عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 28-05-2022, 08:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,792
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(130)
الحلقة (144)
صــ 304إلى صــ 309

قال أبو جعفر : ويتجه في قوله : ( ثم أنتم هؤلاء ) وجهان : أحدهما أن يكون أريد به : ثم أنتم يا هؤلاء ، فترك "يا " استغناء بدلالة الكلام عليه ، كما قال : ( يوسف أعرض عن هذا ) [ يوسف : 29 ] ، وتأويله : يا يوسف أعرض عن هذا . فيكون معنى الكلام حينئذ : ثم أنتم يا معشر يهود بني إسرائيل - بعد إقراركم بالميثاق الذي أخذته عليكم : لا تسفكون دماءكم ، ولا تخرجون أنفسكم [ ص: 304 ] من دياركم ، ثم أقررتم بعد شهادتكم على أنفسكم بأن ذلك حق لي عليكم ، لازم لكم الوفاء لي به - تقتلون أنفسكم ، وتخرجون فريقا منكم من ديارهم ، متعاونين عليهم ، في إخراجكم إياهم ، بالإثم والعدوان! .

والتعاون هو "التظاهر " . وإنما قيل للتعاون "التظاهر " ، لتقوية بعضهم ظهر بعض ؛ فهو "تفاعل " من "الظهر " ، وهو مساندة بعضهم ظهره إلى ظهر بعض .

والوجه الآخر : أن يكون معناه : ثم أنتم قوم تقتلون أنفسكم ؛ فيرجع إلى الخبر عن "أنتم " . وقد اعترض بينهم وبين الخبر عنهم "بهؤلاء " ، كما تقول العرب : "أنا ذا أقوم ، وأنا هذا أجلس " ، وإذا قيل : "أنا هذا أجلس " كان صحيحا جائزا كذلك : أنت ذاك تقوم " .

وقد زعم بعض البصريين أن قوله : "هؤلاء " في قوله : ( ثم أنتم هؤلاء ) ، تنبيه وتوكيد ل "أنتم " . وزعم أن "أنتم " وإن كانت كناية أسماء جماع المخاطبين ، فإنما جاز أن يؤكدوا ب "هؤلاء " و "أولاء " ؛ لأنها كناية عن المخاطبين ، كما قال خفاف بن ندبة :


أقول له والرمح يأطر متنه : تبين خفافا إنني أنا ذلكا


يريد : أنا هذا ، وكما قال جل ثناؤه : ( حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم ) [ يونس : 22 ]

[ ص: 305 ] ثم اختلف أهل التأويل فيمن عني بهذه الآية ، نحو اختلافهم فيمن عني بقوله : ( وأنتم تشهدون ) ذكر اختلاف المختلفين في ذلك :

1471 - حدثنا محمد بن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثني محمد بن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : ( ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان ) إلى أهل الشرك ، حتى تسفكوا دماءهم معهم ، وتخرجوهم من ديارهم معهم . قال : أنبهم الله [ على ذلك ] من فعلهم ، وقد حرم عليهم في التوراة سفك دمائهم ، وافترض عليهم فيها فداء أسراهم ، فكانوا فريقين : طائفة منهم من بني قينقاع حلفاء الخزرج ، والنضير وقريظة حلفاء الأوس . فكانوا إذا كانت بين الأوس والخزرج حرب خرجت بنو قينقاع مع الخزرج ، وخرجت النضير وقريظة مع الأوس ، يظاهر كل من الفريقين حلفاءه على إخوانه ، حتى يتسافكوا دماءهم بينهم ، وبأيديهم التوراة ، يعرفون منها ما عليهم وما لهم . والأوس والخزرج أهل شرك يعبدون الأوثان ، لا يعرفون جنة ولا نارا ، ولا بعثا ولا قيامة ، ولا كتابا ، ولا حراما ولا حلالا فإذا وضعت الحرب أوزارها ، افتدوا أسراهم ؛ تصديقا لما في التوراة ، وأخذا به ، بعضهم من بعض . يفتدي بنو قينقاع ما كان من أسراهم في أيدي الأوس ، [ ص: 306 ] وتفتدي النضير وقريظة ما كان في أيدي الخزرج منهم ، ويطلون ما أصابوا من الدماء ، وقتلى من قتلوا منهم فيما بينهم ؛ مظاهرة لأهل الشرك عليهم . يقول الله تعالى ذكره ، حين أنبهم بذلك : ( أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ) ، أي تفادونه بحكم التوراة وتقتلونه - وفي حكم التوراة أن لا يقتل ، ولا يخرج من داره ، ولا يظاهر عليه من يشرك بالله ويعبد الأوثان من دونه ؛ ابتغاء عرض من عرض الدنيا .

ففي ذلك من فعلهم مع الأوس والخزرج - فيما بلغني - نزلت هذه القصة .

1472 - وحدثني موسى بن هارون قال : حدثني عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ( وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون ) قال : إن الله أخذ على بني إسرائيل في التوراة : أن لا يقتل بعضهم بعضا ، وأيما عبد أو أمة وجدتموه من بني إسرائيل فاشتروه بما قام ثمنه ، فأعتقوه ، فكانت قريظة حلفاء الأوس ، والنضير حلفاء الخزرج ، فكانوا يقتتلون في حرب سمير . فيقاتل بنو قريظة مع حلفائها ، النضير وحلفاءها . وكانت النضير تقاتل قريظة وحلفاءها ، فيغلبونهم ، فيخربون بيوتهم ، ويخرجونهم منها ، فإذا أسر الرجل من الفريقين كليهما ، جمعوا له حتى [ ص: 307 ] يفدوه ، فتعيرهم العرب بذلك ، ويقولون : كيف تقاتلونهم وتفدونهم؟ قالوا : إنا أمرنا أن نفديهم ، وحرم علينا قتالهم . قالوا : فلم تقاتلونهم؟ قالوا : إنا نستحيي أن تستذل حلفاؤنا . فذلك حين عيرهم - جل وعز - فقال : ( ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان ) .

1473 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : كانت قريظة والنضير أخوين ، وكانوا بهذه المثابة ، وكان الكتاب بأيديهم ، وكانت الأوس والخزرج أخوين فافترقا ، وافترقت قريظة والنضير ، فكانت النضير مع الخزرج ، وكانت قريظة مع الأوس ، فاقتتلوا ، وكان بعضهم يقتل بعضا ، فقال الله جل ثناؤه : ( ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم ) الآية .

وقال آخرون بما : -

1474 - حدثني به المثنى قال : حدثنا آدم قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية قال : كان في بني إسرائيل : إذا استضعفوا قوما أخرجوهم من ديارهم . وقد أخذ عليهم الميثاق أن لا يسفكوا دماءهم ، ولا يخرجوا أنفسهم من ديارهم .

قال أبو جعفر : وأما "العدوان " فهو "الفعلان " من "التعدي " ، يقال منه : "عدا فلان في كذا عدوا وعدوانا ، واعتدى يعتدي اعتداء " ، وذلك إذا جاوز حده ظلما وبغيا .

وقد اختلف القرأة في قراءة : ( تظاهرون ) . فقرأها بعضهم : "تظاهرون " على مثال "تفاعلون " فحذف التاء الزائدة وهي التاء الآخرة . وقرأها آخرون : [ ص: 308 ] ( تظاهرون ) ، فشدد ، بتأويل : ( تتظاهرون ) ، غير أنهم أدغموا التاء الثانية في الظاء ، لتقارب مخرجيهما ، فصيروهما ظاء مشددة . وهاتان القراءتان ، وإن اختلفت ألفاظهما ، فإنهما متفقتا المعنى ؛ فسواء بأي ذلك قرأ القارئ ؛ لأنهما جميعا لغتان معروفتان ، وقراءتان مستفيضتان في أمصار الإسلام بمعنى واحد ، ليس في إحداهما معنى تستحق به اختيارها على الأخرى ، إلا أن يختار مختار "تظاهرون " المشددة طلبا منه تتمة الكلمة .
القول في تأويل قوله تعالى : ( وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : ( وإن يأتوكم أسارى تفادوهم ) اليهود . يوبخهم بذلك ، ويعرفهم به قبيح أفعالهم التي كانوا يفعلونها ، فقال لهم : ثم أنتم - بعد إقراركم بالميثاق الذي أخذته عليكم : أن لا تسفكوا دماءكم ، ولا تخرجوا أنفسكم من دياركم - تقتلون أنفسكم يعني به : يقتل بعضكم بعضا وأنتم - مع قتلكم من تقتلون منكم - إذا وجدتم الأسير منكم في أيدي غيركم من أعدائكم ، تفدونه ، ويخرج بعضكم بعضا من دياره! وقتلكم إياهم وإخراجكموهم من ديارهم ، حرام عليكم ، وتركهم أسرى في أيدي عدوكم [ حرام عليكم ] ، فكيف تستجيزون قتلهم ، ولا تستجيزون ترك فدائهم من عدوهم؟ أم كيف لا تستجيزون ترك فدائهم ، وتستجيزون قتلهم؟! وهما جميعا في اللازم لكم من الحكم فيهم - سواء ؛ لأن الذي حرمت عليكم [ ص: 309 ] من قتلهم وإخراجهم من دورهم ، نظير الذي حرمت عليكم من تركهم أسرى في أيدي عدوهم ، أفتؤمنون ببعض الكتاب - الذي فرضت عليكم فيه فرائضي ، وبينت لكم فيه حدودي ، وأخذت عليكم بالعمل بما فيه ميثاقي - فتصدقون به ، فتفادون أسراكم من أيدي عدوكم; وتكفرون ببعضه ، فتجحدونه ، فتقتلون من حرمت عليكم قتله من أهل دينكم ومن قومكم ، وتخرجونهم من ديارهم؟ وقد علمتم أن الكفر منكم ببعضه نقض منكم عهدي وميثاقي؟ كما : -

1475 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ) ، [ أفتؤمنون ببعض الكتاب فادين ، وتكفرون ببعض قاتلين ومخرجين ] ؟ والله إن فداءهم لإيمان ، وإن إخراجهم لكفر . فكانوا يخرجونهم من ديارهم ، وإذا رأوهم أسارى في أيدي عدوهم افتكوهم .

1476 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثني ابن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن سعيد بن جبير ، أو عن عكرمة ، عن ابن عباس : ( وإن يأتوكم أسارى تفدوهم ) ، قد علمتم أن ذلكم عليكم في دينكم ، ( وهو محرم عليكم ) في كتابكم ( إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ) ، أتفادونهم مؤمنين بذلك ، وتخرجونهم كفرا بذلك .

1477 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( وإن يأتوكم أسارى تفدوهم ) يقول : إن وجدته في يد غيرك فديته ، وأنت تقتله بيدك!


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 28.54 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 27.92 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.20%)]