
10-06-2022, 07:58 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 167,388
الدولة :
|
|
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله

كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثالث - كتاب البيوع
الحلقة (129)
صــــــــــ 152 الى صـــــــــــ158
ولو أن عبدا بين رجلين فقال رجل : رهنتمانيه بمائة ، وقبضته فصدقه أحدهما . وقال الآخر : ما رهنتكه بشيء كان نصفه رهنا بخمسين ونصفه خارجا من الرهن فإن شهد شريك صاحب العبد عليه بدعوى المرتهن ، وكان عدلا عليه أحلف المرتهن معه ، وكان نصيبه منه رهنا بخمسين ، ولا شيء في شهادة صاحب الرهن يجر بها إلى نفسه ، ولا يدفع بها عنه فأرد بها [ ص: 152 ] شهادته ، ولا أرد شهادته لرجل له عليه شيء لو شهد له على غيره .
ولو كان العبد بين اثنين ، وكان في يدي اثنين وادعيا أنهما ارتهناه معا بمائة فأقر الرجلان لأحدهما أنه رهن له وحده بخمسين وأنكرا دعوى الآخر لزمهما ما أقرا به ، ولم يلزمهما ما أنكرا من دعوى الآخر ، ولو أقرا لهما معا بأنه لهما رهن ، وقالا : هو رهن بخمسين وادعيا مائة لم يلزمهما إلا ما أقرا به . ولو قال أحد الراهنين لأحد المرتهنين رهناكه أنت بخمسين ، وقال الآخر للآخر المرتهن رهناكه أنت بخمسين كان نصف حق كل واحد منهما من العبد ، وهو ربع العبد رهنا للذي أقر له بخمسة وعشرين تجيز إقراره على نفسه ، ولا تجيز إقراره على غيره ، ولو كانا ممن تجوز شهادته فشهد كل واحد منهما على صاحبه ونفسه أجزت شهادتهما وجعلت على كل واحد منهما خمسة وعشرين دينارا بإقراره وخمسة وعشرين أخرى بشهادة صاحبه إذا حلف المدعي مع شاهده .
وإذا كانت في يدي رجل ألف دينار فقال : رهنيها بمائة دينار أو بألف درهم ، وقال الراهن رهنتكها بدينار واحد أو بعشرة دراهم فالقول قول الراهن ; لأن المرتهن مقر له بملك الألف دينار ، ومدع عليه حقا فالقول قوله فيما ادعى عليه من الدنانير إذا كان القول قول رب الرهن المدعى عليه الحق في أنه ليس برهن بشيء كان إقراره بأنه رهن بشيء أولى أن يكون القول قوله فيه . وإذا اختلف الراهن والمرتهن فقال المرتهن رهنتني عبدك سالما بمائة ، وقال الراهن بل رهنتك عبدي موفقا بعشرة حلف الراهن ، ولم يكن سالم رهنا بشيء ، وكان لصاحب الحق عليه عشرة دنانير إن صدقه بأن موفقا رهن بها فهو رهن . وإن كذبه ، وقال : بل سالم رهن بها لم يكن موفق ، ولا سالم رهنا ; لأنه يبرئه من أن يكون موفق رهنا .
ولو قال : رهنتك داري بألف ، وقال : الذي يخالفه بل اشتريتها منك بألف وتصادقا على قبض الألف تحالفا ، وكانت الألف على الذي أخذها بلا رهن ، ولا بيع ، وهكذا لو قال : لو رهنتك داري بألف أخذتها منك . وقال : المقر له بالرهن بل اشتريت منك عبدك بهذه الألف تحالفا ، ولم تكن الدار رهنا ، ولا العبد بيعا ، وكانت له عليه ألف بلا رهن ، ولا بيع ، ولو قال : رهنتك داري بألف ، وقبضت الدار ، ولم أقبض الألف منك ، وقال : المقر له بالرهن ، وهو المرتهن بل قبضت الألف فالقول قول الراهن بأنه لم يقر بأن عليه ألفا فتلزمه ويحلف ما أخذ الألف ثم تكون الدار خارجة من الرهن ; لأنه لم يأخذ ما يكون به رهنا ، ولو كانت لرجل على رجل ألف درهم فرهنه بها دارا فقال الراهن رهنتك هذه الدار بألف درهم إلى سنة ، وقال : المرتهن بل ألف درهم حالة كان القول قول الراهن وعلى المرتهن البينة .
وكذلك لو قال : رهنتكها بألف درهم ، وقال المرتهن : بل بألف دينار فالقول قول الراهن وكل ما لم أثبته عليه إلا بقوله جعلت القول فيه قوله ; لأنه لو قال : لم أرهنكها كان القول قوله ، وإذا كان لرجل على رجل ألفان أحدهما برهن والآخر بغير رهن فقضاه ألفا ثم اختلفا فقال القاضي قضيتك الألف التي بالرهن ، وقال : المقتضي بل الألف التي بلا رهن فالقول قول الراهن القاضي . ألا ترى أنه لو جاءه بألف فقال هذه الألف التي رهنتك بها فقبضها كان عليه استلام رهنه ، ولم يكن له حبسه عنه بأن يقول لي عليك ألف أخرى ، ولو حبسه عنه بعد قبضه كان متعديا بالحبس . وإن هلك الرهن في يديه ضمن قيمته فإذا كان هذا هكذا لم يجز أن يكون القول إلا قول دافع المال . والله أعلم .
جماع ما يجوز رهنه .
( قال : الشافعي ) : رحمه الله كل من جاز بيعه من بالغ حر غير محجور عليه جاز رهنه ، ومن جاز له [ ص: 153 ] أن يرهن أو يرتهن من الأحرار البالغين غير المحجور عليهم جاز له أن يرتهن على النظر وغير النظر ; لأنه يجوز له بيع ماله ، وهبته بكل حال فإذا جازت هبته في ماله كان له رهنه بلا نظر ، ولا يجوز أن يرتهن الأب لابنه ، ولا ولي اليتيم له إلا بما فيه فضل لهما فأما أن يسلف مالهما برهن فلا يجوز له وأيهما فعل فهو ضامن لما أسلف من ماله ويجوز للمكاتب والمأذون له في التجارة أن يرتهنا إذا كان ذلك صلاحا لمالهما وازديادا فيه فأما أن يسلفا ويرتهنا فلا يجوز ذلك لهما ، ولكن يبيعان فيفضلان ويرتهنان ، ومن قلت لا يجوز ارتهانه إلا فيما يفضل لنفسه أو يتيمه أو ابنه من أب ولد وولي يتيم ، ومكاتب وعبد مأذون له فلا يجوز أن يرهن شيئا ; لأن الرهن أمانة والدين لازم فالرهن بكل حال نقص عليهم ، ولا يجوز أن يرهنوا إلا حيث يجوز أن يودعوا أموالهم من الضرورة بالخوف إلى تحويل أموالهم ، وما أشبه ذلك ، ولا نجيز رهن من سميت لا يجوز رهنه إلا في قول من زعم أن الرهن مضمون كله فأما ما لا يضمن منه فرهنه غير نظر ; لأنه قد يتلف ، ولا يبرأ الراهن من الحق والذكر والأنثى والمسلم والكافر من جميع ما وصفنا يجوز رهنه ، ولا يجوز سواء ويجوز أن يرهن المسلم الكافر والكافر المسلم ، ولا أكره من ذلك شيئا إلا أن يرهن المسلم الكافر مصحفا فإن فعل لم أفسخه ووضعناه له على يدي عدل مسلم وجبرت على ذلك الكافر إن امتنع .
وأكره أن يرهن من الكافر العبد المسلم صغيرا أو كبيرا لئلا يذل المسلم بكينونته عنده بسبب يتسلط عليه الكافر ولئلا يطعم الكافر المسلم خنزيرا أو يسقيه خمرا فإن فعل فرهنه منه لم أفسخ الرهن قال : وأكره رهن الأمة البالغة أو المقاربة البلوغ التي يشتهى مثلها من مسلم إلا على أن يقبضها المرتهن ويقرها في يدي مالكها أو يضعها على يدي امرأة أو محرم للجارية فإن رهنها مالكها من رجل ، وأقبضها إياه لم أفسخ الرهن ، وهكذا لو رهنها من كافر غير أني أجبر الكافر على أن يضعها على يدي عدل مسلم وتكون امرأة أحب إلي ، ولو لم تكن امرأة وضعت على يدي رجل عدل معه امرأة عدل ، وإن رضي الراهن والمرتهن على أن يضعا الجارية على يدي رجل غير مأمون عليها جبرتهما أن يرضيا بعدل توضع على يديه فإن لم يفعلا اخترت لهما عدلا إلا أن يتراضيا أن تكون على يدي مالكها أو المرتهن فأما ما سوى بني آدم فلا أكره رهنه من مسلم ، ولا كافر حيوان ، ولا غيره .
وقد { رهن النبي صلى الله عليه وسلم درعه عند أبي الشحم اليهودي } ، وإن كانت المرأة بالغة رشيدة بكرا أو ثيبا جاز بيعها ورهنها ، وإن كانت ذات زوج جاز رهنها وبيعها بغير إذن زوجها ، وهبتها له ولها من مالها إذا كانت رشيدة ما لزوجها من ماله ، وإن كانت المرأة أو رجل مسلم أو كافر حر أو عبد محجورين لم يجز رهن واحد منهما كما لا يجوز بيعه ، وإذا رهن من لا يجوز رهنه فرهنه مفسوخ ، وما عليه ، وما رهن كما لم يرهن من ماله لا سبيل للمرتهن عليه .
وإذا رهن المحجور عليه رهنا فلم يقبضه هو ، ولا وليه من المرتهن ، ولم يرفع إلى الحاكم فيفسخه حتى يفك عنه الحجر فرضي أن يكون رهنا بالرهن الأول لم يكن رهنا حتى يبتدئ رهنا بعد فك الحجر ويقبضه المرتهن فإذا فعل فالرهن جائز . وإذا رهن الرجل الرهن ، وقبضه المرتهن ، وهو غير محجور ثم حجر عليه فالرهن بحاله وصاحب الرهن أحق به حتى يستوفي حقه ويجوز رهن الرجل الكثير الدين حتى يقف السلطان ماله كما يجوز بيعه حتى يقف السلطان ماله ، وإذا رهن الرجل غير المحجور عليه الرجل المحجور عليه الرهن فإن كان من بيع فالبيع مفسوخ وعلى الراهن رده بعينه إن وجد أو قيمته إن لم يوجد ، والرهن مفسوخ إذا انفسخ الحق الذي به الرهن كان الرهن مفسوخا بكل حال وهكذا إن أكراه دارا أو أرضا أو دابة ورهن المكتري المكرى المحجور عليه بذلك رهنا فالرهن مفسوخ والكراء مفسوخ ، وإن سكن أو ركب أو عمل له فعليه أجر مثله وكراء مثل الدابة والدار بالغا ما بلغ ، وهكذا لو أسلفه المحجور مالا ورهنه غير المحجور رهنا كان الرهن مفسوخا ; لأن السلف [ ص: 154 ] باطل وعليه رد السلف بعينه ، وليس له إنفاق شيء منه فإن أنفقه فعليه مثله إن كان له مثل أو قيمته إن لم يكن له مثل وأي رهن فسخته من جهة الشرط في الرهن أو فساد الرهن أو فساد البيع الذي ، وقع به الرهن لم أكلف الراهن أن يأتي برهن غيره بحال ، وكذلك إن كان الشرط في الرهن والبيع صحيحا واستحق الرهن لم أكلف الراهن أن يأتي برهن غيره قال : وإذا تبايع الرجلان غير المحجورين البيع الفاسد ورهن أحدهما به صاحبه رهنا فالبيع مفسوخ ، والرهن مفسوخ وجماع علم هذا أن ينظر كل حق كان صحيح الأصل فيجوز به الرهن وكل بيع كان غير ثابت فيفسد فيه الرهن إذا لم يملك المشتري ، ولا المكتري ما بيع أو أكرى لم يملك المرتهن الحق في الرهن إنما يثبت الرهن للراهن بما يثبت به عليه ما أعطاه به فإذا بطل ما أعطاه به بطل الرهن .
وإذا بادل رجل رجلا عبدا بعبد أو دارا بدار أو عرضا ما كان بعرض ما كان وزاد أحدهما الآخر دنانير آجلة على أن يرهنه الزائد بالدنانير رهنا معلوما فالبيع والرهن جائز إذا قبض . وإذا ارتهن الرجل من الرجل الرهن ، وقبضه لنفسه أو قبضه له غيره بأمره وأمر صاحب الرهن فالرهن جائز ، وإن كان القابض ابن الراهن أو امرأته أو أباه أو من كان من قرابته ، وكذلك لو كان ابن المرتهن أو واحدا ممن سميت أو عبد المرتهن فالرهن جائز فأما عبد الراهن فلا يجوز قبضه للمرتهن ; لأن قبض عبده عنه كقبضه عن نفسه . وإذا رهن الرجل الرجل عبدا فأنفق عليه المرتهن بغير أمر الراهن كان متطوعا . وإن رهنه أرضا من أرض الخراج فالرهن مفسوخ ; لأنها غير مملوكة فإن كان فيها غراس أو بناء للراهن فالغراس والبناء رهن ، وإن أدى عنها الخراج فهو متطوع بأداء الخراج عنها لا يرجع به على الراهن إلا أن يكون دفعه بأمره فيرجع به عليه ، ومثل هذا الرجل يتكارى الأرض من الرجل قد تكاراها فيدفع المكتري الأرض كراءها عن المكتري الأول فإن دفعه بإذنه رجع به عليه ، وإن دفعه بغير إذنه فهو متطوع به ، ولا يرجع به عليه ويجوز الرهن بكل حق لزم صداق أو غيره وبين الذمي والحربي المستأمن والمستأمن والمسلم كما يجوز بين المسلمين لا يختلف ، وإذا كان الرهن بصداق فطلق قبل الدخول بطل نصف الحق والرهن بحاله كما يبطل الحق الذي في الرهن إلا قليلا والرهن بحاله . وإذا ارتهن الرجل من الرجل رهنا بتمر أو حنطة فحل الحق فباع الموضوع على يديه الرهن بتمر أو حنطة فالبيع مردود ، فلا يجوز بيعه إلا بالدنانير أو الدراهم ثم يشترى بها قمح أو تمر فيقضاه صاحب الحق ، ولا يجوز رهن المقارض ; لأن الرهن غير مضمون إلا أن يأذن رب المال للمقارض أن يرهن بدين له معروف ، وكذلك لا يجوز ارتهانه إلا أن يأذن له رب المال أن يبيع بالدين فإذا باع بالدين فالرهن ازدياد له ، ولا يجوز ارتهانه إلا في مال صاحب المال فإن رهن عن غيره فهو ضامن ، ولا يجوز الرهن .
العيب في الرهن .
( قال : الشافعي ) : رحمه الله تعالى : الرهن رهنان فرهن في أصل الحق لا يجب الحق إلا بشرطه وذلك أن يبيع الرجل الرجل البيع على أن يرهنه الرهن يسميانه فإذا كان هكذا فكان بالرهن عيب في بدنه أو عيب في فعله ينقص ثمنه وعلم المرتهن العيب قبل الارتهان فلا خيار له والرهن والبيع ثابتان ، وإن لم يعلمه المرتهن فعلمه بعد البيع فالمرتهن بالخيار بين فسخ البيع ، وإثباته ، وإثبات الرهن للنقص عليه في الرهن كما يكون هذا في البيوع . والعيب الذي يكون له به الخيار كل ما نقص ثمنه من شيء قل أو كثر حتى الأثر الذي لا يضر بعمله والفعل فإذا كان قد علمه فلا خيار له . ولو كان قتل أو ارتد وعلم ذلك [ ص: 155 ] المرتهن ثم ارتهنه كان الرهن ثابتا فإن قتل في يديه فالبيع ثابت ، وقد خرج الرهن من يديه ، وإن لم يقتل فهو رهن بحاله ، وكذلك لو سرق فقطع في يديه كان رهنا بحاله ، ولو كان المرتهن لم يعلم بارتداده ، ولا قتله ، ولا سرقته فارتهنه ثم قتل في يده أو قطع كان له فسخ البيع .
ولو لم يكن الراهن دلس للمرتهن فيه بعيب ودفعه إليه سالما فجنى في يديه جناية أو أصابه عيب في يديه كان على الرهن بحاله ، ولو أنه دلس له فيه بعيب ، وقبضه فمات في يديه موتا قبل أن يختار فسخ البيع لم يكن له أن يختار فسخه لما فات من الرهن ، وليس هذا كما يقتل بحق في يديه أو يقطع في يديه ، وهكذا كل عيب في رهن ما كان حيوان أو غيره . ولو اختلف الراهن والمرتهن في العيب فقال الراهن : رهنتك الرهن ، وهو بريء من العيب ، وقال : المرتهن ما رهنتنيه إلا معيبا فالقول قول الراهن مع يمينه إذا كان العيب مما يحدث مثله ، وعلى المرتهن البينة فإن أقامها فللمرتهن الخيار كما وصفت .
وإذا رهن الرجل الرجل العبد أو غيره على أن يسلفه سلفا فوجد بالرهن عيبا أو لم يجده فسواء ، وله الخيار في أخذ سلفه حالا ، وإن كان سماه مؤجلا ، وليس السلف كالبيع ورهن يتطوع به الراهن وذلك أن يبيع الرجل الرجل البيع إلى أجل بغير شرط رهن فإذا وجب بينهما البيع وتفرقا ثم رهنه الرجل فالرجل متطوع بالرهن فليس للمرتهن إن كان بالرهن عيب ما كان أن يفسخ البيع ; لأن البيع كان تاما بلا رهن ، وله إن شاء أن يفسخ الرهن ، وكذلك له إن شاء لو كان في أصل البيع أن يفسخه ; لأنه كان حقا له فتركه ويجوز رهن العبد المرتد والقاتل والمصيب للحد ; لأن ذلك لا يزيل عنه الرق فإذا قتل فقد خرج من الرهن فإذا ارتد الرجل عن الإسلام ثم رهن عبدا له فمن أجاز بيع المرتد أجاز رهنه ، ومن رد بيعه رد رهنه .
( قال الربيع ) : كان الشافعي يجيز رهن المرتد كما يجوز بيعه .
الرهن يجمع الشيئين المختلفين من ثياب وأرض وبناء وغيره .
( قال : الشافعي ) : رحمه الله تعالى إذا رهن الرجل الرجل أرضه ، ولم يقل ببنائها فالأرض رهن دون البناء ، وكذلك إن رهنه أرضه ، ولم يقل بشجرها فكان فيها شجر مبدد أو غير مبدد فالأرض رهن دون الشجر ، وكذلك لو رهنه شجرا وبين الشجر بياض فالشجر رهن دون البياض ، ولا يدخل في الرهن إلا ما سمي ، وإذا رهنه ثمرا قد خرج من نخلة قبل أن يحل بيعه ونخله معه فقد رهنه نخلا وثمرا معها فهما رهن جائز من قبل أنه يجوز له لو مات الراهن أو كان الحق حالا أن يبيعهما من ساعته . وكذلك لو كان إلى أجل ; لأن الراهن يتطوع ببيعه قبل أن يحل أو يموت فيحل الحق . وإذا كان الحق في هذا الرهن جائزا إلى أجل فبلغت الثمرة وبيعت خير الراهن بين أن يكون ثمنها قصاصا من الحق أو مرهونا مع النخل حتى يحل الحق .
ولو حل الحق فأراد بيع الثمرة قبل أن يبدو صلاحها دون النخل لم يكن له . وكذلك لو أراد قطعها وبيعها لم يكن له إذا لم يأذن له الراهن في ذلك ، ولو رهنه الثمرة دون النخل طلعا أو مؤبرة أو في أي حال قبل أن يبدو صلاحها لم يجز الرهن كان الدين حالا أو مؤجلا إلا أن يتشارطا أن للمرتهن إذا حل حقه قطعها أو بيعها فيجوز الرهن ، وذلك أن المعروف من الثمرة أنها تترك إلى أن تصلح .
ألا ترى { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه } ; لمعرفة الناس أنه يترك حتى يبدو صلاحه ، وأن حلالا أن تباع الثمرة على أن تقطع قبل أن يبدو صلاحها ; لأنه ليس المعنى الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وهكذا كل ثمرة وزرع رهن قبل أن يبدو صلاحه ما لم يجز بيعه فلا يجوز رهنه إلا [ ص: 156 ] على أن يقطع إذا حل الحق فيباع مقطوعا بحاله . وإذا حل بيع الثمر حل رهنه إلى أجل كان الحق أو حالا ، وإذا بلغ ، ولم يحل الحق لم يكن للراهن بيعه إذا كان يبس إلا برضا المرتهن فإذا رضي قيمته رهن إلا أن يتطوع الراهن فيجعله قصاصا ، ولا أجعل دينا إلى أجل حالا أبدا إلا أن يتطوع به صاحب الدين ، وإذا رهنه ثمرة فزيادتها في عظمها وطيبها رهن له ، كما أن زيادة الرهن في يديه رهن له ، فإن كان من الثمن شيء يخرج فرهنه إياه ، وكان يخرج بعده غيره منه فلا يتميز الخارج عن الأول المرهون لم يجز الرهن في الأول ، ولا في الخارج ; لأن الرهن حينئذ ليس بمعروف ، ولا يجوز الرهن فيه حتى يقطع مكانه أو يشترط أنه يقطع في مدة قبل أن تخرج الثمرة التي تخرج بعده أو بعدما تخرج قبل أن يشكل أهي من الرهن الأول أم لا ، فإذا كان هذا جاز .
وإن ترك حتى تخرج بعده ثمرة لا يتميز حتى تعرف ، ففيها قولان . أحدهما : أنه يفسد الرهن كما يفسد البيع ; لأني لا أعرف الرهن من غير الرهن . والثاني : أن الرهن لا يفسد ، والقول قول الراهن في قدر الثمرة المرهونة من المختلطة بها كما لو رهنه حنطة أو تمرا فاختلطت بحنطة للراهن ، أو تمر كان القول قوله في قدر الحنطة التي رهن مع يمينه .
( قال الربيع ) : وللشافعي قول آخر في البيع إنه إذا باعه ثمرا فلم يقبضه حتى حدثت ثمرة أخرى في شجرها لا تتميز الحادثة من المبيع قبلها كان البائع بالخيار بين أن يسلم له الثمرة الحادثة مع المبيع الأول فيكون قد زاده خيرا أو ينقض البيع ; لأنه لا يدري كم باع مما حدث من الثمرة .
والرهن عندي مثله فإن رضي أن يسلم ما زاد مع الرهن الأول لم يفسخ الرهن ، وإذا رهنه زرعا على أن يحصده إذا حل الحق بأي حال ما كان فيبيعه فإن كان الزرع يزيد بأن ينبت منه ما لم يكن نابتا في يده إذا تركه لم يجز الرهن ; لأنه لا يعرف الرهن منه الخارج دون ما يخرج بعده . فإن قال : قائل ما الفرق بين الثمرة تكون طلعا وبلحا صغارا ، ثم تصير رطبا عظاما وبين الزرع ؟ قيل : الثمرة واحدة ، إلا أنها تعظم كما يكبر العبد المرهون بعد الصغر ويسمن بعد الهزال .
وإذا قطعت لم يبق منها شيء يستخلف والزرع يقطع أعلاه ، ويستخلف أسفله ويباع منه شيء قصلة بعد قصلة فالخارج منه غير الرهن ، والزائد في الثمرة من الثمرة ، ولا يجوز أن يباع منه ما يقصل إلا أن يقصل مكانه قصلة ، ثم تباع القصلة الأخرى بيعة أخرى ، وكذلك لا يجوز رهنه إلا كما يجوز بيعه . وإذا رهنه ثمرة فعلى الراهن سقيها وصلاحها وجدادها وتشميسها كما يكون عليه نفقة العبد . وإذا أراد الراهن أن يقطعها قبل أوان قطعها أو أراد المرتهن ذلك منع كل واحد منهما ذلك حتى يجتمعا عليه ، وإذا بلغت إبانها جبر الراهن على قطعها ; لأن ذلك من صلاحها ، وكذلك لو أبى المرتهن جبر ، فإذا صارت تمرا وضعت على يدي الموضوع على يديه الرهن أو غيره فإن أبى العدل الموضوع على يديه بأن يتطوع أن يضعها في منزله إلا بكراء قيل للراهن عليك لها منزل تحرز فيه ; لأن ذلك من صلاحها فإن جئت به ، وإلا يكتري عليك منها .
ولا يجوز أن يرتهن الرجل شيئا لا يحل بيعه حين يرهنه إياه ، وإن كان يأتي عليه مدة يحل بعدها ، وهو مثل أن يرهنه جنين الأمة قبل أن يولد على أنها إذا ولدته كان رهنا ، ومثل أن يرهنه ما ولدت أمته أو ماشيته أو ما أخرجت نخله على أن يقطعه مكانه ، ولا يجوز أن يرهنه ما ليس ملكه له بتام . وذلك مثل أن يرهنه ثمرة قد بدا صلاحها لا يملكها بشراء ، ولا أصول نخلها . وذلك مثل أن يتصدق عليه وعلى قوم بصفاتهم بثمرة نخل ، وذلك أنه قد يحدث في الصدقة معه من ينقص حقه ، ولا يدري كم رهنه .
ولا يجوز أن يرهن الرجل الرجل جلود ميتة لم تدبغ ; لأن ثمنها لا يحل ما لم تدبغ ويجوز أن يرهنه إياها إذا دبغت ; لأن ثمنها بعد دباغها يحل ، ولا يرهنه إياها قبل الدباغ ، ولو رهنه إياها قبل الدباغ ثم دبغها الراهن كانت خارجة من الرهن ; لأن عقدة رهنها كان وبيعها لا يحل .
وإذا [ ص: 157 ] وهب للرجل هبة أو تصدق عليه بصدقة غير محرمة فرهنها قبل أن يقبضها ، ثم قبضها فهي خارجة من الرهن ; لأنه رهنها قبل أن يتم له ملكها فإذا أحدث فيها رهنا بعد القبض جازت ، قال : وإذا أوصى له بعبد بعينه فمات الموصي فرهنه قبل أن تدفعه إليه الورثة فإن كان يخرج من الثلث فالرهن جائز ; لأنه ليس للورثة منعه إياه إذا خرج من الثلث والقبض وغير القبض فيه سواء . وللواهب والمتصدق منعه من الصدقة ما لم يقبض .
وإذا ورث من رجل عبدا ، ولا وارث له غيره فرهنه فالرهن جائز ; لأنه مالك للعبد بالميراث ، وكذلك لو اشتراه فنقد ثمنه ثم رهنه قبل أن يقبضه . وإذا رهن الرجل مكاتبا له فعجز المكاتب قبل الحكم بفسخ الرهن فالرهن مفسوخ ; لأني إنما أنظر إلى عقد الرهن لا إلى الحكم ، وإن اشترى الرجل عبدا على أنه بالخيار ثلاثا فرهنه فالرهن جائز ، وهو قطع لخياره ، وإيجاب للبيع في العبد ، وإذا كان الخيار للبائع أو للبائع والمشتري فرهنه قبل مضي الثلاث ، وقبل اختيار البائع إنفاذ البيع ثم مضت الثلاث أو اختار المشتري إنفاذ البيع فالرهن مفسوخ ; لأنه انعقد ، وملكه على العبد غير تام .
ولو أن رجلين ورثا رجلا ثلاثة أعبد فلم يقتسماهم حتى رهن أحدهما عبدا من العبيد الثلاثة أو عبدين ، ثم قاسم شريكه واستخلص منه العبد الذي رهن أو العبدين ، كانت أنصافهما مرهونة له ; لأن ذلك الذي كان يملك منهما وأنصافهما التي ملك بعد الرهن خارجة من الرهن إلا أن يجدد فيهما رهنا ، ولو استحق صاحب وصية منهما شيئا خرج ما استحق منهما من الرهن وبقي ما لم يستحق من أنصافهما مرهونا ( قال : الربيع ) وفيه قول آخر إنه إذا رهن شيئا له بعضه ولغيره بعضه فالرهن كله مفسوخ ; لأن صفقة الرهن جمعت شيئين ما يملك ، وما لا يملك فلما جمعتهما الصفقة بطلت كلها ، وكذلك في البيع ( قال ) وهذا أشبه بجملة قول الشافعي : ولو أن رجلا له أخ هو وارثه فمات أخوه فرهن داره ، وهو لا يعلم أنه مات ثم قامت البينة بأنه كان ميتا قبل رهن الدار كان الرهن باطلا .
ولا يجوز الرهن حتى يرهنه ، وهو مالك له ويعلم الراهن أنه مالك ، وكذلك لو قال : قد وكلت بشراء هذا العبد فقد رهنتكه إن كان اشتري لي فوجد قد اشتري له لم يكن رهنا ، قال : فإن ارتهن قد علم أنه قد صار له بميراث أو شراء قبل أن يرهنه أحلف الراهن فإن حلف فسخ الرهن ، وإن نكل فحلف المرتهن على ما ادعى ثبت الرهن .
وكذلك لو رأى شخصا لا يثبته فقال إن كان هذا فلانا فقد رهنتكه لم يكن رهنا ، وإن قبضه حتى يجدد له مع القبض أو قبله أو بعده رهنا ، وهكذا إن رأى صندوقا فقال : قد كانت فيه ثياب كذا . الثياب يعرفها الراهن والمرتهن فإن كانت فيه فهي لك رهن فلا تكون رهنا ، وإن كانت فيه ، وكذلك لو كان الصندوق في يدي المرتهن وديعة وفيه ثياب فقال : قد كنت جعلت ثيابي التي كذا في هذا الصندوق فهي رهن ، وإن كانت فيه ثياب غيرها أو ثياب معها فليس برهن فكانت فيه الثياب التي قال : إنها رهن لا غيرها فليست برهن .
وهكذا لو قال : قد رهنتك ما في جرابي وأقبضه إياه والراهن لا يعرفه لم يكن رهنا ، وهكذا إن كان الراهن يعرفه والمرتهن لا يعرفه ، ولا يكون الرهن أبدا إلا ما عرفه الراهن والمرتهن وعلم الراهن أنه ملك له يحل بيعه .
ولا يجوز أن يرهنه ذكر حق له على رجل ; لأن ذكر الحق ليس بشيء يملك إنما هو شهادة على رجل بشيء في ذمته والشيء الذي في ذمته ليس بعين قائمة يجوز رهنها إنما ترهن الأعيان القائمة ثم لا يجوز حتى تكون معلومة عند الراهن والمرتهن مقبوضة . ولو أن رجلا جاءته بضاعة أو ميراث كان غائبا عنه لا يعرف قدره فقبضه له رجل بأمره أو بغير أمره ثم رهنه المالك القابض والمالك لا يعرف قدره لم يجز الرهن ، وإن قبضه المرتهن حتى يكون عالما بما رهنه علم المرتهن . والله أعلم .
الزيادة في الرهن والشرط فيه .
( قال الشافعي ) : رحمه الله وإذا رهن رجل رجلا رهنا ، وقبضه المرتهن ثم أراد أن يرهن ذلك الرهن من غير المرتهن أو فضل ذلك الرهن لم يكن ذلك له ، وإن فعل لم يجز الرهن الآخر ; لأن المرتهن الأول صار يملك أن يمنع رقبته حتى تباع فيستوفي حقه ، ولو رهنه إياه بألف ثم سأل الراهن المرتهن أن يزيده ألفا ويجعل الرهن الأول رهنا بها مع الألف الأولى ففعل لم يجز الرهن الآخر ، وكان مرهونا بالألف الأولى وغير مرهون بالألف الآخرة ; لأنه كان رهنا بكماله بالألف الأولى فلم يستحق بالألف الآخرة من منع رقبته على سيده ، ولا غرمائه إلا ما استحق أولا ، ولا يشبه هذا الرجل يتكارى المنزل سنة بعشرة ثم يتكاراه السنة التي تليها بعشرين ; لأن السنة الأولى غير السنة الآخرة ، ولو انهدم بعد السنة الأولى رجع بالعشرين التي هي حظ السنة الآخرة ، وهذا رهن واحد لا يجوز الرهنان فيه إلا معا لا مفترقين ، ولا أن يرهن مرتين بشيئين مختلفين قبل أن يفسخ كما لا يجوز مرتين أن يتكارى الرجل دارا سنة بعشرة ثم يتكاراها تلك السنة بعينها بعشرين إلا أن يفسخ الكراء الأول ، ولا يبتاعها بمائة ثم يبتاعها بمائتين إلا أن يفسخ البيع الأول ويجدد بيعا فإن أراد أن يصح له الرهن الآخر مع الأول فسخ الرهن الأول وجعل الرهن بألفين .
ولو لم يفسخ الرهن وأشهد المرتهن أن هذا الرهن بيده بألفين جازت الشهادة ، وكان الرهن بألفين إذا لم يعرف كيف كان ذلك فإذا تصادقا بأن هذا رهن ثان بعد الرهن الأول لم يفسخ لما وصفت ، وكان رهنا بالألف ، وكانت الألف الأخرى بغير رهن ، ولو كانت لرجل على رجل ألف درهم فرهنه بها بعد شيئا جاز الرهن ; لأنها كانت غير واجبة عليه ، وكذلك لو زاده ألفا أخرى ورهنه بهما رهنا كان الرهن جائزا ، ولو أعطاه ألفا ورهنه بها ثم قال : له بعد الرهن اجعل لي الألف التي قبل هذا رهنا معها ففعل لم يجز إلا بما وصفت من فسخ الرهن وتجديد رهن بهما معا . ولو كانت لرجل على رجل ألف درهم بلا رهن ثم قال : له زدني ألفا على أن أرهنك بهما معا رهنا يعرفانه ففعل كان الرهن مفسوخا ; لأنه أسلفه الآخرة على زيادة رهن في الأولى ، ولو كان قال : بعني عبدا بألف على أن أعطيك بها وبالألف التي لك علي بلا رهن داري رهنا ففعل كان البيع مفسوخا ، وإذا شرط في الرهن هذا الشرط لم يجز ; لأنها زيادة في سلف أو حصة من بيع مجهولة ، ولو أن رجلا ارتهن من رجل رهنا بألف ، وقبضه ثم زاده رهنا آخر مع رهنه بتلك الألف كان الرهن الأول والآخر جائزا ; لأن الرهن الأول بكماله بالألف والرهن الآخر زيادة معه ، لم تكن للمرتهن حتى جعلها له الراهن فكان جائزا كما جاز أن يكون له حق بلا رهن ثم برهنه به شيئا فيجوز .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|