عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 18-05-2022, 11:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,362
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الرابع
الحلقة (130)

من صــ 205 الى صـ
ـ 212






و " أيضا " فإذا كان السكران لا يصح طلاقه والصبي المميز تصح صلاته ثم الصبي لا يقع طلاقه فالسكران أولى وقد {قال النبي صلى الله عليه وسلم لماعز لما اعترف بالحد: أبك جنون؟ قال: لا ثم أمر باستنكاهه لئلا يكون سكران} فدل على أن إقرار السكران باطل وقضية ماعز متأخرة بعد تحريم الخمر فإن الخمر حرمت سنة ثلاث بعد أحد باتفاق الناس وقد ثبت عن عثمان وغيره من الصحابة كعبد الله بن عباس أن طلاق السكران لا يقع ولم يثبت عن صحابي خلافه.
والذين أوقعوا طلاقه لم يذكروا إلا مأخذا ضعيفا وعمدتهم أنه عاص بإزالة عقله وهذا صحيح يوجب عقوبته على المعصية التي هي الشرب فيحد على ذلك وأما الطلاق فلا يعاقب به مسلم على المعصية ولو كان كذلك لكان كل من شرب الخمر أو سكر طلقت امرأته وإنما قال من قال: إذا تكلم به طلقت فهم اعتبروا كلامه لا معصيته ثم إنه في حال سكره قد يعتق والعتق قربة فإن صححوا عتقه بطل الفرق وإن ألغوه فإلغاء الطلاق أولى فإن الله يحب العتق ولا يحب الطلاق.
ثم من علل ذلك بالمعصية لزمه طرد ذلك فيمن زال عقله بغير مسكر كالبنج وهو قول من يسوي بين البنج والسكران من أصحاب الشافعي وموافقيه كأبي الخطاب والأكثرون على الفرق وهو منصوص أحمد وأبي حنيفة وغيرهما؛ لأن الخمر تشتهيها النفس وفيها الحد؛ بخلاف البنج فإنه لا حد فيه؛ بل فيه التعزير؛ لأنه لا يشتهى كالميتة والدم ولحم الخنزير فيها التعزير وعامة العلماء على أنه لا حد فيها إلا قولا نقل عن الحسن فهذا فيمن زال عقله. وأما إذا كان يعلم ما يقول فإن كان مختارا قاصدا لما يقوله فهذا هو الذي يعتبر قوله وإن كان مكرها فإن أكره على ذلك بغير حق فهذا عند جمهور العلماء أقواله كلها لغو مثل كفره وإيمانه وطلاقه وغيره وهذا مذهب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم.

وأبو حنيفة وطائفة يفرقون بين ما يقبل الفسخ وما لا يقبله. قالوا: فما يقبل الفسخ لا يلزم من المكره كالبيع؛ بل يقف على إجازته له وما لا يقبل الفسخ كالنكاح والطلاق واليمين فإنه يلزم من المكره. والجمهور ينازعون في هذا الفرق: في ثبوت الوصف وفي تعلق الحكم به؛ فإنهم يقولون: النكاح ونحوه يقبل الفسخ وكذلك العتق يقبل الفسخ عند الشافعي وأحد القولين في مذهب أحمد حتى إن المكاتب قد يحكمون بعتقه ثم يفسخون العتق ويعيدونه عبدا والأيمان المنعقدة تقبل التحلة كما قال تعالى: {قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم}.

وبسط الكلام على هذا له موضع آخر.
و " المقصود هنا " أن القلب هو الأصل في جميع الأفعال والأقوال فما أمر الله به من الأفعال الظاهرة فلا بد فيه من معرفة القلب وقصده وما أمر به من الأقوال وكل ما تقدم والمنهي عنه من الأقوال والأفعال إنما يعاقب عليه إذا كان بقصد القلب وأما ثبوت بعض الأحكام كضمان النفوس والأموال إذا أتلفها مجنون أو نائم أو مخطئ أو ناس فهذا من باب العدل في حقوق العباد ليس هو من باب العقوبة. فالمأمور به كما ذكرنا " نوعان " نوع ظاهر على الجوارح ونوع باطن في القلب.
" النوع الثاني " ما يكون باطنا في القلب كالإخلاص وحب الله ورسوله والتوكل عليه والخوف منه وكنفس إيمان القلب وتصديقه بما أخبر به الرسول فهذا النوع تعلقه بالقلب ظاهر فإنه محله وهذا النوع هو أصل النوع الأول وهو أبلغ في الخير والشر من الأول فنفس إيمان القلب وحبه وتعظيمه لله وخوفه ورجائه والتوكل عليه وإخلاص الدين له لا يتم شيء من المأمور به ظاهرا إلا بها وإلا فلو عمل أعمالا ظاهرة بدون هذه كان منافقا وهي في أنفسها توجب لصاحبها أعمالا ظاهرة توافقها وهي أشرف من فروعها كما قال تعالى:
{لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم}. وكذلك تكذيب الرسول بالقلب وبغضه وحسده والاستكبار عن متابعته أعظم إثما من أعمال ظاهرة خالية عن هذا كالقتل والزنا والشرب والسرقة وما كان كفرا من الأعمال الظاهرة: كالسجود للأوثان وسب الرسول ونحو ذلك فإنما ذلك لكونه مستلزما لكفر الباطن وإلا فلو قدر أنه سجد قدام وثن ولم يقصد بقلبه السجود له بل قصد السجود لله بقلبه لم يكن ذلك كفرا وقد يباح ذلك إذا كان بين مشركين يخافهم على نفسه فيوافقهم في الفعل الظاهر ويقصد بقلبه السجود لله كما ذكر أن بعض علماء المسلمين وعلماء أهل الكتاب فعل نحو ذلك مع قوم من المشركين حتى دعاهم إلى الإسلام فأسلموا على يديه ولم يظهر منافرتهم في أول الأمر.
وهنا " أصول " تنازع الناس فيها. منها أن القلب هل يقوم به تصديق أو تكذيب ولا يظهر قط منه شيء على اللسان والجوارح وإنما يظهر نقيضه من غير خوف؟ فالذي عليه السلف والأئمة وجمهور الناس أنه لا بد من ظهور موجب ذلك على الجوارح فمن قال: إنه يصدق الرسول ويحبه ويعظمه بقلبه ولم يتكلم قط بالإسلام ولا فعل شيئا من واجباته بلا خوف فهذا لا يكون مؤمنا في الباطن؛ وإنما هو كافر.
وزعم جهم ومن وافقه أنه يكون مؤمنا في الباطن. . . (1) وأن مجرد معرفة القلب وتصديقه يكون إيمانا يوجب الثواب يوم القيامة بلا قول ولا عمل ظاهر وهذا باطل شرعا وعقلا كما قد بسط في غير هذا الموضع وقد كفر السلف كوكيع وأحمد وغيرهما من يقول بهذا القول وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم {إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب} فبين أن صلاح القلب مستلزم لصلاح الجسد فإذا كان الجسد غير صالح دل على أن القلب غير صالح والقلب المؤمن صالح فعلم أن من يتكلم بالإيمان ولا يعمل به لا يكون قلبه مؤمنا حتى إن المكره إذا كان في إظهار الإيمان فلا بد أن يتكلم مع نفسه وفي السر مع من يأمن إليه ولا بد أن يظهر على صفحات وجهه وفلتات لسانه كما قال عثمان.

وأما إذا لم يظهر أثر ذلك لا بقوله ولا بفعله قط فإنه يدل على أنه ليس في القلب إيمان. وذلك أن الجسد تابع للقلب فلا يستقر شيء في القلب إلا ظهر موجبه ومقتضاه على البدن ولو بوجه من الوجوه وإن لم يظهر كل موجبه لمعارض فالمقتضي لظهور موجبه قائم؛ والمعارض لا يكون لازما للإنسان لزوم القلب له؛ وإنما يكون في بعض الأحوال متعذرا إذا كتم ما في قلبه كمؤمن آل فرعون مع أنه قد دعا إلى الإيمان دعاء ظهر به من إيمان قلبه ما لا يظهر من إيمان من أعلن إيمانه بين موافقيه وهذا في معرفة القلب وتصديقه.

ومنها قصد القلب وعزمه إذا قصد الفعل وعزم عليه مع قدرته على ما قصده هل يمكن أن لا يوجد شيء مما قصده وعزم عليه؟ فيه قولان أصحهما أنه إذا حصل القصد الجازم مع القدرة وجب وجود المقدور وحيث لم يفعل العبد مقدوره دل على أنه ليس هناك قصد جازم وقد يحصل قصد جازم مع العجز عن المقدور لكن يحصل معه مقدمات المقدور وقيل: بل قد يمكن حصول العزم التام بدون أمر ظاهر. وهذا نظير قول من قال ذلك في المعرفة والتصديق وهما من أقوال أتباع جهم الذين نصروا قوله في الإيمان كالقاضي أبي بكر وأمثاله فإنهم نصروا قوله وخالفوا السلف والأئمة وعامة طوائف المسلمين. وبهذا ينفصل النزاع في " مؤاخذة العبد بالهمة " فمن الناس: من قال: يؤاخذ بها إذا كانت عزما ومنهم من قال: لا يؤاخذ بها والتحقيق: أن الهمة إذا صارت عزما فلا بد أن يقترن بها قول أو فعل؛ فإن الإرادة مع القدرة تستلزم وجود المقدور.
والذين قالوا: يؤاخذ بها احتجوا بقوله: {إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار} الحديث وهذا لا حجة فيه؛ فإنه ذكر ذلك في رجلين اقتتلا كل منهما يريد قتل الآخر وهذا ليس عزما مجردا؛ بل هو عزم مع فعل المقدور؛ لكنه عاجز عن إتمام مراده وهذا يؤاخذ باتفاق المسلمين فمن اجتهد على شرب الخمر وسعى في ذلك بقوله وعمله ثم عجز فإنه آثم باتفاق المسلمين وهو كالشارب وإن لم يقع منه شرب وكذلك من اجتهد على الزنا والسرقة ونحو ذلك بقوله وعمله ثم عجز فهو آثم كالفاعل ومثل ذلك في قتل النفس وغيره كما جعل الداعي إلى الخير له مثل أجر المدعو ووزره لأنه أراد فعل المدعو وفعل ما يقدر عليه فالإرادة الجازمة مع فعل المقدور من ذلك فيحصل له مثل أجر الفاعل ووزره وقد قال تعالى: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم} الآية.
وفصل الخطاب في الآية أن {أولي الضرر} نوعان: نوع لهم عزم تام على الجهاد ولو تمكنوا لما قعدوا ولا تخلفوا وإنما أقعدهم العذر فهم كما {قال النبي صلى الله عليه وسلم إن بالمدينة رجالا ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم قالوا: وهم بالمدينة قال: وهم بالمدينة حبسهم العذر} وهم أيضا كما قال في حديث أبي كبشة الأنماري {هما في الأجر سواء} وكما في حديث أبي موسى {إذا مرض العبد أو سافر كتب له من العمل ما كان يعمل صحيحا مقيما} فأثبت له مثل ذلك العمل؛ لأن عزمه تام وإنما منعه العذر.

والنوع الثاني من " أولي الضرر " الذين ليس لهم عزم على الخروج فهؤلاء يفضل عليهم الخارجون المجاهدون وأولو الضرر العازمون عزما جازما على الخروج وقوله تعالى {غير أولي الضرر} سواء كان استثناء أو صفة دل على أنهم لا يدخلون مع القاعدين في نفي الاستواء فإذا فصل الأمر فيهم بين العازم وغير العازم بقيت الآية على ظاهرها ولو جعل قوله: {فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة} عاما في أهل الضرر وغيرهم لكان ذلك مناقضا لقوله: {غير أولي الضرر} فإن قوله: {لا يستوي القاعدون} {والمجاهدون} إنما فيها نفي الاستواء؛ فإن كان أهل الضرر كلهم كذلك لزم بطلان قوله: {غير أولي الضرر} ولزم أنه لا يساوي المجاهدين قاعد ولو كان من أولي الضرر وهذا خلاف مقصود الآية.
__________
Q (1) بياض بالأصل


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 36.41 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.78 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.72%)]