عرض مشاركة واحدة
  #199  
قديم 13-05-2022, 09:56 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,215
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثالث
سُورَةُ الانعام
الحلقة (199)
صــ29 إلى صــ 34




قوله تعالى: فإنهم لا يكذبونك قرأ نافع ، والكسائي: "يكذبونك" بالتخفيف وتسكين الكاف . وفي معناها قولان . [ ص: 29 ] أحدهما: لا يلفونك كاذبا قاله ابن قتيبة .

والثاني: لا يكذبون الشيء الذي جئت به ، إنما يجحدون آيات الله ، ويتعرضون لعقوباته . قال ابن الأنباري: وكان الكسائي يحتج لهذه القراءة بأن العرب تقول: كذبت الرجل: إذا نسبته إلى الكذب وصنعة الأباطيل من القول ; وأكذبته إذا أخبرت أن الذي يحدث به كذب ، ليس هو الصانع له قال: وقال غير الكسائي: يقال أكذبت الرجل: إذا أدخلته في جملة الكذابين ، ونسبته إلى صفتهم ، كما يقال: أبخلت الرجل: إذا نسبته إلى البخل ، وأجبنته: إذا وجدته جبانا قال الشاعر:


فطائفة قد أكفروني بحبكم وطائفة قالوا مسيء ومذنب


وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وحمزة وابن عامر: "يكذبونك" بالتشديد وفتح الكاف ، وفي معناها خمسة أقوال .

أحدها: لا يكذبونك بحجة ، وإنما هو تكذيب عناد وبهت ، قاله قتادة ، والسدي .

والثاني: لا يقولون لك: أنك كاذب ، لعلمهم بصدقك ، ولكن يكذبون ما جئت به ، قاله ناجية بن كعب .

والثالث: لا يكذبونك في السر ، ولكن يكذبونك في العلانيه عداوة لك قاله ابن السائب ، ومقاتل .

والرابع: لا يقدرون أن يقولوا لك فيما أنبأت به مما في كتبهم: كذبت .

والخامس: لا يكذبونك بقلوبهم ، لأنهم يعلمون أنك صادق ، ذكر القولين الزجاج . [ ص: 30 ] وقال أبو علي: يجوز أن يكون معنى القراءتين واحدا وإن اختلفت اللفظتان ، إلا أن "فعلت": إذا أرادوا أن ينسبوه إلى أمر أكثر من "أفعلت" . ويؤكد أن القراءتين بمعنى ، ما حكاه سيبويه أنهم قالوا: قللت ، وأقللت ، وكثرت ، وأكثرت بمعنى .

قال أبو علي ومعنى "لا يكذبونك" لا يقدرون أن ينسبوك إلى الكذب فيما أخبرت به مما جاء في كتبهم ، ويجوز أن يكون معنى الحقيقة: لا يصادفونك كاذبا كما يقال أحمدت الرجل: إذا أصبته محمودا ، لأنهم يعرفونك بالصدق والأمانة ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون بألسنتهم ما يعلمونه يقينا ، لعنادهم

وفي "آيات الله" هاهنا ثلاثة أقوال .

أحدها أنها محمد صلى الله عليه وسلم قاله السدي .

والثاني محمد والقرآن ، قاله ابن السائب ،

والثالث: القرآن . قاله مقاتل .
ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبإ المرسلين

قوله تعالى: ولقد كذبت رسل من قبلك هذه تعزية له على ما يلقى منهم . قال ابن عباس : فصبروا على ما كذبوا رجاء ثوابي ، وأوذوا حتى نشروا بالمناشير ، وحرقوا بالنار حتى أتاهم نصرنا بتعذيب من كذبهم [ ص: 31 ] قوله تعالى: ولا مبدل لكلمات الله فيه خمسة أقوال .

أحدها: لا خلف لمواعيده ، قاله ابن عباس .

والثاني: لا مبدل لما أخبر به ، وما أمر به قاله الزجاج .

والثالث: لا مبدل لحكوماته ، وأقضيته النافذة في عباده ، فعبرت الكلمات عن هذا المعنى ، كقوله ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين [ الزمر:71] أي: وجب ما قضي عليهم . فعلى هذا القول ، والذي قبله ، يكون المعنى: لا مبدل لحكم كلمات الله ، ولا ناقض لما حكم به ، وقد حكم بنصر أنبيائه بقوله: لأغلبن أنا ورسلي [المجادلة:21]

والرابع: أن معنى الكلام معنى النهي ، وإن كان ظاهره الإخبار ; فالمعنى: لا يبدلن أحد كلمات الله ، فهو كقوله: لا ريب فيه [البقرة:2]

والخامس: أن المعنى: لا يقدر أحد على تبديل كلام الله ، وإن زخرف واجتهد ، لأن الله تعالى صانه برصين اللفظ ، وقويم الحكم ، أن يختلط بألفاظ أهل الزيغ ذكر هذه الأقوال الثلاثة ابن الأنباري

قوله تعالى: ولقد جاءك من نبإ المرسلين أي: فيما صبروا عليه من الأذى فنصروا . وقيل إن: "من" صلة .
وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين [ ص: 32 ] قوله تعالى: وإن كان كبر عليك إعراضهم سبب نزولها: أن الحارث بن عامر أتى النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من قريش فقال: يا محمد ، ائتنا بآية كما كانت الأنبياء تأتي قومها بالآيات ، فإن فعلت آمنا بك ، فنزلت هذه الآية ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . "وكبر" بمعنى: "عظم" . وفي إعراضهم قولان .

أحدهما: عن استماع القرآن . والثاني: عن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم .

فأما "النفق" ، فقال ابن قتيبة: النفق في الأرض: المدخل ، وهو السرب . والسلم في السماء: المصعد . وقال الزجاج : النفق: الطريق النافذ في الأرض . والنافقاء ، ممدود: أحد جحره اليربوع يخرقه من باطن الأرض إلى جلدة الأرض ، فإذا بلغ الجلدة أرقها ، حتى إن رابه ريب ، دفع برأسه ذلك المكان وخرج ومنه سمي المنافق ، لأنه أبطن غير ما أظهر ، كالنافقاء الذي ظاهره غير بين ، وباطنه حفر في الأرض .

"والسلم" مشتق من السلامة ، وهو الشيء الذي يسلمك إلى مصعدك . والمعنى: فإن استطعت هذا فافعل ، "وحذف" فافعل ، لأن في الكلام دليلا عليه .

وقال أبو عبيدة: السلم: السبب والمرقاة ، تقول: اتخذتني سلما لحاجتك ، أي: سببا .

وفي قوله: فتأتيهم بآية قولان

أحدهما: بآية قد سألوك إياها: وذلك أنهم سألوا نزول ملك ، ومثل آيات الأنبياء ، كعصا موسى ، وناقة صالح .

والثاني: بآية هي أفضل من آيتك .

قوله تعالى: ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فيه ثلاثة أقوال . [ ص: 33 ]

أحدها: لو شاء أن يطبعهم على الهدى لطبعهم .

والثاني: لو شاء لأنزل ملائكة تضطرهم إلى الإيمان ، ذكرهما الزجاج .

والثالث: لو شاء لآمنوا كلهم فأخبر إنما تركوا الإيمان بمشيئته ، ونافذ قضائه .

قوله تعالى: فلا تكونن من الجاهلين فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: لا تجهل أنه لو شاء لجمعهم على الهدى .

والثاني: لا تجهل أنه يؤمن بك بعضهم ويكفر بعضهم .

والثالث: لا تكونن ممن لا صبر له ، لأن قلة الصبر من أخلاق الجاهلين .
إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون

قوله تعالى: إنما يستجيب الذين يسمعون أي إنما يجيبك من يسمع ، والمراد سماع قبول .

وفي المراد بالموتى قولان .

أحدهما: أنهم الكفار ، قاله الحسن ، ومجاهد وقتادة ، فيكون المعنى: إنما يستجيب المؤمنون; فأما الكفار ، فلا يستجيبون حتى يبعثهم الله ، ثم يحشرهم كفارا ، فيجيبون اضطرارا . [ ص: 34 ]

والثاني: أنهم الموتى حقيقة ، ضربهم الله مثلا; والمعنى: أن الموتى لا يستجيبون حتى يبعثهم الله ، فكذلك الذين لا يسمعون .

قوله تعالى: ثم إليه يرجعون يعني: المؤمنين والكافرين ، فيجازي الكل .
وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه قل إن الله قادر على أن ينزل آية ولكن أكثرهم لا يعلمون

قوله تعالى: وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه قال ابن عباس : نزلت في رؤساء قريش . "ولولا": بمعنى "هلا" وقد شرحناها في سورة (النساء) . وقال مقاتل: أرادوا بالآية مثل آيات الأنبياء . وقال غيره: أرادوا نزول ملك يشهد له بالنبوة .

وفي قوله تعالى: ولكن أكثرهم لا يعلمون ثلاثة أقوال .

أحدها: لا يعلمون بأن الله قادر على إنزال الآية .

والثاني: لا يعلمون ما عليهم من البلاء في إنزالها ، لأنهم إن لم يؤمنوا بها ، زاد عذابهم .

والثالث: لا يعلمون المصلحة في نزول الآية .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 38.77 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 38.14 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.62%)]