عرض مشاركة واحدة
  #237  
قديم 09-05-2022, 03:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,114
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[كتاب النكاح]
صـــــ 219 الى صــــــــ
233
الحلقة (194)





مبحث هل لمن يريد السفر أن يختار من تسافر معه من زوجاته؟
-وإذا سافر المتزوج أكثر من مرة واحدة فلا يخلو إما أن يكون مسافراً سفر انتقال من بلدة إلى أخرى ليستوطن بها، أو مسافراً سفراً مؤقتاً لقضاء حاجة، فإن كان الأول فإنه لا يجوز له أن يترك بعضهن ويأخذ البعض الآخر، لما في ذلك من المضارة للباقيات فإذا كان لا يستطيع أن يعيش معهن جميعاً في البلدة المنقول إليها وجب عليه أن يسرح منهن البعض الذي لا يريده، وإلا وجب عليه أن يقرع بينهن ويأخذ معه من عليها القرعة على أن تمكث معه زمناً ثم يعيدها ويأخذ غيرها لتمكث معه مثل الزمن الذي قضاه مع ضرتها، وهكذا، أما ما اعتاده بعض الناس الذين يتزوجون أكثر من واحدة في بلاد الأرياف ثم ينزحون بواحدة منهن إلى مصر ويتركون الباقيات كالمعلقات بحجة أنه لا يمكن العيش بهن جميعاً في مصر فإنه لا يجوز إلا برضاء الباقيات، وينبغي أن يكون هذا مما لا خلاف فيه، لأن لكل زوجة الحق في القسم في مثل هذه الحالة، إذ لا يقال للزوج إنه مسافر وإنما يقال له: إنه أقام في جهة وهجر نساءه في جهة أخرى، مع أن لهن عليه حقوقاً يجبر عليها، أما إن كان السفر لغرض من الأغراض من تجارة، وغزو، وحج، واستشفاء، ونحو ذلك، فإن فيه تفصيل المذاهب (1) .
مبحث هل للزوج أن يجمع بين زوجاته في بيت واحد وفي فراش واحد؟
-إن كان البيت - عمارة - تحتوي على عدة مساكن - شقق، أو أدوار - لكل شقة باب خاص بها ولها منافع تامة من دورة مياه ومطبخ ومنشر تنشر عليه الملابس المغسولة، فإن للزوج أن يجمع بين الضرائر في هذه العمارة بدون رضائهن، ولا تشترط المساواة في السكنى، بل الشرط أن يكون سكن كل واحدة مناسب لحالها بحيث يرتفع الجور عنها، كما تقدم.
أما إن كان البيت له باب واحد ودورة مياه واحدة ومطبخ واحد ومنشر واحد وكان فيه عدة حجر لكل واحدة منهن حجرة خاصة بها فإنه يجوز بشرط رضائهن، وإلا كان ملزماً بإحضار سكن يليق بكل واحدة، فإذا كان به حجرة واحدة، ورضوا بالسكنى بها فإنه يجوز، ومثل ذلك ما إذا كان في سفر ومعه زوجات وجميعهن في خيمة واحدة أو على فراش واحد (2) فإنه يجوز ولكن يكره أن يطأ إحداهن أمام الأخرى وهي مستورة العورة (3) ، أما إن كانت مكشوفة فإنه يحرم، إذ لا يحل النظر إلى العورة، كما تقدم في الجزء الأول.
مباحث الرضاع
تعريفه
-الرضاع - بفتح الراء، وكسرها - ويقال: رضاعة - بفتح الراء، وكسرها - أيضاً، معناه في اللغة أنه اسم لمص الثدي. سواء كان مص ثدي آدمية أو ثدي بهيمة أو نحو ذلك، فيقال لغة لمن مص ثدي بقرة أو شاة: إنه رضعها، فإذا حلب لبنها وشربه الصبي فلا يقال له: رضعه، ولا يشترط في المعنى اللغوي أن يكون الرضيع صغيراً.
أما معناه شرعاً، فهو وصول لبن آدمية إلى جوف طفل لم يزد سنه على حولين (4) - أربعة وعشرين شهراً - فإن شرب صغير وصغيرة لبن بهيمة لا تحرم عليه، ولا فرق بين أن يصل اللبن إلى الجوف من طريق الفم بمص الثدي أو بصبه في حلقه أو إدخاله من أنفه، فمتى وصل اللبن إلى معدة الطفل أثناء مدة الحولين المذكورين بالشروط الآتية كان رضاعاً شرعياً عليه التحريم الآتي بيانه، أما إن كان كبيراً زائداً على الحولين ورضع فإن رضاعه لا يعتبر، وذلك لقوله تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين} فقد دلت الآية الكريمة على أن أكثر مدة الرضاع المعتبرة في نظر الشرع حولان، فلو رضع بعدها ولو بلحظة فلا يعتبر رضاعة ولا يترتب عليه تحريم لقوله صلى الله عليه وسلم "لا رضاع إلا ما فتق الامعاء وكان قبل الحولين" رواه الترمذي وحسنه ومعنى قوله "فتق الامعاء" وصل إليها، ولقوله عليه الصلاة والسلام: "لا رضاع إلا ما كان في الحولين" رواه البيهقي وغيره.
فإن قلت: ورد في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر سهلة بنت سهيل أن ترضع سالماً مولى أبي حذيفة زوجها بعد البلوغ حتى تكون أماً له فلا يحرم نظره إليها، وذلك لأن سهلة ذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت له يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن سالماً مولى أبي حذيفة مضى في بيتنا وقد بلغ ما يبلغ الرجال وعلم ما يعلم الرجال، فقال: " أرضعيه تحرمي عليه" فهذا صريح في أن رضاع الكبير يوجب التحريم، والجواب أن ذلك كان قبل تحديد مدة الرضاع بالحولين، فنسخ العمل به أو هو خصوصية لسالم وسهلة، لما رآه النبي صلى الله عليه وسلم من الضرورة الملحة التي تستلزم الترخيص لأهل هذا البيت، حيث لا يمكن الاستغناء عن دخول سالم بحال، على أن هناك إشكالاً آخر، وهو أن الرضاع يستلزم الثدي ومصه ولمسه وهو محرم. والجواب أنه لا يستلزم لأن التحريم كما يكون بالمص يكون بالشرب، كما عرفت، فيصح أن تكون قد حلبت له ثديها فشرب.
شروط الرضاع
-يشترط لتحقيق الرضاع الشرعي الموجب لتحريم النكاح، كما توجبه القرابة والمصاهرة، شروط: بعضها يتعلق بالمرضعة، وبعضها يتعلق بالرضيع، وبعضها يتعلق بلبن الرضاعة، وفيها كلها اختلاف المذاهب (5)
[وفيها كلها اختلاف المذاهب (6) ]
__________
(1) (الحنفية - قالوا: للزوج الذي يريد السفر إلى جهة أن يختار من بين زوجاته من تسافر معه لأنه هو الذي يقدر مشقة السفر ويعرف الصالحة له منهن، فهو صاحب الشأن وربما كان ترك بعضهن لازماً لتدبير المنزل، فلا يصح أخذها ولكن يرد على هذا التعليل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرع بين نسائه عند
السفر، والجواب: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك لأنهن كن عنده صالحات لاحتمال مشقة السفر وتدبير المنزل، فأيتهن لم تخرج لها القرعة صلحت لتدبير المنزل لأنهن جميعاً كن متمسكات بدينهن كما أمرهن الله فيعرفن واجباتهن في كل شأن من الشؤون وحيث تساوين في هذا المعنى فقد كان صلى الله عليه وسلم يقرع بينهن تطيباً لخاطرهن لا فرضاً عليه خصوصاً أن مذهب الحنفية يقضي بأن القسم غير واجب على النبي صلى الله عليه وسلم بل كان يفعله لما في طبيعته من حب العدل المطلق، فاقتراع النبي صلى الله عليه وسلم بين نسائه لا يقتضي وجوب ذلك على غيره لما قد يعارض ذلك من المصلحة التي قررناها.
وقال بعض الحنفية: إن القرعة أحب تطيباً لخاطر الزوجات، والذي أفهمه أن عدم القرعة أحب، وذلك لأننا قلنا: إن المسألة منوطة بالمصلحة، وقد تخرج القرعة لمن لا تصلح، نعم انهم قالوا: إن له في هذه الحالة أن يرد القرعة ويأخذ الصالحة، ولكن هذا ينتج عكس المطلوب، وهو ترضية القلوب، لأن التي تخرج القرعة لها فلا تنفذ معها ينكسر خاطرها وتسوء حالها، فأولى أن لا يقرع بل يختار الصالحة من أول الأمر، نعم قد يقال: إذا كن متساويات في الصلاحية للسفر وتدبير المنزل ينبغي أن يقرع بينهن تطييباً لخاطرهن.
هذا، وليس للباقيات قسم، فإذا سافر بإحداهن وقضى معها مدة أسقطت من الحساب وفازت معه بها فعند العودة لا يقضيها لضراتها، لا فرق بين أن تكون مدة سفر، أو مدة إقامة، ولا فرق بين أن تكون من أجل الحج والغزو أو لا، وكذا لا فرق بين أن تكون سفر معصية أو لا، وإذا سافرت الزوجة وحدها وحضرت فلا حق لها في المطالبة بما مضى، لأن الذي مضى لا يعود ولو كان السفر بإذنه. هذا وإذا سافر بهن جميعاً هل يجب القسم بينهن في السفر أو لا؟ لا نص على هذا في كتب الحنفية، والذي أراه أنه يجب عليه القسم، وقد صرح به الحنابلة.
المالكية - قالوا: للزوج أن يختار من يسافر بها من بين زوجاته بدون قرعة، وسواء كان السفر من أحل الحج والغزو أو لا، وهذا القول هو ظاهر المدونة، فإنها أطلقت، ولكن بعضهم حمل هذا على ما إذا كان السفر لغير الحج والغزو. فإن كان لهما وجبت القرعة لما فيهما من ميزة توجب التزاحم والمشاحة، وهو المشهور، ولكن السفر للحج في زماننا هو الذي يوجب المشاحة، أما الغزو فلا، ولا تقضي مدة السفر ذهاباً وإياباً ولا مدة الإقامة، فالتي سافرت هي وحدها، ولو بإذنه لا حق لها في المطالبة بما فاتها ولو كان ذلك لقضاء حاجتها، وبالجملة فالذي يفوت من أوقات القسم لا يقضى ولو لم يكن مسافراً.
الشافعية - قالوا: إذا سافر سفراً قصيراً لغير نقلة من البلد إلى بلد آخر فإنه يصح له أن يأخذ بعض نسائه ويترك البعض بشروط: الأول أن يقرع بينهن، فمن خرج سهمها أخذها حتماً.
الثاني: أن يكون السفر مباحاً. فإذا كان عاصياً بسفره، كما إذا سافر لتلصص، فإنه لا يحل له أن يأخذ واحدة منهن. الثالث: أن عليه قضاء المدة التي يقطنها مع من يأخذ في الجهة التي سافر إليها
بشرط أن يقيم مدة تقطع السفر وتوجب الإقامة، أما إذا أقام مدة لا تقطع السفر، كما إذا مكث لقضاء حاجة ينتظرها مدة ثمانية عشر يوماً فإنه لا يقضيها.
وكذا لا يقضي مدة السفر ذهاباً وإياباً على كل حال، وإذا سافرت المرأة وحدها بدون إذنه أو سافرت بإذنه لقضاء حاجة لها لا له فلا حق لها في المطالبة بالمدة التي سافرت فيها وأما إذا سافرت بإذنه لقضاء حاجة خاصة به فإن لها حق المطالبة بالمدة التي سافرت فيها، ومثل ذلك ما إذا سافرت معه بدون إذنه فإن لها حق القسم.
الحنابلة - قالوا: إذا سافر المتزوج أكثر من واحدة لغير نقلة من بلدة إلى بلدة أخرى، سواء كان السفر طويلاً أو قصيراً، وأراد أن يأخذ معه بعض نسائه وجب عليه أن يقرع بينهن فمن خرجت لها القرعة لا يجوز له أن يأخذ غيرها، نعم يجوز له أن يسافر وحده دون واحدة منهن وإن سافر بمن خرجت لها القرعة فإنه يغتفر لها مدة السفر من سير وحل ورحيل، فإذا عادت فإنها لا تحسب عليها هذه المدة، أما مدة الإقامة المتخللة بين السفر، كأن أعجبهما مناخ جهة فمكثا بها أياماً قبل أن يصلا إلى الجهة المطلوبة لهما فإنها تحسب عليها ويقضي مثلها لضراتها عند عودته، وكذا تحتسب عليها الأيام التي يقيمها في الجهة التي ينويان السفر إليها، أما إذا سافر بإحداهن من غير قرعة فإنه يأثم وعليه قضاء الأيام التي يقضيها معها في مدة السفر والسير والحل والترحال. ولا يغتفر لها إلا الأوقات التي ينفرد عنها إلا إذا رضيت ضرائرها بسفرها بدون قرعة، فإنها تكون بمنزلة المسافرة بالقرعة، وللزوج إكراه من خرجت قرعتها، وإذا سافر باثنتين وجب أن يقسم بينهما إذا لم يكونا في رحل واحد أو خيمة واحدة، أما إذا كان لكل منهما رحل خاص فإنه يجب القسم بينهما، هذا، ولا يشترط أن يكون السفر مباحاً) .
(2) (المالكية - قالوا: إنه يحرم أن يجمع بينهن على فراش واحد، ولو بدون وطء على الراجح وبعضهم يقول: إنه مكروه فقط، وهم وإن لم يصرحوا هنا بحالة الضرورة، كما إذا كان مسافراً ومعه زوجاته ولو خيمة واحدة أو كان في سفينة. ولكن أحوال الضرورة مستثناة بالبداهة) .
(3) (المالكية - قالوا: إن وطء إحدى الزوجات أمام الأخرى حرام لا مكروه) .
(4) (الحنفية - قالوا: في زمن الرضاع رأيان. أحدهما: أنه حولان ونصف حول، أعني ثلاثين شهراً، فإذا وصل اللبن إلى جوف الطفل في أثناء هذه المدة فإنه يعتبر رضاعاً شرعياً يترتب عليه الأحكام الآتية، أما إذا وصل إليه اللبن بعد انقضاء هذه المدة فإنه لا يكون رضاعاً شرعياً، ثانيهما: أن زمن الرضاع حولان فقط، فإن وصل إليه بعد الحولين لا يكون رضاعاً، والأول رأي أبي حنيفة والثاني رأي صاحبيه، وهل يجب العمل برأي الإمام.
أو برأي صاحبيه؟ والجواب: أن الراجح الذي عليه المعول أن ينظر في ذلك إلى قوة الدليل، فمتى كان الدليل القوي في جانب رجح العمل به، ويظهر أن الدليل هنا يؤيد رأي الصاحبين، وبيان ذلك أن الله سبحانه قال: {وحمله وفصاله ثلاثون شهراً} ، ومعنى هذا أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، فيبقى أربعة وعشرون شهراً وهي مدة الرضاع، وقد أول الآية بهذا المعنى علي بن أبي طالب كرم الله وجهه لعثمان رضي الله عنه حيث أراد عثمان أن يحد امرأة جاءت بولد لستة أشهر من حملها، فقال لها علي: كلا إنها جاءت به لأقل مدة الحمل، وهي ستة أشهر واستدل له بهذه الآية فاقتنع عثمان بذلك، وظاهر أن فهم الآية على هذا الوجه لا تكلف فيه، ولكن الإمام استدل بها على وجه آخر، فقال معنى - حمله وفصاله ثلاثون شهراً - أن كلاً منهما ثلاثون شهراً، فكأنه قال: مدة حمله ثلاثون شهراً ومدة فصاله ثلاثون شهراً، والمراد أكثر مدة الحمل لا أقلها، فتكون مدة الفصال حولين ونصف أعني ثلاثين شهراً، فإذا شرب الطفل في أثنائها فإنه يكون رضيعاً، ولكن ورد على هذا أن أكثر مدة الحمل سنتان لا ثلاثون شهراً، فقد روي عن عائشة أنها قالت: لا يبقى الولد في بطن أمه أكثر من سنتين، ولو بقدر فلكة مغزل، كناية عن قلة الزمن، فأجيب بأن قول عائشة هذا خصص مدة الحمل، فعلم أنها سنتان، وبقيت مدة الفطام على حالها، ولا يخفى ما في هذا الجواب من تكلف ظاهر، إذ لا معنى لكون الآية تنص على أن مدة الحمل قد تكون حولين ونصف حول ويقول الحديث: إنها لا تزيد عن حولين ولا لحظة، وقد بين بعض المحققين هذا بأن ثلاثين شهراً مستعملة في معنيين: أحدهما حقيقي، وهو المفهوم من ثلاثين، والآخر مجازي، وهو أربعة وعشرون الذي دل عليه الحديث، فيكون اللفظ الواحد مستعملاً في حقيقته ومجازه، وعلى كل حال فهو غير جائز لأنه
جمع بين الحقيقة والمجاز، لأن اللفظ الواحد، وهو ثلاثون مستعمل في إطلاق واحد في مدلولين، وهما: ثلاثون وأربعة وعشرون، على أن أسماء العدد لا يصح التجوز فيها بإطلاق بعضها على بعض، لما فيه من عدم الضبط والإبهام، ولأنها مختصة بما وصفت له، كالأعلام، وأجاب بعضهم بأن "حمله" مبتدأ خبره محذوف تقديره أربعة وعشرون، و "فصاله" مبتدأ آخر وهو "ثلاثون شهراً" فليس فيه جمع بين الحقيقة والمجاز، وإذا سألت هذا المجيب عن أي دليل في الآية يدل على هذا المحذوف أو يشير إليه أو يرشد إلى حرف واحد منه لا يمكنه أن يدلك عليه، على أن هذا حكم شرعي لا يصح حذفه في مقام البيان مطلقاً، وإلا فإنه يصح لكل واحد أن يقرر ما يشاء ويدعي الحذف، أما حديث عائشة فلا مدخل له في الآية، فإنها تفهم أولاً على حدة، ثم يطبق عليها الحديث، وظاهر أن الفهم الأول هو المتعين والحديث مؤيد له.
(5) فإن قلت: إن كلمة - الأشهر - في قوله تعالى: {الحج أشهر معلومات} جمع لا مفرد ولا مثنى، وقد أطلق في الآية على شهرين وبعض شهر، وذلك لأن مدة الحج التي لا يصح عمل من أعمال الحج إلا فيها هي شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة، وهذا يصحح إطلاق الثلاثين على أربعة وعشرين في آية {وحمله وفصاله ثلاثون} ، والجواب من ثلاثة أوجه:
الأول: أن بعض الشهر، وهو عشرة أيام من ذي الحجة، اعتبرت معدوداً، فكانت ثالث ثلاثة فصح إطلاق الجمع عليها.
الثاني: أن كلمة "أشهر" جمع لا اسم جمع، واسم الجمع يشترك فيه ما زاد على الواحد فيطلق على الاثنين والثلاثة.
الثالث: أن كلمة "أشهر" ليست من ألفاظ العدد، فليست مثل "ثلاثين" وقد قلنا: إن ألفاظ العدد لا يصح أن يطلق بعضها على الآخر لأنها مختصة به دون غيره، وبعد هذا كله فيصح أن يكون قد جمع الأشهر باعتبار تعددها في سائر السنين فالدليل يؤيد رأي الصاحبين خصوصاً وقد بين الله تعالى مدة الرضاع بقوله: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة} فالأصح هو قول الصاحبين، وعليه الفتوى.
المالكية - قالوا: مدة الرضاعة حولان وشهران أعني ستة وعشرين شهراً، ولعلهم زادوا الشهرين احتياطاً، ولكن لا يكون الرضاع أثناء هذه المدة رضاعاً شرعياً يترتب عليه التحريم الآتي إلا إذا رضع الطفل قبل أن يفطم، ويستغني عن اللبن، فإذا أرضعته المرضعة قبل أن يفطم في أثناء هذه المدة أو بعد أن فطم بيوم أو يومين فإن ذلك يكون رضاعاً شرعياً ينشر الحرمة باتفاق، أما إن أرضعته بعد الفطام وبعد أن استغنى عن لبن الثدي فإنه لا يكون رضاعاً شرعياً، سواء رضع بعد استغنائه عن الطعام بزمن بعيد، أو قريب على المشهور، مثلاً إذا فطم الطفل بعد سنة وثلاثة أشهر ثم مكث شهراً فطيماً حتى نسي لبن الثدي واستغنى عنه بالطعام فتم له بذلك سنة وأربعة أشهر ثم إذا أرضعته المرضعة بعد استغنائه عن اللبن بخمسة أيام أو أقل أو أكثر فإنه لا يعتبر رضاعاً شرعياً وبعضهم يقول: إنه إذا رضع قبل تمام الحولين كان رضاعاً شرعياً ولو كان فطيماً واستغنى عن اللبن، كما يقول الحنفية، ولكن هذا ضعيف ومن هذا كله تعلم أنه لا خلاف بين الأئمة في تحديد زمن الرضاع بالحولين إلا المالكية، فإنهم خالفوا فيما إذا رضع أثناء الحولين بعد الفطام، وزادوا شهرين على الحولين، وهذا هو المشهور عندهم، أما على القول الثاني فهو موافق للأئمة أيضاً، والحنفية على
عكس المالكية، فإن المعتمد عندهم موافقة الأئمة، وغير المعتمد هو أن المدة حولان ونصف حول، كما تقدم) .
(6) (الحنفية - قالوا: يشترط في المرضعة شرطان: أحدهما أن تكون امرأة آدمية، فلو نزل اللبن لرجل ورضعه طفل فإنه لا يعتبر رضاعاً شرعياً، وكذلك إذا نزل لخنثى واضح الذكورة، أما الخنثى المشكل الذي لم يتبين أمره فينظر في لبنه النساء، فإن قلن: إنه غزير وأنه لا يكون هذا اللبن إلا للأنثى فإنه يتعلق به التحريم، وإن قلن: إنه ليس بلبن أنثى فإنه لا يتعلق به شيء، ومثل ذلك ما إذا رضع طفل وطفلة ثدي بهيمة فإنه لا يتعلق به التحريم. ثانيهما: أن تكون بنت تسع سنين فما فوق، فلو نزل اللبن لصغيرة دون تسع سنين ورضعها طفل فإنه لا يعتبر رضاعاً شرعياً ولا يتعلق به التحريم، ولا يشترط في المرضعة أن تكون حية فلو ماتت امرأة وبجانبها طفل فالتقم ثديها ورضع منه فإنه يتعلق بالتحريم وكذا لا يشترط أن تكون ثيباً موطوءة، بل إذا نزل اللبن للبكر التي لم تتزوج فأرضعت صبياً صارت أماً له وثبتت جميع أحكام الرضاع بينهما ومثل ذلك ما إذا كانت عجوزاً يئست من الحيض والولادة على أنه إذا نزل للبكر ماء أصفر، فإنه لا يثبت به التحريم، أما إذا كانت ثيباً وتغير لبن رضاعها فصار لونه أصفر، فإنه لا يثبت بها التحريم، وذلك لأنه لبن تغير لونه ويشترط في الرضيع أن يكون لم يتجاوز حولين على المفتى به سنتين ونصف على قول الإمام المتقدم. ويشترط قي اللبن شروط: الأول أن يكون مائعاً بحيث يصح أن يقال فيه: ان الصبي قد رضعه أما إذا عمل جبناً، أو قشدة، أو رائباً. أو نحو ذلك وتناوله الصبي فإنه لا يتعلق به التحريم، لأن اسم الرضاع لا يقع عليه في هذه الحالة، فلا يقال ان الصبي رضع هذا اللبن، وإنما يقال له أكله.
الثاني: أن يصل إلى جوف الطفل بواسطة مص الثدي أو بصبه في حلقه، ويقال له: وجور - بفتح الواو - أو بصبه في الأنف ويقال له: سعوط، كرسول، فإذا وصل اللبن إلى الجوف بالصب في الحلق أو بالصب في الأنف ترتب عليه التحريم، سواء كان قليلاً أو كثيراً، ولو قطرة واحدة فلا بد من وصوله إلى الجوف بطريق الصب في الحلق أو الصب في الأنف لا غير فلو وصل اللبن بالتقطير في الأذن بواسطة الحقنة في القبل أو في الدبر فإنه لا يعتبر، وقال محمد: إذا وصل بواسطة الحقنة فإنه يعتبر.
الشرط الثالث: أن يصل اللبن إلى الجوف في مدة الرضاع المتقدم، فإذا رضع في أثنائها ولو قطرة وصلت إلى جوفه فإنه يعتبر ولو كان فطيماً مستغنياً عن الطعام فالمدار على التحريم هو أن يرضع في المدة.
الشرط الرابع: أن يكون وصوله يقيناً، فلو التقم الحلمة، ولم يعلم هل وصل لبن إلى جوفه أو لا، فإنه يعتبر لأن المانع شك، فلو أعطت المرأة ثديها لطفل، وقالت أن ثديها فيه لبن فإنها تصدق
الشرط الخامس: أن لا يختلط اللبن بالطعام. فإن نزل لبن امرأة في طعام ومسته النار فأنضجته حتى تغير وأكل منه الصبي فإنه لا يعتبر. وكذلك إذا اختلط لبن بجامد لم تمسه النار لأنه خرج عن كونه مائعاً يتعلق به الرضاع، أما إذا خلط بمائع كأن خلط لبن الآدمي بلبن شاة فإنه ينظر، فإن كان لبن الآدمي غالباً فإنه يعتبر وتثبت به الحرمة، وإلا فلا، ومثل ذلك ما إذا خلط بماء، أو دواء أو نحو ذلك،
ومعنى كونه غالباً هو أن يرى منه طعمه أو لونه وإن استويا، فإنه يعتبر ويتعلق به التحريم، وهذه الصورة نادرة الوقوع.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 52.23 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 51.60 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.20%)]