
10-04-2022, 05:11 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,805
الدولة :
|
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله

تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سورة البقرة
المجلد الثالث
صـ 591 الى صـ 595
الحلقة (117)
فإنه إذا كان عقد الرغبة المقصود للدوام [ ص: 591 ] غير كاف حتى يوجد فيه الوطء، فكيف يكفي عقد تيس مستعار ليحلها، لا رغبة له في إمساكها، وإنما هو عارية كحمار الفرس المستعار للضراب!.
وقال - عليه الرحمة - قبل ذلك: وأما نكاح المحلل، ففي " الترمذي " و " المسند " من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: « لعن الله المحلل والمحلل له » ، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وفي " المسند " من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: « لعن الله المحلل والمحلل له» ، وإسناده حسن. وفيه عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. وفي " سنن ابن ماجه" من حديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ » قالوا: بلى يا رسول الله! قال: « هو المحلل، لعن الله المحلل والمحلل له » . فهؤلاء الأربعة من سادات الصحابة رضي الله عنهم، وقد شهدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بلعنه أصحاب التحليل، وهم المحلل والمحلل له. وهذا إما خبر عن الله فهو خبر صدق. وإما دعاء مستجاب قطعا. وهذا يفيد أنه من الكبائر الملعون فاعلها. ولا فرق عند أهل المدينة وأهل الحديث وفقهائهم بين اشتراط ذلك بالقول أو بالتواطؤ والقصد. فإن القصود في العقود عندهم معتبرة. والأعمال بالنيات. والشرط المتواطأ عليه الذي دخل عليه المتعاقدان كالملفوظ عندهم. والألفاظ لا تراد لعينها بل للدلالة على المعاني، فإذا ظهرت المعاني والمقاصد فلا عبرة بالألفاظ، لأنها وسائل قد تحققت غاياتها فترتب عليها أحكامها.
[ ص: 592 ] وقد ساق ابن كثير الأحاديث الواردة في ذلك: منها ما قدمناه، ومنها ما رواه الحاكم في " مستدركه ": عن نافع قال: جاء رجل إلى ابن عمر. فسأله عن رجل طلق امرأته ثلاثا فتزوجها أخ له، من غير مؤامرة منه، ليحلها لأخيه: هل تحل للأول؟ فقال لا. إلا نكاح رغبة، كنا نعد هذا سفاحا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وروى أبو بكر بن أبي شيبة عن عمر أنه قال: لا أوتى بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما. وروى البيهقي: أن عثمان بن عفان رفع إليه رجل تزوج امرأة ليحلها لزوجها، ففرق بينهما. وكذا روي عن علي وابن عباس وغير واحد من الصحابة رضي الله عنهم.
وبالجملة: فالتحليل غير جائز في الشرع. ولو كان جائزا لم يلعن فاعله والراضي به. وإذا كان لعن الفاعل لا يدل على تحريم فعله لم تبق صيغة تدل على التحريم قط. وإذا كان هذا الفعل حراما غير جائز في الشريعة فليس هو النكاح الذي ذكره الله تعالى في قوله: حتى تنكح زوجا غيره كما أنه لو قال: لعن الله بائع الخمر لم يلزم من لفظ بائع أنه قد جاز بيعه وصار من البيع الذي أذن فيه بقوله: وأحل الله البيع والأمر ظاهر.
فصل
قال الإمام ابن القيم في " أعلام الموقعين ":
إلزام الحالف بالطلاق والعتاق، إذا حنث، بطلاق زوجته وعتق عبده - مما حدث الإفتاء به بعد انقراض عصر الصحابة - فلا يحفظ عن صحابي في صيغة القسم إلزام الطلاق به أبدا. وإنما المحفوظ إلزام الطلاق بصيغة الشرط والجزاء - الذي قصد به الطلاق عند وجود الشرط - كما في " صحيح البخاري " عن نافع قال: طلق رجل امرأته البتة إن خرجت. فقال ابن عمر: إن خرجت [ ص: 593 ] فقد بانت منه، وإن لم تخرج فليس بشيء. فهذا لا ينازع فيه إلا من يمنع وقوع الطلاق المعلق بالشرط مطلقا. وأما من يفصل بين القسم المحض والتعليق الذي يقصد به الوقوع، فإنه يقول بالآثار المروية عن الصحابة كلها في هذا الباب. فإنه صح عنهم الإفتاء بالوقوع في صور. وصح عنهم عدم الوقوع في صور. والصواب: ما أفتوا به في النوعين. ولا يؤخذ ببعض فتاويهم ويترك بعضها. فأما الوقوع: فالمحفوظ عنهم ما ذكره البخاري عن ابن عمر، وما رواه الثوري عن ابن مسعود في رجل قال لامرأته: إن فعلت كذا وكذا فهي طالق، ففعلته. قال: هي واحدة وهو أحق بها. على أنه منقطع. وكذلك ما ذكره البيهقي وغيره عن ابن عباس في رجل قال لامرأته: هي طالق إلى سنة. قال: يتمتع بها إلى سنة. ومن هذا قول أبي ذر لامرأته وقد ألحت عليه في سؤاله عن ليلة القدر فقال: إن عدت سألتيني فأنت طالق. فهذه جميع الآثار المحفوظة عن الصحابة في وقوع الطلاق المعلق. وأما الآثار عنهم في خلافه: فصح عن عائشة وابن عباس وحفصة وأم سلمة - رضي الله عنهم - فيمن حلفت بأن كل مملوك لها حر إن لم تفرق بين عبدها وبين امرأته أنها تكفر عن يمينها ولا تفرق بينهما. رواه الأثرم في " سننه " والجوزجاني في " المترجم " والدارقطني والبيهقي.
وقاعدة الإمام أحمد: أن ما أفتى به الصحابة لا يخرج عنه، إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه. فعلى أصله الذي بنى مذهبه عليه، يلزمه القول بهذا الأثر لصحته وانتفاء علته. قال أبو محمد بن حزم: وصح عن ابن عمر وعائشة وأم سلمة - أمي المؤمنين - أنهم جعلوا في قول ليلى بنت العجماء: كل مملوك لها حر وكل مال لها هدي وهي يهودية ونصرانية إن لم تطلق امرأتك،كفارة يمين واحدة. وإذا صح هذا عن الصحابة ولم يعلم لهم مخالف في قول الحالف: عبده حر إن فعل، أنه يجزيه كفارة يمين، ولم يلزموه بالعتق المحبوب إلى الله، فأن لا يلزموه بالطلاق البغيض إلى الله أولى وأحرى. كيف وقد أفتى علي بن أبي طالب [ ص: 594 ] رضي الله عنه: الحالف بالطلاق، أنه لا شيء عليه... ولم يعرف له في الصحابة مخالف؟. قال عبد العزيز بن إبراهيم بن أحمد بن علي التيمي المعروف بابن بريرة الأندلسي في شرحه لأحكام عبد الحق، الباب الثالث في حكم اليمين بالطلاق أو الشك منه: وقد قدمنا في كتاب الأيمان اختلاف العلماء في اليمين بالطلاق والعتق والمشي وغير ذلك، هل يلزم أم لا؟ فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه وشريح وطاوس: لا يلزم من ذلك شيء، ولا يقضى بالطلاق على من حلف به فحنث. ولا يعرف في ذلك مخالف من الصحابة - هذا لفظه بعينه - فهذه فتوى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحلف بالعتق والطلاق.
وقد قدمنا فتاويهم في وقوع الطلاق المعلق بالشرط - ولا تعارض بين ذلك - فإن الحالف لم يقصد وقوع الطلاق وإنما قصد منع نفسه بالحلف بما لا يريد وقوعه.. إلى أن قال: وإذا دخلت اليمين بالطلاق في قول الحالف: أيمان البيعة تلزمني - وهي الأيمان التي رتبها الحجاج - فلم لا تكون أولى بالدخول في لفظ الأيمان في كلام الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم؟ فإن كانت يمين الطلاق يمينا شرعية - بمعنى أن الشرع اعتبرها - وجب أن تعطى حكم الأيمان. وإن لم تكن يمينا شرعية كانت باطلة في الشرع فلا يلزم الحالف بها شيء، كما صح عن طاوس من رواية عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عنه: ليس الحلف بالطلاق شيئا. وصح عن عكرمة من رواية سنيد بن داود في " تفسيره " عنه: إنها من خطوات الشيطان لا يلزم بها شيء. وصح عن شريح - قاضي علي - وابن مسعود: إنها لا يلزم بها الطلاق. وهو مذهب داود بن علي وجميع أصحابه. فهذه أقوال أئمة المسلمين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم. اهـ.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|