عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 13-05-2022, 09:51 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,332
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثانى
سُورَةُ الْمَائِدَةِ
الحلقة (192)
صــ447 إلى صــ 452




فصل

فالقائل بأن المراد بالآية شهادة مسلمين من القبيلة أو من غير القبيلة ، لا يشك في إحكام هذه الآية . فأما القائل بأن المراد بقوله: أو آخران من غيركم أهل الكتاب إذا شهدوا على الوصية في السفر ، فلهم فيها قولان .

أحدهما: أنها محكمة ، والعمل على هذا باق ، وهو قول ابن عباس ، وابن المسيب ، وابن جبير ، وابن سيرين ، وقتادة ، والشعبي ، والثوري ، وأحمد في آخرين .

والثاني: أنها منسوخة بقوله: وأشهدوا ذوي عدل منكم وهو قول [ ص: 447 ] زيد بن أسلم ، وإليه يميل أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، قالوا: وأهل الكفر ليسوا بعدول ، والأول أصح ، لأن هذا موضع ضرورة كما يجوز في بعض الأماكن شهادة نساء لا رجل معهن بالحيض والنفاس والاستهلال .

قوله تعالى: إن أنتم ضربتم في الأرض هذا الشرط متعلق بالشهادة ، والمعنى: ليشهدكم اثنان إن أنتم ضربتم في الأرض ، أي: سافرتم . فأصابتكم مصيبة الموت فيه محذوف ، تقديره: وقد أسندتم الوصية إليهما ، ودفعتم إليهما مالكم تحبسونهما من بعد الصلاة خطاب للورثة إذا ارتابوا . وقال ابن عباس : هذا من صلة قوله: أو آخران من غيركم أي: من الكفار . فأما إذا كانا مسلمين ، فلا يمين عليهما . وفي هذه الصلاة قولان . [ ص: 448 ] أحدهما: صلاة العصر ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال شريح ، وابن جبير ، وإبراهيم ، وقتادة ، والشعبي ،

والثاني: من بعد صلاتهما في دينهما ، حكاه السدي عن ابن عباس ، وقال به .

وقال الزجاج : كان الناس بالحجاز يحلفون بعد صلاة العصر ، لأنه وقت اجتماع الناس . وقال ابن قتيبة: لأنه وقت يعظمه أهل الأديان .

قوله تعالى: فيقسمان بالله أي: فيحلفان إن ارتبتم أي: شككتم يا أولياء الميت . ومعنى الآية: إذا قدم الموصى إليهما بتركة المتوفى ، فاتهمهما الوارث ، استحلفا بعد صلاة العصر: أنهما لم يسرقا ، ولم يخونا . فالشرط في قوله: إن ارتبتم متعلق بتحبسونهما ، كأنه قال: إن ارتبتم حبستموهما فاستحلفتموهما ، فيحلفان بالله: لا نشتري به أي: بأيماننا ، وقيل: بتحريف شهادتنا ، فالهاء عائدة على المعنى . (ثمنا) أي: عرضا من الدنيا ولو كان ذا قربى أي: ولو كان المشهود له ذا قرابة منا ، وخص ذا القرابة ، لميل القريب إلى قريبه . والمعنى: لا نحابي في شهادتنا أحدا ، ولا نميل مع ذي القربى في قول الزور . ولا نكتم شهادة الله إنما أضيفت إليه ، لأمره بإقامتها ، ونهيه عن كتمانها . وقرأ سعيد بن جبير: ولا نكتم شهادة بالتنوين (الله) بقطع الهمزة وقصرها ، وكسر الهاء ، ساكنة النون في الوصل . وقرأ سعيد بن المسيب ، وعكرمة "شهادة" بالتنوين والوصل منصوبة الهاء . وقرأ أبو عمران الجوني "شهادة" بالتنوين وإسكانها في الوصل (الله) بقطع الهمزة وقصرها مفتوحة الهاء . وقرأ الشعبي ، وابن السميفع: "شهادة" بالتنوين وإسكانها في الوصل [ ص: 449 ] ((الله) بقطع الهمزة ، ومدها ، وكسر الهاء . وقرأ أبو العالية ، وعمرو بن دينار مثله ، إلا أنهما نصبا الهاء . واختلف العلماء لأي معنى وجبت اليمين على هذين الشاهدين ، على ثلاثة أقوال .

أحدها: لكونهما من غير أهل الإسلام ، روي هذا المعنى عن أبي موسى الأشعري . والثاني: لوصية وقعت بخط الميت وفقد ورثته بعض ما فيها ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . والثالث: لأن الورثة كانوا يقولون: كان مال ميتنا أكثر ، فاستخانوا الشاهدين ، قاله الحسن ، ومجاهد .
فإن عثر على أنهما استحقا إثما فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين

قوله تعالى: فإن عثر على أنهما استحقا إثما قال المفسرون: لما نزلت الآية الأولى ، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عديا وتميما ، فاستحلفهما عند المنبر: أنهما لم يخونا شيئا مما دفع إليهما ، فحلفا ، وخلى سبيلهما ، ثم ظهر الإناء الذي كتماه ، فرفعهما أولياء الميت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت فإن عثر على أنهما استحقا إثما ومعنى "عثر": اطلع ، أي: إن عثر أهل الميت ، أو من يلي أمره ، على أن الشاهدين اللذين هما آخران من غيرنا (استحقا إثما) لميلهما عن الاستقامة في شهادتهما (فآخران يقومان مقامهما) أي: مقام هذين الخائنين (من الذين استحق عليهم الأوليان) .

قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، والكسائي: "استحق" بضم التاء ، "الأوليان" على التثنية . وفي قوله: من الذين استحق عليهم قولان . [ ص: 449 ] أحدهما: أنهما الذميان . والثاني: الوليان ، فعلى الأول في معنى (استحق عليهم) أربعة أقوال .

أحدها: استحق عليهم الإيصاء ، قال ابن الأنباري: المعنى: من القوم الذين استحق فيهم الإيصاء ، استحقه الأوليان بالميت ، وكذلك قال الزجاج : المعنى: من الذين استحقت الوصية أو الإيصاء عليهم .

والثاني: أنه الظلم ، والمعنى: من الذين استحق عليهم ظلم الأوليان ، فحذف الظلم ، وأقام الأوليين مقامه ، ذكره ابن القاسم أيضا .

والثالث: أنه الخروج مما قاما به من الشهادة ، لظهور خيانتهما .

والرابع: أنه الإثم ، والمعنى: استحق منهم الإثم ، ونابت "على" عن "من" كقوله: على الناس يستوفون [المطففين 2] أي: منهم . وقال الفراء: "على" بمعنى "في" كقوله: على ملك سليمان [البقرة: 102] أي: في ملكه ، ذكر القولين أبو علي الفارسي . وعلى هذه الأقوال مفعول "استحق" محذوف مقدر . وعلى القول الثاني في معنى (استحق عليهم) قولان .

أحدهما: استحق منهم الأوليان ، وهو اختيار ابن قتيبة .

والثاني: جنى عليهم الإثم ، ذكره الزجاج .

فأما "الأوليان" ، فقال الأخفش: الأوليان: اثنان ، واحدهما: الأولى ، والجمع: الأولون . ثم للمفسرين فيهما قولان .

أحدهما: أنهما أولياء الميت ، قاله الجمهور . قال الزجاج : " الأوليان " في قول أكثر البصريين يرتفعان على البدل مما في "يقومان" والمعنى: فليقم الأوليان بالميت مقام هذين الخائنين . وقال أبو علي: لا يخلو الأوليان أن يكون [ ص: 451 ] ارتفاعهما على الابتداء ، أو يكون خبر مبتدأ محذوف ، كأنه قال: فآخران يقومان مقامهما ، هما الأوليان ، أو يكون بدلا من الضمير الذي في "يقومان" . والتقدير: فيقوم الأوليان .

والقول الثاني: أن "الأوليان": هما الذميان ، والمعنى: أنهما الأوليان بالخيانة ، فعلى هذا يكون المعنى: يقومان ، إلا من الذين استحق عليهم . قال الشاعر:


فليت لنا من ماء زمزم شربة مبردة باتت على طهيان


أي: بدلا من ماء زمزم . وروى قرة عن ابن كثير ، وحفص ، وعاصم: "استحق" بفتح التاء والحاء "الأوليان" على التثنية ، والمعنى: استحق عليهم الأوليان بالميت وصيته التي أوصى بها ، فحذف المفعول . وقرأ حمزة ، وأبو بكر عن عاصم: "استحق" برفع التاء ، وكسر الحاء ، "الأولين" بكسر اللام ، وفتح النون على الجمع ، والتقدير: من الأولين الذين استحق فيهم الإثم ، أي: جني عليهم ، لأنهم كانوا أولين في الذكر . ألا ترى أنه قد تقدم ذوا عدل منكم على قوله: أو آخران من غيركم وروى الحلبي عن عبد الوارث "الأولين" بفتح الواو وتشديدها ، وفتح اللام ، وسكون الياء ، وكسر النون ، وهي تثنية: أول . وقرأ الحسن البصري: "استحق" بفتح التاء والحاء ، "الأولون" تثنية "أول" على البدل من قوله: فآخران . وقال ابن قتيبة: أشبه الأقوال بالآية أن الله تعالى أراد أن يعرفنا كيف يشهد بالوصية عند حضور الموت ، فقال: ذوا عدل منكم أي: عدلان من المسلمين [تشهدونهما على الوصية] ، وعلم أن من الناس من يسافر فيصحبه في سفره أهل الكتاب دون المسلمين ، وينزل القرية التي لا يسكنها غيرهم ، ويحضره الموت ، فلا يجد [ ص: 452 ] من يشهده من المسلمين ، فقال: أو آخران من غيركم ، أي: من غير أهل دينكم ، [ ( إذا ضربتم في الأرض ) أي: سافرتم فأصابتكم مصيبة الموت وتم الكلام . فالعدلان من المسلمين للحضر والسفر خاصة إن أمكن إشهادهما في السفر] والذميان في السفر خاصة إذا لم يوجد غيرهما [ثم قال] تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم أراد: تحبسونهما من بعد صلاة العصر إن ارتبتم في شهادتهما ، وخشيتم أن يكونا قد خانا ، أو بدلا ، فإذا حلفا ، مضت شهادتهما . فإن عثر [بعد هذه اليمين] أي: ظهر على أنهما استحقا إثما ، أي: حنثا في اليمين بكذب [في قول] أو خيانة [في وديعة] ، فآخران ، أي: قام في اليمين مقامهما رجلان من قرابة الميت الذين استحق منهم الأوليان ، وهما الوليان ، يقال: هذا الأولى بفلان ، ثم يحذف من الكلام "بفلان" ، فيقال: هذا الأولى ، وهذان الأوليان ، و "عليهم" بمعنى: "منهم" . فيحلفان بالله: لقد ظهرنا على خيانة الذميين ، وكذبهما ، وما اعتدينا عليهما ، ولشهادتنا أصح ، لكفرهما وإيماننا ، فيرجع على الذميين بما اختانا ، وينقض ما مضى من الحكم بشهادتهما تلك . وقال غيره: لشهادتنا ، أي: ليميننا أحق ، وسميت اليمين شهادة ، لأنها كالشهادة على ما يحلف عليه أنه كذلك .

قال المفسرون: فلما نزلت هذه الآية قام عمرو بن العاص ، والمطلب بن أبي وداعة السهميان ، فحلفا بالله ، ودفع الإناء إليهما وإلى أولياء الميت .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 40.93 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 40.31 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.53%)]