شرح حديث: (خرجنا مع رسول الله في جنازة ... فجلس وجلسنا حوله ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا هارون بن إسحاق حدثنا أبو خالد الأحمر عن عمرو بن قيس عن المنهال بن عمرو عن زاذان عن البراء رضي الله تعالى عنه قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة، فلما انتهينا إلى القبر، ولم يلحد، فجلس وجلسنا حوله كأن على رءوسنا الطير)].ثم أورد النسائي حديث البراء بن عازب رضي الله عنه، الذي يتعلق بالجلوس عند القبر قبل الدفن، وهو حديث طويل أورده النسائي هنا طرفه الأول، وهو مطول يتعلق ببيان ما يجري في القبر من السؤال، والفتنة، ومن نعيم القبر، وعذابه، وكذلك ما يجري عند نزع الروح من البدن، فيما إذا كانت مؤمنة، وإذا كانت غير ذلك.
فهو حديث طويل، وفي أوله (خرجنا مع النبي عليه الصلاة والسلام فلما انتهينا إلى القبر ولما يلحد)، معناه: أنه بقي شيء في اللحد يحتاج إلى تكميله، (فجلس، وجلسوا معه كأن على رءوسهم الطير)، يعني: من هدوئهم، وسكونهم، ووقارهم؛ لأن هذا التعبير، وهو: كأن على رءوسهم الطير؛ لأن الطير لا يقع إلا على شيء ساكن، وعلى شيء مستقر، فهم بهدوئهم، وسكونهم كأن على رءوسهم الطير، فوعظهم، وذكرهم، وبين ما يجري في القبر، وما يجري عند نزع الروح، وما يجري عند دخول القبر وسؤال الملكين عن أصول الإيمان، وعن أصول الدين الثلاثة التي هي: معرفة العبد ربه، ومعرفة نبيه، ومعرفة دين الإسلام، فيسأل عن ربه، ودينه، ونبيه، وإذا كان موفقاً أجاب، ويفتح له باب من الجنة، فيأتيه من روحها ونعيمها، وإذا كان بخلاف ذلك يكون الأمر بخلاف ذلك والعياذ بالله.
فهو حديث طويل مشتمل على موعظة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه الكرام.
وهو دال على جواز الموعظة عند القبور قبل الدفن، في مثل هذه الحالة وهي: أن يكون الناس بانتظار الدفن، فيحصل التذكير، والوعظ بذلك اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن هذا الحديث دل على ذلك.
تراجم رجال إسناد حديث: (خرجنا مع رسول الله في جنازة ... فجلس وجلسنا حوله ...)
قوله:
[أخبرنا هارون بن إسحاق].صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
[حدثنا أبو خالد الأحمر].
هو سليمان بن حيان الكوفي، وهو صدوق، يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن قيس].
هو عمرو بن قيس الملائي، وهو ثقة، عابد، وقد ذكر في ترجمته أنه كان يبيع الملاء، وهي: العباءات؛ وكان يقول: مساكين أهل السوق، لو أن الواحد منهم إذا كسدت سلعته ذكر الله عز وجل لتمنى يوم القيامة أن يكون أكثر أهل السوق كساداً، يعني: لما يحصل له من ذكر الله عز وجل عند حصول الكساد.
أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن المنهال بن عمرو].
هو المنهال بن عمرو الكوفي، وهو صدوق ربما وهم، وحديثه أخرجه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة، والبخاري روى له حديثاً في تفسير سورة فصلت، أثر طويل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه، وقد ذكره البخاري على طريقة تختلف، أي: أنه ذكر المتن، ثم ذكر الإسناد، وهذا نادر في استعماله؛ لأنه كان يسوق الإسناد، ثم يسوق المتن، لكن كونه يذكر المتن أولاً ثم يذكر الإسناد آخراً هذا من أندر النوادر عند البخاري رحمه الله، والمنهال بن عمرو جاء في إسناد ذلك الحديث، أو ذلك الأثر عن ابن عباس في تفسير سورة فصلت.
[عن زاذان].
هو أبو عمرو الكندي، وهو صدوق، يرسل، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن البراء].
هو البراء بن عازب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
مواراة الشهيد في دمه
شرح حديث: (زملوهم بدمائهم ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [مواراة الشهيد في دمه. أخبرنا هناد عن ابن المبارك عن معمر عن الزهري عن عبد الله بن ثعلبة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقتلى أحد: (زملوهم بدمائهم، فإنه ليس كلم يكلم في الله إلا يأتي يوم القيامة يدمى، لونه لون الدم، وريحه ريح المسك)].
ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي: مواراة الشهيد في دمه، يعني: بثيابه الملطخة بدمه فلا يغسل، بل يبقى دمه، حتى يأتي يوم القيامة على الوصف الذي بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أورد النسائي حديث عبد الله بن ثعلبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قتلى أحد: [(زملوهم بدمائهم)] أي: لفوهم بها بدمائهم أي: الملطخة بالدماء، ثيابهم الملطخة بالدماء.
قوله: [(فإنه ليس كلم يكلم في الله)].
يعني: جرح، والكلم هو: الجرح، (فليس كلم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة اللون لون الدم)، والريح ريح المسك، وهي علامة على عمل صاحبه، أي: ذلك الشهيد الذي استشهد في سبيل الله، يأتي يوم القيامة ودمه شاهداً على ذلك العمل الجليل له، ويقال للجرح كلم، ويقال عن خطورة اللسان، وما يحصل بسببه من الأذى الشديد يقول: كلم اللسان أنكى من كلم السنان، يعني: الجرح الذي يحصل عن طريق اللسان أشد من الجرح الذي يحصل عن طريق السنان، يعني: السلاح، وهذا فيه بيان خطورة الأذى باللسان، وما يحصل به من الأذى، وما يحصل به من الجرح لمن يؤذى، وأن مضرته أشد من مضرة من يكلم أي: يجرح بدنه.
تراجم رجال إسناد حديث: (زملوهم بدمائهم ...)
قوله:
[أخبرنا هناد].هو ابن السري أبو السري الكوفي وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن ابن المبارك].
هو عبد الله بن المبارك، وقد مر ذكره قريباً.
[عن معمر].
هو معمر بن راشد الأزدي البصري، نزيل اليمن، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وهو ثقة، فقيه، مكثر من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من صغار التابعين الذين رأوا صغار الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن ثعلبة].
هو عبد الله بن ثعلبة رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه البخاري، وأبو داود، والنسائي.
وقال الحافظ في التقريب: له رؤية، ولم يثبت له سماع، لكن كما هو معلوم: الحديث معناه جاء في أحاديث كثيرة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.