عرض مشاركة واحدة
  #120  
قديم 10-04-2022, 05:13 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 167,388
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله



تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سورة البقرة
المجلد الثالث
صـ 606 الى صـ 610
الحلقة (120)




فصل

وأما الخلع: فالتحقيق أنه فسخ لا طلاق. وأن العدة فيه حيضة، روى أبو داود في " سننه " عن ابن عباس ; أن امرأة ثابت بن قيس بن شماس اختلعت من زوجها، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتد حيضة، ففي ذلك دليل على حكمين: أحدهما: أنه لا يجب عليها ثلاث حيض بل تكفيها حيضة. وهذا كما أنه صريح السنة فهو مذهب أمير المؤمنين عثمان بن عفان، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، والربيع بنت معوذ وعمها رضي الله عنهم - وهو من كبار الصحابة - فهؤلاء الأربعة من الصحابة لا يعرف لهم مخالف منهم - وذهب إلى هذا المذهب إسحاق بن راهويه والإمام أحمد، في رواية عنه اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية. قال: هذا القول هو مقتضى قواعد الشريعة. فإن العدة إنما جعلت ثلاث حيض ليطول زمن الرجعة ويتروى الزوج ويتمكن من الرجعة في مدة العدة. فإذا لم تكن عليها رجعة، فالمقصود مجرد براءة رحمها من الحمل. وذلك يكفي فيه حيضة كالاستبراء. ولا ينتقض هذا بالمطلقة ثلاثا. فإن باب الطلاق جعل حكم العدة فيه واحدا بائنة ورجعية. قالوا: وهذا دليل على أن الخلع فسخ، وليس بطلاق. وهو مذهب ابن عباس وعثمان وابن عمر والربيع وعمها. ولا يصح [ ص: 606 ] عن صحابي أنه طلاق البتة. فروى الإمام أحمد عن يحيى بن سعيد عن سفيان عن عمرو، عن طاوس عن ابن عباس - رضي الله عنهم - أنه قال: الخلع تفريق وليس بطلاق. وذكر عبد الرزاق عن سفيان عن عمرو، عن طاوس: أن إبراهيم ابن سعد سأله عن رجل طلق امرأته تطليقتين ثم اختلعت منه، أينكحها؟ قال ابن عباس رضي الله عنه: نعم! ذكر الله الطلاق في أول الآية وآخرها، والخلع بين ذلك.

والذي يدل على أنه ليس بطلاق، أن الله سبحانه وتعالى رتب على الطلاق بعد الدخول الذي لم يستوف عدده، ثلاثة أحكام كلها منتفية عن الخلع:

أحدها: أن الزوج أحق بالرجعة فيه.

الثاني: أنه مسحوب من الثلاث فلا يحل بعد استيفاء العدد إلا بعد زوج وإصابة.

الثالث: أن العدة فيه ثلاثة قروء.

وقد ثبت بالنص والإجماع أنه لا رجعة في الخلع. وثبت بالسنة وأقوال الصحابة أن العدة فيه حيضة واحدة. وثبت بالنص جوازه بعد طلقتين ووقوع ثالثة بعده. وهذا ظاهر جدا في كونه ليس بطلاق ; فإنه سبحانه قال: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به وهذا - وإن لم يختص بالمطلقة تطليقتين - فإنه يتناولها وغيرها. ولا يجوز أن يعود الضمير إلى من لم يذكر، ويخلى عنه المذكور، بل إما أن يختص بالسابق، أو يتناوله وغيره. ثم قال: فإن طلقها فلا تحل له من بعد وهذا يتناول من طلقت بعد فدية تطليقتين قطعا; لأنها هي المذكورة. فلا بد من دخولها تحت اللفظ. فهذا فهم ترجمان القرآن الذي دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن يعلمه الله تأويل القرآن، وهي دعوة مستجابة بلا شك. وإذا كانت أحكام الفدية غير أحكام الطلاق، دل على أنها غير جنسه. فهذا مقتضى النص والقياس وأقوال الصحابة. انتهى.

[ ص: 607 ] هذه خلاصة الحجج في هذه الفروع المهمة معرفتها. ولا يعرف قدرها إلا من صغى فهمه عن التعصبات. ومن نظر إلى ما عمت به البلوى - من التفرقة بين المرء وزوجه بمجرد الانتحال للقيل والقال، وترك ما حققه بالدلائل الأئمة الأبطال - قضى العجب، وبالله التوفيق.

فإن طلقها - أي: الزوج الثاني -: فلا جناح عليهما أي: على المرأة ومطلقها الأول: -: أن يتراجعا أي: إلى ما كانا فيه من النكاح بعقد جديد بعد عدة طلاق الثاني - المعلومة مما تقدم من قوله: والمطلقات يتربصن الآية -: إن ظنا أن يقيما حدود الله أي: التي أوجب مراعاتها على الزوجين من الحقوق: وتلك أي: الأحكام المذكورة: حدود الله أي: أحكامه المحمية من التغيير والمخالفة: يبينها لقوم يعلمون أي: يكشف اللبس عنها لقوم فيهم نهضة وجد في الاجتهاد، فيجددون النظر والتأمل بغاية الاجتهاد في كل وقت، فبذلك يعطيهم الله ملكة يميزون بها ما يلبس على غيرهم: إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا واتقوا الله ويعلمكم الله - أفاده البقاعي.
القول في تأويل قوله تعالى:

[231] وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ولا تتخذوا آيات الله هزوا واذكروا نعمت الله عليكم وما أنـزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم .

[ ص: 608 ] وإذا طلقتم النساء أي: طلاقا رجعيا: فبلغن أجلهن أي: قاربن انقضاء العدة: فأمسكوهن أي: بالمراجعة إن أردتم: بمعروف من غير ضرار: أو سرحوهن بمعروف أي: بأن تتركوهن حتى تنقضي العدة فيملكن أنفسهن: ولا تمسكوهن أي: بالرجعة: ضرارا أي: مضارة بإزالة الألفة وإيقاع الوحشة وموجبات النفرة: لتعتدوا اللام للعاقبة، أي: لتكون عاقبة أمركم الاعتداء ; أو للتعليل متعلقة بالضرار فيكون علة للعلة، أي: لتظلموهن بالإلجاء إلى الافتداء: ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه أي: بتعريضها لسخط الله عليه ونفرة الناس منه.

ولا تتخذوا آيات الله أي: أوامره ونواهيه: هزوا أي: مهزوا بها بأن تعرضوا عنها وتتهاونوا في المحافظة عليها: واذكروا نعمت الله عليكم أي: في إرساله الرسول بالهدى والبينات إليكم: وما أنـزل عليكم من الكتاب والحكمة أي: السنة: يعظكم به أي: بما أنزل. أي: يأمركم وينهاكم ويتوعدكم على المخالفة: واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم تأكيد وتهديد.
القول في تأويل قوله تعالى:

[232] وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر ذلكم أزكى لكم وأطهر والله يعلم وأنتم لا تعلمون .

وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن أي: انقضت عدتهن. وقد دل سياق الكلامين على اختلاف البلوغين، إذ الأول دل على المشارفة للأمر بالإمساك، وهذا على الحقيقة للنهي عن العضل: فلا تعضلوهن أي: لا تمنعوهن: أن ينكحن أزواجهن [ ص: 609 ] الذين طلقوهن، والآن يرغبن فيهم: إذا تراضوا أي: النساء والأزواج: بينهم بالمعروف أي: بما يحسن في الدين من الشرائط: ذلك أي: النهي عن العضل: يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر ذلكم أي: الاتعاظ بترك العضل والضرار: أزكى لكم أي: أصلح لكم: وأطهر لقلوبكم وقلوبهن من الريبة والعدواة: والله يعلم وأنتم لا تعلمون أي: يعلم ما فيه صلاح أموركم فيما يأمر وينهى ومنه ما بينه هنا وأنتم لا تعلمونه، فدعوا رأيكم وامتثلوا أمره تعالى ونهيه في كل ما تأتون وما تذرون. وقد روي: أن هذه الآية نزلت في معقل بن يسار المزني وأخته.

أخرج البخاري وأبو داود والترمذي وغيرهم عن معقل بن يسار: أنه زوج أخته رجلا من المسلمين، فكانت عنده، ثم طلقها تطليقة ولم يراجعها، حتى انقضت العدة فهويها وهويته. فخطبها مع الخطاب. فقال له: يا لكع! أكرمتك بها وزوجتكها فطلقتها، والله لا ترجع إليك أبدا. فعلم الله حاجته إليها وحاجتها إليه، فأنزل الله الآية، فلما سمعها معقل قال: سمع لربي وطاعة! ثم دعاه وقال: أزوجك وأكرمك. زاد ابن مردويه: وكفرت عن يميني.
القول في تأويل قوله تعالى:

[233] والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير .

[ ص: 610 ] والوالدات أي: من المطلقات: يرضعن أولادهن حولين كاملين أي: سنتين كاملتين: لمن أراد أن يتم الرضاعة أي: هذا الحكم لمن أراد أن يتم رضاع الولد، فأفهم أنه يجوز الفطام للمصلحة قبل ذلك، وأنه لا رضاع بعد التمام.

قال الحرالي: وهو - أي: الذي يكتفى به دون التمام - هو ما جمعه قوله تعالى: وحمله وفصاله ثلاثون شهرا فإذا كان الحمل تسعا كان الرضاع أحدا وعشرين شهرا. وإذا كان حولين كان المجموع ثلاثا وثلاثين شهرا، فيكون ثلاثة آحاد وثلاثة عقود، فيكون ذلك تمام الحمل والرضاع.

وعلى المولود له - أي: الأب - وعبر عنه بهذه العبارة إشارة إلى جهة وجوب المؤن عليه، لأن الوالدات إنما ولدن للآباء، ولذلك ينسب الولد للأب دون الأم. قال بعضهم:


وإنما أمهات الناس أوعية مستودعات وللآباء أبناء

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.98 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 26.36 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.33%)]