
28-05-2022, 09:17 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,520
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(131)
الحلقة (145)
صــ 310إلى صــ 315
1478 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر قال : قال أبو جعفر : كان قتادة يقول في قوله : ( أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ) ، فكان إخراجهم كفرا ، وفداؤهم إيمانا .
1479 - حدثنا المثنى قال : حدثنا آدم قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية في قوله : ( ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم ) الآية ، قال : كان في بني إسرائيل : إذا استضعفوا قوما أخرجوهم من ديارهم ، وقد أخذ عليهم الميثاق : أن لا يسفكوا دماءهم ولا يخرجوا أنفسهم من ديارهم ، وأخذ عليهم الميثاق : إن أسر بعضهم أن يفادوهم ، فأخرجوهم من ديارهم ، ثم فادوهم ، فآمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعض . آمنوا بالفداء ففدوا ، وكفروا بالإخراج من الديار فأخرجوا .
1480 - حدثني المثنى قال : حدثنا آدم قال : حدثنا أبو جعفر قال : حدثنا الربيع بن أنس قال ، أخبرني أبو العالية : أن عبد الله بن سلام مر على رأس الجالوت بالكوفة وهو يفادي من النساء من لم يقع عليه العرب ، ولا يفادي من وقع عليه العرب ، فقال له عبد الله بن سلام : أما إنه مكتوب عندك في كتابك : أن فادوهن كلهن .
1481 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج : ( أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ) ، قال : كفرهم القتل والإخراج ، وإيمانهم الفداء . قال ابن جريج : يقول : إذا كانوا عندكم تقتلونهم وتخرجونهم من ديارهم ، وأما إذا أسروا تفدونهم؟ وبلغني أن عمر بن الخطاب قال في قصة بني إسرائيل : إن بني إسرائيل قد مضوا ، وإنكم أنتم تعنون بهذا الحديث .
قال أبو جعفر : واختلف القرأة في قراءة قوله : ( وإن يأتوكم أسارى تفادوهم ) [ ص: 311 ] فقرأه بعضهم : ( أسرى تفدوهم ) ، وبعضهم : ( أسارى تفادوهم ) ، وبعضهم ( أسارى تفدوهم ) ، وبعضهم : ( أسرى تفادوهم ) .
قال أبو جعفر : فمن قرأ ذلك : ( وإن يأتوكم أسرى ) ، فإنه أراد جمع "الأسير " ، إذ كان على "فعيل " ، على مثال جمع أسماء ذوي العاهات التي يأتي واحدها على تقدير "فعيل " ، إذ كان "الأسر " شبيه المعنى - في الأذى والمكروه الداخل على الأسير - ببعض معاني العاهات ، وألحق جمع المستلحق به بجمع ما وصفنا ، فقيل : أسير وأسرى " ، كما قيل : "مريض ومرضى ، وكسير وكسرى ، وجريح وجرحى " .
وقال أبو جعفر : وأما الذين قرءوا ذلك : ( أسارى ) ، فإنهم أخرجوه على مخرج جمع "فعلان " ، إذ كان جمع "فعلان " الذي له "فعلى " قد يشارك جمع "فعيل " كما قالوا : "سكارى وسكرى ، وكسالى وكسلى " ، فشبهوا "أسيرا " - وجمعوه مرة "أسارى " ، وأخرى "أسرى " - بذلك .
وكان بعضهم يزعم أن معنى "الأسرى " مخالف معنى "الأسارى " ، ويزعم أن معنى "الأسرى " استئسار القوم بغير أسر من المستأسر لهم ، وأن معنى "الأسارى " معنى مصير القوم المأسورين في أيدي الآسرين بأسرهم وأخذهم قهرا وغلبة .
قال أبو جعفر : وذلك ما لا وجه له يفهم في لغة أحد من العرب . ولكن ذلك على ما وصفت من جمع "الأسير " مرة على "فعلى " لما بينت من العلة ، ومرة على "فعالى " ، لما ذكرت : من تشبيههم جمعه بجمع "سكران وكسلان " وما أشبه ذلك .
وأولى بالصواب في ذلك قراءة من قرأ ( وإن يأتوكم أسرى ) ، لأن "فعالى " في جمع "فعيل " غير مستفيض في كلام العرب ، فإذا كان ذلك غير مستفيض في كلامهم ، وكان مستفيضا فاشيا فيهم جمع ما كان من الصفات - التي بمعنى [ ص: 312 ] الآلام والزمانة - وواحده على تقدير "فعيل " ، على "فعلى " ، كالذي وصفنا قبل ، وكان أحد ذلك "الأسير " ، كان الواجب أن يلحق بنظائره وأشكاله ، فيجمع جمعها دون غيرها ممن خالفها .
وأما من قرأ : ( تفادوهم ) ، فإنه أراد : أنكم تفدونهم من أسرهم ، ويفدي منكم - الذين أسروهم ففادوكم بهم - أسراكم منهم .
وأما من قرأ ذلك ( تفدوهم ) ، فإنه أراد : إنكم يا معشر اليهود ، إن أتاكم الذين أخرجتموهم منكم من ديارهم أسرى فديتموهم فاستنقذتموهم .
وهذه القراءة أعجب إلي من الأولى - أعني : ( أسرى تفادوهم ) - لأن الذي على اليهود في دينهم فداء أسراهم بكل حال ، فدى الآسرون أسراهم منهم أم لم يفدوهم .
وأما قوله : ( وهو محرم عليكم إخراجهم ) ، فإن في قوله : ( وهو ) وجهين من التأويل . أحدهما : أن يكون كناية عن الإخراج الذي تقدم ذكره . كأنه قال : وتخرجون فريقا منكم من ديارهم ، وإخراجهم محرم عليكم ، ثم كرر "الإخراج " الذي بعد "وهو محرم عليكم " تكريرا على "هو " ؛ لما حال بين "الإخراج " و"هو " كلام .
والتأويل الثاني : أن يكون عمادا ، لما كانت " الواو " التي مع "هو " تقتضي اسما يليها دون الفعل ؛ فلما قدم الفعل قبل الاسم - الذي تقتضيه "الواو " أن يليها - أوليت "هو " ؛ لأنه اسم ، كما تقول : "أتيتك وهو قائم أبوك " ، بمعنى : "وأبوك قائم " ؛ إذ كانت "الواو " تقتضي اسما ، فعمدت ب "هو " ، إذ سبق الفعل الاسم ليصلح الكلام . كما قال الشاعر :
[ ص: 313 ]
فأبلغ أبا يحيى إذا ما لقيته على العيس في آباطها عرق يبس بأن السلامي الذي بضرية
أمير الحمى ، قد باع حقي ، بني عبس بثوب ودينار وشاة ودرهم
فهل هو مرفوع بما ههنا رأس
فأوليت "هل " "هو " لطلبها الاسم العماد .
[ ص: 314 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا )
قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : ( فما جزاء من يفعل ذلك منكم ) : فليس لمن قتل منكم قتيلا ؛ فكفر بقتله إياه ، بنقض عهد الله الذي حكم به عليه في التوراة - وأخرج منكم فريقا من ديارهم مظاهرا عليهم أعداءهم من أهل الشرك ظلما وعدوانا وخلافا لما أمره الله به في كتابه الذي أنزله إلى موسى جزاء - يعني "بالجزاء " : الثواب ، وهو العوض مما فعل من ذلك والأجر عليه - إلا خزي في الحياة الدنيا . و"الخزي " : الذل والصغار ، يقال منه : "خزي الرجل يخزى خزيا " ، ( في الحياة الدنيا ) ، يعني : في عاجل الدنيا قبل الآخرة .
ثم اختلف في الخزي الذي أخزاهم الله بما سلف من معصيتهم إياه . فقال بعضهم : ذلك هو حكم الله الذي أنزله إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم : من أخذ القاتل بمن قتل ، والقود به قصاصا ، والانتقام للمظلوم من الظالم .
وقال آخرون : بل ذلك ، هو أخذ الجزية منهم ما أقاموا على دينهم ، ذلة لهم وصغارا .
وقال آخرون : بل ذلك الخزي الذي جوزوا به في الدنيا : إخراج رسول الله صلى الله عليه وسلم النضير من ديارهم لأول الحشر ، وقتل مقاتلة قريظة وسبي ذراريهم ، فكان ذلك خزيا في الدنيا ، ولهم في الآخرة عذاب عظيم .
[ ص: 315 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب )
قال أبو جعفر : يعني بقوله : ( ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب ) : ويوم تقوم الساعة يرد من يفعل ذلك منكم - بعد الخزي الذي يحل به في الدنيا جزاء على معصية الله - إلى أشد العذاب الذي أعد الله لأعدائه .
وقد قال بعضهم : معنى ذلك : ويوم القيامة يردون إلى أشد من عذاب الدنيا .
ولا معنى لقول قائل ذلك . ذلك بأن الله - جل ثناؤه - إنما أخبر أنهم يردون إلى أشد معاني العذاب ، ولذلك أدخل فيه "الألف واللام " ؛ لأنه عنى به جنس العذاب كله ، دون نوع منه .
القول في تأويل قوله تعالى : ( وما الله بغافل عما تعملون ( 85 ) )
قال أبو جعفر : اختلف القرأة في قراءة ذلك . فقرأه بعضهم : ( وما الله بغافل عما يعملون ) ب "الياء " ، على وجه الإخبار عنهم ، فكأنهم نحوا بقراءتهم معنى : ( فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما يعملون ) ، يعني : عما يعمله الذين أخبر الله عنهم أنه ليس لهم جزاء على فعلهم إلا الخزي في الحياة الدنيا ، ومرجعهم في الآخرة إلى أشد العذاب .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|