عرض مشاركة واحدة
  #293  
قديم 31-05-2022, 08:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,551
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الرابع
الحلقة (291)

سُورَةُ طه
صـ 124 إلى صـ 130







قال البخاري في صحيحه : حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا هشام بن يوسف ، حدثنا معمر عن الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر رضي الله عنهما : أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب على المنبر يقول : " اقتلوا الحيات واقتلوا ذا الطفيتين ، والأبتر . فإنهما يطمسان البصر ، ويستسقطان الحبل " قال عبد الله : فبينا أنا أطارد حية لأقتلها فناداني أبو لبابة : لا تقتلها . فقلت إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أمر بقتل الحيات ؟ فقال : إنه نهى بعد ذلك عن ذوات البيوت ، وهي العوامر . وقال عبد الرزاق عن معمر : فرآني أبو لبابة أو زيد بن [ ص: 124 ] الخطاب ، وتابعه يونس ، وابن عيينة وإسحاق الكلبي ، والزبيدي ، وقال صالح ، وابن أبي حفصة ، وابن مجمع ، عن الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر : فرآني أبو لبابة وزيد بن الخطاب ا ه من صحيح البخاري رحمه الله تعالى . وقال مسلم بن الحجاج في صحيحه : وحدثني عمرو بن محمد الناقد ، حدثنا سفيان بن أبي عيينة عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " اقتلوا الحيات وذا الطفيتين ، والأبتر ، فإنهما يستسقطان الحبل ويلتمسان البصر " قال : فكان ابن عمر يقتل كل حية وجدها . فأبصره أبو لبابة بن عبد المنذر ، أو زيد بن الخطاب وهو يطارد حية فقال : إنه قد نهى عن ذوات البيوت . ثم ذكره من طرق متعددة . وفي كلها التصريح بالنهي عن قتل جنان البيوت يعني إلا بعد الإنذار ثلاثا . وعن مالك : يقتل ما وجد منها بالمساجد . وقوله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث " وذا الطفيتين " هو بضم الطاء المهملة وإسكان الفاء بعدها ياء . وأصل الطفية خوصة المقل وهو شجر الدوم . وقيل : المقل ثمر شجر الدوم . وجمعها طفى بضم ففتح على القياس . والمراد بالطفيتين في الحديث : خطان أبيضان . وقيل : أسودان على ظهر الحية المذكورة ، يشبهان في صورتها خوص المقل المذكور . والأبتر : قصير الذنب من الحيات : وقال النضر بن شميل : هو صنف من الحيات أزرق مقطوع الذنب ، لا تنظر إليه حامل إلا ألقت ما في بطنها . وقال الداودي : هو الأفعى التي تكون قدر شبر أو أكثر قليلا وقوله في هذا الحديث : " يستسقطان الحبل " معناه أن المرأة الحامل إذا نظرت إليهما وخافت أسقطت جنينها غالبا . وقد ذكر مسلم عن الزهري ما يدل على أن إسقاط الحبل المذكور خاصية فيهما من سمهما . والأظهر في معنى " يلتمسان البصر " أن الله جعل فيهما من شدة سمهما خاصية يخطفان بها البصر ، ويطمسانه بها بمجرد نظرهما إليه . والقول : بأن معناه أنهما يقصدان البصر باللسع ، والنهش ضعيف . والعلم عند الله تعالى .

وقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتفق عليه : " اقتلوا الحيات " يدل على وجوب قتلها . لما قدمنا من أن صيغة الأمر المجردة عن القرائن تدل على الوجوب .

والجمهور على أن الأمر بذلك القتل المذكور للندب ، والاستحباب ، والله تعالى أعلم .

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : بعضكم لبعض عدو [ 20 \ 123 ] ، على ما ذكرنا أنه الأظهر . فالمعنى : أن بعض بني آدم عدو لبعضهم . كما قال تعالى : أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض [ 6 \ 65 ] ، ونحوها من الآيات . وعلى أن المراد [ ص: 125 ] بقوله اهبطا آدم وإبليس ، فالمعنى أن إبليس وذريته أعداء لآدم وذريته . كما قال تعالى : أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو [ 18 \ 50 ] ، ونحوها من الآيات .

والظاهر أن ما ذكره القرطبي : من إحراق الحية بالنار لم يثبت ، وأنه لا ينبغي أن يعذب بعذاب الله ، فلا ينبغي أن تقتل بالنار ، والله أعلم .

فإن قيل : الحديث المذكور يدل على أن ذا الطفيتين غير الأبتر لعطفه عليه في الحديث ، ورواية البخاري التي قدمنا عن أبي لبابة : " لا تقتلوا الجنان إلا كل أبتر ذي طفيتين " يقتضي أنهما واحد ؟ فالجواب : أن ابن حجر في الفتح أجاب عن هذا . بأن الرواية المذكورة ظاهرها اتحادهما ، ولكنها لا تنفي المغايرة ا ه . والظاهر أن مراده بأنها لا تنفي المغايرة : أن الأبتر وإن كان ذا طفيتين فلا ينافي وجود ذي طفيتين غير الأبتر . والله تعالى أعلم .
قوله تعالى : فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى

.

الظاهر أن الخطاب لبني آدم . أي : فإن يأتكم مني هدى أي : رسول أرسله إليكم ، وكتاب يأتي به رسول ، فمن اتبع منكم هداي أي : من آمن برسلي وصدق بكتبي ، وامتثل ما أمرت به ، واجتنب ما نهيت عنه على ألسنة رسلي . فإنه لا يضل في الدنيا ، أي : لا يزيغ عن طريق الحق لاستمساكه بالعروة الوثقى ، ولا يشقى في الآخرة لأنه كان في الدنيا عاملا بما يستوجب السعادة من طاعة الله تعالى وطاعة رسله . وهذا المعنى المذكور هنا ذكر في غير هذا الموضع . كقوله في " البقرة " : فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون [ الآية 38 ] ، ونحو ذلك من الآيات . وفي هذه الآيات دليل على أن الله بعد أن أخرج أبوينا من الجنة لا يرد إليهما أحدا منا إلا بعد الابتلاء ، والامتحان بالتكاليف من الأوامر ، والنواهي ، ثم يطيع الله فيما ابتلاه به . كما تقدمت الإشارة إليه في سورة " البقرة " .
قوله تعالى : ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا

.

قد قدمنا في سورة " الكهف " في الكلام على قوله : ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها الآية [ 13 \ 57 ] الآيات الموضحة نتائج الإعراض عن ذكر الله تعالى الوخيمة . فأغنى ذلك عن إعادته هنا . وقد قدمنا هناك أن منها المعيشة الضنك . واعلم [ ص: 126 ] أن الضنك في اللغة : الضيق . ومنه قول عنترة :


إن يلحقوا أكرر وإن يستلحموا أشدد وإن يلفوا بضنك أنزل


وقوله أيضا :


إن المنية لو تمثل مثلت مثلي إذا نزلوا بضنك المنزل


وأصل الضنك مصدر وصف به ، فيستوي فيه المذكر ، والمؤنث ، والمفرد ، والجمع . وبه تعلم أن معنى قوله معيشة ضنكا أي : عيشا ضيقا ، والعياذ بالله تعالى .

واختلف العلماء في المراد بهذا العيش الضيق على أقوال متقاربة ، لا يكذب بعضها بعضا . وقد قدمنا مرارا : أن الأولى في مثل ذلك شمول الآية لجميع الأقوال المذكورة . ومن الأقوال في ذلك : أن معنى ذلك أن الله عز وجل جعل مع الدين التسليم ، والقناعة ، والتوكل على الله ، والرضا بقسمته فصاحبه ينفق مما رزقه الله بسماح وسهولة ، فيعيش عيشا هنيئا . ومما يدل على هذا المعنى من القرآن قوله تعالى : من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة الآية [ 16 \ 97 ] وقوله تعالى : وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى الآية [ 11 \ 3 ] كما تقدم إيضاح ذلك كله .

وأما المعرض عن الدين فإنه يستولي عليه الحرص الذي لا يزال يطمح به إلى الازدياد من الدنيا مسلط عليه الشح الذي يقبض يده عن الإنفاق ، فعيشه ضنك ، وحاله مظلمة . ومن الكفرة من ضرب الله عليه الذلة ، والمسكنة بسبب كفره ، كما قال تعالى : وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله الآيات [ 2 \ 61 ] . وذلك من العيش الضنك بسبب الإعراض عن ذكر الله . وبين في مواضع أخر أنهم لو تركوا الإعراض عن ذكر الله فأطاعوه تعالى أن عيشهم يصير واسعا رغدا لا ضنكا ، كقوله تعالى : ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم الآية [ 5 \ 66 ] وقوله تعالى : ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض الآية [ 7 \ 96 ] وكقوله تعالى عن نوح : فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا [ 71 \ 10 - 12 ] ، وقوله تعالى عن هود : ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم الآية [ 11 \ 52 ] [ ص: 127 ] وقوله تعالى : وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا لنفتنهم فيه الآية [ 72 \ 16 - 17 ] إلى غير ذلك من الآيات .

وعن الحسن أن المعيشة الضنك : هي طعام الضريع ، والزقوم يوم القيامة وذلك مذكور في آيات من كتاب الله تعالى ، كقوله : ليس لهم طعام إلا من ضريع الآية [ 88 \ 6 ] وقوله : إن شجرة الزقوم طعام الأثيم الآية [ 44 \ 43 - 44 ] ونحو ذلك من الآيات . وعن عكرمة ، والضحاك ومالك بن دينار : المعيشة الضنك : الكسب الحرام ، والعمل السيئ . وعن أبي سعيد الخدري وعبد الله بن مسعود وأبي هريرة : المعيشة الضنك : عذاب القبر وضغطته . وقد أشار تعالى إلى فتنة القبر وعذابه في قوله يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء [ 14 \ 27 ] ، .

قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : قد جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي هريرة : أن المعيشة الضنك في الآية : عذاب القبر . وبعض طرقه بإسناد جيد كما قاله ابن كثير في تفسير هذه الآية . ولا ينافي ذلك شمول المعيشة الضنك لمعيشته في الدنيا . وطعام الضريع ، والزقوم . فتكون معيشته ضنكا في الدنيا ، والبرزخ ، والآخرة ، والعياذ بالله تعالى .
قوله تعالى : ونحشره يوم القيامة أعمى .

ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أن من أعرض عن ذكره يحشره يوم القيامة في حال كونه أعمى . قال مجاهد ، وأبو صالح ، والسدي : أعمى أي : لا حجة له . وقال عكرمة : عمي عليه كل شيء إلا جهنم . وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك : أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يقول بعض العلماء في الآية قولا ، ويكون في نفس الآية قرينة تدل على خلاف ذلك القول . وقد ذكرنا أمثلة متعددة لذلك . فإذا علمت ذلك فاعلم أن في هذه الآية الكريمة قرينة دالة على خلاف قول مجاهد وأبي صالح ، وعكرمة . وأن المراد بقوله أعمى أي : أعمى البصر لا يرى شيئا . والقرينة المذكورة هي قوله تعالى : قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا [ 20 \ 125 ] ، فصرح بأن عماه هو العمى المقابل للبصر وهو بصر العين ، لأن الكافر كان في الدنيا أعمى القلب كما دلت على ذلك آيات كثيرة من كتاب الله ، وقد زاد جل وعلا في سورة " بني إسرائيل " أنه مع ذلك العمى يحشر أصم أبكم أيضا ، وذلك في قوله تعالى : [ ص: 128 ] ومن يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا [ 17 \ 97 ] .
تنبيه

في آية " طه " هذه وآية " الإسراء " المذكورتين إشكال معروف . وهو أن يقال : إنهما قد دلتا على أن الكافر يحشر يوم القيامة أعمى ، وزادت آية " الإسراء " أنه يحشر أبكم أصم أيضا ، مع أنه دلت آيات من كتاب الله على أن الكفار يوم القيامة يبصرون ويسمعون ويتكلمون . كقوله تعالى : أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا الآية [ 19 \ 38 ] وقوله تعالى : ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها الآية [ 18 \ 53 ] وقوله تعالى : ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا الآية [ 32 \ 12 ] إلى غير ذلك من الآيات . وقد ذكرنا في كتابنا ( دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب ) الجواب عن هذا الإشكال من ثلاثة أوجه :

الوجه الأول : واستظهره أبو حيان أن المراد بما ذكر من العمى ، والصمم ، والبكم حقيقته . ويكون ذلك في مبدأ الأمر ثم يرد الله تعالى إليهم أبصارهم ونطقهم وسمعهم فيرون النار ويسمعون زفيرها ، وينطقون بما حكى الله تعالى عنهم في غير موضع . الوجه الثاني : أنهم لا يرون شيئا يسرهم ، ولا يسمعون كذلك ، ولا ينطقون بحجة ، كما أنهم كانوا في الدنيا لا يستبصرون ، ولا ينطقون بالحق ، ولا يسمعونه . وأخرج ذلك ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس وروي أيضا عن الحسن كما ذكره الألوسي ، وغيره . وعلى هذا القول فقد نزل ما يقولونه ويسمعونه ويبصرونه منزلة العدم لعدم الانتفاع به . كما أوضحنا في غير هذا الموضع . ومن المعلوم أن العرب تطلق لا شيء على ما لا نفع فيه . ألا ترى أن الله يقول في المنافقين : صم بكم عمي الآية [ 2 \ 18 ] مع أنه يقول فيهم : فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد [ 33 \ 19 ] ، ويقول فيهم : وإن يقولوا تسمع لقولهم [ 63 \ 4 ] ، أي : لفصاحتهم وحلاوة ألسنتهم . ويقول فيهم : ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم [ 2 \ 20 ] ، وما ذلك إلا لأن الكلام ونحوه الذي لا فائدة فيه كلا شيء : فيصدق على صاحبه أنه أعمى وأصم وأبكم ، ومن ذلك قول قعنب بن أم صاحب :


صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا


[ ص: 129 ] وقول الآخر :


أصم عن الأمر الذي لا أريده وأسمع خلق الله حين أريد
وقول الآخر :


قل ما بدا لك من زور ومن كذب حلمي أصم وأذني غير صماء
ونظائر هذا كثيرة في كلام العرب من إطلاق الصمم على السماع الذي لا فائدة فيه . وكذلك الكلام الذي لا فائدة فيه ، والرؤية التي لا فائدة فيها .

الوجه الثالث : أن الله إذا قال لهم : اخسئوا فيها ولا تكلمون [ 23 \ 108 ] وقع بهم ذلك العمى ، والصمم ، والبكم من شدة الكرب ، واليأس من الفرج ، قال تعالى : ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون [ 27 \ 85 ] ، وعلى هذا القول تكون الأحوال الخمسة مقدرة ، أعني قوله في " طه " : ونحشره يوم القيامة أعمى [ 20 \ 125 ] ، وقوله فيها : لم حشرتني أعمى وقوله في " الإسراء : ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما [ 17 \ 97 ] ، وأظهرها عندي الأول ، والله تعالى أعلم .

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : فنسيتها وكذلك اليوم تنسى [ 20 \ 126 ] من النسيان بمعنى الترك عمدا كما قدمنا الآيات الموضحة له في هذه السورة الكريمة في الكلام على قوله : فنسي ولم نجد له عزما . [ 20 \ 115 ] .
قوله تعالى : وكذلك نجزي من أسرف .

ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة أنه يجازي المسرفين ذلك الجزاء المذكور . وقد دل مسلك الإيماء والتنبيه على أن ذلك الجزاء لعلة إسرافهم على أنفسهم في الطغيان والمعاصي ، وبين في غير هذا الموضع أن جزاء الإسراف النار ، وذلك في قوله تعالى : وأن المسرفين هم أصحاب النار [ 40 \ 43 ] ، وبين في موضع آخر أن محل ذلك إذا لم ينيبوا إلى الله ويتوبوا إليه ، وذلك في قوله : قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إلى قوله : وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب الآية [ 39 \ 52 - 54 ] .
قوله تعالى : ولعذاب الآخرة أشد وأبقى .

[ ص: 130 ] ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة أن عذاب الآخرة أشد وأبقى . أي : أشد ألما وأدوم من عذاب الدنيا ، ومن المعيشة الضنك التي هي عذاب القبر . وقد أوضح هذا المعنى في غير هذا الموضع . كقوله تعالى : ولعذاب الآخرة أشق وما لهم من الله من واق [ 13 ] ، وقوله تعالى ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون [ 41 \ 16 ] ، وقوله تعالى : ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون [ 68 \ 33 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .
قوله تعالى : أفلم يهد لهم . تقدم بعض الآيات الموضحة له في سورة " مريم " وسيأتي له بعد هذا إن شاء الله زيادة إيضاح .
قوله تعالى : وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه أولم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى .

أظهر الأقوال عندي في معنى هذه الآية الكريمة أن الكفار اقترحوا - على عادتهم في التعنت - آية على النبوة كالعصا واليد من آيات موسى ، وكناقة صالح ، واقتراحهم لذلك بحرف التحضيض الدال على شدة الحض في طلب ذلك في قوله : لولا يأتينا [ 20 \ 138 ] ، أي : هلا يأتينا محمد بآية : كناقة صالح ، وعصا موسى ، أي : نطلب ذلك منه بحض وحث . فأجابهم الله بقوله : أولم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى [ 20 \ 133 ] وهي هذا القرآن العظيم ؛ لأنه آية هي أعظم الآيات وأدلها على الإعجاز . وإنما عبر عن هذا القرآن العظيم بأنه بينة ما في الصحف الأولى ؛ لأن القرآن برهان قاطع على صحة جميع الكتب المنزلة من الله تعالى ، فهو بينة واضحة على صدقها وصحتها : كما قال تعالى : وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه [ 5 \ 48 ] وقال تعالى : إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون [ 27 ] وقال تعالى : قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين [ 3 \ 93 ] إلى غير ذلك من الآيات .

وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية على هذا التفسير الذي هو الأظهر أوضحه - جل وعلا - في سورة " العنكبوت " في قوله تعالى : وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون [ 29

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 48.69 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 48.06 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.29%)]