بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الرابع
الحلقة (283)
سُورَةُ طه
صـ 68 إلى صـ 74
وقوله في هذه الآية الكريمة : والله خير وأبقى ظاهره المتبادر منه : أن المعنى خير من فرعون وأبقى منه . لأنه باق لا يزول ملكه ، ولا يذل ، ولا يموت ، ولا يعزل . كما أوضحنا هذا المعنى في سورة " النحل " في الكلام على قوله تعالى : وله الدين واصبا [ 16 52 ] . أي : بخلاف فرعون ، وغيره من ملوك الدنيا فإنه لا يبقى ، بل يموت أو يعزل ، أو يذل بعد العز . وأكثر المفسرين على أن المعنى : أن ثوابه خير مما وعدهم فرعون في قوله : قالوا لفرعون أئن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين [ 7 113 - 114 ] . وأبقى : أي : أدوم . لأن ما وعدهم به فرعون زائل ، وثواب الله باق . كما قال تعالى : ما عندكم ينفد وما عند الله باق [ 16 96 ] وقال تعالى : بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى [ 87 16 ] . وقال بعض العلماء : وأبقى أي : أبقى عذابا من عذابك ، وأدوم منه . وعليه فهو رد لقول فرعون ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى [ ص: 68 ] ومعنى أبقى أكثر بقاء .
قوله تعالى : إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيا .
ذكر الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة : إنه أي : الأمر والشأن من يأت ربه يوم القيامة في حال كونه مجرما أي : مرتكبا الجريمة في الدنيا حتى مات على ذلك كالكافر عياذا بالله تعالى فإن له عند الله جهنم يعذب فيها فـ لا يموت فيستريح ولا يحيا حياة فيها راحة .
وهذا الذي ذكره هنا أوضحه في غير هذا الموضع : كقوله : والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور [ 30 36 ] وقوله تعالى : واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه عذاب غليظ [ 14 15 - 17 ] وقوله تعالى : كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب [ 4 56 ] وقوله تعالى : ويتجنبها الأشقى الذي يصلى النار الكبرى ثم لا يموت فيها ولا يحيا [ 87 11 - 13 ] وقوله تعالى : ونادوا يامالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون [ 43 77 ] إلى غير ذلك من الآيات . ونظير ذلك من كلام العرب قول عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أحد فقهاء المدينة السبعة :
ألا من لنفس لا تموت فينقضي شقاها ولا تحيا حياة لها طعم
قوله تعالى : ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلا .
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة : " أن " ومن يأته يوم القيامة في حال كونه مؤمنا قد عمل الصالحات أي : في الدنيا حتى مات على ذلك فأولئك لهم عند الله الدرجات العلا والعلا : جمع عليا وهي تأنيث الأعلى . وقد أشار إلى هذا المعنى في غير هذا الموضع . كقوله تعالى : وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا [ 17 21 ] وقوله : ولكل درجات مما عملوا [ 6 132 ] ونحو ذلك من الآيات .
قوله تعالى : ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى .
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة . أنه أوحى إلى نبيه موسى عليه وعلى نبينا الصلاة [ ص: 69 ] والسلام : أن يسري بعباده ، وهم بنو إسرائيل فيخرجهم من قبضة فرعون ليلا ، وأن يضرب لهم طريقا في البحر يبسا ، أي : يابسا لا ماء فيه ، ولا بلل ، وأنه لا يخاف دركا من فرعون وراءه أن يناله بسوء . ولا يخشى من البحر أمامه أن يغرق قومه . وقد أوضح هذه القصة في غير هذا الموضع ، كقوله في سورة " الشعراء " : وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي إنكم متبعون فأرسل فرعون في المدائن حاشرين إن هؤلاء لشرذمة قليلون وإنهم لنا لغائظون وإنا لجميع حاذرون فأخرجناهم من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم كذلك وأورثناها بني إسرائيل فأتبعوهم مشرقين فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا إن معي ربي سيهدين فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم [ 26 52 - 63 ] .
فقوله في " الشعراء " : أن اضرب بعصاك البحر فانفلق [ 26 63 ] أي : فضربه فانفلق يوضح معنى قوله : فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا [ 20 77 ] وقوله : قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا إن معي ربي سيهدين [ 26 61 - 62 ] يوضح معنى قوله : لا تخاف دركا ولا تخشى وقد أشار تعالى إلى ذلك في قوله في " الدخان " : فدعا ربه أن هؤلاء قوم مجرمون فأسر بعبادي ليلا إنكم متبعون واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون [ 44 22 - 24 ] إلى غير ذلك من الآيات .
وقد قدمنا طرفا من ذلك في سورة " البقرة " ، والقصة معروفة واضحة من القرآن العظيم . وقرأ نافع ، وابن كثير " أن اسر " بهمزة وصل وكسر نون أن لالتقاء الساكنين ، والباقون قرءوا أن أسر بهمزة قطع مفتوحة مع إسكان نون " أن " وقد قدمنا في سورة " هود " أن أسرى وسرى لغتان وبينا شواهد ذلك العربية . وقرأ حمزة لا تخف بسكون الفاء بدون ألف بين الخاء ، والفاء ، وهو مجزوم لأنه جزاء الطلب ، أي : فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخف . وقد قدمنا أن نحو ذلك من الجزم بشرط محذوف تدل عليه صيغة الطلب ، أي : أن تضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخف . وعلى قراءة الجمهور " لا تخاف " بالرفع ، فلا إشكال في قوله ولا تخشى لأنه فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الألف ، معطوف على فعل مضارع مرفوع هو قوله : لا تخاف .
وأما على قراءة حمزة " لا تخف " بالجزم ففي قوله ولا تخشى إشكال معروف ، وهو أنه معطوف على مضارع مجزوم ، وذلك يقتضي جزمه ، ولو جزم لحذفت [ ص: 70 ] الألف من تخشى على حد قوله في الخلاصة :
واحذف جازما ثلاثهن تقض حكما لازما
والألف لم تحذف فوقع الإشكال بسبب ذلك .
وأجيب عنه من ثلاثة أوجه :
الأول : أن ولا تخشى مستأنف خبر مبتدأ محذوف ، تقديره : وأنت لا تخشى ، أي : ومن شأنك أنك آمن لا تخشى .
والثاني : أن الفعل مجزوم ، والألف ليست هي الألف التي في موضع لام الكلمة ، ولكنها زيدت للإطلاق من أجل الفاصلة ، كقوله : فأضلونا السبيل [ 33 67 ] وقوله : وتظنون بالله الظنون [ 33 10 ] .
والثالث : أن إشباع الحركة بحرف مد يناسبها أسلوب معروف من أساليب اللغة العربية ، كقول عبد يغوث بن وقاص الحارثي :
وتضحك مني شيخة عبشمية كأن لم تر قبلي أسيرا يمانيا
وقول الراجز :
إذا العجوز غضبت فطلق ولا ترضاها ولا تملق
وقول الآخر :
قلت وقد خرت على الكلكال يا ناقتي ما جلت من مجال
وقول عنترة في معلقته :
ينباع من ذفري غضوب جسرة زيافة مثل الفنيق المكدم
فالأصل في البيت الأول : كأن لم تر ، ولكن الفتحة أشبعت . والأصل في الثاني ، ولا ترضها ، ولكن الفتحة أشبعت . والأصل في الثالث على الكلكال يعني الصدر ، ولكن الفتحة أشبعت . والأصل في الرابع ينبع يعني أن العرق ينبع من عظم الذفرى من ناقته على التحقيق ، ولكن الفتحة أشبعت ، وإشباع الفتحة بألف في هذه الأبيات وأمثالها مما لم نذكره ليس لضرورة للشعر لتصريح علماء العربية بأنه أسلوب عربي معروف . ويؤيد ذلك أنه مسموع في النثر ، كقولهم في النثر : كلكال ، وخاتام ، وداناق ، يعنون كلكلا ، وخاتما ، ودانقا . وقد أوضحنا هذه المسألة ، وأكثرنا من شواهدها العربية في كتابنا [ ص: 71 ] ( دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب ) في سورة " البلد " في الكلام على قوله : لا أقسم بهذا البلد [ 90 1 ] مع قوله : وهذا البلد الأمين [ 95 3 ] وقال الزمخشري في تفسير هذه الآية فاضرب لهم طريقا : فاجعل لهم طريقا ، من قولهم : ضرب له في ماله سهما ، وضرب اللبن عمله ا هـ . والتحقيق أن يبسا صفة مشبهة جاءت على فعل بفتحتين كبطل وحسن . وقال الزمخشري : اليبس مصدر وصف به . يقال : يبس يبسا ويبسا ، ونحوهما العدم ، والعدم ، ومن ثم وصف به المؤنث فقيل : شاتنا يبس ، وناقتنا يبس . إذا جف لبنها .
وقوله : لا تخاف دركا الدرك : اسم مصدر بمعنى الإدراك ، أي : لا يدرك فرعون وجنوده ، ولا يلحقونك من ورائك ، ولا تخشى من البحر أمامك . وعلى قراءة الجمهور لا تخاف فالجملة حال من الضمير في قوله فاضرب أي : فاضرب لهم طريقا في حال كونك غير خائف دركا ، ولا خاش . وقد تقرر في علم النحو أن الفعل المضارع المنفي بلا إذا كانت جملته حالية وجب الربط فيها بالضمير وامتنع بالواو . كقوله هنا : فاضرب لهم طريقا أي : في حال كونك لا تخاف دركا ، وقوله ما لي لا أرى الهدهد [ 27 20 ] وقوله : وما لنا لا نؤمن بالله [ 5 84 ] ونظير ذلك من كلام العرب قول الشاعر :
ولو أن قوما لارتفاع قبيلة دخلوا السماء دخلتها لا أحجب
يعني دخلتها في حال كوني غير محجوب ، وبذلك تعلم أن قوله في الخلاصة :
وذات بدء بمضارع ثبت حوت ضميرا ومن الواو خلت
في مفهومه تفصيل كما هو معلوم في علم النحو .
قوله تعالى : فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم .
التحقيق أن أتبع واتبع بمعنى واحد . فقوله : فـ أتبعهم أي : اتبعهم ، ونظيره قوله تعالى : فأتبعه شهاب ثاقب [ 37 \ 10 ] وقوله : فأتبعه الشيطان الآية [ 7 \ 175 ] . والمعنى : أن موسى لما أسرى ببني إسرائيل ليلا أتبعهم فرعون وجنوده فغشيهم من اليم [ 20 \ 78 ] أي : البحر ما غشيهم أي : أغرق الله فرعون وجنوده في البحر فهلكوا عن آخرهم . وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من أن فرعون أتبع بني إسرائيل هو وجنوده ، وأن الله أغرقهم في البحر أوضحه في غير هذا [ ص: 72 ] الموضع . وقد بين تعالى أنهم اتبعوهم في أول النهار عند إشراق الشمس ، فمن الآيات الدالة على اتباعه لهم قوله تعالى في " الشعراء " : وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي إنكم متبعون [ 26 \ 52 ] يعني سيتبعكم فرعون وجنوده . ثم بين كيفية اتباعه لهم فقال فأرسل فرعون في المدائن حاشرين إن هؤلاء لشرذمة قليلون وإنهم لنا لغائظون وإنا لجميع حاذرون فأخرجناهم من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم كذلك وأورثناها بني إسرائيل فأتبعوهم مشرقين فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا إن معي ربي سيهدين [ 26 \ 53 - 62 ] .
وقوله في هذه الآية : فأتبعوهم مشرقين أي : أول النهار عند إشراق الشمس . ومن الآيات الدالة على ذلك أيضا قوله تعالى في " يونس " : وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا [ 10 \ 90 ] وقوله في " الدخان " : فأسر بعبادي ليلا إنكم متبعون [ 44 \ 23 ] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على إتباعه لهم . وأما غرقه هو وجميع قومه المشار إليه بقوله هنا : فغشيهم من اليم ما غشيهم فقد أوضحه تعالى في مواضع متعددة من كتابه العزيز . كقوله في " الشعراء " : فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم وأزلفنا ثم الآخرين وأنجينا موسى ومن معه أجمعين ثم أغرقنا الآخرين إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين [ 26 \ 63 - 67 ] وقوله في " الأعراف " : فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم [ 136 ] وقوله في " الزخرف " : فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين [ 43 \ 55 ] وقوله في " البقرة " : وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون [ 2 \ 50 ] وقوله في " يونس " : حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين [ 10 \ 90 ] وقوله في " الدخان " : واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون [ 44 \ 24 ] إلى غير ذلك من الآيات . والتعبير بالاسم المبهم الذي هو الموصول في قوله فغشيهم من اليم ما غشيهم [ 20 \ 78 ] يدل على تعظيم الأمر وتفخيم شأنه ، ونظيره في القرآن قوله : إذ يغشى السدرة ما يغشى [ 53 \ 16 ] وقوله : والمؤتفكة أهوى فغشاها ما غشى [ 53 \ 53 - 54 ] وقوله : فأوحى إلى عبده ما أوحى [ 53 \ 10 ] . واليم : البحر . والمعنى : فأصابهم من البحر ما أصابهم وهو الغرق ، والهلاك المستأصل .
[ ص: 73 ] قوله تعالى : وأضل فرعون قومه وما هدى .
يعني أن فرعون أضل قومه عن طريق الحق وما هداهم إليها . وهذه الآية الكريمة بين الله فيها كذب فرعون في قوله : قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد [ 40 29 ] ومن الآيات الموضحة لذلك قوله تعالى : ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وملئه فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود [ 11 96 - 98 ] والنكتة البلاغية في حذف المفعول في قوله وما هدى ولم يقل وما هداهم ، هي مراعاة فواصل الآيات ، ونظيره في القرآن قوله تعالى : ما ودعك ربك وما قلى [ 93 3 ] .
قوله تعالى : يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم وواعدناكم جانب الطور الأيمن ونزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم .
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة : امتنانه على بني إسرائيل بإنجائه إياهم من عدوهم فرعون ، وأنه واعدهم جانب الطور الأيمن ، وأنه نزل عليهم المن ، والسلوى ، وقال لهم : كلوا من طيبات ما رزقناكم . ولا تطغوا فيغضب عليكم ربكم . وما ذكره هنا أوضحه في غير هذا الموضع . كقوله في امتنانه عليهم بإنجائهم من عدوهم فرعون في " سورة البقرة " : وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم [ 2 49 ] وقوله في " الأعراف " : وإذ أنجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يقتلون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم [ 7 141 ] وقوله في " الدخان " : ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين من فرعون إنه كان عاليا من المسرفين [ 44 30 - 31 ] وقوله في سورة " إبراهيم " : وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم [ 14 6 ] وقوله في " الشعراء " كذلك وأورثناها بني إسرائيل [ 26 59 ] وقوله في " الدخان " كذلك وأورثناها قوما آخرين [ 44 28 ] وقوله في " الأعراف " : وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها [ 7 137 ] وقوله في " القصص " : ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة إلى قوله يحذرون [ 28 6 ] إلى غير ذلك من الآيات .
[ ص: 74 ] وقوله هنا : وواعدناكم جانب الطور الأيمن [ 20 80 ] الأظهر أن ذلك الوعد هو المذكور في قوله : وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر الآية [ 7 142 ] وقوله : وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة الآية [ 2 51 ] وقوله : ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا [ 20 86 ] وهو الوعد بإنزال التوراة . وقيل فيه غير ذلك .
وقوله هنا : ونزلنا عليكم المن والسلوى قد أوضح امتنانه عليهم بذلك في غير هذا الموضع . كقوله في " البقرة " : وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى [ 2 57 ] وقوله في " الأعراف " وظللنا عليهم الغمام وأنزلنا عليهم المن والسلوى [ 7 160 ] وأكثر العلماء على أن المن : الترنجبين ، وهو شيء ينزل من السماء كنزول الندى ثم يتجمد ، وهو يشبه العسل الأبيض . والسلوى : طائر يشبه السمانى . وقيل هو السمانى . وهذا قول الجمهور في المن ، والسلوى . وقيل : السلوى العسل . وأنكر بعضهم إطلاق السلوى على العسل . والتحقيق : أن " السلوى " يطلق على العسل لغة . ومنه قول خالد بن زهير الهذلي :
وقاسمها بالله جهدا لأنتم ألذ من السلوى إذا ما نشورها
يعني ألذ من العسل إذا ما نستخرجها . لأن النشور : استخراج العسل . قال مؤرج بن عمر السدوسي : إطلاق السلوى على العسل لغة كنانة . سمي به لأنه يسلي . قاله القرطبي . إلا أن أكثر العلماء على أن ذلك ليس هو المراد في الآية . واختلفوا في السلوى . هل هو جمع أو مفرد ؟ فقال بعضهم : هو جمع ، واحده سلواة ، وأنشد الخليل لذلك قول الشاعر :
وإني لتعروني لذكراك هزة كما انتفض السلواة من بلل القطر
ويروى هذا البيت :
كما انتفض العصفور بلله القطر
وعليه فلا شاهد في البيت . وقال الكسائي : السلوى مفرد وجمعه سلاوى . وقال الأخفش : هو جمع لا واحد له من لفظه . مثل الخير والشر ، وهو يشبه أن يكون واحده سلوى مثل جماعته . كما قالوا : دفلى وسمانى وشكاعى في الواحد والجمع . والدفلى كذكرى : شجر أخضر مر حسن المنظر ، يكون في الأودية . والشكاعى كحبارى وقد تفتح : نوع من دقيق النبات صغير أخضر ، دقيق العيدان يتداوى به . والسمانى : طائر معروف .
