
10-04-2022, 05:09 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 167,154
الدولة :
|
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله

تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سورة البقرة
المجلد الثالث
صـ 571 الى صـ 575
الحلقة (113)
قال الحافظ ابن حجر في " التلخيص الحبير ": وفي إسناده عمرو بن أحيحة وهو مجهول الحال واختلف في إسناده اختلافا كثيرا. ثم قال الحافظ: وقد قال الشافعي: [ ص: 570 ] غلط ابن عيينة في إسناد حديث خزيمة - يعني حيث رواه. وتقدم قول البزار: وكل ما روي فيه عن خزيمة بن ثابت، من طريق فيه، فغير صحيح.
وقال الرازي في تفسيره: ذهب أكثر العلماء إلى أن المراد من الآية: أن الرجل مخير بين أن يأتيها من قبلها في قبلها، وبين أن يأتيها من دبرها في قبلها. فقوله: فأتوا حرثكم أنى شئتم محمول على ذلك. ونقل نافع عن ابن عمر أنه كان يقول: المراد من الآية تجويز إتيان النساء في أدبارهن. وهذا قول مالك. واختيار السيد المرتضى من الشيعة. والمرتضى رواه عن جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنه.
وبالجملة: فهذا المقام من معارك الرجال، ومجاول الأبطال. وقد استفيد مما أسلفناه: أن من جوز ذلك وقف مع لفظ الآية. فإنه تعالى جعل الحرث اسما للمرأة.
قال بعض المفسرين: إن العرب تسمي النساء حرثا قال الشاعر:
إذا أكل الجراد حروث قوم فحرثي همه أكل الجراد
يريد: امرأتي، وقال آخر:
إنما الأرحام أرض ولنا محترثات
فقلبنا الزرع فيها وعلى الله النبات
وحينئذ ففي قوله: فأتوا حرثكم أنى شئتم إطلاق في إتيانهن على جميع الوجوه. فيدخل فيه محل النزاع. واعتمد أيضا من سبب النزول ما رواه البخاري عن ابن عمر كما تقدم. وقال في رواية جابر المروية في " الصحيح " المتقدمة. إن ورود العام على سبب لا يقصره عليه. وأجاب عن توهيم ابن عباس لابن عمر، رضي الله عنهم، المروي في " سنن أبي داود " بأن سنده ليس على شرط البخاري فلا يعارضه. فيقدم الأصح سندا. ونظر إلى أنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب حديث.
قال الحافظ ابن حجر في " فتح الباري ": ذهب جماعة من أئمة الحديث - كالبخاري والذهلي والبزار والنسائي وأبي علي النيسابوري - إلى أنه لا يثبت فيه شيء.
[ ص: 571 ] وأما من منع ذلك: فتأول الآيات المتقدمة على صمام واحد. ونظر إلى أن الأحاديث المروية - من طرق متعددة - بالزجر عن تعاطيه وإن لم تكن على شرط الشيخين في الصحة، إلا أن مجموعها صالح للاحتجاج به.
وقد استقصى الأحاديث الواردة في ذلك، الحافظ الذهبي في جزء جمعه في ذلك. وساق جملة منها الحافظ ابن كثير في " تفسيره " وكذا الإمام ابن القيم في " زاد المعاد " وقد هول - عليه الرحمة - في شأنه تهويلا عظيما. فقال في كتابه المذكور، في الكلام على هديه صلى الله عليه وسلم في الجماع، ما نصه:
وأما الدبر، فلم يبح قط على لسان نبي من الأنبياء. ومن نسب إلى بعض السلف إباحة وطء الزوجة من دبرها فقد غلط عليه. ثم ساق أخبار النهي عنه - وقال بعد: وقد دلت الآية على تحريم الوطء في دبرها من وجهين: أحدهما: أنه إنما أباح إتيانها في الحرث وهو موضع الولد، لا في الحش الذي هو موضع الأذى. وموضع الحرث هو المراد من قوله: من حيث أمركم الله الآية فأتوا حرثكم أنى شئتم وإتيانها في قبلها من دبرها مستفاد من الآية أيضا لأنه قال: أنى شئتم أي: من أين شئتم: من أمام أو من خلف: قال ابن عباس: فأتوا حرثكم يعني الفرج، وإذا كان الله حرم الوطء في الفرج لأجل الأذى العارض، فما الظن بالحش الذي هو محل الأذى اللازم مع زيادة المفسدة بالتعرض لانقطاع النسل والذريعة القريبة جدا من أدبار النساء إلى أدبار الصبيان.
وأيضا، فللمرأة حق على الرجل في الوطء، ووطؤها في دبرها يفوت حقها، ولا يقضي وطرها، ولا يحصل مقصودها. وأيضا فإن الدبر لم يتهيأ لهذا العمل ولم يخلق له، وإنما الذي هيئ له الفرج، فالعادلون عنه إلى الدبر خارجون عن حكمة الله وشرعه جميعا. وأيضا: فإن ذلك مضر بالرجل، ولهذا ينهى عنه عقلاء الأطباء من الفلاسفة وغيرهم، لأن للفرج خاصية في اجتذاب الماء المحتقن، وراحة الرجل منه. والوطء في الدبر لا يعين على اجتذاب [ ص: 572 ] جميع الماء ولا يخرج كل المحتقن لمخالفته للأمر الطبيعي... وأيضا يضر من وجه آخر، وهو إحواجه إلى حركات متعبة جدا لمخالفته للطبيعة، وأيضا فإنه محل القذر والنجو، فيستقبله الرجل بوجهه ويلابسه. وأيضا: فإنه يضر بالمرأة جدا، لأنه وارد غريب بعيد عن الطباع منافر لها غاية المنافرة. وأيضا: فإنه يحدث الهم والغم والنفرة عن الفاعل والمفعول. وأيضا: فإنه يسود الوجه، ويظلم الصدر، ويطمس نور القلب، ويكسو الوجه وحشة تصير عليه كالسيماء، يعرفها من له أدنى فراسة. وأيضا: فإنه يوجب النفرة والتباغض الشديد والتقاطع بين الفاعل والمفعول، ولا بد. وأيضا: فإنه يفسد حال الفاعل والمفعول فسادا لا يكاد يرجى بعده صلاح، إلا أن يشاء الله بالتوبة النصوح. وأيضا: فإنه يذهب بالمحاسن منهما ويكسوهما ضدهما. كما يذهب بالمودة بينهما ويبدلهما بها تباغضا وتلاعنا. وأيضا: فإنه من أكبر أسباب زوال النعم وحلول النقم، فإنه يوجب اللعنة والمقت من الله، وإعراضه عن فاعله وعدم نظره إليه، فأي خير يرجوه بعد هذا؟ وأي شر يأمنه؟ وكيف حياة عبد قد حلت عليه لعنة الله ومقته، وأعرض عنه بوجهه ولم ينظر إليه.
أقول: أخذ هذا ابن القيم من أحاديث وردت في لعن فاعل ذلك، وعدم نظر الحق إليه، بيد أنها ضعيفة.
[ ص: 573 ] ثم قال ابن القيم: وأيضا فإنه يذهب بالحياء جملة، والحياء هو حياة القلوب، فإذا فقدها القلب استحسن القبيح واستقبح الحسن، وحينئذ فقد استحكم فساده. وأيضا: فإنه يحيل الطباع عما ركبها الله، ويخرج الإنسان عن طبعه إلى طبع لم يركب الله عليه شيئا من الحيوان، بل هو طبع منكوس، وإذا نكس الطبع انتكس القلب والعمل والهدى، فيستطيب حينئذ الخبيث من الأعمال والأفعال والهيئات، ويفسد حاله وعمله وكلامه بغير اختياره. وأيضا فإنه يورث من الوقاحة والجراءة ما لا يورثه سواه. وأيضا: فإنه يورث من المهانة والسفال والحقارة ما لا يورثه غيره. وأيضا: فإنه يكسو العبد من حلة المقت والبغضاء وازدراء الناس له، واحتقارهم إياه، واستصغارهم له ما هو مشاهد بالحس. فصلوات الله وسلامه على من سعادة الدنيا والآخرة في هديه واتباع ما جاء به، وهلاك الدنيا والآخرة في مخالفة هديه وما جاء به. اهـ.
ولما اشتملت هذه الآية على الإذن في قضاء الشهوة، نبه على أن لا يكون المرء في قيدها بل في قيد الطاعة، فقال تعالى: وقدموا لأنفسكم أي: ما يجب تقديمه من الأعمال الصالحة لتنالوا به الجنة والكرامة، كقوله: وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقوا الله فلا تجترئوا على المعاصي: واعلموا أنكم ملاقوه صائرون إليه فاستعدوا [ ص: 574 ] للقائه: وبشر المؤمنين بالثواب. وإنما حذف لكونه كالمعلوم، فصار كقوله: وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا
القول في تأويل قوله تعالى:
[224] ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم
ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم العرضة بضم العين، فعلة بمعنى مفعول - كالقبضة والغرفة - وهي اسم ما تعرضه دون الشيء، من عرض العود على الإناء. فيعترض دونه ويصير حاجزا ومانعا منه. تقول: فلان عرضة دون الخير. وكان الرجل يحلف على بعض الخيرات - من صلة رحم، أو إصلاح ذات بين، أو إحسان إلى أحد - ثم يقول: أخاف الله أن أحنث في يميني. فيترك البر إرادة البر في يمينه. فقيل لهم: ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أي: حاجزا لما حلفتم عليه. وسمى المحلوف عليه يمينا لتلبسه باليمين كحديث: « من حلف على يمين » الآتي ذكره، أي: على شيء مما يحلف عليه. وقوله: أن تبروا وتتقوا عطف بيان لـ: أيمانكم أي: للأمور المحلوف عليها التي هي البر والتقوى والإصلاح بين الناس. أفاده الزمخشري.
وعلى هذا التأويل: الآية: كقوله تعالى: ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والمعنى المتقدم في الآية اتفق عليه جمهور السلف. ورواه [ ص: 575 ] علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: لا تجعلن الله عرضة ليمينك أن لا تصنع الخير ولكن كفر عن يمينك واصنع الخير. وقد ثبت في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إني، والله! إن شاء الله، لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها » . وروى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها، فليكفر عن يمينه وليفعل الذي هو خير» .
وفي الآية وجه آخر ذكره كثير من المفسرين. وهو النهي عن الجراءة على الله تعالى بكثرة الحلف به. وذلك لأن من أكثر ذكر شيء في معنى من المعاني فقد جعله عرضة له. يقول الرجل: قد جعلتني عرضة للومك. وقال الشاعر:
ولا تجعليني عرضة للوائم

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|