
11-05-2022, 07:59 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,500
الدولة :
|
|
رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الرابع
الحلقة (285)
سُورَةُ طه
صـ 82 إلى صـ 88
وأما على قول من قال : إن الذين قالوا لموسى : ما أخلفنا موعدك بملكنا هم الذين لم يعبدوا العجل . لأنهم وعدوه أن يتبعوه ، ولما وقع ما وقع من عبادة أكثرهم للعجل تأخروا عن اتباع موسى بسبب ذلك ، ولم يتجرءوا على مفارقتهم خوفا من الفرقة [ ص: 82 ] فالعذر له وجه في الجملة ، كما يشير إليه قوله تعالى في القصة في هذه السورة الكريمة قال ياهارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعني أفعصيت أمري قال ياابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي [ 20 92 ] .
والمصدر في قوله بملكنا مضاف إلى فاعله ومفعوله محذوف ، أي : بملكنا أمرنا . وقال القرطبي : كأنه قال بملكنا الصواب بل أخطأنا . فهو اعتراف منهم بالخطأ . وقال الزمخشري : أفطال عليكم العهد : الزمان ، يريد مدة مفارقته لهم .
تنبيه
كل فعل مضارع في القرآن مجزوم بـ " لم " إذا تقدمتها همزة استفهام . كقوله هنا : ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا فيه وجهان معروفان عند العلماء :
الأول : أن مضارعته تنقلب ماضوية ، ونفيه ينقلب إثباتا . فيصير قوله : ألم يعدكم بمعنى وعدكم ، وقوله : ألم نشرح بمعنى شرحنا ، وقوله : ألم نجعل له عينين جعلنا له عينين . وهكذا . ووجه انقلاب المضارعة ماضوية ظاهر ، لأن " لم " حرف قلب تقلب المضارع من معنى الاستقبال إلى معنى المضي كما هو معروف . ووجه انقلاب النفي إثباتا أن الهمزة إنكارية ، فهي مضمنة معنى النفي ، فيتسلط النفي الكامن فيها على النفي الصريح في " لم " فينفيه ، ونفي النفي إثبات فيؤول إلى معنى الإثبات .
الوجه الثاني : أن الاستفهام في ذلك التقرير ، وهو حمل المخاطب على أن يقر فيقول " بلى " وعليه فالمراد من قوله ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا حملهم على أن يقروا بذلك فيقولوا بلى هكذا . ونظير هذا من كلام العرب قول جرير :
ألستم خير من ركب المطايا وأندى العالمين بطون راح
فإذا عرفت أن قوله هنا فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا إلى قوله بملكنا قد بين الله فيه أن موسى لما رجع إليهم في شدة غضب مما فعلوا وعاتبهم قال لهم في ذلك العتاب ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد الآية [ 20 86 ] فاعلم أن بعض عتابه لهم لم يبينه هنا ، وكذلك بعض فعله ، ولكنه بينه في غير هذا الموضع . كقوله في " الأعراف " في القصة بعينها : ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم [ 7 150 ] [ ص: 83 ] وبين بعض ما فعل بقوله في " الأعراف " : وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه [ 7 150 ] وقد أشار إلى ذلك هنا في " طه " في قوله : قال ياابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي [ 20 94 ] .
قوله تعالى : ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي .
قرأ هذا الحرف أبو عمرو وشعبة عن عاصم ، وحمزة ، والكسائي حملنا بفتح الحاء ، والميم المخففة مبينا للفاعل مجردا . وقرأه نافع ، وابن كثير ، وابن عامر وحفص عن عاصم " حملنا " بضم الحاء وكسر الميم المشددة مبنيا للمفعول . و " نا " على القراءة الأولى فاعل " حمل " وعلى الثانية نائب فاعل " حمل " بالتضعيف . والأوزار في قوله أوزارا قال بعض العلماء : معناها الأثقال . وقال بعض العلماء : معناها الآثام . ووجه القول الأول أنها أحمال من حلي القبط الذي استعاروه منهم . ووجه الثاني أنها آثام وتبعات . لأنهم كانوا معهم في حكم المستأمنين في دار الحرب ، وليس للمستأمن أن يأخذ مال الحربي ، ولأن الغنائم لم تكن تحل لهم . والتعليل الأخير أقوى .
وقوله : من زينة القوم المراد بالزينة الحلي ، كما يوضحه قوله تعالى : واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار ألم [ 7 148 ] أي : ألقيناها وطرحناها في النار التي أوقدها السامري في الحفرة ، وأمرنا أن نطرح الحلي فيها . وأظهر الأقوال عندي في ذلك : هو أنهم جعلوا جميع الحلي في النار ليذوب فيصير قطعة واحدة . لأن ذلك أسهل لحفظه حتى يرى نبي الله موسى فيه رأيه . والسامري يريد تدبير خطة لم يطلعوا عليها . وذلك أنه لما جاء جبريل ليذهب بموسى إلى الميقات وكان على فرس ، أخذ السامري ترابا مسه حافر تلك الفرس ، ويزعمون في القصة أنه عاين موضع أثرها ينبت فيه النبات ، فتفرس أن الله جعل فيها خاصية الحياة ، فأخذ تلك القبضة من التراب واحتفظ بها ، فلما أرادوا أن يطرحوا الحلي في النار ليجعلوه قطعة واحدة أو لغير ذلك من الأسباب وجعلوه فيها ، ألقى السامري عليه تلك القبضة من التراب المذكورة ، وقال له : كن عجلا جسدا له خوار . فجعله الله عجلا جسدا له خوار . فقال لهم : هذا العجل هو إلاهكم وإله موسى ، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى عن موسى : قال فما خطبك ياسامري قال بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي [ 20 59 ] .
[ ص: 84 ] وقوله في هذه الآية : ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم هو من بقية اعتذارهم الفاسد البارد ، وهو يدل على أن ذلك الاعتذار من الذين عبدوا العجل لا من غيرهم ، ولا يبعد معه احتمال أنه من غيرهم . لأنه ليس فيه ما يعين كون الاعتذار منهم تعينا غير محتمل . ومعلوم أن هذا العذر عذر لا وجه له على كل حال .
وقوله في هذه الآية الكريمة : فنسي أي : نسي موسى إلهه هنا وذهب يطلبه في محل آخر . قاله ابن عباس في حديث الفتون . وهو قول مجاهد . وعن ابن عباس أيضا من طريق عكرمة فنسي أي : نسي أن يذكركم به . وعن ابن عباس أيضا فنسي أي : السامري ما كان عليه من الإسلام ، وصار كافرا بادعاء ألوهية العجل وعبادته .
قوله تعالى : أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا .
بين الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة سخافة عقول الذين عبدوا العجل ، وكيف عبدوا ما لا يقدر على رد الجواب لمن سأله ، ولا يملك نفعا لمن عبده ، ولا ضرا لمن عصاه . وهذا يدل على أن المعبود لا يمكن أن يكون عاجزا عن النفع ، والضرر ورد الجواب . وقد بين هذا المعنى في غير هذا الموضع . كقوله في " الأعراف " في القصة بعينها : ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا اتخذوه وكانوا ظالمين [ 7 148 ] ولا شك أن من اتخذ من لا يكلمه ، ولا يهديه سبيلا إلها أنه من أظلم الظالمين . ونظير ذلك قوله تعالى عن إبراهيم : ياأبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا [ 19 42 ] وقوله تعالى عنه أيضا : قال هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون [ 26 72 ] وقوله تعالى : ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها [ 7 195 ] وقوله تعالى : ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين [ 46 5 - 6 ] وقوله تعالى : ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير [ 35 13 ] . وقد قدمنا [ ص: 85 ] الكلام مستوفى في همزة الاستفهام التي بعدها أداة عطف كالفاء ، والواو ، كقوله هنا : أفلا يرون فأغنى ذلك عن إعادته هنا . وقرأ هذا الحرف جماهير القراء ألا يرجع بالرفع لأن " أن " مخففة من الثقيلة . والدليل على أنها مخففة من الثقيلة تصريحه تعالى بالثقيلة في قوله في المسألة بعينها في " الأعراف " : ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم الآية [ 7 148 ] ورأى في آية " طه ، والأعراف " علمية على التحقيق ، لأنهم يعلمون علما يقينا أن ذلك العجل المصوغ من الحلي لا ينفع ، ولا يضر ، ولا يتكلم .
واعلم أن المقرر في علم النحو أن : " أن " لها ثلاث حالات : الأولى أن تكون مخففة من الثقيلة قولا واحدا . ولا يحتمل أن تكون " أن " المصدرية الناصبة للفعل المضارع . وضابط هذه : أن تكون بعد فعل العلم وما جرى مجراه من الأفعال الدالة على اليقين . كقوله تعالى : أن سيكون منكم مرضى [ 73 \ 20 ] ، وقوله : ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم الآية [ 72 \ 28 ] ، ونحو ذلك من الآيات ، وقول الشاعر :
واعلم فعلم المرء ينفعه أن سوف يأتي كل ما قدرا
وقول الآخر :
في فتية كسيوف الهند قد علموا أن هالك كل من يحفى وينتعل
وإذا جاء بعد هذه المخففة من الثقيلة فعل مضارع فإنه يرفع ، ولا ينصب كقوله :
علموا أن يؤملون فجادوا قبل أن يسألوا بأعظم سؤل
و " أن " هذه المخففة من الثقيلة يكون اسمها مستكنا غالبا ، والأغلب أن يكون ضمير الشأن . وقيل لا يكون إلا ضمير الشأن ، وخبرها الجملة التي بعدها ، كما أشار إلى ذلك في الخلاصة بقوله :
وإن تخفف أن فاسمها استكن والخبر اجعل جملة من بعد أن
وما سمع في شعر العرب من بروز اسمها في حال كونه غير ضمير الشأن فمن ضرورة الشعر . كقول جنوب أخت عمرو ذي الكلب :
لقد علم الضيف والمرملون إذا اغبر أفق وهبت شمالا
بأنك ربيع وغيث مربع وأنك هناك تكون الثمالا
وقول الآخر :
فلو أنك في يوم الرخاء سألتني طلاقك لم أبخل وأنت صديق
[ ص: 86 ] الحالة الثانية أن تكون محتملة لكونها المصدرية الناصبة للمضارع . ومحتملة لأن تكون هي المخففة من الثقيلة .
وإن جاء بعدها فعل مضارع جاز نصبه للاحتمال الأول ، ورفعه للاحتمال الثاني ، وعليه القراءتان السبعيتان في قوله وحسبوا ألا تكون فتنة [ 5 ] ، بنصب " تكون " ورفعه ، وضابط " أن " هذه أن تكون بعد فعل يقتضي الظن ونحوه من أفعال الرجحان . وإذا لم يفصل بينها وبين الفعل فاصل فالنصب أرجح ، ولذا اتفق القراء على النصب في قوله تعالى أحسب الناس أن يتركوا الآية [ 29 \ 2 ] وقيل : إن " أن " الواقعة بعد الشك ليس فيها إلا النصب . نقله الصبان في حاشيته عن أبي حيان بواسطة نقل السيوطي .
الحالة الثالثة : أن تكون " أن " ليست بعد ما يقتضي اليقين ، ولا الظن ولم يجر مجراهما ، فهي المصدرية الناصبة للفعل المضارع قولا واحدا . وإلى الحالات الثلاث المذكورة أشار بقوله في الخلاصة :
وبلن انصبه وكي كذا بأن لا بعد علم والتي من بعد ظن
فانصب بها والرفع صحح واعتقد تخفيفها من أن فهو مطرد
تنبيه
قال الفخر الرازي في تفسير هذه الآية الكريمة : وليس المقصود من هذا أن العجل لو كان يكلمهم لكان إلها . لأن الشيء يجوز أن يكون مشروطا بشروط كثيرة ، ففوات واحد منها يقتضي فوات المشروط ، ولكن حصول الواحد فيها لا يقتضي حصول المشروط انتهى كلامه .
وما ذكره مقرر في الأصول . فكل ما توقف على شرطين فصاعدا لا يحصل إلا بحصول جميع الشروط . فلو قلت لعبدك : إن صام زيد وصلى وحج فأعطه دينارا . لم يجز له إعطاؤه الدينار إلا بالشروط الثلاثة . ومحل هذا ما لم يكن تعليق الشروط على سبيل البدل فإنه يكفي فيه واحد . فلو قلت لعبدك : إن صام زيد أو صلى فأعطه درهما . فإنه يستوجب إعطاء الدرهم بأحد الأمرين . وإلى هذه المسألة أشار في مراقي السعود في مبحث المخصصات المتصلة بقوله :
وإن تعلق على شرطين شيء فبالحصول للشرطين وما على البدل قد تعلقا
فبحصول واحد تحققا
وقال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية : وقد تقدم في حديث الفتون عن [ ص: 87 ] الحسن البصري : أن هذا العجل اسمه يهموت . وحاصل ما اعتذر به هؤلاء الجهلة : أنهم تورعوا عن زينة القبط فألقوها عنهم وعبدوا العجل ، فتورعوا عن الحقير وفعلوا الأمر الكبير ، كما جاء في الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمر : أنه سأله رجل من أهل العراق عن دم البعوض إذا أصاب الثوب . يعني هل يصلي فيه أم لا ؟ فقال ابن عمر رضي الله عنهما : انظروا إلى أهل العراق قتلوا ابن بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( يعني الحسين رضي الله عنه ) وهم يسألون عن دم البعوضة انتهى منه .
قوله تعالى : ولقد قال لهم هارون من قبل ياقوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى .
بين جل وعلا في هاتين الآيتين الكريمتين : أن بني إسرائيل لما فتنهم السامري وأضلهم بعبادة العجل ، نصحهم نبي الله هارون عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ، وبين لهم أن عبادتهم العجل فتنة فتنوا بها . أي : كفر وضلال ارتكبوه بذلك ، وبين لهم أن ربهم الرحمن خالق كل شيء جل وعلا ، وأن عجلا مصطنعا من حلي لا يعبده إلا مفتون ضال كافر . وأمرهم باتباعه في توحيد الله تعالى ، والوفاء بموعد موسى عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام وأن يطيعوه في ذلك . فصارحوه بالتمرد ، والعصيان ، والديمومة على الكفر حتى يرجع موسى . وهذا يدل على أنه بلغ معهم غاية جهده وطاقته ، وأنهم استضعفوه وتمردوا عليه ولم يطيعوه .
وقد أوضح هذا المعنى في غير هذا الموضع ، كقوله في " الأعراف " : قال ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين [ 7 \ 150 ] ، . فقوله عنهم في خطابهم له لن نبرح عليه عاكفين يدل على استضعافهم له وتمردهم عليه المصرح به في " الأعراف " كما بينا . وقال أبو عبد الله القرطبي رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآيات الكريمات ما نصه : وسئل الإمام أبو بكر الطرطوشي : ما يقول سيدنا الفقيه في مذهب الصوفية ؟ واعلم حرس الله مدته : أنه اجتمع جماعة من رجال فيكثرون من ذكر الله تعالى وذكر محمد - صلى الله عليه وسلم - ، ثم إنهم يوقعون بالقضيب على شيء من الأديم ، ويقوم بعضهم يرقص ويتواجد حتى يقع مغشيا عليه ، ويحضرون شيئا يأكلونه . هل الحضور معهم جائز أم لا ؟ أفتونا مأجورين . وهذا القول الذي يذكرونه :
يا شيخ كف عن الذنوب قبل التفرق والزلل
[ ص: 88 ]
واعمل لنفسك صالحا ما دام ينفعك العمل أما الشباب فقد مضى
ومشيب رأسك قد نزل
وفي مثل هذا ونحوه الجواب يرحمك الله : مذهب الصوفية بطالة وجهالة وضلالة ، وما الإسلام إلا كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - . وأما الرقص ، والتواجد : فأول من أحدثه أصحاب السامري لما اتخذ لهم عجلا جسدا له خوار ، قاموا يرقصون حواليه ، ويتواجدون ، فهو دين الكفار وعبادة العجل . وأما القضيب : فأول من اتخذه الزنادقة ليشغلوا به المسلمين عن كتاب الله تعالى . وإنما كان يجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أصحابه كأنما على رءوسهم الطير من الوقار . فينبغي للسلطان ونوابه أن يمنعهم من حضور المساجد ، وغيرها . ولا يحل لأحد أن يؤمن بالله ، واليوم الآخر أن يحضر معهم ، ولا أن يعينهم على باطلهم . هذا مذهب مالك ، وأبي حنيفة ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وغيرهم من أئمة المسلمين وبالله التوفيق انتهى منه بلفظه .
قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : قد قدمنا في سورة " مريم " ما يدل على أن بعض الصوفية على الحق . ولا شك أن منهم من هو على الطريق المستقيم من العمل بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وبذلك عالجوا أمراض قلوبهم وحرسوها ، وراقبوها وعرفوا أحوالها ، وتكلموا على أحوال القلوب كلاما مفصلا كما هو معلوم ، كعبد الرحمن بن عطية ، أو ابن أحمد بن عطية ، أو ابن عسكر أعني أبا سليمان الداراني ، وكعون بن عبد الله الذي كان يقال له حكم الأمة ، وأضرابهما ، وكسهل بن عبد الله التستري ، أبي طالب المكي ، وأبي عثمان النيسابوري ، ويحيى بن معاذ الرازي ، والجنيد بن محمد ، ومن سار على منوالهم ، لأنهم عالجوا أمراض أنفسهم بكتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، ولا يحيدون عن العمل بالكتاب ، والسنة ظاهرا وباطنا ، ولم تظهر منهم أشياء تخالف الشرع . فالحكم بالضلال على جميع الصوفية لا ينبغي ، ولا يصح على إطلاقه ، والميزان الفارق بين الحق ، والباطل في ذلك هو كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - . فمن كان منهم متبعا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أقواله وأفعاله ، وهديه وسمته ، كمن ذكرنا وأمثالهم ، فإنهم من جملة العلماء العاملين ، ولا يجوز الحكم عليهم بالضلال . وأما من كان على خلاف ذلك فهو الضال .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|