عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 01-06-2022, 09:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,562
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد





تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثالث
سُورَةُ الانعام
الحلقة (206)
صــ71 إلى صــ 76



[ ص: 71 ] والثاني: أنه اسم صنم ، فأما اسم أبي إبراهيم ، فتارح ، قاله مجاهد . فيكون المعنى: أتتخذ آزر أصناما؟ فكأنه جعل أصناما بدلا من آزر ، والاستفهام معناه الإنكار .

والثالث: أنه ليس باسم ، إنما هو سب بعيب ، وفي معناه قولان . أحدهما: أنه المعوج ، كأنه عابه نريغه وتعويجه عن الحق ، ذكره الفراء . والثاني: أنه المخطئ ، فكأنه قال: يا مخطئ أتتخذ أصناما؟ ذكره الزجاج .

والرابع: أنه لقب لأبيه ، وليس باسمه ، قاله مقاتل بن حيان . قال ابن الأنباري: قد يغلب على اسم الرجل لقبه ، حتى يكون به أشهر منه باسمه . والجمهور على قراءة "آزر" بالنصب . وقرأ الحسن ، ويعقوب بالرفع . قال الزجاج : من نصب فموضع "آزر" خفض بدلا من أبيه; ومن رفع فعلى النداء .
وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين

قوله تعالى: وكذلك نري إبراهيم أي: وكما أريناه البصيرة في دينه ، والحق في خلاف قومه ، نريه ملكوت السماوات والأرض . وقيل "نري" بمعنى أرينا . قال الزجاج : والملكوت بمنزلة الملك ، إلا أن الملكوت أبلغ في اللغة ، لأن الواو والتاء يزادان للمبالغة; ومثل الملكوت: الرغبوت والرهبوت . قال مجاهد: ملكوت السماوات والأرض: آياتها; تفرجت له السماوات السبع ، حتى العرش ، فنظر فيهن ، وتفرجت به الأرضون السبع ، فنظر فيهن وقال قتادة: ملكوت السماوات: الشمس والقمر والنجوم ، وملكوت الأرض:الجبال والشجر والبحار . وقال السدي: أقيم على صخرة ، وفتحت له السماوات والأرض ، فنظر إلى ملك الله عز وجل ، حتى نظر إلى العرش ، وإلى منزله من الجنة ، وفتحت له الأرضون السبع ، حتى نظر إلى الصخرة التي عليها الأرضون . [ ص: 72 ] قوله تعالى: وليكون من الموقنين هذا عطف على المعنى ، لأن معنى الآية: نريه ملكوت السماوات والأرض ليستدل به ، وليكون من الموقنين . وفي ما يوقن به ثلاثة أقوال .

أحدها: وحدانية الله وقدرته . والثاني: نبوته ورسالته . والثالث: ليكون موقنا بعلم كل شيء حسا لا خبرا .
فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين

قوله تعالى: فلما جن عليه الليل الله قال الزجاج : يقال جن عليه الليل ، وأجنه الليل: إذا أظلم ، حتى يستر بظلمته; ويقال لكل ما ستر: جن ، وأجن والاختيار أن يقال جن عليه الليل وأجنه الليل .

الإشارة إلى بدء قصة إبراهيم عليه السلام

روى أبو صالح عن ابن عباس قال: ولد إبراهيم في زمن نمروذ ، وكان ، لنمروذ كهان ، فقالوا له: يولد في هذه السنة مولود يفسد آلهة أهل الأرض ، ويدعوهم إلى غير دينهم ، ويكون هلاك أهل بيتك على يده ، فعزل النساء عن الرجال ، ودخل آزر إلى بيته ، فوقع على زوجته ، فحملت فقال الكهان لنمروذ: إن الغلام قد حمل به الليلة . فقال: كل من ولدت غلاما فاقتلوه . فلما أخذ أم إبراهيم المخاض ، خرجت هاربة ، فوضعته في نهر يابس ، ولفته في خرقة ، ثم وضعته في حلفاء ، وأخبرت به أباه ، فأتاه ، فحفر له سربا ، وسد عليه بصخرة ، [ ص: 73 ] وكانت أمه تختلف إليه فترضعه ، حتى شب وتكلم ، فقال لأمه: من ربي؟ فقالت: أنا . قال: فمن ربك؟ قالت: أبوك . قال: فمن رب أبي؟ قالت: اسكت . فسكت ، فرجعت إلى زوجها ، فقالت: إن الغلام الذي كنا نتحدث أنه يغير دين أهل الأرض ، ابنك . فأتاه ، فقال له مثل ذلك . فلما جن عليه الليل ، دنا من باب السرب ، فنظر فرأى كوكبا . قرأ ابن كثير ، وحفص عن عاصم "رأى" بفتح الراء والهمزة; وقرأ أبو عمرو: "رأى"; بفتح الراء وكسر الهمزة ، وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم . "رأى" ، بكسر الراء والهمزة ، واختلفوا فيها إذا لقيها ساكن ، وهو آت في ستة مواضع: رأى القمر فلما رأى الشمس وفي النحل وإذا رأى الذين ظلموا [النحل:85] وإذا رأى الذين أشركوا [النحل:86] وفي الكهف: ورأى المجرمون النار [الكهف:53] وفي الأحزاب: ولما رأى المؤمنون [الأحزاب:22] .

وقرأ أبو بكر عن عاصم ، وحمزة إلا العبسي ، وخلف في اختياره: بكسر الراء وفتح الهمزة في الكل ، وروى العبسي كسرة الهمزة ، أيضا وقرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو; وابن عامر ، والكسائي: بفتح الراء والهمزة .

فإن اتصل ذلك بمكنى ، نحو: رآك ، ورآه ورآها; فإن حمزة ، والكسائي ، وخلف ، والوليد عن ابن عامر ، والمفضل ، وأبان والقزاز عن عبد الوارث ، والكسائي عن أبي بكر: يكسرون الراء ، ويميلون الهمزة .

وفي الكوكب الذي رآه قولان .

أحدهما: أنه الزهرة ، قاله ابن عباس ، وقتادة . والثاني: المشترى ، قاله مجاهد ، والسدي .

قوله تعالى: قال هذا ربي فيه ثلاثة أقوال .

[ ص: 74 ] أحدها: أنه على ظاهره . روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ، قال: هذا ربي ، فعبده حتى غاب ، وعبد القمر حتى غاب ، وعبد الشمس حتى غابت; واحتج أرباب هذا القول بقوله: لئن لم يهدني ربي وهذا يدل على نوع تحيير ، قالوا: وإنما قال هذا في حال طفولته على ما سبق إلى وهمه ، قبل أن يثبت عنده دليل .

وهذا القول لا يرتضى ، والمتأهلون للنبوة محفوظون من مثل هذا على كل حال .

فأما قوله: لئن لم يهدني ربي فما زال الأنبياء يسألون الهدى ، ويتضرعون في دفع الضلال عنهم ، كقوله: واجنبني وبني أن نعبد الأصنام [إبراهيم:35] ولأنه قد آتاه رشده من قبل ، وأراه ملكوت السماوات والأرض ليكون موقنا ، فكيف لا يعصمه عن مثل هذا التخيير؟!

والثاني: أنه قال ذلك استدراجا للحجة ، ليعيب آلهتهم ويريهم بغضها عند أفولها ، ولا بد أن يضمر في نفسه: إما على زعمكم ، أو فيما تظنون ، فيكون كقوله: " أين شركائي " ، وإما أن يضمر: يقولون ، فيكون كقوله: ربنا تقبل منا [البقرة:127] أي: يقولان ذلك ، ذكر نحو هذا أبو بكر بن الأنباري ، ويكون مراده استدراج الحجة عليهم ، كما نقل عن بعض الحكماء أنه نزل بقوم يعبدون صنما ، فأظهر تعظيمه ، فأكرموه ، وصدروا عن رأيه ، فدهمهم عدو ، فشاورهم ملكهم ، فقال: ندعو إلهنا ليكشف ما بنا ، فاجتمعوا يدعونه ، فلم ينفع ، فقال هاهنا إله ندعوه ، فيستجيب ، فدعوا الله ، فصرف عنهم ما يحذرون ، وأسلموا .

والثالث: أنه قال مستفهما ، تقديره: أهذا ربي؟ فأضمرت ألف الاستفهام ، كقوله: أفإن مت فهم الخالدون [الأنبياء:34]؟ أي: أفهم الخالدون؟ قال الشاعر: [ ص: 75 ]


كذبتك عينك أم رأيت بواسط غلس الظلام من الرباب خيالا


أراد: أكذبتك؟ قال ابن الأنباري: وهذا القول شاذ ، لأن حرف الاستفهام لا يضمر إذ كان فارقا بين الإخبار والاستخبار; وظاهر قوله: هذا ربي أنه إشارة إلى الصانع . وقال الزجاج : كانوا أصحاب نجوم ، فقال: هذا ربي ، أي: هذا الذي يدبرني ، فاحتج عليهم أن هذا الذي تزعمون أنه مدبر ، لا نرى فيه إلا أثر مدبر و"أفل" بمعنى: غاب; يقال: أفل النجم يأفل ويأفل أفولا

قوله تعالى: لا أحب الآفلين أي: حب رب معبود ، لأن ما ظهر وأفل كان حادثا مدبرا .
فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون

قوله تعالى: فلما رأى القمر قال ابن قتيبة: سمي القمر قمرا لبياضه; والأقمر: الأبيض; وليلة قمراء ، أي: مضيئة . فأما البازغ ، فهو الطالع . ومعنى لئن لم يهدني : لئن لم يثبتني على الهدى . فإن قيل: لم قال في الشمس: هذا ، ولم يقل: هذه؟ فعنه أربعة أجوبة .

أحدها: أنه رأى ضوء الشمس ، لا عينها ، قاله محمد بن مقاتل . والثاني: [ ص: 76 ] أنه أراد: هذا الطالع ربي ، قاله الأخفش . والثالث: أن الشمس بمعنى الضياء والنور ، فحمل الكلام على المعنى . والرابع: أن الشمس ليس في لفظها علامة من علامات التأنيث ، وإنما يشبه لفظها لفظ المذكر ، فجاز تذكيرها . ذكره والذي قبله ابن الأنباري .

إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هداني ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون

قوله تعالى: إني وجهت وجهي قال الزجاج : جعلت قصدي بعبادتي وتوحيدي لله رب العالمين عز وجل . وباقي الآية قد تقدم .

و قوله تعالى: وحاجه قومه قال ابن عباس : جادلوه في آلهتهم ، وخوفوه بها ، فقال منكرا عليهم: أتحاجوني . قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي: " أتحاجوني " و " تأمروني " [الزمر:64] بتشديد النون . وقرأ نافع ، وابن عامر بتخفيفها ، فحذفا النون الثانية لالتقاء النونين . ومعنى أتحاجوني في الله أي: في توحيده . وقد هداني ، أي: بين لي ما به اهتديت . وقرأ الكسائي: "هداني" بإمالة الدال . والإمالة حسنة فيما كان أصله الياء ، وهذا من هدى يهدي .

قوله تعالى: ولا أخاف ما تشركون به أي: لا أرهب آلهتكم ، وذلك أنهم قالوا: نخاف أن تمسك آلهتنا بسوء ، فقال: لا أخافها لأنها لا تضر ولا تنفع إلا أن يشاء ربي شيئا فله أخاف وسع ربي كل شيء علما أي: علمه علما تاما .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 41.26 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 40.63 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.52%)]