عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 28-04-2022, 05:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,301
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله



تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سورة البقرة
المجلد الثالث
صـ 689 الى صـ 694
الحلقة (134)


القول في تأويل قوله تعالى:

[272] ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون

ليس عليك هداهم أي: لا يجب عليك أن تجعلهم مهديين إلى الإتيان بما أمروا به من المحاسن والانتهاء عما نهوا عنه من المساوئ المعدودة كالمن والأذى والإنفاق من الخبيث والبخل: ولكن الله يهدي من يشاء بخلق الهداية في قلبه عقيب بيانك لجريان سنته بخلق الأشياء عقيب أسبابها، لا على سبيل الوجوب، بل على سبيل الاختيار، أفاده المهايمي.

قال أبو السعود: والجملة معترضة جيء بها على طريق تلوين الخطاب وتوجيهه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع الالتفات إلى الغيبة فيما بين الخطابات المتعلقة بالمكلفين، مبالغة في حملهم على الامتثال، فإن الإخبار بعدم وجوب تدارك أمرهم على النبي صلى الله عليه وسلم مؤذن بوجوبه عليهم حسبما ينطق به ما بعده من الشرطية: وما تنفقوا من خير فلأنفسكم أي: بالحقيقة، لأن المنفق عليه إنما يقضي بها حاجته الفانية ويحصل لكم بها الثواب الأبدي، فلم تمنون به على الناس وتؤذونهم؟ ونظائر هذا في القرآن كثيرة، كقوله: من عمل صالحا فلنفسه وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله نفي في معنى النهي. أي: فلا تستطيلوا به على الناس [ ص: 689 ] ولا تراءوا به وما تنفقوا من خير يوف إليكم ثوابه أضعافا مضاعفة: وأنتم لا تظلمون أي: لا تنقصون من حسناتكم، كما لا يزاد على سيئاتكم.
القول في تأويل قوله تعالى:

[273] للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم .

للفقراء متعلق بمحذوف ينساق إليه الكلام. أي: اجعلوا ما تنفقونه للفقراء، أو صدقاتكم للفقراء، أي: المحتاجين إلى النفقة: الذين أحصروا في سبيل الله أي: حبسوا أنفسهم في طاعته تعالى من جهاد أو غيره: لا يستطيعون ضربا أي: ذهابا: في الأرض لاكتساب أو تجارة: يحسبهم الجاهل بحالهم: أغنياء من التعفف أي: من أجل تعففهم عن السؤال، والتلويح به قناعة بما أعطاهم مولاهم، ورضا عنه، وشرف نفس: تعرفهم بسيماهم بما يظهر لذوي الألباب من صفاتهم كما قال تعالى: سيماهم في وجوههم وقال: ولتعرفنهم في لحن القول وفي الحديث الذي في السنن: [ ص: 690 ] « اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله » ثم قرأ: إن في ذلك لآيات للمتوسمين قاله ابن كثير.

قال الغزالي: ينبغي أن يطلب بالفحص عن أهل الدين في كل محلة، ويستكشف عن بواطن أحوال أهل الخير والتجمل، ممن يكون مستترا مخفيا حاجته لا يكثر البث والشكوى، أو يكون من أهل المروءة ممن ذهبت نعمته وبقيت عادته، فهو يتعيش في جلباب التجمل، فثواب صرف المعروف إليهم أضعاف ما يصرف إلى المجاهرين بالسؤال، كما ينبغي أن يطلب بصدقته من تزكو به الصدقة، كأن يكون أهل علم، فإن ذلك إعانة له على العلم، والعلم أشرف العبادات مهما صحت فيه النية، وكان ابن المبارك يخصص بمعروفه أهل العلم. فقيل له: لو عممت؟! فقال: إني لا أعرف بعد مقام النبوة أفضل من مقام العلماء، فإذا اشتغل قلب أحدهم بحاجته لم يتفرغ للعلم ولم يقبل على التعلم، فتفريغهم للعلم أفضل.

لطيفة:

السيما مقصور، كالسيمة، والسيماء والسيمياء (ممدودين بكسرهن). والسومة (بالضم): العلامة. قال أبو بكر بن دريد: قولهم: عليه سيما حسنة، معناه علامة، وهي مأخوذة من وسمت أسم، والأصل في (سيما) وسمى، فحولت الواو من موضع الفاء فوضعت في موضع العين، كما قالوا: ما أطيبه وأيطبه، فصار سومى. وجعلت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، قال السمين: فوزن سيما عفلا، وإذا مدت فالهمزة فيها منقلبة عن حرف زائد للإلحاق، إما واو أو ياء، فهي كعلباء، ملحقة بسرداح، فالهمزة للإلحاق، لا للتأنيث وهي منصرفة لذلك. انتهى.

لا يسألون الناس إلحافا مصدر في موضع الحال، أي: ملحفين. يقال: ألحف عليه إلخ. قال الزمخشري: الإلحاف الإلحاح وهو اللزوم، وأن لا يفارق إلا بشيء يعطاه، من قولهم: لحفني من فضل لحافه. أي: أعطاني من فضل ما عنده. قيل: معنى الآية: إن سألوا سألوا [ ص: 691 ] بتلطف ولم يلحوا، فيكون النفي متوجها إلى القيد وحده، والصحيح أنه نفي للسؤال والإلحاف جميعا، فمرجع النفي إلى القيد ومقيده، كقوله: ولا شفيع يطاع وفيه تنبيه على سوء طريقة من يسأل الناس إلحافا، واستيجاب المدح والتعظيم للمتعفف عن ذلك. وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان ولا اللقمة واللقمتان إنما المسكين الذي يتعفف، اقرءوا إن شئتم: لا يسألون الناس إلحافا » . وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والنسائي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليس في وجهه مزعة لحم » . وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي وصححه، والنسائي وابن حبان عن سمرة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إن المسائل كدوح يكدح بها الرجل وجهه، فمن شاء أبقى ومن شاء ترك، إلا أن يسأل ذا سلطان، أو في أمر لا يجد منه بدا » . وأخرج أحمد عن ابن عمر: [ ص: 692 ] سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « المسألة كدوح في وجه صاحبها يوم القيامة، فمن شاء استبقى على وجهه » . وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم وابن ماجة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من سأل الناس أموالهم تكثرا فإنما يسأل جمرا فليستقل أو ليستكثر » . وأخرج أحمد وأبو داود، وابن خزيمة عن سهل ابن الحنظلية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من سأل شيئا وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من جمر جهنم. قالوا: يا رسول الله وما يغنيه؟ قال: « ما يغديه أو يعشيه » . وأخرج مسلم والترمذي والنسائي عن عوف بن مالك الأشجعي قال: كنا تسعة أو ثمانية أو سبعة فقال: ألا تبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقلنا علام نبايعك؟ قال: أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، والصلوات الخمس، وتطيعوا ولا تسألوا الناس، فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فلا يسأل أحدا يناوله إياه.

وأخرج مالك وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحدا فيعطيه أو يمنعه » . وأخرج الطبراني والبيهقي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « الله يحب المؤمن المحترف » . وأخرج أحمد والطبراني وأبو داود والنسائي عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « من استغنى [ ص: 693 ] أغناه الله، ومن استعف أعفه الله، ومن استكفى كفاه الله، ومن سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف » . وأخرج البخاري ومسلم والنسائي عن ابن عمر أن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء فأقول: أعطه من هو أفقر إليه مني، فقال: « خذه، إذا جاءك من هذا المال شيء وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه فتموله، فإن شئت كله وإن شئت تصدق به. وما لا فلا تتبعه نفسك » .

قال سالم بن عبد الله: فلأجل ذلك كان عبد الله لا يسأل أحدا شيئا، ولا يرد شيئا أعطيه: وما تنفقوا من خير أي: ولو على الملحين وعلى من لم يتحقق فقرهم أو لم تشتد حاجتهم: فإن الله به عليم أي: بأن ذلك الإنفاق له أو لغيره، فيجازي بحسبه، ثم أشار تعالى إلى أنه لا يختص الإنفاق بوقت أو حال بقوله:
القول في تأويل قوله تعالى:

[274] الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون .

الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون وفي تقديم الليل على النهار والسر على العلانية إيذان بمزية الإخفاء على الإظهار.

قال الحرالي: فأفضلهم المنفق ليلا سرا، وأنزلهم المنفق نهارا علانية، فهم بذلك أربعة أصناف.

لطائف:

لا يخفى أن في حضه تعالى على الإنفاق في هذه الآية الوافرة، وضربه الأمثال في الإحسان إلى خلقه ترغيبا وترهيبا، ما يدعو كل مؤمن إلى أن يتزكى بفضل ماله.

[ ص: 694 ] قال الإمام الغزالي عليه الرحمة في " الإحياء " ما نصه: في وجه الامتحان بالصدقات ثلاثة معان: الأول: أن التلفظ بكلمتي الشهادة التزام للتوحيد، وشهادة بإفراد المعبود، وشرط تمام الوفاء به، أن لا يبقى للموحد محبوب سوى الواحد الفرد، فإن المحبة لا تقبل الشركة، والتوحيد باللسان قليل الجدوى، وإنما يمتحن به درجة الحب بمفارقة المحبوب، والأموال محبوبة عند الخلائق لأنها آلة تمتعهم بالدنيا، وبسببها يأنسون بهذا العالم وينفرون عن الموت، مع أن فيه لقاء المحبوب، فامتحنوا بتصديق دعواهم في المحبوب، واستنزلوا عن المال الذي هو مرموقهم ومعشوقهم، ولذلك قال الله تعالى: إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة وذلك بالجهاد، وهو مسامحة بالمهجة شوقا إلى لقاء الله عز وجل، والمسامحة بالمال أهون، ولما فهم هذا المعنى في بذل الأموال انقسم الناس إلى ثلاثة أقسام: قسم صدقوا التوحيد ووفوا بعهدهم ونزلوا عن جميع أموالهم، فلم يدخروا دينارا ولا درهما، وقسم درجتهم دون من قبلهم، وهم الممسكون أموالهم، المراقبون لمواقيت الحاجات ومواسم الخيرات، فيكون قصدهم في الادخار الإنفاق على قدر الحاجة دون التنعم، وصرف الفاضل عن الحاجة إلى وجوه البر مهما ظهر وجوهها، وهؤلاء لا يقتصرون على مقدار الزكاة، وقد ذهب جماعة من التابعين إلى أن في المال حقوقا سوى الزكاة، كالنخعي والشعبي وعطاء ومجاهد. قال الشعبي: (بعد أن قيل له: هل في المال حق سوى الزكاة؟) قال: نعم.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 27.96 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 27.33 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.25%)]