عرض مشاركة واحدة
  #150  
قديم 28-05-2022, 08:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,234
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(136)
الحلقة (150)
صــ 340إلى صــ 345

وقال بعضهم : "بئسما " شيء واحد يرافع ما بعده كما حكي عن العرب : [ ص: 340 ] " بئسما تزويج ولا مهر " فرافع "تزويج " "بئسما " ، كما يقال : "بئسما زيد ، وبئس ما عمرو " ، فيكون "بئسما " رفعا بما عاد عليها من "الهاء" . كأنك قلت : بئس شيء الشيء اشتروا به أنفسهم ، وتكون "أن " مترجمة عن "بئسما " .

وأولى هذه الأقوال بالصواب ، قول من جعل "بئسما " مرفوعا بالراجع من "الهاء " في قوله : ( اشتروا به ) ، كما رفعوا ذلك ب "عبد الله " إذ قالوا : "بئسما عبد الله " ، وجعل "أن يكفروا " مترجمة عن "بئسما " . فيكون معنى الكلام حينئذ : بئس الشيء باع اليهود به أنفسهم ، كفرهم بما أنزل الله بغيا وحسدا أن ينزل الله من فضله ، وتكون "أن " التي في قوله : "أن ينزل الله " ، في موضع نصب؛ لأنه يعني به "أن يكفروا بما أنزل الله " من أجل أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده . موضع "أن " جزاء . وكان بعض أهل العربية من الكوفيين يزعم أن "أن " في موضع خفض بنية "الباء " ، وإنما اخترنا فيها النصب لتمام الخبر قبلها ، ولا خافض معها يخفضها . والحرف الخافض لا يخفض مضمرا .

وأما قوله : ( اشتروا به أنفسهم ) ، فإنه يعني به : باعوا أنفسهم كما : -

1534 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ( بئسما اشتروا به أنفسهم ) ، يقول : باعوا أنفسهم "أن يكفروا بما أنزل الله بغيا " .

1535 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسن قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال مجاهد : ( بئسما اشتروا به أنفسهم ) ، يهود ، شروا الحق [ ص: 341 ] بالباطل ، وكتمان ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم بأن يبينوه .

قال أبو جعفر : والعرب تقول : "شريته " ، بمعنى بعته ، و"اشتروا " ، في هذا الموضع ، "افتعلوا " من "شريت " . وكلام العرب - فيما بلغنا - أن يقولوا : "شريت " بمعنى : بعت ، و"اشتريت " بمعنى : ابتعت ، وقيل : إنما سمي "الشاري " ، "شاريا " ، لأنه باع نفسه ودنياه بآخرته .

ومن ذلك قول يزيد بن مفرغ الحميري :


وشريت بردا ليتني من قبل برد كنت هامه


ومنه قول المسيب بن علس :


يعطى بها ثمنا فيمنعها ويقول صاحبها ألا تشري؟
[ ص: 342 ]

يعني به : بعت بردا . وربما استعمل "اشتريت " بمعنى : بعت ، و"شريت " في معنى : "ابتعت " . والكلام المستفيض فيهم هو ما وصفت .

وأما معنى قوله : ( بغيا ) ، فإنه يعني به : تعديا وحسدا ، كما : -

1536 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة : ( بغيا ) ، قال : أي حسدا ، وهم اليهود .

1537 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ( بغيا ) ، قال : بغوا على محمد صلى الله عليه وسلم وحسدوه ، وقالوا : إنما كانت الرسل من بني إسرائيل ، فما بال هذا من بني إسماعيل؟*! فحسدوه أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده .

1538 - حدثني المثنى قال : حدثنا آدم قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : ( بغيا ) ، يعني : حسدا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده ، وهم اليهود كفروا بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم .

1539 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع مثله .

قال أبو جعفر : فمعنى الآية : بئس الشيء باعوا به أنفسهم ، الكفر بالذي أنزل الله في كتابه على موسى - من نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، والأمر بتصديقه واتباعه - من أجل أن أنزل الله من فضله وفضله : حكمته وآياته ونبوته على من يشاء من عباده - يعني به : على محمد صلى الله عليه وسلم - بغيا وحسدا لمحمد صلى الله عليه وسلم ، من أجل أنه كان من ولد إسماعيل ، ولم يكن من بني إسرائيل .

فإن قال قائل : وكيف باعت اليهود أنفسها بالكفر ، فقيل : ( بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله ) ؟ وهل يشترى بالكفر شيء؟

قيل : إن معنى : "الشراء " و "البيع " عند العرب ، هو إزالة مالك ملكه [ ص: 343 ] إلى غيره ، بعوض يعتاضه منه . ثم تستعمل العرب ذلك في كل معتاض من عمله عوضا ، شرا أو خيرا ، فتقول : " نعم ما باع به فلان نفسه " و"بئس ما باع به فلان نفسه " ، بمعنى : نعم الكسب أكسبها ، وبئس الكسب أكسبها - إذا أورثها بسعيه عليها خيرا أو شرا . فكذلك معنى قوله جل ثناؤه : ( بئسما اشتروا به أنفسهم ) لما أوبقوا أنفسهم بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم فأهلكوها ، خاطبهم الله والعرب بالذي يعرفونه في كلامهم ، فقال : ( بئسما اشتروا به أنفسهم ) ، يعني بذلك : بئس ما أكسبوا أنفسهم بسعيهم ، وبئس العوض اعتاضوا ، من كفرهم بالله في تكذيبهم محمدا ، إذ كانوا قد رضوا عوضا من ثواب الله وما أعد لهم - لو كانوا آمنوا بالله وما أنزل على أنبيائه - بالنار وما أعد لهم بكفرهم بذلك .

وهذه الآية - وما أخبر الله فيها عن حسد اليهود محمدا صلى الله عليه وسلم وقومه من العرب ، من أجل أن الله جعل النبوة والحكمة فيهم دون اليهود من بني إسرائيل ، حتى دعاهم ذلك إلى الكفر به ، مع علمهم بصدقه ، وأنه نبي لله مبعوث ورسول مرسل - نظيره الآية الأخرى في سورة النساء ، وذلك قوله ، ( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما ) [ سورة النساء : 51 - 54 ] .
[ ص: 344 ] القول في تأويل قوله ( أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده )

قال أبو جعفر : قد ذكرنا تأويل ذلك وبينا معناه ، ولكنا نذكر الرواية بتصحيح ما قلنا فيه : -

1540 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثني ابن إسحاق ، عن عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري ، عن أشياخ منهم ، قوله : ( بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده ) ، أي أن الله تعالى جعله في غيرهم . .

1541 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : هم اليهود . لما بعث الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم فرأوا أنه بعث من غيرهم ، كفروا به - حسدا للعرب - وهم يعلمون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة .

1542 - حدثني المثنى قال : حدثنا آدم قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية مثله .

1543 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع مثله .

1544 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : قالوا : إنما كانت الرسل من بني إسرائيل ، فما بال هذا من بني إسماعيل؟

1545 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن علي الأزدي . قال : نزلت في اليهود .
[ ص: 345 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( فباءوا بغضب على غضب )

قال أبو جعفر : يعني بقوله : ( فباءوا بغضب على غضب ) ، فرجعت اليهود من بني إسرائيل - بعد الذي كانوا عليه من الاستنصار بمحمد صلى الله عليه وسلم والاستفتاح به ، وبعد الذي كانوا يخبرون به الناس من قبل مبعثه أنه نبي مبعوث - مرتدين على أعقابهم حين بعثه الله نبيا مرسلا فباءوا بغضب من الله استحقوه منه بكفرهم بمحمد حين بعث ، وجحودهم نبوته ، وإنكارهم إياه أن يكون هو الذي يجدون صفته في كتابهم ؛ عنادا منهم له وبغيا وحسدا له وللعرب على غضب سالف ، كان من الله عليهم قبل ذلك ، سابق غضبه الثاني ؛ لكفرهم الذي كان قبل عيسى ابن مريم ، أو لعبادتهم العجل ، أو لغير ذلك من ذنوب كانت لهم سلفت ، يستحقون بها الغضب من الله ، كما : -

1546 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة بن الفضل قال : حدثني ابن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، فيما روى عن سعيد بن جبير ، أو عكرمة ، عن ابن عباس : ( فباءوا بغضب على غضب ) ، فالغضب على الغضب ، غضبه عليهم فيما كانوا ضيعوا من التوراة وهي معهم ، وغضب بكفرهم بهذا النبي الذي أحدث الله إليهم .

1547 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا يحيى بن سعيد وعبد الرحمن ، قالا حدثنا سفيان ، عن أبي بكير ، عن عكرمة : ( فباءوا بغضب على غضب ) قال : كفر بعيسى ، وكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 29.08 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 28.45 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.16%)]