عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 28-05-2022, 08:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,863
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(134)
الحلقة (148)
صــ 328إلى صــ 333


والقراءة التي لا يجوز غيرها في قوله : ( قلوبنا غلف ) ، هي قراءة من قرأ ( غلف ) [ ص: 328 ] بتسكين اللام - بمعنى أنها في أغشية وأغطية ؛ لاجتماع الحجة من القرأة وأهل التأويل على صحتها ، وشذوذ من شذ عنهم بما خالفه ، من قراءة ذلك بضم "اللام " .

وقد دللنا على أن ما جاءت به الحجة متفقة عليه ، حجة على من بلغه . وما جاء به المنفرد ، فغير جائز الاعتراض به على ما جاءت به الجماعة التي تقوم بها الحجة نقلا وقولا وعملا في غير هذا الموضع ، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا المكان . .
القول في تأويل قوله تعالى : ( بل لعنهم الله بكفرهم )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : ( بل لعنهم الله ) ، بل أقصاهم الله وأبعدهم وطردهم وأخزاهم وأهلكهم بكفرهم ، وجحودهم آيات الله وبيناته ، وما ابتعث به رسله ، وتكذيبهم أنبياءه . فأخبر - تعالى ذكره - أنه أبعدهم منه ومن رحمته بما كانوا يفعلون من ذلك .

وأصل "اللعن " الطرد والإبعاد والإقصاء يقال : "لعن الله فلانا يلعنه لعنا ، وهو ملعون " . ثم يصرف "مفعول " : فيقال : هو "لعين " . ومنه قول الشماخ بن ضرار :


ذعرت به القطا ونفيت عنه مكان الذئب كالرجل اللعين


قال أبو جعفر : في قول الله تعالى ذكره : ( بل لعنهم الله بكفرهم ) تكذيب منه للقائلين من اليهود : ( قلوبنا غلف ) ؛ لأن قوله : ( بل ) دلالة على جحده جل [ ص: 329 ] ذكره وإنكاره ما ادعوا من ذلك ؛ إذ كانت "بل " لا تدخل في الكلام إلا نقضا لمجحود . فإذ كان ذلك كذلك ، فبين أن معنى الآية : وقالت اليهود : قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه يا محمد ، فقال الله تعالى ذكره : ما ذلك كما زعموا ، ولكن الله أقصى اليهود وأبعدهم من رحمته ، وطردهم عنها ، وأخزاهم بجحودهم له ولرسله ، فقليلا ما يؤمنون .
القول في تأويل قوله تعالى : ( فقليلا ما يؤمنون ( 88 ) )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : ( فقليلا ما يؤمنون ) . فقال بعضهم ، معناه فقليل منهم من يؤمن ، أي لا يؤمن منهم إلا قليل .

ذكر من قال ذلك :

1514 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون ) ، فلعمري لمن رجع من أهل الشرك أكثر ممن رجع من أهل الكتاب ، إنما آمن من أهل الكتاب رهط يسير .

1515 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : ( فقليلا ما يؤمنون ) ، قال : لا يؤمن منهم إلا قليل .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : فلا يؤمنون إلا بقليل مما في أيديهم .

ذكر من قال ذلك :

1516 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة : ( فقليلا ما يؤمنون ) ، قال : لا يؤمن منهم إلا قليل . قال معمر : وقال غيره : لا يؤمنون إلا بقليل مما في أيديهم .

قال أبو جعفر : وأولى التأويلات في قوله : ( فقليلا ما يؤمنون ) بالصواب ، [ ص: 330 ] ما نحن متقنوه إن شاء الله . وهو أن الله - جل ثناؤه - أخبر أنه لعن الذين وصف صفتهم في هذه الآية ، ثم أخبر عنهم أنهم قليلو الإيمان بما أنزل الله إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم . ولذلك نصب قوله : ( فقليلا ) ، لأنه نعت للمصدر المتروك ذكره . ومعناه : بل لعنهم الله بكفرهم ، فإيمانا قليلا ما يؤمنون ، فقد تبين إذا بما بينا فساد القول الذي روي عن قتادة في ذلك؛ لأن معنى ذلك ، لو كان على ما روي من أنه يعني به : فلا يؤمن منهم إلا قليل ، أو فقليل منهم من يؤمن ، لكان "القليل " مرفوعا لا منصوبا . لأنه إذا كان ذلك تأويله ، كان "القليل " حينئذ مرافعا "ما " . فإذ نصب "القليل " - و"ما " في معنى "من " أو "الذي " - [ فقد ] بقيت "ما " لا مرافع لها . وذلك غير جائز في لغة أحد من العرب .

فأما أهل العربية فإنهم اختلفوا في معنى "ما " التي في قوله : ( فقليلا ما يؤمنون ) . فقال بعضهم : هي زائدة لا معنى لها ، وإنما تأويل الكلام : فقليلا يؤمنون ، كما قال جل ذكره : ( فبما رحمة من الله لنت لهم ) [ آل عمران : 159 ] وما أشبه ذلك ، فزعم أن "ما " في ذلك زائدة ، وأن معنى الكلام : فبرحمة من الله لنت لهم ، وأنشد في ذلك محتجا لقوله ذلك - بيت مهلهل :


لو بأبانين جاء يخطبها خضب ما أنف خاطب بدم


وزعم أنه يعني : خضب أنف خاطب بدم ، وأن "ما " زائدة .

وأنكر آخرون ما قاله قائل هذا القول في "ما " ، في الآية وفي البيت الذي [ ص: 331 ] أنشده ، وقالوا : إنما ذلك من المتكلم على ابتداء الكلام بالخبر عن عموم جميع الأشياء ، إذ كانت "ما " كلمة تجمع كل الأشياء ، ثم تخص وتعم ما عمته بما تذكره بعدها .

وهذا القول عندنا أولى بالصواب؛ لأن زيادة ما لا يفيد من الكلام معنى في الكلام غير جائز إضافته إلى الله جل ثناؤه .

ولعل قائلا أن يقول : هل كان للذين أخبر الله عنهم أنهم قليلا ما يؤمنون - من الإيمان قليل أو كثير ، فيقال فيهم : "فقليلا ما يؤمنون "؟

قيل : إن معنى "الإيمان " هو التصديق ، وقد كانت اليهود التي أخبر الله عنها هذا الخبر تصدق بوحدانية الله ، وبالبعث والثواب والعقاب ، وتكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ونبوته ، وكل ذلك كان فرضا عليهم الإيمان به ، لأنه في كتبهم ، ومما جاءهم به موسى ، فصدقوا ببعض - وذلك هو القليل من إيمانهم - وكذبوا ببعض ، فذلك هو الكثير الذي أخبر الله عنهم أنهم يكفرون به .

وقد قال بعضهم : إنهم كانوا غير مؤمنين بشيء ، وإنما قيل : ( فقليلا ما يؤمنون ) ، وهم بالجميع كافرون ، كما تقول العرب : "قلما رأيت مثل هذا قط " . وقد روي عنها سماعا منها : مررت ببلاد قلما تنبت إلا الكراث والبصل " يعني : ما تنبت غير الكراث والبصل ، وما أشبه ذلك من الكلام الذي ينطق به بوصف الشيء ب "القلة " ، والمعنى فيه نفي جميعه .
القول في تأويل قوله تعالى : ( ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : ( ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم ) ، [ ص: 332 ] ولما جاء اليهود من بني إسرائيل الذين وصف - جل ثناؤه - صفتهم - ( كتاب من عند الله ) يعني ب "الكتاب " القرآن الذي أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم ( مصدق لما معهم ) ، يعني مصدق للذي معهم من الكتب التي أنزلها الله من قبل القرآن ، كما : -

1518 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم ) ، وهو القرآن الذي أنزل على محمد ، مصدقا لما معهم من التوراة والإنجيل .

1518 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : ( ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم ) ، وهو القرآن الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ، مصدق لما معهم من التوراة والإنجيل .
القول في تأويل قوله تعالى : ( وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : ( وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ) ، أي : وكان هؤلاء اليهود - الذين لما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم من الكتب التي أنزلها الله قبل الفرقان ، كفروا به - يستفتحون بمحمد صلى الله عليه وسلم ومعنى "الاستفتاح " ، الاستنصار يستنصرون الله به على مشركي العرب من قبل مبعثه ، أي من قبل أن يبعث ، كما : -

1519 - حدثني ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثني ابن إسحاق ، عن [ ص: 333 ] عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري ، عن أشياخ منهم قالوا : فينا والله وفيهم - يعني في الأنصار ، وفي اليهود الذين كانوا جيرانهم - نزلت هذه القصة يعني : ( ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ) قالوا : كنا قد علوناهم دهرا في الجاهلية - ونحن أهل الشرك ، وهم أهل الكتاب - فكانوا يقولون : إن نبيا الآن مبعثه قد أظل زمانه ، يقتلكم قتل عاد وإرم ، فلما بعث الله تعالى ذكره رسوله من قريش واتبعناه ، كفروا به . يقول الله : ( فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ) .

1520 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثني ابن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد مولى آل زيد بن ثابت ، عن سعيد بن جبير ، أو عكرمة مولى ابن عباس ، عن ابن عباس : أن يهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه ، فلما بعثه الله من العرب ، كفروا به ، وجحدوا ما كانوا يقولون فيه . فقال لهم معاذ بن جبل وبشر بن البراء بن معرور أخو بني سلمة : يا معشر يهود ، اتقوا الله وأسلموا ، فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد صلى الله عليه وسلم ونحن أهل شرك ، وتخبروننا أنه مبعوث ، وتصفونه لنا بصفته! فقال سلام بن مشكم أخو بني النضير : ما جاءنا بشيء نعرفه ، وما هو بالذي كنا نذكر لكم! فأنزل الله - جل ثناؤه - في ذلك من قوله : ( ما يؤمنون ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين ) .

1521 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يونس بن بكير قال : حدثنا ابن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد مولى آل زيد بن ثابت قال : حدثني سعيد بن جبير ، أو عكرمة ، عن ابن عباس مثله .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 29.23 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 28.60 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.15%)]