عرض مشاركة واحدة
  #133  
قديم 10-06-2022, 07:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,262
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثالث -
كتاب البيوع
الحلقة (133)
صــــــــــ 179 الى صـــــــــــ186





تداعي الراهن وورثة المرتهن

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا مات المرتهن وادعى ورثته في الرهن شيئا ، فالقول قول الراهن ، وكذلك القول قوله لو كان المرتهن حيا فاختلفا ، وكذلك قول ورثة الراهن ، وإذا مات المرتهن فادعى الراهن أو ورثته أن الميت اقتضى حقه أو برأه منه فعليهم البينة فالقول قول ورثة الذي له الحق إذا عرف لرجل حقا أبدا فهو لازم لمن كان عليه لا يبرأ منه إلا بإبراء صاحب الحق له أو ببينة تقوم عليه [ ص: 180 ] بشيء يثبتونه بعينه فيلزمه . ولو رهن رجل رجلا رهنا بمائة دينار ثم مات المرتهن أو غلب على عقله فأقام الراهن البينة على أنه قضاه من حقه الذي به الرهن عشرة وبقيت عليه تسعون فإذا أداها ، فك له الرهن ، وإلا بيع الرهن عند محله واقتضيت منه التسعون ، ولو قالت البينة : قضاه شيئا ما نثبته أو قالت البينة : أقر عندنا المرتهن أنه اقتضى منه شيئا ما نثبته كان القول قول ورثته إن كان ميتا قيل أقروا فيها بشيء ما كان واحلفوا ما تعلمون أنه أكثر منه وخذوا ما بقي من حقكم ، ولو كان الراهن الميت والمرتهن الحي كان القول قول المرتهن فإن قال المرتهن قد قضاني شيئا من الحق ما أعرفه قيل للراهن إن كان حيا وورثته إن كان ميتا ادعيتم شيئا تسمونه أحلفناه لكم فإن حلف برئ منه ، وقلنا أقر بشيء ما كان فما أقر به وحلف ما هو أكثر منه ، قبلنا قوله فيه .
جناية العبد المرهون على سيده وملك سيده عمدا أو خطأ .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا رهن الرجل عبده فجنى العبد على سيده جناية تأتي على نفسه فولي سيده بالخيار بين القصاص منه وبين العفو بلا شيء في رقبته فإن اقتص منه فقد بطل الرهن فيه ، وإن عفا عنه بلا شيء يأخذه منه فالعبد مرهون بحاله ، وإن عفا عنه بأخذ ديته من رقبته ففيها قولان . أحدهما : أن جنايته على سيده إذا أتت على نفس سيده كجنايته على الأجنبي لا تختلف في شيء ومن قال هذا قال : إنما منعني إذا ترك الولي القود على أخذ المال أن أبطل الجناية أن الجناية التي لزمت العبد مال للوارث والوارث ليس بمالك للعبد يوم جنى فيبطل حقه في رقبته بأنه ملك له .

والقول الثاني : أن الجناية هدر من قبل أن الوارث إنما يملكها بعدما يملكها المجني عليه ، ومن قال هذا قال : لولا أن الميت مالك ما قضى بها دينه ، ولو كان للسيد وارثان فعفا أحدهما عن الجناية بلا مال كان العفو في القول الأول جائزا ، وكان العبد مرهونا بحاله ، وإن عفا الآخر بمال يأخذه بيع نصفه في الجناية ، وكان للذي لم يعف ثمن نصفه إن كان مثل الجناية أو أقل ، وكان نصفه مرهونا وسواء الذي عفا عن المال والذي عفا عن غير شيء فيما وصفت . ولو كانت المسألة بحالها وللسيد المقتول ورثة صغار وبالغون وأراد البالغون قتله لم يكن لهم قتله حتى يبلغ الصغار ، ولو أراد المرتهن بيعه عند محل الحق قبل أن يعفو أحد من الورثة لم يكن ذلك له ، وكان له أن يقوم في مال الميت بماله قيام من لا رهن له فإن حاص الغرماء فبقي من حقه شيء ثم عفا بعض ورثة الميت البالغين بلا مال يأخذه كان حق العافين من العبد رهنا له يباع له دون الغرماء حتى يستوفي حقه .

وإذا عفا أحد الورثة البالغين عن القود فلا سبيل إلى القود ويباع نصيب من لم يبلغ من الورثة ، ولم يعف ، إن كان البيع نظرا له في قول من قال إن ثمن العبد يملك بالجناية على مالكه حتى يستوفوا مواريثهم من الدية إلا أن يكون في ثمنه فضل عنها فيرد رهنا . ولو كانت جناية العبد المرهون على سيده الراهن عمدا فيها قصاص لم يأت على النفس كان للسيد الراهن الخيار في القود أو العفو فإن عفا على غير شيء فالعبد رهن بحاله ، وإن قال أعفوا على أن آخذ أرش الجناية من رقبته فليس له ذلك والعبد رهن بحاله ، ولا يكون له على عبده دين . وإن كانت جنايته على سيده عمدا لا قود فيها أو خطأ فهي هدر ; لأنه لا يستحق بجنايته عليه من العبد إلا ما كان له قبل جنايته ، ولا يكون له دين عليه ; لأنه مال له ، ولا يكون له على ماله دين .
وإن جنى العبد المرهون على عبد للسيد جناية في نفس أو ما دونها فالخيار إلى السيد الراهن فإن شاء اقتص منه في القتل وغيره مما فيه القصاص ، وإن شاء عفا وبأي [ ص: 181 ] الوجهين عفا فالعبد رهن بحاله إن عفا على غير شيء أو عفا على مال يأخذه فالعبد رهن بحاله ، ولا مال له في رقبة عبده ، ولو كانت جناية العبد المرهون على عبد للراهن مرهون عند آخر كان للسيد الخيار في القود أو في العفو بلا شيء يأخذه فأيهما اختار فذلك له ليس لمرتهن العبد المجني عليه أن يمنعه من ذلك .

وإن اختار العفو على مال يأخذه فالمال مرهون في يدي مرتهن العبد المجني عليه . وإن اختار سيد العبد عفو المال بعد اختياره إياه لم يكن ذلك له لحق المرتهن فيه .

( قال الشافعي ) : وبحق المرتهن أجزت للسيد الراهن أن يأخذ جناية المرتهن على عبده من عتق عبده الجاني ، ولا يمنع المرتهن السيد العفو على غير مال ; لأن المال لا يكون على الجاني عمدا حتى يختاره ولي الجناية .
وإذا جنى العبد المرهون على أم ولد للراهن أو مدبر أو معتق إلى أجل فهي كجنايته على مملوكه والعبد مرهون بحاله فإن جنى على مكاتب السيد فقتله عمدا فللسيد القود أو العفو فإن ترك القود فالعبد رهن بحاله ، وإن كانت الجناية على المكاتب جرحا فللمكاتب القود أو العفو على مال يأخذه ، وإذا عفاه عنه على مال بيع العبد الجاني فدفع إلى المكاتب أرش الجناية عليه ، وإذا حكم للمكاتب بأن يباع له العبد في الجناية عليه ثم مات المكاتب قبل بيعه أو عجز فلسيد المكاتب بيعه في الجناية حتى يستوفيها فيكون ما فضل من ثمنه أو رقبته رهنا ; لأنه إنما يملك بيعه عن مكاتبه بملك غير الملك الأول . ولو بيع والمكاتب حي ثم اشتراه السيد لم يكن عليه أن يعيده رهنا ; لأنه ملكه بغير الملك الأول .
وإذا جنى العبد المرهون على ابن للراهن أو أخ أو مولى جناية تأتي على نفسه والراهن وارث المجني عليه فللراهن القود أو العفو على الدية أو غير الدية فإذا عفا على الدية بيع العبد وخرج من الرهن فإن اشتراه الراهن فهو مملوك له لا يجبر أن يعيده إلى الرهن ; لأنه ملكه بغير الملك الأول .

وإن قال المرتهن : أنا أسلم العبد وأفسخ الرهن فيه وحقي في ذمة الراهن قيل : إن تطوعت بذلك ، وإلا لما تكره عليه وبلغنا الجهد في بيعه فإن فضل من ثمنه فضل فهو رهن لك ، وإن لم يفضل فالحق أتى على رهنه ، وإن ملكه الراهن بشراء أو ترك منه للرهن لم يكن عليه أن يعيده رهنا ; لأنه ملكه بملك غير الأول وبطل الأول وبطل الرهن بفسخك الرهن ألا ترى أن رجلا لو رهن رجلا عبدا فاستحقه عليه رجل كان خارجا من الرهن ، وإن ملكه الراهن لم يكن عليه أن يعيده رهنا لمعنيين . أحدهما : أنه إذا كان رهنه ، وليس له فلم يكن رهنا كما لو رهنه رهنا فاسدا لم يكن رهنا . والآخر : أن هذا الملك غير الملك الأول ، وإنما يمنعني أن أبطل جناية العبد المرهون إذا جنى على ابن سيده أو على أحد السيد وارثه أن الجناية إنما وجبت للمجني عليه والمجني عليه غير سيد الجاني ، ولا راهنه ، وإنما ملكها سيده الراهن عن المجني عليه بموت المجني عليه وهذا ملك غير ملك السيد الأول .

ولو أن رجلا رهن عبده ثم عدا العبد المرهون على ابن لنفسه مملوك الراهن فقتله عمدا أو خطأ أو جرحه جرحا عمدا أو خطأ فلا قود بين الرجل وبين ابنه والجناية مال في عنق العبد المرهون فلا يكون للسيد بيعه بها ، ولا إخراجه من الرهن ; لأنه لا يكون له في عنق عبده دين وهكذا لو كانت أمة فقتلت ابنها ، ولو كان الابن المقتول رهنا لرجل غير المرتهن للأب بيع العبد الأب القاتل فجعل ثمن العبد المرهون المقتول رهنا في يدي المرتهن مكانه . ولو كان الابن مرهونا لرجل غير مرتهن الأب بيع الأب فجعل ثمن الابن رهنا مكانه ، ولم يكن للسيد عفوه ; لأن هذا لم يجب عليه قود قط إنما وجب في عتقه مال فليس لسيده أن [ ص: 182 ] يعفوه لحق المرتهن فيه .
ولو كان الأب والابن مملوكين لرجل ورهن كل واحد منهما رجلا على حدة فقتل الابن الأب كان لسيد الأب أن يقتل الابن أو يعفو عن القتل بلا مال ، وكذلك لو كان جرحه جرحا فيه قود كان له القود أو العفو بلا مال فإن اختار العفو بالمال بيع الابن وجعل ثمنه رهنا مكان ما لزمه من أرش الجناية . وإذا كان هذا القتل خطأ والعبدان مرهونان لرجلين مفترقين فلا شيء للسيد من العفو ويباع الجاني فيجعل ثمنه رهنا لمرتهن العبد المجني عليه ; لأنه لم يكن في أعناقهما حكم إلا المال لا خيار فيه لولي الجناية أجنبيا كان أو سيدا .
وإن جنى العبد المرهون على نفسه جناية عمدا أو خطأ فهي هدر ، وإن جنى العبد المرهون على امرأته أو أم ولده جناية فألقت جنينا ميتا فإن كانت الأمة لرجل فنكحها العبد فالجناية لمالك الجارية يباع فيها الرهن فيعطى قيمة الجنين إلا أن يكون في العبد الرهن فضل عن قيمة الجنين فيباع منه بقدر الجنين وجنايته على الجنين كجنايته على غيره خطأ ليس للسيد عفوها لحق المرتهن فيها ويكون ما بقي منه رهنا .
وإذا جنى العبد المرهون عن حر جناية عمدا فاختار المجني عليه أو أولياؤه العقل ببيع العبد المرهون بذهب أو ورق ثم اشترى بثمنه إبلا فدفعت إلى المجني عليه إن كان حيا أو أوليائه إن كان ميتا ، وكذلك إذا جناها خطأ ، وإن اختار أولياؤه العفو عن الجناية على غير شيء يأخذونه فالعبد مرهون بحاله .
إقرار العبد المرهون بالجناية

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإن رهن الرجل الرجل عبدا وأقبضه المرتهن فادعى عليه المرتهن أنه جنى عليه أو على رجل هو وليه جناية عمدا في مثلها قود فأقر بذلك العبد المرهون وأنكر الراهن ذلك أو لم يقر به ، ولم ينكره فإقرار العبد لازم له وهو كقيام البينة عليه ، ولا يكون قبوله أن يرتهنه وهو جان عليه إبطالا لدعواه لجناية كانت قبل الرهن أو بعده أو معه ، وله الخيار في أخذ القود أو العفو بلا مال أو العفو بمال فإن اختار القود فذلك ، وإن اختار العفو بلا مال فالعبد مرهون بحاله ، وإن اختار المال بيع العبد في الجناية فما فضل من ثمنه كان رهنا . وإن أقر العبد بجناية خطأ أو عمدا لا قود فيها بحال أو كان العبد مسلما والمرتهن كافرا فأقر عليه بجناية عمدا أو أقر بجناية على ابن نفسه وكل من لا يقاد منه بحال فإقراره باطل ; لأنه أقر في عبوديته بمال في عنقه ، وإقراره بمال في عنقه كإقراره بمال على سيده ; لأن عتقه وما بيعت به عتقه مال لسيده ما كان مملوكا لسيده وسواء كان ما وصفت من الإقرار على المرتهن أو أجنبي غير المرتهن . ولو كان مكان الأجنبي والمرتهن سيد العبد الراهن فأقر العبد بجناية على سيده قبل الرهن أو بعده ، وكذبه المرتهن فإن كانت الجناية مما فيه قصاص جازت على العبد فإن اقتص فذلك ، وإن لم يقتص فالعبد مرهون بحاله .

فإن كانت الجناية عمدا على ابن الراهن أو من الراهن وليه فأتت على نفسه فأقر بها العبد المرهون فإقراره جائز ولسيده الراهن قتله أو العفو على مال يأخذه في عنقه كما يكون ذلك له في الأجنبي والعفو على غير مال فإن عفا على غير مال فهو رهن بحاله ، ولا يجوز إقرار العبد الرهن ، ولا غير الرهن على نفسه حتى يكون ممن تقوم عليه الحدود فإذا كان ممن تقوم عليه الحدود فلا يجوز إقراره على نفسه إلا فيما فيه القود . وإذا أقر العبد المرهون على نفسه بأنه جنى جناية خطأ على غير سيده وصدقه المرتهن ، وكذبه مالك العبدفالقول قول مالك العبد مع يمينه والعبد مرهون بحاله ، وإذا بيع بالرهن [ ص: 183 ] لم يحكم على المرتهن بأن يعطي ثمنه ، ولا شيئا منه للمجني عليه ، وإن كان في إقراره أنه أحق بثمن العبد منه ; لأن إقراره يجمع معنيين . أحدهما : أنه أقر به في مال غيره ، ولا يقبل إقراره في مال غيره . والآخر : أنه إنما أقر للمجني عليه بشيء إذا ثبت له فماله ليس في ذمة الراهن فلما سقط أن يكون ماله في ذمة الراهن دون العبد سقط عنه الحكم بإخراج ثمن العبد من يديه والورع للمرتهن أن يدفع من ثمنه إلى المجني عليه قدر أرش الجناية ، وإن جحده حل له أن يأخذ أرش ذلك من ثمن العبد ، ولا يأخذه إن قدر من مال الراهن غير ثمن العبد .

وهكذا لو أنكر العبد الجناية وسيده وأقر بها المرتهن ، ولو ادعى المرتهن أن العبد المرهون في يديه جنى عليه جناية خطأ وأقر بذلك العبد وأنكر الراهن كان القول قوله ، ولم يخرج العبد من الرهن وحل للمرتهن أخذ حقه في الرهن من وجهين من أصل الحق والجناية إن كان يعلمه صادقا . ولو ادعى الجناية على العبد المرهون خطأ لابن له هو وليه وحده أو معه ولي غيره والجناية خطأ وأقر بذلك العبد وأنكره السيد فالقول فيه قول السيد والعبد مرهون بحاله ، وهي كالمسألة في دعوى الأجنبي على العبد الجناية خطأ ، وإقرار العبد والمرتهن بها وتكذيب المالك له .
جناية العبد المرهون على الأجنبيين .

( قال الشافعي ) رحمه الله : وإذا جنى العبد المرهون أو جني عليه فجنايته والجناية عليه كجناية العبد غير المرهون والجناية عليه ومالكه الراهن الخصم فيه فيقال له إن فديته بجميع أرش الجناية فأنت متطوع والعبد مرهون بحاله ، وإن لم تفعل لم تجبر على أن تفديه وبيع العبد في جنايته ، وكانت الجناية أولى به من الرهن كما تكون الجناية أولى به من ملكك فالرهن أضعف من ملكك ; لأنه إنما يستحق فيه شيء بالرهن بملكك فإن كانت الجناية لا تبلغ قيمة العبد المرهون ، ولم يتطوع مالكه بأن يفديه لم يجبر سيده ، ولا المرتهن على أن يباع منه إلا بقدر الجناية ويكون ما بقي منه مرهونا ، ولا يباع كله إذا لم تكن الجناية تحيط بقيمته إلا باجتماع الراهن والمرتهن على بيعه فإذا اجتمعا على بيعه بيع فأديت الجناية وخير مالكه بين أن يجعل ما بقي من ثمنه قصاصا من الحق عليه أو يدعه رهنا مكان العبد ; لأنه يقوم مقامه ، ولا يكون تسليم المرتهن بيع العبد الجاني كله ، وإن كان فيه فضل كبير عن الجناية فسخا منه لرهنه ، ولا ينفسخ فيه الرهن إلا بأن يبطل حقه فيه أو يبرأ الراهن من الحق الذي به الرهن ، ولا أحسب أحدا يعقل يختار أن يكون ثمن عبده رهنا غير مضمون على أن يكون قصاصا من دينه وتبرأ ذمته مما قبض منه .

وإذا اختار أن يكون رهنا لم يكن للمرتهن الانتفاع بثمنه ، وإن أراد الراهن قبضه ; لينتفع به لم يكن ذلك له ، وليس المنفعة بالثمن الذي هو دنانير ودراهم كالمنفعة بالعبد الذي هو عين لو باعه لم يجز بيعه ورد بحاله ، وإذا بيع العبد المرهون في الجناية أو بعضه لم يكلف الراهن أن يجعل مكانه رهنا ; لأنه بيع بحق لزمه لا إتلاف منه هو له ، وإن أراد المرتهن أن يفديه بالجناية قيل له إن فعلت فأنت متطوع ، وليس لك الرجوع بها على مالك العبد والعبد رهن بحاله ، وإن فداه بأمر سيده وضمن له : ما فداه به رجع بما فداه به على سيده ، ولم يكن رهنا إلا أن يجعله له رهنا به فيكون رهنا به مع الحق الأول .

( قال الربيع ) : معنى قول الشافعي إلا أن يريد أن ينفسخ الرهن الأول فيجعله رهنا بما كان مرهونا وبما فداه به بإذن سيده .

( قال الشافعي ) : وإن كانت جناية العبد الرهن عمدا فأراد المجني عليه أو وليه أن يقتص منه فذلك له ، ولا يمنع الرهن حقا عليه في عنقه ، ولا في بدنه ، ولو كان جنى قبل أن يرهن ثم قام عليه المجني عليه كان ذلك له كما يكون له لو جنى [ ص: 184 ] بعد أن كان رهنا لا يختلف ذلك ، ولا يخرجه من الرهن أن يجني قبل أن يكون رهنا ثم يرهن ، ولا بعد أن يكون رهنا إذا لم يبع في الجناية .
وإذا جنى العبد المرهون ، وله مال أو اكتسب بعد الجناية مالا أو وهب له فماله لسيده الراهن دون المرتهن وجنايته في عنقه كهي في عنق العبد غير المرهون . ولو بيع العبد المرهون فلم يتفرق البائع والمشتري حتى جنى كان للمشتري رده ; لأن هذا عيب حدث به ، وله رده بلا عيب . ولو جنى ثم بيع فعلم المشتري قبل التفرق أو بعده بجنايته كان له رده ; لأن هذا عيب دلس له ، ولو بيع وتفرق المتبايعان أو خير أحدهما صاحبه بعد البيع فاختار إمضاء البيع ثم جنى كان من المشترى ، ولم يرد البيع ; لأن هذا حادث في ملكه بعد تمام البيع بكل حال له ، ولو جنى العبد الرهن جناية عمدا كان للمجني عليه أو وليه الخيار بين الأرش والقصاص فإن اختار الأرش كان في عنق العبد يباع فيه كما يباع في الجناية خطأ ، وإن اختار القصاص كان له .
وإذا جنى العبد المرهون فلم يقده سيده بالجناية فبيع فيها لم يكلف سيده أن يأتي برهن سواه ; لأنه بيع عليه بحق لا جناية للسيد فإن كان السيد أمر العبد بالجناية ، وكان بالغا يعقل فهو آثم ، ولا يكلف السيد إذا بيع فيها أو قتل أن يأتي برهن غيره ، وإن كان العبد صبيا أو أعجميا فبيع في الجناية كلف السيد أن يأتي بمثل قيمته ثمنا ويكون رهنا مكانه إلا أن يشاء أن يجعلها قصاصا من الحق ، وإذا تم الرهن بالقبض كان المرتهن أولى به من غرماء السيد وورثته إن مات وأهل وصاياه حتى يستوفي فيه ثم يكون لهم الفضل عن حقه .
وإذا أذن الرجل للرجل أن يرهن عبدا للإذن فرهنه فجنى العبد المرهون جناية فجنايته في عنقه والقول في هل يرجع سيد العبد الآذن على الراهن المأذون له بما لزم عبده من جنايته وبتلف إن أصابه في يديه قبل أن يفديه كما يرجع عليه لو أن العبد المرهون عارية في يديه لا رهن أو لا يرجع ؟ قولان . أحدهما : أنه عارية فهو ضامن له كما تضمن العارية . والآخر : أنه لا يضمن شيئا مما أصابه ومن قال هذا قال : فليس كالعارية ; لأن خدمته لسيده والرهن في عنقه كضمان سيده لو ضمن عن الراهن والعارية ما كانت منفعتها مشغولة عن معيرها ومنفعة هذا له قائمة ومن ضمن الراهن ضمن رجلا لو رهن الرجل عن الرجل متاعا له بأمر المرهون ، وكان هذا عندي أشبه القولين . والله تعالى أعلم .
الجناية على العبد المرهون فيما فيه قصاص

( قال الشافعي ) رحمه الله : وإذا رهن الرجل الرجل عبده ، وقبضه المرتهن فجنى على العبد المرهون عبد للراهن أو للمرتهن أو لغيرهما جناية أتت على نفسه فالخصم في الجناية سيد العبد الراهن ، ولا ينتظر الحاكم المرتهن ، ولا وكيله ليحضر السيد ; لأن القصاص إلى السيد دون المرتهن وعلى الحاكم إذا ثبت ما فيه القصاص أن يخير سيد العبد الراهن بين القصاص وأخذ قيمة عبده إلا أن يعفو فإن اختار القصاص دفع إليه قاتل عبده فإن قتله قتله بحقه ، ولم يكن عليه أن يبدل المرتهن شيئا مكانه كما لا يكون عليه لو مات أن يبدله مكانه .

ولو عفا عنه بلا مال يأخذه منه كان ذلك له ; لأنه دم ملكه فعفاه ، وإن اختار أخذ قيمة عبده أخذه القاضي بأن يدفعه إلى المرتهن إن كان الرهن على يديه أو من على يديه الرهن إلا أن يشاء أن يجعله قصاصا من حق المرتهن عليه ، وإن اختار ترك القود على أخذ قيمة عبده ثم [ ص: 185 ] أراد عفوا بلا أخذ قيمة عبده لم يكن ذلك له وأخذت قيمة عبده فجعلت رهنا . وكذلك لو اختار أخذ المال ثم قال : أنا أقتل قاتل عبدي فليس ذلك له ، وإن اختار أخذ المال بطل القصاص ; لأنه قد أخذ أحد الحكمين وترك الآخر .

وإن عفا المال الذي وجب له بعد اختياره أو أخذه وهو أكثر من قيمة عبده أو مثله أو أقل لم يجز عفوه ; لأنه وهب شيئا قد وجب رهنا لغيره ، وإذا برئ من المال بأن يدفع الحق إلى المرتهن من مال له غير المال المرهون أو أبرأه منه المرتهن رد المال الذي عفاه عن العبد الجاني على سيد الجاني ; لأن العفو براءة من شيء بيد المعفو عنه فهو كالعطية المقبوضة ، وإنما رددتها لعلة حق المرتهن فيها فإذا ذهبت تلك العلة فهي تامة لسيد العبد الجاني بالعفو المتقدم ، وإذا قضى المرتهن حقه مما أخذ من قيمة عبده لم يغرم من المال الذي قضاه شيئا للمعفو عنه .

وإن فضل في يديه فضل عن حقه رده على سيد العبد المعفو عنه الجناية ، والمال ، وإن أراد مالك العبد الراهن أن يهب للمرتهن ما فضل عن حقه لم يكن ذلك له ، وإن قضي بقيمة العبد المقتول المرهون دراهم ، وحق المرتهن دنانير وأخذها الراهن فدفعها إلى المرتهن فأراد الراهن أن يدعها للمرتهن بحقه ، ولم يرد ذلك المرتهن لم يكن ذلك له وبيعت فأعطي صاحب الحق وسيد العبد المعفو عنه ما فضل من أثمانها .

وإنما منعني لو كان الراهن موسرا أن أسلم عفوه عن المال بعد أن اختاره وأصنع فيه ما أصنع في العبد لو أعتقه وهو موسر أن حكم العتق مخالف جميع ما سواه أنا إذا وجدت السبيل إلى العتق ببدل منه أمضيته وعفو المال مخالف له فإذا عفا ما غيره أحق به حتى يستوفى حقه كان عفوه في حق غيره باطلا كما لو وهب عبده المرهون لرجل وأقبضه إياه أو تصدق به عليه صدقة محرمة وأقبضه إياه كان ما صنع من ذلك مردودا حتى يقبض المرتهن حقه من ثمن رهنه والبدل من رهنه يقوم مقام رهنه لا يختلفان .
ولو جنى على العبد المرهون ثلاثة أعبد كان على الحاكم أن يخير سيد العبد المقتول بين القصاص وبين أخذ قيمة عبده أو العفو فإن اختار القصاص فيهم فذلك له في قول من قتل أكثر من واحد بواحد ، وإن اختار أن يقتص من أحدهم ويأخذ ما لزم الاثنين من قيمة عبده كان له ويباعان فيها كما وصفت ويكون ثمن عبده من ثمنهما رهنا كما ذكرت ، وإن اختار أن يأخذ ثمن عبده منهما ثم أراد عفوا عنهما أو عن أحدهما كان الجواب فيها كالجواب في المسألة قبلها في العبد الواحد إذا اختار أخذ قيمة عبده من رقبته ثم عفاها وأحب أن يحضر الحاكم المرتهن أو وكيله احتياطا لئلا يختار الراهن أخذ المال ثم يدعه أو يفرط فيه فيهرب العبد الجاني . وإن اختار الراهن أخذ المال من الجاني على عبده ثم فرط فيه حتى يهرب الجاني لم يغرم الراهن شيئا بتفريطه ، ولم يكن عليه أن يضع رهنا مكانه ، وكان كعبده لو رهنه رجلا فهرب ، ولا أجعل الحق حالا بحال وهو إلى أجل ، ولو تعدى فيه الراهن .
ولو جنى حر وعبد على عبد مرهون جناية عمدا كان نصف قيمة العبد المرهون على الحر في ماله حالة تؤخذ منه فتكون رهنا إلا أن يتطوع الراهن بأن يجعلها قصاصا إذا كانت دنانير أو دراهم وخير في العبد كما وصفت بين قتله أو العفو عنه أو أخذ قيمة عبده من عنقه فإن مات العبد الجاني فقد بطل ما عليه من الجناية ، وإن مات الحر فنصف قيمته في ماله ، وإن أفلس الحر فهو غريم وكل ما أخذ منه كان مرهونا والحق كله في ذمة الراهن لا يبرأ منه بتلف الرهن وتلف العوض منه بحال .

ولو كانت الجناية على العبد المرهون جناية دون النفس مما فيه القصاص كان القول فيها كالقول في الجناية في النفس لا يختلف بتخيير السيد الراهن بين أخذ القصاص لعبده ، أو العفو عن القصاص بلا شيء أو أخذ العقل فإن اختار أخذ العقل كان كما وصفت ، ولا خيار للعبد المجني عليه ، إنما الخيار لمالكه لا له ; لأنه يملك بالجناية مالا والملك لسيده دونه . ولو كان الجاني على العبد المرهون عبدا للراهن أو عبدا له وعبدا لغيره [ ص: 186 ] ابن أو غيره كان القول في عبد غيره ابنه كان أو غيره كالقول في المسائل التي قبله وخير في عبده الجاني على عبده كما يخير في عبيد غيره بين القود أو العفو عن القود بلا شيء يأخذه ; لأنه إنما يدعي قودا جعل إليه تركه .

وإن لم يعف القود إلا على اختيار العوض من المال كان عليه أن يفدي عبده الجاني إن كان منفردا بجميع أرش الجناية فإذا فعل خير بين أن يجعلها قصاصا أو يسلمها رهنا فإن كان أرش الجناية ذهبا أو ورقا كالحق عليه فشاء أن يجعله قصاصا فعل ، وإن كانت إبلا أو شيئا غير الحق فشاء أن يبيعها ويقضي المرتهن منها حتى يستوفي حقه أو لا يبقي من ثمنها شيئا فعل .

وإن شاء أن يبيعها ويجعل ثمنها رهنا لم يكن له ذلك ; لأن البدل من العبد المرهون يقوم مقامه ، ولا يكون له أن يبيع البدل منه كما لا يكون له أن يبيعه ويجعل ثمنه رهنا ، ولا يبدله بغيره فإن قضى بجناية العبد دنانير والحق دراهم كانت الدنانير رهنا ، ولا يكون للمرتهن أن يجعل ثمن العبد المبيع في الجناية دراهم كالحق ثم يجعلها رهنا وعليه أن يجعلها رهنا كما بيع عبده بهما فإذا كانت جناية عبد الراهن غير المرهون على عبده المرهون في شيء فيه قصاص دون النفس فهكذا لا يختلف .
ولو أن رجلا رهن رجلا عبدا ورهن آخر عبدا فعدا أحد عبديه على الآخر فقتله أو جنى عليه جناية دون النفس فيها قود فالقول فيها كالقول في عبد غير مرهون وعبد أجنبي يجني على عبده يخير بين قتله أو القصاص من جراحه أو العفو بلا أخذ شيء فإن عفا فالعبد مرهون بحاله ، وإن اختار أخذ المال بيع العبد المرهون ثم جعلت قيمة العبد المرهون المقتول رهنا مكانه إلا أن يشاء الراهن أن يجعلها قصاصا .

وإن كانت جرحا جعل أرش جرح العبد المرهون رهنا مع العبد المرهون كشيء من أصل الرهن ، وإن كانت الجناية جرحا لا يبلغ قيمة العبد المرهون الجاني جبر الراهن والمرتهن على أن يباع منه بقدر أرش الجناية ، ولم يجبرا على بيعه إلا أن يشاءا ذلك ، وكان ما يبقى من العبد رهنا بحاله ، ولو رضي صاحب الحق المجني على رهنه وسيد العبد المرهون الجاني ومرتهنه بأن يكون سيد العبد المجني عليه شريكا للمرتهن في العبد الجاني بقدر قيمة الجناية لم يجز ذلك ; لأن العبد المجني عليه ملك للراهن لا للمرتهن وجبر على بيع قدر الرهن إلا أن يعفو المرتهن حقه .
وإذا رهن الرجل عبدا فأقر العبد بجناية عمدا فيها القود ، وكذبه الراهن والمرتهن فالقول قول العبد والمجني عليه بالخيار في القصاص أو أخذ المال ، وإن كانت عمدا لا قصاص فيها أو خطأ فإقرار العبد ساقط عنه في حال العبودية ، ولو أقر سيد العبد المرهون أو غير المرهون على عبده أنه جنى جناية فإن كانت مما فيه قصاص فإقراره ساقط عن عبده إذا أنكر العبد ، وإن كانت مما لا قصاص فيه فإقراره لازم لعبده ; لأنها مال ، وإنما أقر في ماله .

( قال أبو محمد ) وفيها قول آخر أنه لا يخرج العبد من يدي المرتهن بإقرار السيد أن عبده قد لزمه جناية لا قصاص فيها ; لأنه إنما يقر في عبد المرتهن أحق برقبته حتى يستوفي حقه فإذا استوفى حقه كان للذي أقر له السيد بالجناية أن يكون أحق بالعبد حتى يستوفي جنايته .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 46.35 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 45.73 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.35%)]