
28-04-2022, 05:40 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,332
الدولة :
|
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله

تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سورة البقرة
المجلد الثالث
صـ 713 الى صـ 718
الحلقة (138)
القول في تأويل قوله تعالى:
[277] إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون .
إن الذين آمنوا بالله ورسوله وكتبه وبتحريم الربا، ورجح إيمانهم أمر الله بالإنفاق، على جمعهم للمال: وعملوا الصالحات فيما بينهم وبين ربهم التي من جملتها الجود وترك الربا: وأقاموا الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، كالشح والربا: وآتوا الزكاة أعطوا زكاة أموالهم التي هي أجل أسباب فضيلة الجود: لهم أجرهم ثوابهم الكامل: عند ربهم في الجنة: ولا خوف عليهم يوم الفزع الأكبر
ولا هم يحزنون لأنهم فرحون بما آتاهم ربهم ووقاهم عذاب الجحيم.
القول في تأويل قوله تعالى:
[278] يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين .
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله أي: اخشوا الله في الربا، لأن فيه إبطال حكمته تعالى في خلق الأموال: وذروا ما بقي من الربا أي: اتركوا ما بقي لكم من الربا على الغرماء: إن كنتم مؤمنين على الحقيقة، فإن ذلك مستلزم لما أمرتم به البتة.
قال الحرالي: فبين أن الربا والإيمان لا يجتمعان.
القول في تأويل قوله تعالى:
[279] فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون .
فإن لم تفعلوا أي: لم تتركوا ما بقي: فأذنوا أي: اعلموا: بحرب من الله ورسوله [ ص: 714 ] قال المهايمي: أي: إن لم تفعلوا ترك ما بقي كنتم متهاونين بأمره، ومن تهاون بأمر ملك حاربه.
والحرب نقيض السلم، ومن حاربه الله ورسوله لا يفلح أبدا. وفيه إيماء إلى سوء الخاتمة إن دام على أكله وإن تبتم من الربا: فلكم رءوس أموالكم أي: أصولها: لا تظلمون بطلب الزيادة: ولا تظلمون بالنقص والمطل. بل لكم ما بذلتم من غير زيادة عليه ولا نقص فيه، ثم أمر تعالى بالصبر على المعسر الذي لا يجد وفاء، فقال:
القول في تأويل قوله تعالى:
[280] وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون .
وإن كان ذو عسرة أي: بالكل أو البعض: فنظرة أي: فالواجب إمهال بقدر ما أعسر: إلى ميسرة أي: بذلك القدر. لا كما كان أهل الجاهلية، يقول أحدهم لمدينه إذا حل عليه الدين: إما أن تقضي وإما أن تربي. ثم ندب تعالى إلى الوضع من المعسر ووعد عليه الخير والثواب الجزيل فقال: وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون أي وأن تتركوا للمعسر قدر ما أعسر بإبرائه منه، لأنه ربما لا يحصل البدل في الحال، فيأخذ ما يساويه في الآخرة. والصدقة تتضاعف الأضعاف المذكورة.
وقد أخرج البخاري ومسلم والنسائي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « كان رجل يداين الناس، فكان يقول لفتاه: إذا أتيت معسرا فتجاوز عنه، لعل الله أن يتجاوز عنا، فلقي الله فتجاوز عنه » . وأخرج مسلم والترمذي نحوه عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه.
[ ص: 715 ] وعن أبي قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « من نفس عن غريمه أو محا عنه، كان في ظل العرش يوم القيامة » . رواه الإمام أحمد ومسلم. وعن بريدة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « من أنظر معسرا فله بكل يوم مثله صدقة. قال: ثم سمعته يقول: من أنظر معسرا فله بكل يوم مثلاه صدقة » . فسألته عن ذلك فقال صلى الله عليه وسلم: « له بكل يوم صدقة قبل أن يحل الدين. فإذا حل الدين فأنظره، فله بكل يوم مثلاه صدقة » . وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: « من أنظر معسرا أو وضع عنه، وقاه الله من فيح جهنم » . رواهما الإمام أحمد، ثم قال تعالى يعظ عباده ويذكرهم زوال الدنيا وفناء ما فيها من الأموال وغيرها، وإتيان الآخرة والرجوع إليه تعالى، ومحاسبته تعالى خلقه على ما عملوا، ومجازاته إياهم بما كسبوا من خير وشر، ويحذرهم عقوبته، فقال:
القول في تأويل قوله تعالى:
[281] واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون .
واتقوا يوما أي: اخشوا عذاب يوم: ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت ما عملت من خير أو شر.
قال المهايمي: فإن استوفى الدائن حقه بالتضييق على المديون استوفى الله منه حقوقه بالتضييق، وإن سامحه فالله أولى بالمسامحة، والمديون، إن لم يوف حق الدائن مع قدرته على [ ص: 716 ] الأداء استوفى الله منه حقه، وأما من لا يقدر، فيرجى أن يعفو الله عنه، ويرضى خصمه بعوض من عنده: وهم لا يظلمون لا ينقص من حسناتهم ولا يزاد على سيئاتهم.
تنبيه:
من تأمل هذه الآيات وما اشتملت عليه من عقوبة أهل الربا ومستحليه، أكبر جرمه وإثمه، فقد ترتب عليه قيامهم في المحشر مخبلين وتخليدهم في النار ونبزهم بالكفر، والحرب من الله ورسوله واللعنة. وكذا الذم والبغض وسقوط العدالة وزوال الأمانة، وحصول اسم الفسق والقسوة والغلظة ودعاء من ظلم بأخذ ماله على ظالمه. وذلك سبب لزوال الخير والبركة، فما أقبح هذه المعصية وأزيد فحشها. وأعظم ما يترتب من العقوبات عليها! وقد شرح رسول الله صلى الله عليه وسلم ما طوى التصريح به في تلك الآيات من العقوبات والقبائح الحاصلة لأهل الربا في أحاديث كثيرة. فمنها: ما رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « اجتنبوا السبع الموبقات أي: المهلكات. قالوا: يا رسول الله! وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات » . وأخرج البخاري [ ص: 717 ] عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم: « رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة، فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم وعلى شط النهر رجل بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر، فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فرده حيث كان، فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان، فقلت: ما هذا الذي [ ص: 718 ] رأيته في النهر؟ قال: آكل الربا » . وأخرج مسلم عن جابر بن عبد الله قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه. وقال: « هم سواء » . وأخرج البخاري وأبو داود عن أبي جحيفة قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواشمة والمستوشمة وآكل الربا وموكله. وثمة آثار وافرة، ساقها السيوطي في الدر المنثور.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|