عرض مشاركة واحدة
  #195  
قديم 13-05-2022, 09:53 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,234
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد





تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثالث
سُورَةُ الْأَنْعَامِ
الحلقة (195)
صــ3 إلى صــ 10


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

سُورَةُ الْأَنْعَامِ

فَصْلٌ فِي نُزُولِهَا


روى مجاهد عن ابن عباس: أن ( الأنعام ) مما نزل بمكة . وهذا قول الحسن ، وقتادة ، وجابر بن زيد .

وروى يوسف بن مهران عن ابن عباس ، قال: نزلت سورة [الأنعام] جملة ليلا بمكة وحولها سبعون ألف ملك .

وروى أبو صالح عن ابن عباس قال: هي مكية ، نزلت جملة واحدة ونزلت ليلا ، وكتبوها من ليلتهم ، غير ست آيات وهي: قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم . . . إلى آخر الثلاث آيات ، وقوله: وما قدروا الله حق قدره . . . الآية . [الأنعام:151-153] . وقوله: " ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا " أو قال: أوحي إلي إلى آخر الآيتين [الأنعام: 93 ، 94 ] وذكر مقاتل نحو هذا وزاد آيتين قوله: والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق [الأنعام:114] . وقوله: الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه . . . [الأنعام:21] .

[ ص: 2 ] وروي عن ابن عباس ، وقتادة قالا: هي مكية ، إلا آيتين نزلتا بالمدينة ، قوله: وما قدروا الله حق قدره . . . الآية [الأنعام: 91] .

وقوله: وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات [الأنعام: 141 ] . وذكر أبو الفتح بن شيطا: أنها مكية ، غير آيتين نزلتا بالمدينة قل تعالوا . . . والتي بعدها [الأنعام:152 ، 151] .

الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون .

فأما التفسير ، فقال كعب: فاتحة الكهف فاتحة [الأنعام] وخاتمتها خاتمة هود ، وإنما ذكر السماوات والأرض; لأنهما من أعظم المخلوقات .

والمراد "بالجعل": الخلق ، وقيل: إن "جعل" هاهنا: صلة ، والمعنى: والظلمات . وفي المراد بالظلمات والنور ثلاثة أقوال . أحدها: الكفر والإيمان ، قاله الحسن . والثاني: الليل والنهار . قاله السدي . والثالث: جميع الظلمات والأنوار .

قال قتادة خلق الله السماوات قبل الأرض ، والظلمات قبل النور ، والجنة قبل النار .

قوله تعالى: ثم الذين كفروا يعني: المشركين بعد هذا البيان بربهم يعدلون ، أي: يجعلون له عديلا ، فيعبدون الحجارة الموات ، مع إقرارهم بأنه الخالق لما وصف . يقال: عدلت هذا بهذا: إذا ساويته به . قال أبو عبيدة: هو مقدم ومؤخر ، تقديره: يعدلون بربهم . وقال النضر بن شميل: الباء: بمعنى" عن " .
هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده ثم أنتم تمترون .

قوله تعالى: هو الذي خلقكم من طين يعني: آدم ، وذلك أنه لما شك [ ص: 3 ] المشركون في البعث ، وقالوا: من يحيي هذه العظام ، أعلمهم أنه خلقهم من طين ، فهو قادر على إعادة خلقهم .

قوله تعالى: ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده فيه ستة أقوال .

أحدها: أن الأجل الأول: أجل الحياة إلى الموت ، والثاني: أجل الموت إلى البعث ، روي عن ابن عباس ، والحسن ، وابن المسيب ، وقتادة ، والضحاك ، ومقاتل .

والثاني أن الأجل: الأول النوم الذي تقبض فيه الروح ، ثم ترجع في حال اليقظة ، والأجل المسمى عنده: أجل موت الإنسان .

رواه العوفي عن ابن عباس .

والثالث: أن الأجل الأول: أجل الآخرة متى يأتي ، والأجل الثاني: أجل الدنيا ، قاله مجاهد في رواية .

والرابع: أن الأول: خلق الأشياء في ستة أيام ، والثاني: ما كان بعد ذلك إلى يوم القيامة ، قاله عطاء الخراساني .

والخامس: أن الأول: قضاه حين أخذ الميثاق على خلقه ، والثاني: الحياة في الدنيا ، قاله ابن زيد ، كأنه يشير إلى أجل الذرية حين أحياهم وخاطبهم .

والسادس: أن الأول: أجل من قد مات من قبل . والثاني: أجل من يموت بعد ، ذكره الماوردي .

قوله تعالى: ثم أنتم أي بعد هذا البيان تمترون وفيه قولان .

أحدهما: تشكون ، قاله قتادة ، والسدي . وفيما شكوا فيه قولان . أحدهما: الوحدانية ، والثاني: البعث .

والثاني: يختلفون ، مأخوذ من المراء ، ذكره الماوردي . [ ص: 4 ] وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون .

قوله تعالى: وهو الله في السماوات وفي الأرض فيه أربعة أقوال .

أحدها: هو المعبود في السماوات وفي الأرض ، قاله ابن الأنباري .

والثاني: وهو المنفرد بالتدبير في السماوات وفي الأرض ، قاله الزجاج .

والثالث: وهو الله في السماوات ، ويعلم سركم وجهركم في الأرض ، قاله ابن جرير .

والرابع: أنه مقدم ومؤخر . والمعنى: وهو الله يعلم سركم وجهركم في السماوات والأرض ، ذكره بعض المفسرين .
وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون .

قوله تعالى: وما تأتيهم من آية من آيات ربهم نزلت في كفار قريش .

وفي الآية قولان . أحدهما: أنها الآية من القرآن ، والثاني: المعجزة مثل انشقاق القمر .

والمراد بالحق: القرآن . والأنباء: الأخبار . والمعنى: سيعلمون عاقبة استهزائهم .
ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين .

قوله تعالى: كم أهلكنا من قبلهم من قرن القرن: اسم أهل كل عصر . [ ص: 5 ] وسموا بذلك; لاقترانهم في الوجود . وللمفسرين في المراد بالقرن سبعة أقوال .

أحدها: أنه أربعون سنة ، ذكره ابن سيرين عن النبي صلى الله عليه وسلم .

والثاني: ثمانون سنة ، رواه أبو صالح عن ابن عباس .

والثالث: مائة سنة ، قاله عبد الله بن بشر المازني ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن .

والرابع: مائة وعشرون سنة ، قاله زرارة بن أوفى ، وإياس بن معاوية .

والخامس: عشرون سنة ، حكاه الحسن البصري .

والسادس: سبعون سنة ، ذكره الفراء .

والسابع: أن القرن: أهل كل مدة كان فيها نبي ، أو طبقة من العلماء ، قلت السنون ، أو كثرت ، بدليل قوله: صلى الله عليه وسلم "خيركم قرني" يعني: أصحابي "ثم الذين يلونهم" يعني: التابعين . " ثم الذين يلونهم" يعني: الذين أخذوا عن التابعين .

فالقرن: مقدار التوسط في أعمار أهل الزمان ، فهو في كل قوم على مقدار أعمارهم ، واشتقاق القرن من الاقتران وفي معنى ذلك الاقتران قولان .

أحدهما: أنه سمي قرنا; لأنه المقدار الذي هو أكثر ما يقترن فيه أهل ذلك الزمان في بقائهم . هذا اختيار الزجاج . [ ص: 6 ] والثاني: أنه سمي قرنا; لأنه يقرن زمانا بزمان ، وأمة بأمة ، قاله ابن الأنباري . وحكى ابن قتيبة عن أبي عبيدة قال: يرون أن أقل ما بين القرنين: ثلاثون سنة .

قوله تعالى: مكناهم في الأرض قال ابن عباس : أعطيناهم ما لم نعطكم . يقال مكنته ومكنت له: إذا أقدرته على الشيء بإعطاء ما يصح به الفعل من العدة . وفي هذه الآية رجوع من الخبر إلى الخطاب .

فأما السماء: فالمراد بها المطر . ومعنى "أرسلنا" أنزلنا ، و"المدرار" مفعال من در ، يدر ، والمعنى: نرسلها كثيرة الدر .

ومفعال ، من أسماء المبالغة ، كقولهم: امرأة مذكار: إذا كانت كثيرة الولادة للذكور ، وكذلك مئناث .

فإن قيل: السماء مؤنثة ، فلم ذكر مدرارا .

فالجواب: أن حكم ما انعدل من النعوت عن منهاج الفعل وبنائه أن يلزم التذكير في كل حال سواء كان وصفا لمذكر أو مؤنت ، كقولهم امرأة مذكار ، ومعطار ، وامرأة مذكر ، ومؤنث ، وهي كفور ، وشكور ، ولو بنيت هذه الأوصاف على الفعل ، لقيل كافرة ، وشاكرة ومذكرة ، فلما عدل عن بناء الفعل ، جرى مجرى ما يستغني بقيام معنى التأنيث فيه عن العلامة ، كقولهم: النعل لبستها ، والفأس كسرتها ، وكان إيثارهم التذكير للفرق بين المبني على الفعل ، والمعدول عن مثل الأفاعيل . والمراد بالمدرار: المبالغة في اتصال المطر ودوامه . يعني: أنها تدر وقت الحاجة إليها ، لا أنها تدوم ليلا ونهارا فتفسد ، ذكره ابن الأنباري .
[ ص: 7 ] ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين .

قوله تعالى: ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس سبب نزولها: أن مشركي مكة قالوا: يا محمد ، والله لن نؤمن لك حتى تأتينا بكتاب من عند الله ، ومعه أربعة من الملائكة ، يشهدون أنه ، من عند الله ، وأنك رسوله فنزلت هذه الآية ، قاله ابن السائب . قال ابن قتيبة: والقرطاس: الصحيفة ، يقال للرامي إذا أصاب الصحيفة: قرطس . قال شيخنا أبو منصور اللغوي: القرطاس قد تكلموا به قديما .

ويقال: إن أصله غير عربي . والجمهور على كسر قافه ، وضمها أبو رزين ، وعكرمة ، وطلحة ، ويحيى بن يعمر .

فأما قوله تعالى: فلمسوه بأيديهم فهو توكيد لنزوله ، وقيل: إنما علقه باللمس باليد إبعادا له عن السحر; لأن السحر يتخيل في المرئيات ، دون الملموسات . ومعنى الآية: إنهم يدفعون الصحيح .
وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون [ ص: 8 ] قوله تعالى: وقالوا لولا أنزل عليه ملك قال مقاتل: نزلت في النضر بن الحارث ، وعبد الله بن أبي أمية ، ونوفل بن خويلد ، "ولولا" بمعنى "هلا" أنزل عليه ملك نصدقه ، ولو أنزلنا ملكا فعاينوه ولم يؤمنوا ، لقضي الأمر وفيه ثلاثة أقوال .

أحدها: أن المعنى: لماتوا ، ولم يؤخروا طرفة عين لتوبة ، قاله ابن عباس .

والثاني: لقامت الساعة ، قاله عكرمة ، ومجاهد .

والثالث لعجل لهم العذاب ، قاله قتادة .
ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون .

قوله تعالى: ولو جعلناه أي: ولو جعلنا الرسول إليهم ملكا ، لجعلناه في صورة رجل; لأنهم لا يستطيعون رؤية الملك على صورته ، وللبسنا عليهم أي: لشبهنا عليهم . يقال: ألبست الأمر على القوم ، ألبسه ، أي: شبهته عليهم ، وأشكلته . والمعنى: لخلطنا عليهم ما يخلطون على أنفسهم حتى يشكوا ، فلا يدرون أملك هو ، أم آدمي؟ فأضللناهم بما به ضلوا ، قبل أن يبعث الملك . وقال الزجاج : كانوا يلبسون على ضعفتهم في أمر النبي صلى الله عليه وسلم فيقولون: إنما هذا بشر مثلكم ، فقال تعالى: لو رأوا الملك رجلا لكان يلحقهم فيه من اللبس مثل ما لحق ضعفتهم منه . وقرأ الزهري ، ومعاذ القارئ ، وأبو رجاء "وللبسنا" ، بالتشديد "عليهم ما يلبسون" مشددة أيضا .
ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين .

[ ص: 9 ] قوله تعالى: فحاق بالذين سخروا أي: أحاط قال الزجاج : الحيق في اللغة: ما اشتمل على الإنسان من مكروه فعله ، ومنه: ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله [فاطر:34] أي: لا ترجع عاقبة مكروهه إلا عليهم . قال السدي: وقع بهم العذاب الذي استهزؤوا به .
قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون .

قوله تعالى: قل لمن ما في السماوات والأرض المعنى: فإن أجابوك ، وإلا فـ قل: لله ، كتب على نفسه الرحمة قال ابن عباس : قضى لنفسه أنه أرحم الراحمين ، قال الزجاج : ومعنى كتب: أوجب ذلك إيجابا مؤكدا ، وجائز أن يكون كتب في اللوح المحفوظ ، وإنما خوطب الخلق بما يعقلون ، فهم يعقلون أن توكيد الشيء المؤخر أن يحفظ بالكتاب . وقال غيره: رحمته عامة ، فمنها تأخير العذاب عن مستحقه ، وقبول توبة العاصي .

قوله تعالى: ليجمعنكم إلى يوم القيامة اللام: لام القسم . كأنه قال: والله ليجمعنكم إلى اليوم الذي أنكرتموه . وذهب قوم إلى أن "إلى" بمعنى: "في" ثم اختلفوا ، فقال قوم: في يوم القيامة . وقال آخرون: في قبوركم إلى يوم القيامة .

قوله تعالى: الذين خسروا أنفسهم أي: بالشرك . فهم لا يؤمنون لما سبق فيهم من القضاء . وقال ابن قتيبة: قوله: الذين خسروا أنفسهم مردود إلى قوله: كيف كان عاقبة المكذبين مردود إلى قوله: كيف كان عاقبة المكذبين الذين خسروا .
وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم .

قوله تعالى: وله ما سكن في الليل والنهار سبب نزولها أن كفار مكة [ ص: 10 ] قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: قد علمنا أنه إنما يحملك على ما تدعونا إليه الحاجة ، فنحن نجعل لك نصيبا في أموالنا حتى تكون من أغنانا رجلا ، وترجع عما أنت عليه ، فنزلت هذه الآية ، قاله ابن عباس .

وفي معنى "سكن" قولان .

أحدهما: أنه من السكنى . قال ابن الأعرابي: "سكن" بمعنى حل .

والثاني: أنه من السكون الذي يضاد الحركة . قال مقاتل: من المخلوقات ما يستقر بالنهار ، وينتشر بالليل ، ومنها ما يستقر بالليل:وينتشر بالنهار .

فإن قيل: لم خص السكون بالذكر دون الحركة ، فعنه ثلاثة أجوبة .

أحدها: أن السكون أعم وجودا من الحركة .

والثاني: أن كل متحرك قد يسكن ، وليس كل ساكن يتحرك .

والثالث: أن في الآية إضمارا ، والمعنى: وله ما سكن وتحرك كقوله تقيكم الحر [النحل:82] أراد: والبرد ، فاختصر .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 46.37 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 45.74 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.35%)]