت مؤثرة لزم الشرك؛ وإلا لزم الجبر والمقام مقام معروف؛ وقف فيه خلق من الفاحصين والباحثين والبصراء والمكاشفين وعامتهم فهموا صحيحا. ولكن قل منهم من عبر فصيحا. فنقول: التأثير اسم مشترك قد يراد بالتأثير الانفراد بالابتداع والتوحيد بالاختراع فإن أريد بتأثير قدرة العبد هذه القدرة فحاشا لله لم يقله سني وإنما هو المعزو إلى أهل الضلال. وإن أريد بالتأثير نوع معاونة إما في صفة من صفات الفعل. أو في وجه من وجوهه كما قاله كثير من متكلمي أهل الإثبات.

فهو أيضا باطل بما به بطل التأثير في ذات الفعل؛ إذ لا فرق بين إضافة الانفراد بالتأثير إلى غير الله سبحانه في ذرة أو فيل. وهل هو إلا شرك دون شرك وإن كان قائل هذه المقالة ما نحا إلا نحو الحق. وإن أريد بالتأثير أن خروج الفعل من العدم إلى الوجود كان بتوسط القدرة المحدثة. بمعنى أن القدرة المخلوقة هي سبب وواسطة في خلق الله - سبحانه وتعالى - الفعل بهذه القدرة. كما خلق النبات بالماء وكما خلق الغيث بالسحاب.

وكما خلق جميع المسببات والمخلوقات بوسائط وأسباب فهذا حق وهذا شأن جميع الأسباب والمسببات. وليس إضافة التأثير بهذا التفسير إلى قدرة العبد شركا وإلا فيكون إثبات جميع الأسباب شركا. وقد قال الحكيم الخبير: {فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات}. {فأنبتنا به حدائق ذات بهجة} وقال تعالى: {قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم}.
فبين أنه المعذب، وأن أيدينا أسباب وآلات وأوساط وأدوات في وصول العذاب إليهم وقال صلى الله عليه وسلم {لا يموتن أحد منكم إلا آذنتموني حتى أصلي عليه فإن الله جاعل بصلاتي عليه بركة ورحمة}. فالله سبحانه هو الذي يجعل الرحمة وذلك إنما يجعله بصلاة نبينا صلى الله عليه وسلم وعلى هذا التحرير فنقول: خلق الله سبحانه أعمال الأبدان بأعمال القلوب ويكون لأحد الكسبين تأثير في الكسب الآخر بهذا الاعتبار ويكون ذلك الكسب من جملة القدرة المعتبرة في الكسب الثاني؛ فإن القدرة هنا ليست إلا عبارة عما يكون الفعل به لا محالة: من قصد وإرادة وسلامة الأعضاء والقوى المخلوقة في الجوارح وغير ذلك ولهذا وجب أن تكون مقارنة للفعل وامتنع تقديمها على الفعل بالزمان.
وأما القدرة التي هي مناط الأمر والنهي فذاك حديث آخر ليس هذا موضعه.
وبالتمييز بين هاتين القدرتين يظهر لك قول من قال: القدرة مع الفعل ومن قال: قبله، ومن قال: الأفعال كلها تكليف ما لا يطاق، ومن منع ذلك؛ وتقف على أسرار المقالات وإذا أشكل عليك هذا البيان فخذ مثلا من نفسك: أنت إذا كتبت بالقلم وضربت بالعصا ونجرت بالقدوم هل يكون القلم شريكك أو يضاف إليه شيء من نفس الفعل وصفاته؟ أم هل يصلح أن تلغي أثره وتقطع خبره، وتجعل وجوده كعدمه؟ أم يقال: به فعل وبه صنع - ولله المثل الأعلى - فإن الأسباب بيد العبد ليست من فعله وهو محتاج إليها لا يتمكن إلا بها والله سبحانه خلق الأسباب ومسبباتها وجعل خلق البعض شرطا وسببا في خلق غيره وهو مع ذلك غني عن الاشتراط والتسبب ونظم بعضها ببعض لكن لحكمة تتعلق بالأسباب وتعود إليها والله عزيز حكيم.
وأما قوله: إذا نفينا التأثير لزم انفراد الله سبحانه بالفعل. ولزم الجبر، وطي بساط الشرع الأمر والنهي.
فنقول: إن أردت بالتأثير المنفي التأثير على سبيل الانفراد في نفس الفعل أو في شيء من صفاته فلقد قلت الحق وإن كان بعض أهل الاستنان يخالفك في القسم الثاني.
وإن أردت به أن القدرة وجودها كعدمها وأن الفعل لم يكن بها ولم يصنع بها فهذا باطل كما تقدم بيانه وحينئذ لا يلزم الجبر بل ينبسط بساط الشرع وينشر علم الأمر والنهي ويكون لله الحجة البالغة. فقد بان لك أن إطلاق القول بإثبات التأثير أو نفيه دون الاستفصال، وبيان معنى التأثير ركوب جهالات واعتقاد ضلالات ولقد صدق القائل: أكثر اختلاف العقلاء من جهة اشتراك الأسماء وبأن لك ارتباط الفعل المخلوق بالقدرة المخلوقة. ارتباط الأسباب بمسبباتها ويدخل في عموم ذلك جميع ما خلقه الله تعالى في السموات والأرض والدنيا والآخرة فإن اعتقاد تأثير الأسباب على الاستقلال دخول في الضلال، واعتقاد نفي أثرها وإلغاؤه ركوب المحال وإن كان لقدرة الإنسان شأن ليس لغيرها كما سنومئ إليه إن شاء الله تعالى. فلعلك أن تقول بعد هذا البيان: أنا لا أفهم الأسباب ولا أخرج عن دائرة التقسيم والمطالبة بأحد القسمين وما أنت إن قلت هذا:

إلا مسبوق بخلق من الضلال: {كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم} وموقفك هذا مفرق طرق إما إلى الجنة وإما إلى النار فيعاد عليك البيان بأن لها تأثيرا من حيث هي سبب كتأثير القلم وليس لها تأثير من حيث الابتداع والاختراع ونضرب لك الأمثال لعلك تفهم صورة الحال ويبين لك أن إثبات الأسباب مبتدعات هو الإشراك وإثباتها أسبابا موصولات هو عين تحقيق التوحيد عسى الله أن يقذف بقلبك نورا ترى هذا البيان {ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور}.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.73 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.11 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.76%)]