
24-05-2022, 11:17 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,948
الدولة :
|
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله

تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ
المجلد الرابع
صـ 803 الى صـ 808
الحلقة (152)
القول في تأويل قوله تعالى :
[ 13 ] قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار .
قد كان لكم أيها الكافرون المتقدم ذكرهم : آية عبرة ودلالة على أنكم ستغلبون ، وعلى أن الله معز دينه ، وناصر رسوله ، ومعل أمره : في فئتين أي : فرقتين : التقتا يوم بدر للقتال : التقتا يوم بدر للقتال : فئة تقاتل في سبيل الله أي : طاعته ، وهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ، [ ص: 803 ] وكانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ، معهم فرسان وست أذرع وثمانية سيوف وأكثرهم رجالة : وأخرى كافرة وهم مشركو قريش ، وكانوا قريبا من ألف : يرونهم مثليهم أي : يرى المشركون المسلمين مثلي عدد المشركين قريبا من ألفين ، أراهم الله إياهم ، مع قلتهم ، أضعافهم ليهابوهم ، ويجبنوا عن قتالهم ، وكان ذلك مددا لهم من الله تعالى ، كما أمدهم بالملائكة . فإن قلت : فهذا مناقض لقوله في سورة الأنفال : ويقللكم في أعينهم قلت : قللوا أولا في أعينهم حتى اجترؤوا عليهم ، فلما لاقوهم كثروا في أعينهم حتى غلبوا ، فكان التقليل والتكثير في حالين مختلفين . ونظيره في المحمول على اختلاف الأحوال قوله تعالى : فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان وقوله تعالى : وقفوهم إنهم مسؤولون وتقليلهم تارة وتكثيرهم أخرى في أعينهم ، أبلغ في القدرة وإظهار الآية - كذا في ( الكشاف ) - قلت : أو يجاب بأنهم كثروا أولا في أعينهم ليحصل لهم الرعب والخوف والجزع والهلع ، ثم لما حصل التصاف والتقى الفريقان قلل الله هؤلاء في أعين هؤلاء ليقدم كل منهما على الآخر ليقضي الله أمرا كان مفعولا : رأي العين يعني : رؤية ظاهرة مكشوفة لا لبس فيها ، معاينة كسائر المعاينات كذا في ( الكشاف ) : والله يؤيد أي : يقوي : بنصره من يشاء إن في ذلك أي : التكثير والتقليل ، وغلبة القليل ، مع عدم العدة ، على الكثير الشاكي السلاح : لعبرة أي : لاعتبارا وآية وموعظة : لأولي الأبصار لذوي العقول والبصائر .
[ ص: 804 ]
القول في تأويل قوله تعالى :
[ 14 ] زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب .
زين للناس كلام مستأنف سيق لبيان حقارة شأن الحظوظ الدنيوية بأصنافها ، وتزهيد الناس فيها ، وتوجيه رغباتهم إلى ما عنده تعالى ، إثر بيان عدم نفعها للكفرة الذين كانوا يتعززون بها . والمراد بالناس : الجنس - قاله أبو السعود : حب الشهوات أي : المشتهيات ، وعبر عنها بذلك مبالغة في كونها مشتهاة مرغوبا فيها ، أو تخسيسا لها ، لأن الشهوة مسترذلة عند الحكماء ، مذموم من اتبعها ، شاهد على نفسه بالبهيمية من النساء في تقديمهن إشعار بعراقتهن في معنى الشهوة ؛ إذ يحصل منهن أتم اللذات : والبنين للتكثر بهم ، وأمل قيامهم مقامهم من بعدهم ، والتفاخر والزينة : والقناطير أي : الأموال الكثيرة ، وقوله : المقنطرة مأخوذة منها للتوكيد كقولهم ألف مؤلفة ، وبدرة مبدرة ، وإبل مؤبلة ، ودراهم مدرهمة : من الذهب والفضة قال الرازي : وإنما كانا محبوبين لأنهما جعلا ثمن جميع الأشياء ، فمالكها كالمالك لجميع الأشياء ، وصفة المالكية هي القدرة ، والقدرة صفة كمال ، والكمال محبوب لذاته ، فلما كان الذهب والفضة أكمل الوسائل إلى تحصيل هذا الكمال الذي هو محبوب لذاته وما لا يوجد المحبوب إلا به فهو محبوب لا جرم كانا محبوبين : والخيل المسومة أي : المرسلة إلى المرعى ترعى حيث شاءت ، أو التي عليها السيمياء - أي : العلامة - قال أبو مسلم : المراد من هذه العلامات الأوضاح والغرر التي تكون في الخيل ، وهي أن تكون الأفراس غرا محجلة : والأنعام جمع نعم وهي الإبل والبقر والغنم لتحصيل الأموال النامية : والحرث أي : الأرض المتخذة للغراس والزراعة : ذلك أي : المذكور : متاع الحياة الدنيا يتمتع به فيها ثم يفنى : والله [ ص: 805 ] عنده حسن المآب أي : المرجع وهو الجنة ، فينبغي الرغبة فيه دون غيره . وفي إشعاره ذم من يستعظم تلك الشهوات ويتهالك عليها ، ويرجح طلبها على طلب ما عند الله ، وتزهيد في الدنيا وترغيب في الآخرة .
تنبيه :
في تزيين هذه الأمور المذكورات للناس إشارة لما تضمنته من الفتنة :
فأما النساء ، ففي الصحيح أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : « ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء » .
وأما البنون ، ففي مسند أبي يعلى عن أبي سعيد مرفوعا : الولد ثمرة القلب ، وإنه مجبنة مبخلة محزنة . أي : يجبن أبوه عن الجهاد خوف ضيعته ، ويمتنع أبوه من الإنفاق في الطاعة خوف فقره ، ويحزن أبوه لمرضه خوف موته ، وقد قال تعالى : إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم وقيل لبعض النساك : ما بالك لا تبتغي ما كتب الله لك ؟ قال : سمعا لأمر الله ، ولا مرحبا بمن إن عاش فتنني ، وإن مات أحزنني . يريد قوله تعالى : إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم
وأما القناطير المقنطرة : ففيها الآية قبل ، وقوله تعالى : كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى وقال تعالى : وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه [ ص: 806 ] فما يورث البطر مثل الغنى . وبه تستجمع أسباب السؤدد والرئاسة والمجد والتفاخر .
وأما الخيل فقد تكون على صاحبها وزرا : إذا ربطها فخرا ورياء ونواء لأهل الإسلام ، كما في الصحيح وفي مسند أحمد عن ابن مسعود مرفوعا : الخيل ثلاثة : ففرس للرحمن ، وفرس للإنسان ، وفرس للشيطان . فأما فرس الرحمن فالذي يربط في سبيل الله ، فعلفه وروثه وبوله وذكر ما شاء الله . وأما فرس الشيطان : فالذي يقامر أو يراهن عليه . وأما فرس الإنسان فالفرس يرتبطها الإنسان يلتمس بطنها فهي تستر من فقر .
وأما الفتنة بالأنعام والحرث ففي معنى ما تقدم . والله أعلم .
ولما ذكر تعالى ما عنده من حسن المآب إجمالا ، أشار إلى تفصيله مبالغة في الترغيب فقال :
القول في تأويل قوله تعالى :
[ 15 ] قل أأنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد
قل أأنبئكم بخير من ذلكم أي : الشهوات المزينة لكم : للذين اتقوا الله ولم ينهمكوا في شهواتهم : عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار من أنواع الأشربة من العسل واللبن والخمر والماء وغير ذلك مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، و : ( للذين اتقوا ) خبر المبتدأ الذي هو : ( جنات ) و : ( تجري ) صفة لها ، و : ( عند ) إما متعلق بما تعلق به الجار من معنى الاستقرار ، وإما صفة للجنات في الأصل ، [ ص: 807 ] قدم فانتصب على الحال . والعندية مفيدة لكمال علو رتبة الجنات وسمو طبقتها : خالدين فيها أي : ماكثين فيها أبد الآباد لا يبغون عنها حولا : وأزواج مطهرة أي : من الأرجاس والأدناس البدنية والطبيعية مما لا يخلو عنه نساء الدنيا غالبا : ورضوان من الله التنوين للتفخيم أي : رضوان لا يقدر قدره . وهذه اللذة الروحانية تتمة ما حصل لهم من اللذات الجسمانية وأكبرها ، كما قال تعالى في آية ( براءة ) : ورضوان من الله أكبر أي : أعظم ما أعطاهم من النعيم المقيم . روى الشيخان عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « إن الله - عز وجل - يقول لأهل الجنة : يا أهل الجنة ! فيقولون : لبيك ربنا وسعديك . فيقول : هل رضيتم ؟ فيقولون : وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك ؟ فيقول : أنا أعطيكم أفضل من ذلك ؟ قالوا : يا ربنا وأي شيء أفضل من ذلك ؟ فيقول : أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا » والله بصير بالعباد أي : عالم بمصالحهم فيجب أن يرضوا لأنفسهم ما اختاره لهم من نعيم الآخرة ، وأن يزهدوا فيما زهدهم فيه من أمور الدنيا . ثم وصف سبحانه الذين اتقوا ففازوا بتلك الكرامات بقوله :
القول في تأويل قوله تعالى :
[ 16 ] الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار
الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار قال الحاكم : في الآية دلالة على أنه يجوز للداعي أن يذكر طاعاته وما تقرب به إلى الله ، ثم يدعو . ويؤيده [ ص: 808 ] ما في الصحيحين من حديث أصحاب الغار ، وتوسل كل منهم بصالح عمله ، ثم تفريج الباري تعالى عنهم ، وقوله تعالى :
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|