عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 28-04-2022, 05:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,690
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله



تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سورة البقرة
المجلد الثالث
صـ 611 الى صـ 616
الحلقة (121)





رزقهن وكسوتهن أي: على والد الطفل نفقة أمه المطلقة مدة الإرضاع، أي: طعامهن ولباسهن: بالمعروف وهو قدر الميسرة كما فسره قوله تعالى: لا تكلف نفس إلا وسعها [ ص: 611 ] يعني طاقتها. والمعنى: أن أبا الولد لا يكلف في الإنفاق عليه وعلى أمه إلا قدر ما تتسع به مقدرته، ولا يبلغ إسراف القدرة: لا تضار والدة بولدها أي: يأخذ ولدها منها بعد رضاها بإرضاعه ورغبتها في إمساكه وشدة محبتها له: ولا مولود له يعني الأب: بولده بطرح الولد عليه. يعني: لا تلقي المرأة الولد إلى أبيه وقد ألفها، تضاره بذلك. وهذا التأويل على تقدير كون تضار مبنيا للمفعول، وأما على بنائه للفاعل، فالمفعول محذوف والتقدير. لا تضارر - بكسر الراء الأولى - والدة زوجها بسبب ولدها، وهو أن تعنف به وتطلب منه ما ليس بعدل من الرزق والكسوة، وأن تشغل قلبه بالتفريط في شأن الولد، وأن تقول بعد أن ألفها الصبي: اطلب له ظئرا، وما أشبه ذلك، ولا يضارر مولود له امرأته بسبب ولده، بأن يمنعها شيئا مما وجب عليه من رزقها وكسوتها، أو يأخذه منها وهي تريد إرضاعه. والمعنيان يرجعان إلى شيء واحد: وهو أن يغيظ أحدهما صاحبه: وعلى الوارث مثل ذلك أي: على وارث الأب أو وارث الصبي مثل ما على الأب من النفقة وترك الضرار إذا لم يكن الأب: فإن أرادا يعني الزوج والمرأة: فصالا أي: فصال الصبي عن اللبن قبل الحولين - يعني: فطاما: عن تراض منهما بتراضي الأب والأم: وتشاور بمشاورتهما: فلا جناح عليهما أي: على الأب والأم إن لم يرضعا ولدهما سنتين: وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم يعني غير الأم عند إبائها أو عجزها أو إرادتها أن تتزوج: فلا جناح عليكم إذا سلمتم - يعني إلى المراضع -: ما آتيتم أي: ما أردتم إيتاءه إليهن من الأجرة: بالمعروف متعلق بسلمتم أي: سلمتم الأجرة إلى المراضع بطيب نفس وسرور. والمقصود: ندبهم أن يكونوا عند تسليم الأجرة مستبشري الوجوه، ناطقين بالقول الجميل، مطيبين لأنفس المراضع، حتى يؤمن من تفريطهن بمصالح الرضيع: واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير فيه من الوعيد والتحذير عن مخالفة أحكامه ما لا يخفى.
[ ص: 612 ] القول في تأويل قوله تعالى:

[234] والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف والله بما تعملون خبير .

والذين يتوفون منكم أي: يموتون من رجالكم: ويذرون أي: يتركون: أزواجا بعد الموت: يتربصن أي: ينتظرن: بأنفسهن في العدة: أربعة أشهر وعشرا يعني عشرة أيام: فإذا بلغن أجلهن أي: انقضت عدتهن: فلا جناح عليكم أي: على الأولياء في تركهن: فيما فعلن في أنفسهن من التعرض للخطاب والتزين: بالمعروف أي: بوجه لا ينكره الشرع. وفيه إشارة إلى أنهن لو فعلن ما ينكره الشرع، فعليهم أن يكفوهن عن ذلك. وإلا فعليهم الجناح: والله بما تعملون خبير

اعلم أن في هذه الآية مسائل:

الأولى: خص من عموم الآية الحامل المتوفى عنها زوجها، فإن عدتها بوضع الحمل لقوله تعالى: وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ولما في الصحيحين عن سبيعة الأسلمية: أنها كانت تحت سعد بن خولة - وهو من بني عامر بن لؤي، وكان ممن [ ص: 613 ] شهد بدرا - فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل. فلم تلبث أن وضعت حملها بعد وفاته، فلما تعلت من نفاسها تجملت للخطاب. فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك - رجل من بني عبد الدار - فقال: ما لي أراك تجملت للخطاب، لعلك ترجين النكاح؟ وإنك والله ما أنت بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشرا. قالت سبيعة: فلما قال لي ذلك جمعت علي ثيابي حتى أمسيت وأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك؟ فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي. وأمرني بالتزويج إن بدا لي. وفيه قال ابن شهاب: ولا أرى بأسا بأن تتزوج حين وضعت، وإن كانت في دمها، غير أنه لا يقربها حتى تطهر.

الثانية: المراد من تربصها بنفسها: الامتناع عن النكاح، والامتناع عن التزين، والامتناع عن الخروج من المنزل الذي توفي زوجها فيه. فالأول مجمع عليه.

والثاني: روي فيه عن أم حبيبة وزينب بنت جحش وعائشة - أمهات المؤمنين - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا » . متفق عليه. وعن أم سلمة أن امرأة قالت: يا رسول الله! إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفنكحلها؟ قال: لا. كل ذلك يقول: لا. مرتين أو ثلاثا - ثم قال: « إنما هي أربعة أشهر وعشر، وقد كانت إحداكن في الجاهلية تمكث سنة » . متفق عليه.

وعن نافع: أن صفية بنت عبد الله اشتكت عينها - وهي حاد على زوجها ابن عمر، فلم تكتحل حتى كادت عيناها ترمصان، أخرجه مالك في " الموطأ ".

[ ص: 614 ] وعن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تلبس المتوفى عنها زوجها، المعصفرة من الثياب ولا الممشقة ولا الحلي ولا تختضب ولا تكتحل ولا تطيب» أخرجه أبو داود والممشقة: المصبوغة بالمشق وهي: المغرة.

وقد استنبط بعضهم وجوب الإحداد من قوله تعالى: فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن أي: من زينة وتطيب - كما قدمنا - فيفيد تحريم ذلك في العدة وهو الإحداد.

وأما الامتناع عن الخروج من المنزل الذي توفي فيه زوجها: فروى فيه أحمد وأهل السنن حديث فريعة بنت مالك قالت: خرج زوجي في طلب أعلاج له فأدركهم في طريق القدوم فقتلوه، فأتى نعيه وأنا في دار شاسعة عن دار أهلي، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقلت: إن نعي زوجي أتاني في دار شاسعة عن أهلي، ولم يدع نفقة ولا مالا ورثته وليس المسكن له، فلو تحولت إلى أهلي وإخوتي لكان أرفق بي في بعض شأني؟ قال: تحولي، فلما خرجت إلى المسجد أو إلى الحجرة دعاني - أو أمر بي فدعيت - فقال: امكثي في بيتك الذي أتاك فيه نعي زوجك حتى يبلغ الكتاب أجله. قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا. وفي بعض ألفاظه: أنه أرسل إليها عثمان بعد ذلك فأخبرته، فأخذ به. وقد أعل هذا الحديث بما لا يقدح في الاحتجاج به.

[ ص: 615 ] الثالثة: أكثر الفقهاء على أن هذه الآية ناسخة لما بعدها من الاعتداء بالحول وإن كانت متقدمة في التلاوة، فإن ترتيب المصحف ليس على ترتيب النزول، بل هو توفيقي. وذهب مجاهد إلى أنهما محكمتان. كما سيأتي بيانه.

الرابعة: أبدى المهايمي الحكمة في تحديد عدة المتوفى عنها بهذا القدر، فقال: لئلا يتعارض في قلبها حب المتوفى وحب الجديد، فأخذت مدة صبرها - وهو أربعة أشهر - وزيد عليه العشر، إذ بذلك ينقطع صبرها فتميل إلى الجديد ميلا كليا، فينقطع عن قلبها حب المتوفى، على أنه يظهر في حق المدخول بها حركة الحمل إذ تكون بعد أربعة أشهر، لكنها تبتدئ ضعيفة وتتقوى بمضي عشر أخر. ثم قال: ولم يكتف بالأقراء الدالة على عدمه ههنا، بخلاف الفراق حال الحياة، لأن الفراق الاختياري شاهد عدمه مع شهادة الأقراء، فثمة شاهدان، وههنا واحد، وعدم الحركة بعد هذه المدة يقوي شهادة الأول فيكون كالشاهد مع اليمين.
القول في تأويل قوله تعالى:

[235] ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أن الله غفور حليم .

ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أي: لا حرج عليكم أيها الخاطبون، في التعريض بخطبتكم النساء المتوفى عنهن أزواجهن قبل انقضاء العدة لتتزوجوهن بعد انقضائها. والتعريض: إفهام المقصود بما لم يوضع له حقيقة ولا مجازا. كأن يقال لها: إنك جميلة أو صالحة، أو رب راغب فيك، أو من يجد مثلك. والخطبة - بالكسر -: طلب المرأة ( أو ) - فيما: أكننتم أي: أضمرتم من نكاحهن: في أنفسكم أي: [ ص: 616 ] قلوبكم، وإن كان حقه التحريم فضلا عن التعريض باللسان، لكن أباحه الله لكم، إذ: علم الله أنكم ستذكرونهن أي: لا تصبرون عن النطق برغبتكم فيهن، فرخص لكم في التعريض دون التصريح، وفيه طرف من التوبيخ على قلة التثبت، كقوله تعالى: علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم ولكن لا تواعدوهن سرا هذا الاستدراك من قوله: فيما عرضتم به و: سرا مفعول به، لأنه بمعنى النكاح. أي: لا تواعدوهن نكاحا. أو هو بمعنى ضد الجهر والإعلان، فيكون مصدرا في موضع الحال تقديره: مستخفين بذلك والمفعول محذوف تقديره: لا تواعدوهن النكاح سرا. أو صفة لمصدر محذوف، أي: مواعدة سرا، أو التقدير في سر فيكون ظرفا. وإنما نهى عن ذلك ; لأن المواعدة بذكر الجماع والرفث بين الأجنبي والأجنبية غير جائز إجماعا، كالمواعدة بينهما على وجه السر إذ لا تنفك ظاهرا عن أن تكون مواعدة بشيء من المنكرات.

قال ابن عطية: أجمعت الأمة على أن الكلام مع المعتدة بما هو رفث من ذكر جماع أو تحريض عليه لا يجوز. وقال أيضا: أجمعت الأمة على كراهة المواعدة في العدة للمرأة في نفسها، وللأب في ابنته البكر، وللسيد في أمته.

وقوله تعالى: إلا أن تقولوا قولا معروفا أي: لا يستحيي منه عند أحد من الناس. فآل الأمر إلى أن المعنى: لا تواعدوهن إلا ما لا يستحيى من ذكره فيسر، وهو التعريض ; فنصت هذه الآية على تحريم التصريح. بعد إفهام الآية الأولى لذلك، اهتماما به لما للنفس من الداعية إليه - أفاده البقاعي.

وقال الرازي: لما أذن تعالى في أول الآية بالتعريض ثم نهى عن المسارة معها دفعا للريبة والغيبة، استثنى عنه أن يساررها بالقول المعروف. وذلك أن يعدها في السر بالإحسان إليها، والاهتمام بشأنها، والتكفل بمصالحها، حتى يصير ذكر هذه الأشياء الجميلة مؤكدا لذلك التعريض. والله أعلم.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 27.44 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 26.81 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.29%)]