عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 15-04-2022, 12:41 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,581
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الرابع
الحلقة (276)

سُورَةُ طه
صـ 19 إلى صـ 25




[ ص: 19 ] وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى [ 20 \ 50 ] فيه للعلماء أوجه لا يكذب بعضها بعضا ، وكلها حق ، ولا مانع من شمول الآية لجميعها . منها أن معنى أعطى كل شيء خلقه ثم هدى أنه أعطى كل شيء نظير خلقه في الصورة ، والهيئة ، كالذكور من بني آدم أعطاهم نظير خلقهم من الإناث أزواجا . وكالذكور من البهائم أعطاها نظير خلقها في صورتها وهيئتها من الإناث أزواجا . فلم يعط الإنسان خلاف خلقه فيزوجه بالإناث من البهائم ، ولا البهائم بالإناث من الإنس ، ثم هدى الجميع لطريق المنكح الذي منه النسل ، والنماء ، كيف يأتيه ، وهدى الجميع لسائر منافعهم من المطاعم ، والمشارب ، وغير ذلك .

وهذا القول مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما من طريق علي بن أبي طلحة ، وعن السدي وسعيد بن جبير ، وعن ابن عباس أيضا : ثم هدى أي هداه إلى الألفة ، والاجتماع ، والمناكحة .

وقال بعض أهل العلم أعطى كل شيء خلقه ثم هدى أي : أعطى كل شيء صلاحه ثم هداه إلى ما يصلحه ، وهذا مروي عن الحسن وقتادة .

وقال بعض أهل العلم : أعطى كل شيء خلقه ثم هدى : أي أعطى كل شيء صورته المناسبة له . فلم يجعل الإنسان في صورة البهيمة ، ولا البهيمة في صورة الإنسان ، ولكنه خلق كل شيء على الشكل المناسب له فقدره تقديرا ، كما قال الشاعر :


وله في كل شيء خلقة وكذاك الله ما شاء فعل


يعني بالخلقة : الصورة ، وهذا القول مروي عن مجاهد ومقاتل ، وعطية وسعيد بن جبير ثم هدى كل صنف إلى رزقه وإلى زوجه .

وقال بعض أهل العلم : أعطى كل شيء خلقه : أي أعطى كل شيء صورته وشكله الذي يطابق المنفعة المنوطة به ، كما أعطى العين الهيئة التي تطابق الإبصار ، والأذن الشكل الذي يوافق الاستماع . وكذلك الأنف ، والرجل ، واللسان ، وغيرها ، كل واحد منها مطابق لما علق به من المنفعة غير ناب عنه . وهذا القول روي عن الضحاك . وعلى جميع هذه الأقوال المذكورة فقوله تعالى كل شيء هو المفعول الأول لـ " أعطى " ، و " خلقه " هو المفعول الثاني .

وقال بعض أهل العلم : إن " خلقه " هو المفعول الأول ، و " كل شيء " هو [ ص: 20 ] المفعول الثاني . وعلى هذا القول فالمعنى : أنه تعالى أعطى الخلائق كل شيء يحتاجون إليه ، ثم هداهم إلى طريق استعماله . ومعلوم أن المفعول من مفعولي باب كسا ومنه " أعطى " في الآية لا مانع من تأخيره وتقديم المفعول الأخير إن أمن اللبس ، ولم يحصل ما يوجب الجري على الأصل كما هو معلوم في علم النحو . وأشار له في الخلاصة بقوله :


ويلزم الأصل لموجب عرا وترك ذاك الأصل حتما قد يرى


قال مقيده - عفا الله عنه - : ولا مانع من شمول الآية الكريمة لجميع الأقوال المذكورة . لأنه لا شك أن الله أعطى الخلائق كل شيء يحتاجون إليه في الدنيا ، ثم هداهم إلى طريق الانتفاع به . ولا شك أنه أعطى كل صنف شكله وصورته المناسبة له ، وأعطى كل ذكر وأنثى الشكل المناسب له من جنسه في المناكحة ، والألفة ، والاجتماع . وأعطى كل عضو شكله الملائم للمنفعة المنوطة به فسبحانه جل وعلا ! ما أعظم شأنه وأكمل قدرته ! !

وفي هذه الأشياء المذكورة في معنى هذه الآية الكريمة براهين قاطعة على أنه جل وعلا رب كل شيء ، وهو المعبود وحده جل وعلا :

لا إله إلا هو كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون [ 28 88 ] .

وقد حرر تقي الدين أبو العباس بن تيمية في رسالته في علوم القرآن : أن مثل هذا الاختلاف من اختلاف السلف في معاني الآيات ليس اختلافا حقيقيا متضادا يكذب بعضه بعضا ، ولكنه اختلاف تنوعي لا يكذب بعضه بعضا ، والآيات تشمل جميعه ، فينبغي حملها على شمول ذلك كله ، وأوضح أن ذلك هو الجاري على أصول الأئمة الأربعة رضي الله عنهم ، وعزاه لجماعة من خيار أهل المذاهب الأربعة . والعلم عند الله تعالى .
قوله تعالى : الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك لآيات لأولي النهى .

قرأ هذا الحرف عاصم وحمزة ، والكسائي " مهدا " بفتح الميم وإسكان الهاء من غير ألف . وقرأ الباقون من السبعة بكسر الميم وفتح الهاء بعدها ألف . والمهاد : الفراش . والمهد بمعناه . وكون أصله مصدرا لا ينافي أن يستعمل اسما للفراش .

وقوله في هذه الآية : الذي جعل لكم الأرض في محل رفع نعت لـ " ربي " [ ص: 21 ] من قوله قبله قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى [ 20 52 ] أي لا يضل ربي الذي جعل لكم الأرض مهدا . ويجوز أن يكون خبرا لمبتدأ محذوف . أي هو الذي جعل لكم الأرض . ويجوز أن ينصب على المدح ، وهو أجود من أن يقدر عامل النصب لفظة أعني ، كما أشار إلى هذه الأوجه من الإعراب في الخلاصة بقوله :


وارفع أو انصب إن قطعت مضمرا مبتدأ أو ناصبا لن يظهرا


هكذا قال غير واحد من العلماء . والتحقيق أنه يتعين كونه خبر مبتدأ محذوف . لأنه كلام مستأنف من كلام الله . ولا يصح تعلقه بقول موسى لا يضل ربي لأن قوله فأخرجنا يعين أنه من كلام الله ، كما نبه عليه أبو حيان في البحر ، والعلم عند الله تعالى .

وقد بين جل وعلا في هاتين الآيتين أربع آيات من آياته الكبرى الدالة على أنه المعبود وحده . ومع كونها من آيات على كمال قدرته واستحقاقه العبادة وحده دون غيره فهي من النعم العظمى على بني آدم .

الأولى : فرشه الأرض على هذا النمط العجيب .

الثانية : جعله فيها سبلا يمر معها بنو آدم ويتوصلون بها من قطر إلى قطر .

الثالثة : إنزاله الماء من السماء على هذا النمط العجيب .

الرابعة : إخراجه أنواع النبات من الأرض .

أما الأولى التي هي جعله الأرض مهدا فقد ذكر الامتنان بها مع الاستدلال بها على أنه المعبود وحده في مواضع كثيرة من كتابه . كقوله تعالى : ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم الذي جعل لكم الأرض مهدا الآية [ 43 9 - 10 ] ، وقوله تعالى : ألم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتادا [ 78 6 - 7 ] ، وقوله تعالى : والأرض فرشناها فنعم الماهدون [ 51 48 ] ، وقوله تعالى : وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا [ 13 3 ] ، والآيات بمثل ذلك كثيرة جدا .

وأما الثانية التي هي جعله فيها سبلا فقد جاء الامتنان ، والاستدلال بها في آيات كثيرة . كقوله في " الزخرف " : ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم الذي جعل لكم الأرض مهدا وجعل لكم فيها سبلا لعلكم تهتدون [ 43 9 ] ، [ ص: 22 ] وقوله تعالى : وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون [ 21 31 ] وقد قدمنا الآيات الدالة على هذا في سورة " النحل " في الكلام على قوله : وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون [ 16 15 ] .

وأما الثالثة ، والرابعة وهما إنزال الماء من السماء وإخراج النبات به من الأرض فقد تكرر ذكرهما في القرآن على سبيل الامتنان ، والاستدلال معا . كقوله تعالى : هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب الآية [ 16 10 ] . وقد قدمنا الآيات الدالة على ذلك .

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : وأنزل من السماء ماء فأخرجنا التفات من الغيبة إلى التكلم بصيغة التعظيم . ونظيره في القرآن قوله تعالى في " الأنعام " : وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا [ 6 99 ] ، وقوله في " فاطر " : ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها [ 35 27 ] ، وقوله في " النمل " : أم من خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة [ 27 60 ] .

وهذا الالتفات من الغيبة إلى التكلم بصيغة التعظيم في هذه الآيات كلها في إنبات النبات يدل على تعظيم شأن إنبات النبات لأنه لو لم ينزل الماء ولم ينبت شيء لهلك الناس جوعا وعطشا . فهو يدل على عظمته جل وعلا ، وشدة احتياج الخلق إليه ولزوم طاعتهم له جل وعلا .

وقوله في هذه الآية : أزواجا من نبات شتى أي أصنافا مختلفة من أنواع النبات . فالأزواج : جمع زوج ، وهو هنا الصنف من النبات ، كما قال تعالى في سورة " الحج " : وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج [ 22 5 ] أي من كل صنف حسن من أصناف النبات ، وقال تعالى في سورة " لقمان " : خلق السماوات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم [ 31 10 ] أي من كل نوع حسن من أنواع النبات ، وقال تعالى في سورة " يس " : [ ص: 23 ] سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون [ 36 36 ] إلى غير ذلك من الآيات .

وقوله شتى نعت لقوله : أزواجا [ 20 53 ] . ومعنى قوله : أزواجا من نبات شتى أي أصنافا مختلفة الأشكال ، والمقادير ، والمنافع ، والألوان ، والروائح ، والطعوم . وقيل شتى جمع لـ " نبات " أي نبات مختلف كما بينا . والأظهر الأول ، وقوله شتى جمع شتيت . كمريض ومرضى . والشتيت : المتفرق . ومنه قول رؤبة يصف إبلا جاءت مجتمعة ثم تفرقت ، وهي تثير غبارا مرتفعا :


جاءت معا وأطرقت شتيتا وهي تثير الساطع السختيتا


وثغر شتيت : أي متفلج لأنه متفرق الأسنان . أي ليس بعضها لاصقا ببعض .

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : وسلك لكم فيها سبلا قد قدمنا أن معنى السلك : الإدخال . وقوله سلك هنا معناه أنه جعل في داخل الأرض بين أوديتها وجبالها سبلا فجاجا يمر الخلق معها . وعبر عن ذلك هنا بقوله : وسلك لكم فيها سبلا [ 20 53 ] وعبر في مواضع أخر عن ذلك بالجعل ، كقوله في " الأنبياء " : وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون [ 21 31 ] وقوله في " الزخرف " : الذي جعل لكم الأرض مهدا وجعل لكم فيها سبلا لعلكم تهتدون [ 43 10 ] وعبر في بعض المواضع عن ذلك بالإلقاء كقوله في " النحل " : وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون [ 31 15 ] لأن عطف السبل على الرواسي ظاهر في ذلك .

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : كلوا وارعوا أنعامكم أي كلوا أيها الناس من الثمار ، والحبوب التي أخرجناها لكم من الأرض بالماء الذي أنزلنا من جميع ما هو غذاء لكم من الحبوب ، والفواكه ونحو ذلك ، وارعوا أنعامكم . أي أسيموها وسرحوها في المرعى الذي يصلح لأكلها . تقول : رعت الماشية الكلأ ، ورعاها صاحبها : أي أسامها وسرحها . يلزم ويتعدى . والأمر في قوله كلوا وارعوا للإباحة . ولا يخفى ما تضمنه من الامتنان ، والاستدلال على استحقاق المنعم بذلك للعبادة وحده .

وما ذكره في هذه الآية الكريمة : من الامتنان على بني آدم بأرزاقهم وأرزاق أنعامهم جاء موضحا في مواضع أخر . كقوله في سورة " السجدة " : فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون [ 32 27 ] ، وقوله في " النازعات " : أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها متاعا لكم ولأنعامكم [ 79 31 - 33 ] ] ، [ ص: 24 ] وقوله في " عبس " : ثم شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا متاعا لكم ولأنعامكم [ 80 25 - 32 ] وقوله في " النحل " : هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون [ 31 10 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة لأولي النهى أي لأصحاب العقول . فالنهى : جمع نهية بضم النون ، وهي العقل . لأنه ينهى صاحبه عما لا يليق . تقول العرب : نهو الرجل بصيغة فعل بالضم : إذا كملت نهيته أي عقله . وأصله نهي بالياء فأبدلت الياء واوا لأنها لام فعل بعد ضم . كما أشار له في الخلاصة بقوله :


وواوا إثر الضم رد اليا متى ألفي لام فعل أو من قبل تا

قوله تعالى : منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى

.

الضمير في قوله " منها " معا ، وقوله فيها راجع إلى " الأرض " المذكورة في قوله الذي جعل لكم الأرض مهدا .

وقد ذكر في هذه الآية الكريمة ثلاث مسائل :

الأولى : أنه خلق بني آدم من الأرض .

الثانية : أنه يعيدهم فيها .

الثالثة : أنه يخرجهم منها مرة أخرى . وهذه المسائل الثلاث المذكورة في هذه الآية جاءت موضحة في غير هذا الموضع .

أما خلقه إياهم من الأرض فقد ذكره في مواضع من كتابه . كقوله ياأيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب الآية [ 22 5 ] ، وقوله تعالى : ومن آياته أن خلقكم من تراب الآية [ 30 20 ] ، وقوله في سورة " المؤمن " : هو الذي خلقكم من تراب [ 40 67 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .

والتحقيق أن معنى خلقه الناس من تراب أنه خلق أباهم آدم منها . كما قال تعالى : إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب الآية [ 3 59 ] . ولما خلق أباهم من تراب وكانوا تبعا له في الخلق صدق عليهم أنهم خلقوا من تراب . وما يزعمه [ ص: 25 ] بعض أهل العلم من أن معنى خلقهم من تراب أن النطفة إذا وقعت في الرحم انطلق الملك الموكل بالرحم فأخذ من تراب المكان الذي يدفن فيه فيذره على النطفة فيخلق الله النسمة من النطفة ، والتراب معا فهو خلاف التحقيق . لأن القرآن يدل على أن مرحلة النطفة بعد مرحلة التراب بمهلة . فهي غير مقارنة لها بدليل الترتيب بينهما بـ " ثم " في قوله تعالى : ياأيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة [ 22 5 ] ، وقوله تعالى : هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة الآية [ 40 67 ] ، وقوله تعالى : ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين [ 23 12 - 13 ] ، وقوله تعالى : ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين [ 32 6 - 8 ] وكذلك ما يزعمه بعض المفسرين من أن معنى خلقهم من تراب أن المراد أنهم خلقوا من الأغذية التي تتولد من الأرض فهو ظاهر السقوط كما ترى .

وأما المسألة الثانية فقد ذكرها تعالى أيضا في غير هذا الموضع . وذلك في قوله تعالى : ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء ‎وأمواتا [ 77 25 - 26 ] فقوله كفاتا [ 77 26 ] أي موضعهم الذي يكفتون فيه أي يضمون فيه : أحياء على ظهرها ، وأمواتا في بطنها . وهو معنى قوله وفيها نعيدكم .

وأما المسألة الثالثة : وهي إخراجهم من الأرض أحياء يوم القيامة فقد جاءت موضحة في آيات كثيرة . كقوله : ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون [ 30 19 ] أي من قبوركم أحياء بعد الموت ، وقوله تعالى : وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج [ 50 \ 11 ] أي من القبور بالبعث يوم القيامة ، وقوله تعالى : ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون [ 30 25 ] ، وقوله تعالى : حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون [ 7 57 ] ، وقوله تعالى : يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون [ 70 43 ] ، وقوله تعالى : يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج [ 50 \ 42 ] ، والآيات بمثل ذلك كثيرة جدا .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 47.50 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 46.87 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.32%)]