عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 28-04-2022, 05:29 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,777
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله



تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سورة البقرة
المجلد الثالث
صـ 665 الى صـ 670
الحلقة (130)



[ ص: 665 ] وهو ما ذهب إليه في تأويل الآية كثير، وذهب آخرون إلى أنه خبر محض، أي: أنه تعالى ما بنى أمر الإيمان على الإجبار والقسر، وإنما بناه على التمكين والاختيار. قال القفال - موضحا له - لما بين تعالى دلائل التوحيد بيانا شافيا قاطعا للعذر، أخبر بعد ذلك أنه لم يبق بعد إيضاح هذه الدلائل للكافر عذر في الإقامة على الكفر، إلا أن يقسر على الإيمان ويجبر عليه، وذلك مما لا يجوز في دار الدنيا التي هي دار الابتلاء ؛ إذ في القهر والإكراه على الدين بطلان معنى الابتلاء والامتحان. ونظير هذه الآية قوله تعالى: فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر وقوله تعالى: ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين وقوله تعالى: لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين إن نشأ ننـزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين

تنبيه:

علم من هذه الآية أن سيف الجهاد المشروع في الإسلام والذي لا يبطله عدل عادل ولا جور جائر لم يستعمل للإكراه على الدخول في الدين، ولكن لحماية الدعوة إلى الدين والإذعان لسلطانه وحكمه العدل.

فمن يكفر بالطاغوت أي: بالشيطان. أي: بما يدعو إليه من عبادة الأوثان: ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها أي: فقد تمسك من الدين بأقوى سبب. وشبه ذلك بالعروة القوية التي لا تنفصم. هي في نفسها محكمة مبرمة قوية، وربطها قوي [ ص: 666 ] شديد. وجملة: (لا انفصام لها) إما استئناف مقرر لما قبلها، وإما حال من (العروة)، والعامل (استمسك) أو من الضمير المستتر في (الوثقى) وإما صلة لموصول محذوف أي: (التي). نقله الرازي.

وقد روى الشيخان عن عبد الله بن سلام قال: رأيت رؤيا على عهد محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأيت كأني في روضة خضراء وسطها عمود حديد أسفله في الأرض وأعلاه في السماء، في أعلاه عروة، فقيل لي: اصعد عليه. فقلت: لا أستطيع، فجاءني منصف (أي وصيف) فرفع ثيابي من خلفي، فقال: اصعد فصعدت حتى أخذت بالعروة. فقال: استمسك بالعروة، فاستيقظت وإنها لفي يدي. فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقصصتها عليه. فقال: « أما الروضة: فروضة الإسلام، وأما العمود: فعمود الإسلام، وأما العروة: فهي العروة الوثقى. أنت على الإسلام حتى تموت » والله سميع عليم اعتراض تذييلي حامل على الإيمان، رادع عن الكفر والنفاق، بما فيه من الوعد والوعيد.
القول في تأويل قوله تعالى:

[257] الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون .

الله ولي الذين آمنوا أي: حافظهم وناصرهم: يخرجهم تفسير للولاية أو خبر ثان: من الظلمات أي: ظلمات الكفر والمعاصي: إلى النور أي: نور الإيمان الحق الواضح. وإفراد النور لوحدة الحق. كما أن جمع الظلمات لتعدد فنون الضلال، كما قال تعالى: وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقونوالذين كفروا أولياؤهم الطاغوت أي: [ ص: 667 ] الشياطين وسائر المضلين عن طريق الحق: يخرجونهم بالوساوس وغيرها من طرق الإضلال والإغواء: من النور أي: الإيمان الفطري الذي جبل عليه الناس كافة. أو من نور البينات التي يشاهدونها من جهة النبي صلى الله عليه وسلم: إلى الظلمات أي: ظلمات الكفر والغي: أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون

ثم استشهد تعالى على ما ذكره من أن الكفرة أولياؤهم الطاغوت بقوله:
القول في تأويل قوله تعالى:

[258] ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين .

ألم تر إلى الذي حاج أي: جادل: إبراهيم في ربه أي: كيف أخرجه الطاغوت من نور نسبة الإحياء والإماتة إلى ربه، إلى ظلمات نسبتهما إلى نفسه: أن آتاه الله الملك أي: لأن آتاه الله. يعني: أن إيتاء الملك أبطره وأورثه الكبر، فحاج لذلك، أو حاجه لأجله. وضعا للمحاجة التي هي أقبح وجوه الكفر موضع ما يجب عليه الشكر، كما يقال: عاداني فلان لأني أحسنت إليه. تريد: أنه عكس ما كان يجب عليه من الموالاة لأجل الإحسان. ونحوه قوله تعالى: وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون

قال الحرالي: وفي إشعاره أن الملك بلاء وفتنة على من أوتيه.

إذ قال إبراهيم حين سأله من ربك الذي تدعونا إليه ربي الذي يحيي ويميت أي: بنفخ الروح في الجسم وإخراجها منه: قال أنا أحيي وأميت أي: بالقتل [ ص: 668 ] والعفو عنه. ولما سلك الطاغية مسلك التلبيس والتمويه على الرعاع، كان بطلان جوابه من الجلاء والظهور بحيث لا يخفى على أحد، والتصدي لإبطاله من قبيل السعي في تحصيل الحاصل، انتقل إبراهيم عليه السلام، إرسالا لعنان المناظرة معه إلى حجة أخرى لا تجري فيها المغالطة ولا يتيسر للطاغية أن يخرج عنها بمخرج مكابرة أو مشاغبة أو تلبيس على العوام. وهو ما قصه تعالى بقوله: قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب أي: إذا كنت كما تدعي من أنك تحيي وتميت فالذي يحيي ويميت هو الذي يتصرف في الوجود، في خلق ذواته وتسخير كواكبه وحركاته. فهذه الشمس تبدو كل يوم من المشرق، فإن كنت إلها كما ادعيت فأت بها من المغرب:فبهت الذي كفر تحير ودهش وغلب بالحجة، لما علم عجزه وانقطاعه، وأنه لا يقدر على المكابرة في هذا المقام.

والله لا يهدي القوم الظالمين أي: لا يلهمهم حجة ولا برهانا بل حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد .
القول في تأويل قوله تعالى:

[259] أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير

[ ص: 669 ] أو كالذي مر على قرية استشهاد على ما ذكر تعالى من ولايته للمؤمنين وتقرير له، معطوف على الموصول السابق، وإيثار (أو) الفارقة على (الواو) الجامعة للاحتراز عن توهم اتحاد المستشهد عليه من أول الأمر، والكاف: إما اسمية جيء بها للتنبيه على تعدد الشواهد وعدم انحصارها فيما ذكر، وإما زائدة، والمعنى: أو لم تر إلى مثل الذي. أو إلى الذي مر على قرية، كيف هداه الله تعالى وأخرجه من ظلمة الاشتباه إلى نور العيان والشهود: وهي خاوية على عروشها خالية ساقطة حيطانها على سقوفها: قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها أي: كيف يعمر الله هذه القرية بعد خرابها، فكان منه كالوقوع في الظلمات، فأراه الدليل على الإحياء الحقيقي في نفسه مبالغة في قلع الشبهة، إخراجا له منها إلى النور: فأماته الله مائة عام ليندرس بالكلية: ثم بعثه أي: أحياه ببعث روحه إلى بدنه وبعض أجزائه إلى بعض بعد تفرقها: قال الله له: كم لبثت أي: مكثت ميتا: قال لبثت يوما أو بعض يوم قاله بناء على التقريب والتخمين، أو استقصارا لمدة لبثه: قال الله: بل لبثت مائة عام وإنما سأله تعالى ليظهر له عجزه عن الإحاطة بشؤونه، وأن إحياءه ليس بعد مدة يسيرة، ربما يتوهم أنه هين في الجملة، بل بعد مدة طويلة، وينحسم به مادة استبعاده بالمرة. ويطلع في تضاعيفه على أمر آخر من بدائع آثار قدرته تعالى، وهو إبقاء الغذاء المتسارع إلى الفساد بالطبع، على ما كان عليه دهرا طويلا، من غير تغير ما، كما قال سبحانه: فانظر لتعاين أمرا آخر من دلائل قدرتنا: إلى طعامك وشرابك لم يتسنه أي: لم يتغير في هذه المدة المتطاولة مع تداعيه إلى الفساد. والهاء يجوز أن تكون هاء سكت زيدت في الوقف. وأصل الفعل على هذا فيه وجهان:

أحدهما: يتسنن من قوله: حمإ مسنون فلما اجتمعت ثلاث نونات قلبت الأخيرة ياء كما قلبت في تظنيت ثم أبدلت الياء ألفا ثم حذفت للجزم، والثاني: أن يكون أصل الألف واوا من قولهم: أسنى يسني إذا مضت عليه السنون. وأصل سنة سنوة، لقولهم: سنوات، أي: لم تمر عليه السنون. والمعنى على التشبيه. أي: كأنه لم تمر [ ص: 670 ] عليه المائة سنة لبقائه على حاله وعدم تغيره، ويجوز أن تكون الهاء أصلا ويكون اشتقاقه من السنة، بناء على أن لام السنة هاء وأصلها سنهة. لقولهم: سنهاء وعاملته مسانهة. فعلى هذا تثبت الهاء وصلا ووقفا ؛ إذ الفعل مجزوم بسكونها. وعلى الأول تثبت في الوقف دون الوصل، ومن أثبتها في الوصل أجراه مجرى الوقف. وقد قرأ حمزة والكسائي بحذف الهاء وصلا وإثباتها وقفا والباقون بإثباتها وصلا ووقفا. فإن قيل: ما فاعل يتسنى؟ قيل: يحتمل أن يكون ضمير الطعام والشراب ؛ لاحتياج كل واحد منهما إلى الآخر، فكانا بمنزلة شيء واحد، فلذلك أفرد الضمير في الفعل، ويحتمل أن يكون جعل الضمير لـ " ذلك " و " ذلك " يكنى به عن الواحد والاثنين والجمع بلفظ واحد، ويحتمل أن يكون الضمير للشراب فقط، لأنه أقرب، وثم جملة أخرى حذفت لدلالة هذه عليها. والتقدير: وانظر إلى طعامك لم يتسنه، وإلى شرابك لم يتسنه، ويجوز أن يكون أفرد في موضع التثنية كما قال الشاعر:


فكأن في العينين حب قرنفل أو سنبلا كحلت به فانهلت


أشار لذلك أبو البقاء: وانظر إلى حمارك كيف هو، فرآه صار عظاما نخرة: ولنجعلك آية للناس عطف على مقدر متعلق بفعل مقدر قبله بطريق الاستئناف مقرر لمضمون ما سبق. أي: فعلنا ما فعلنا، من إحيائك بعد ما ذكر، لتعاين ما استبعدته من الإحياء بعد دهر طويل. ولنجعلك آية للناس على البعث. أو متعلق بفعل مقدر بعده. أي: ولنجعلك آية للناس، فعلنا ما فعلنا: وانظر إلى العظام أي: عظام الحمار لتشاهد كيفية الإحياء: كيف ننشزها قرئ بالزاي، أي: نرفع بعضها على بعض ونركبه عليه. من (النشز) وهو المرتفع من الأرض، وفيها على هذا وجهان: ضم النون وكسر الشين من (أنشزته) وفتح النون وضم الشين من (نشزته) وهما لغتان، وقرئ بالراء. وفيها وجهان:

الأول: فتح النون وضم الشين وماضيه (نشر) فيكون إما مطاوع أنشر الله الميت فنشر، وحينئذ نشر بمعنى أنشر. فاللازم والمتعدي بلفظ واحد، وإما من النشر الذي هو ضد الطي، أي: يبسطها بالإحياء. والثاني: ضم النون [ ص: 671 ] وكسر الشين، أي: نحييها، كقوله: ثم إذا شاء أنشره قاله أبو البقاء ثم نكسوها لحما أي: نسترها به: فلما تبين له أي: اتضح له إعادته مع طعامه وشرابه وحماره، بعد التلف الكلي، وظهر له كيفية الإحياء: قال أعلم أن الله على كل شيء قدير فخرج من الظلمات إلى النور.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 27.78 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 27.16 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.26%)]