عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 24-04-2022, 06:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,565
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الرابع
الحلقة (120)

من صــ 133 الى صـ
ـ 140




وسئل - رحمه الله تعالى -:
عن هذا " التحليل " الذي يفعله الناس اليوم: إذا وقع على الوجه الذي يفعلونه من الاستحقاق والإشهاد وغير ذلك من سائر الحيل المعروفة: هل هو صحيح أم لا؟ وإذا قلد من قال به هل: يفرق بين اعتقاد واعتقاد؟ وهل الأولى إمساك المرأة أم لا؟

فأجاب:
التحليل الذي يتواطئون فيه مع الزوج - لفظا أو عرفا - على أن يطلق المرأة أو ينوي الزوج ذلك: محرم. لعن النبي صلى الله عليه وسلم فاعله في أحاديث متعددة وسماه " التيس المستعار " وقال: {لعن الله المحلل والمحلل له}.
وكذلك مثل عمر وعثمان وعلي وابن عمر وغيرهم لهم بذلك آثار مشهورة: يصرحون فيها بأن من قصد التحليل بقلبه فهو محلل؛ وإن لم يشترطه في العقد. وسموه " سفاحا ". ولا تحل لمطلقها الأول بمثل هذا العقد ولا يحل للزوج المحلل إمساكها بهذا التحليل بل يجب عليه فراقها؛ لكن إذا كان قد تبين باجتهاد أو تقليد جواز ذلك؛ فتحللت وتزوجها بعد ذلك ثم تبين له تحريم ذلك: فالأقوى أنه لا يجب عليه فراقها؛ بل يمنع من ذلك في المستقبل وقد عفا الله في الماضي عما سلف.

(والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير (233)

قال شيخ الإسلام - رحمه الله -:
في قوله تعالى {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها} إلى قوله: {واعلموا أن الله بما تعملون بصير} مع قوله: {وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن} إلى قوله: {سيجعل الله بعد عسر يسرا} وفي ذلك أنواع من الأحكام بعضها مجمع عليه وبعضها متنازع فيه. وإذا تدبرت كتاب الله تبين أنه يفصل النزاع بين من يحسن الرد إليه وأن من لم يهتد إلى ذلك؛ فهو إما لعدم استطاعته فيعذر. أو لتفريطه فيلام.
وقوله تعالى {حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة} يدل على أن هذا تمام الرضاعة وما بعد ذلك فهو غذاء من الأغذية. وبهذا يستدل من يقول: الرضاع بعد الحولين بمنزلة رضاع الكبير. وقوله: {حولين كاملين} يدل على أن لفظ " الحولين " يقع على حول وبعض آخر. وهذا معروف في كلامهم يقال: لفلان عشرون عاما إذا أكمل ذلك. قال الفراء والزجاج وغيرهما: لما جاز أن يقول: " حولين " ويريد أقل منهما كما قال تعالى: {فمن تعجل في يومين} ومعلوم أنه يتعجل في يوم وبعض آخر؛ وتقول: لم أر فلانا يومين. وإنما تريد يوما وبعض آخر. قال " كاملين " ليبين أنه لا يجوز أن ينقص منهما. وهذا بمنزلة قوله تعالى {تلك عشرة كاملة} فإن لفظ " العشرة " يقع على تسعة وبعض العاشر. فيقال: أقمت عشرة أيام. وإن لم يكملها. فقوله هناك {كاملة} بمنزلة قوله هنا {كاملين} وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: قال {الخازن الأمين الذي يعطي ما أمر به كاملا موفورا طيبة به نفسه أحد المتصدقين} " فالكامل الذي لم ينقص منه شيء؛ إذ الكمال ضد النقصان.
وأما " الموفر " فقد قال: أجرهم موفرا. يقال: الموفر. للزائد؛ ويقال: لم يكلم. أي يجرح كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في " كتاب الزهد " عن وهب بن منبه: {أن الله تعالى قال لموسى وما ذاك لهوانهم علي ولكن ليستكملوا نصيبهم من كرامتي سالما موفرا؛ لم تكلمه الدنيا ولم تكلمه نطعة الهوى} وكان هذا تغيير الصفة وذاك نقصان القدر وذكر " أبو الفرج " هل هو عام في جميع الوالدات؟ أو يختص بالمطلقات؟ على قولين. والخصوص قول سعيد بن جبير ومجاهد والضحاك والسدي ومقاتل في آخرين. والعموم قول أبي سليمان الدمشقي والقاضي أبي يعلى في آخرين. قال القاضي ولهذا نقول: لها أن تؤجر نفسها لرضاع ولدها سواء كانت مع الزوج أو مطلقة. " قلت " الآية حجة عليهم؛ فإنها أوجبت للمرضعات رزقهن وكسوتهن بالمعروف؛ لا زيادة على ذلك.

وهو يقول: تؤجر نفسها بأجرة غير النفقة. والآية لا تدل على هذا؛ بل إذا كانت الآية عامة دلت على أنها ترضع ولدها مع إنفاق الزوج عليها كما لو كانت حاملا فإنه ينفق عليها وتدخل نفقة الولد في نفقة الزوجية؛ لأن الولد يتغذى بغذاء أمه وكذلك في حال الرضاع فإن نفقة الحمل هي نفقة المرتضع. وعلى هذا فلا منافاة بين القولين؛ فالذين خصوه بالمطلقات أوجبوا نفقة جديدة بسبب الرضاع كما ذكر في " سورة الطلاق " وهذا مختص بالمطلقة وقوله تعالى {حولين كاملين} قد علم أن مبدأ الحول من حين الولادة والكمال إلى نظير ذلك.

فإذا كان من عاشر المحرم كان الكمال في عاشر المحرم في مثل تلك الساعة؛ فإن الحول المطلق هو اثنا عشر شهرا من الشهر الهلالي كما قال تعالى: {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله} وهكذا ما ذكره من العدة أربعة أشهر وعشرا أولها من حين الموت وآخرها إذا مضت عشر بعد نظيره؛ فإذا كان في منتصف المحرم فآخرها خامس عشر المحرم وكذلك الأجل المسمى في البيوع وسائر ما يؤجل بالشرع وبالشرط. وللفقهاء هنا قولان آخران ضعيفان.

" أحدهما " قول من يقول: إذا كان في أثناء الشهر كان جميع الشهور بالعدد فيكون الحولان ثلثمائة وستين. وعلى هذا القول تزيد المدة اثني عشر يوما وهو غلط بين.

و " القول الثاني " قول من يقول: منها واحد بالعدد وسائرها بالأهلة. وهذا أقرب؛ لكن فيه غلط؛ فإنه على هذا إذا كان المبدأ عاشر المحرم وقد نقص المحرم كان تمامه تاسعه فيكون التكميل أحد عشر فيكون المنتهي حادي عشر المحرم وهو غلط أيضا. وظاهر القرآن يدل على أن على الأم إرضاعه لأن قوله: {يرضعن} خبر في معنى الأمر.

وهي مسألة نزاع؛ ولهذا تأولها من ذهب إلى القول الآخر. قال القاضي أبو يعلى: وهذا الأمر انصرف إلى الآباء؛ لأن عليهم الاسترضاع؛ لا على الوالدات؛ بدليل قوله: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن} وقوله: {فآتوهن أجورهن} فلو كان متحتما على الوالدة لم يكن عليه الأجرة.
فيقال: بل القرآن دل على أن للابن على الأم الفعل وعلى الأب النفقة ولو لم يوجد غيرها تعين عليها وهي تستحق الأجرة والأجنبية تستحق الأجرة ولو لم يوجد غيرها.
وقوله تعالى {لمن أراد أن يتم الرضاعة} دليل على أنه لا يجوز أن يريد إتمام الرضاع ويجوز الفطام قبل ذلك إذا كان مصلحة وقد بين ذلك بقوله تعالى: {فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما} وذلك يدل على أنه لا يفصل إلا برضى الأبوين فلو أراد أحدهما الإتمام والآخر الفصال قبل ذلك كان الأمر لمن أراد الإتمام؛ لأنه قال تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن} وقوله تعالى {يرضعن} صيغة خبر ومعناه الأمر.
والتقدير والوالدة مأمورة بإرضاعه حولين كاملين إذا أريد إتمام الرضاعة؛ فإذا أرادت الإتمام كانت مأمورة بذلك وكان على الأب رزقها وكسوتها وإن أراد الأب الإتمام كان له ذلك؛ فإنه لم يبح الفصال إلا بتراضيهما جميعا. يدل على ذلك قوله تعالى {لمن أراد أن يتم الرضاعة}. ولفظة (من) إما أن يقال: هو عام يتناول هذا وهذا ويدخل فيه الذكر والأنثى فمن أراد الإتمام أرضعن له. وإما أن يقال: قوله تعالى {لمن أراد أن يتم الرضاعة} إنما هو المولود له وهو المرضع له. فالأم تلد له وترضع له كما قال تعالى: {فإن أرضعن لكم}.

والأم كالأجير مع المستأجر. فإن أراد الأب الإتمام أرضعن له وإن أراد أن لا يتم فله ذلك وعلى هذا التقدير فمنطوق الآية أمرهن بإرضاعه عند إرادة الأب ومفهومها أيضا جواز الفصل بتراضيهما. يبقى إذا أرادت الأم دون الأب مسكوتا عنه؛ لكن مفهوم قوله تعالى {عن تراض} أنه لا يجوز كما ذكر ذلك مجاهد وغيره؛ ولكن تناوله قوله تعالى {فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن} فإنها إذا أرضعت تمام الحول فله أرضعت وكفته بذلك مؤنة الطفل فلولا رضاعها لاحتاج إلى أن يطعمه شيئا آخر.

ففي هذه الآية بين أن على الأم الإتمام إذا أراد الأب وفي تلك بين أن على الأب الأجر إذا أبت المرأة. قال مجاهد: " التشاور " فيما دون الحولين: إن أرادت أن تفطم وأبى فليس لها وإن أراد هو ولم ترد فليس له ذلك حتى يقع ذلك على تراض منهما وتشاور يقول: غير مسيئين إلى أنفسهما ولا رضيعهما. وقوله تعالى {إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف} قال إذا أسلمتم أيها الآباء إلى أمهات الأولاد أجر ما أرضعن قبل امتناعهن: روي عن مجاهد والسدي. وقيل: إذا أسلمتم إلى الظئر أجرها: بالمعروف: روي عن سعيد بن جبير ومقاتل. وقرأ ابن كثير: (أتيتم) بالقصر.
وقوله تعالى {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف} ولم يقل: وعلى الوالد كما قال {والوالدات} لأن المرأة هي التي تلده وأما الأب فلم يلده؛ بل هو مولود له لكن إذا قرن بينهما قيل: {وبالوالدين إحسانا} فأما مع الإفراد فليس في القرآن تسميته والدا بل أبا. وفيه بيان أن الولد ولد للأب؛ لا للأم؛ ولهذا كان عليه نفقته حملا وأجرة رضاعه.
وهذا يوافق قوله تعالى {يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور} فجعله موهوبا للأب. وجعل بيته بيته في قوله: {ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم} وإذا كان الأب هو المنفق عليه جنينا ورضيعا والمرأة وعاء: فالولد زرع للأب قال تعالى: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} فالمرأة هي الأرض المزروعة والزرع فيها للأب وقد {نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يسقي الرجل ماءه زرع غيره} " يريد به النهي عن وطء الحبالى فإن ماء الواطئ يزيد في الحمل كما يزيد الماء في الزرع وفي الحديث الآخر الصحيح: " {لقد هممت أن ألعنه لعنة تدخل معه في قبره كيف يورثه وهو لا يحل له وكيف يستعبده وهو لا يحل له}؟ " وإذا كان الولد للأب وهو زرعه كان هذا مطابقا لقوله صلى الله عليه وسلم {أنت ومالك لأبيك} "
وقوله صلى الله عليه وسلم {إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه} " فقد حصل الولد من كسبه كما دلت عليه هذه الآية؛ فإن الزرع الذي في الأرض كسب المزدرع له الذي بذره وسقاه وأعطى أجرة الأرض فإن الرجل أعطى المرأة مهرها وهو أجر الوطء كما قال تعالى: {ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن} وهو مطابق لقوله تعالى {ما أغنى عنه ماله وما كسب} وقد فسر {وما كسب} بالولد.
فالأم هي الحرث وهي الأرض التي فيها زرع والأب استأجرها بالمهر كما يستأجر الأرض وأنفق على الزرع بإنفاقه لما كانت حاملا ثم أنفق على الرضيع كما ينفق المستأجر على الزرع والثمر إذا كان مستورا وإذا برز؛ فالزرع هو الولد وهو من كسبه.

وهذا يدل على أن للأب أن يأخذ من ماله ما لا يضر به؛ كما جاءت به السنة وأن ماله للأب مباح وإن كان ملكا للابن فهو مباح للأب أن يملكه وإلا بقي للابن؛ فإذا مات ولم يتملكه ورث عن الابن. وللأب أيضا أن يستخدم الولد ما لم يضر به. وفي هذا وجوب طاعة الأب على الابن إذا كان العمل مباحا لا يضر بالابن؛ فإنه لو استخدم عبده في معصية أو اعتدى عليه لم يجز فالابن أولى.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 37.48 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 36.85 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.68%)]