عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 10-04-2022, 05:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,889
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله



تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سورة البقرة
المجلد الثالث
صـ 546 الى صـ 550
الحلقة (108)



قال تعالى: ألا في الفتنة سقطوا أي: وقعوا في فتنة النفاق وفروا إليها من فتنة بنات الأصفر.

والمقصود: أن الله سبحانه حكم بين أوليائه وأعدائه بالعدل والإنصاف، ولم يبرئ أولياءه من ارتكاب الإثم بالقتل في الشهر الحرام، بل أخبر الله أنه كبير، وأن ما عليه أعداؤه المشركون أكبر وأعظم من مجرد القتال في الشهر الحرام، فهم أحق بالذم، والعيب والعقوبة، لا سيما أولياؤه. كانوا متأولين في قتالهم ذلك، أو مقصرين نوع تقصير يغفره الله لهم. في جنب ما فعلوه من التوحيد والطاعات والهجرة مع رسوله وإيثار ما عند الله، فهم كما قيل:


وإذا الحبيب أتى بذنب واحد جاءت محاسنه بألف شفيع


فكيف يقاس ببغيض عدو جاء بكل قبيح ولم يأت بشفيع واحد من المحاسن؟!.

تنبيه:

اتفق الجمهور على أن حكم هذه الآية: حرمة القتال في الشهر الحرام. ثم اختلفوا أن ذلك الحكم هل بقي أم نسخ؟!.

قال ابن القيم في " زاد المعاد " في الفصل الذي عقده: لما كان في غزوة خبير من الأحكام الفقهية. ما نصه: منها محاربة الكفار ومقاتلتهم في الأشهر الحرم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع من الحديبية في ذي الحجة. فمكث بها ثم سار إلى خيبر في المحرم كذلك. قال الزهري عن عروة عن مروان والمسور، وكذلك قال الواقدي: خرج في أول سنة سبع من الهجرة. ولكن في الاستدلال بذلك نظر. فإن خروجه كان في أواخر المحرم لا في أوله، وفتحها إنما كان في صفر. وأقوى من هذا الاستدلال بيعة النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه تحت الشجرة بيعة الرضوان على القتال وأن لا يفروا. وكانت في ذي القعدة. ولكن لا دليل في ذلك ; لأنه إنما بايعهم على ذلك لما بلغه أنهم قد قتلوا عثمان وهم يريدون قتاله، فحينئذ بايع الصحابة. ولا خلاف في جواز القتال في الشهر الحرام دفعا، وإنما الخلاف أن يقاتل فيه ابتداء. فالجمهور جوزوه وقالوا: تحريم القتال فيه منسوخ، وهو مذهب الأئمة [ ص: 547 ] الأربعة رحمهم الله. وذهب عطاء وغيره إلى أنه ثابت غير منسوخ ; وكان عطاء يحلف بالله ما يحل القتال في الشهر الحرام ولا نسخ من تحريمه شيء..! وأقوى من هذين الاستدلالين، الاستدلال بحصار النبي صلى الله عليه وسلم للطائف. فإنه خرج إليها في أواخر شوال فحاصرهم بضعا وعشرين ليلة، فبعضها كان في ذي القعدة. فإنه فتح مكة لعشر بقين من رمضان، وأقام بها بعد الفتح تسع عشرة يقصر الصلاة، فخرج إلى هوازن وقد بقي من شوال عشرون يوما، ففتح الله عليه هوازن وقسم غنائمها. ثم ذهب منها إلى الطائف فحاصروه عشرين ليلة. وهذا يقتضي أن بعضها في ذي القعدة بلا شك. وقد قيل: إنما حاصرهم بضع عشرة ليلة. قال ابن حزم: وهو الصحيح بلا شك. وهذا عجيب منه. فمن أين له هذا التصحيح والجزم به..؟ وفي الصحيحين عن أنس بن مالك في قصة الطائف قال: فحاصرناهم أربعين يوما فاستعصوا وتمنعوا، وذكر الحديث. فهذا الحصار وقع في ذي القعدة بلا ريب. ومع هذا، فلا دليل في القصة لأن غزو الطائف كان في تمام غزوة هوازن. وهم بدأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقتال. ولما انهزموا دخل ملكهم - وهو مالك بن عوف النضري - مع ثقيف في حصن الطائف. فحاربت رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكان غزوهم من تمام الغزو التي شرع فيها، والله أعلم.

وقال الله تعالى في سورة المائدة وهي من آخر القرآن نزولا وليس فيها منسوخ: [ ص: 548 ] يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد وقال في سورة البقرة: يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله فهاتان آيتان مدنيتان. بينهما في النزول نحو ثمانية أعوام. وليس في كتاب الله ولا سنة رسوله ناسخ لحكمها. ولا اجتمعت الأمة على نسخه. ومن استدل على النسخ بقوله تعالى: وقاتلوا المشركين كافة ونحوها من العمومات، فقد استدل على النسخ بما لا يدل. ومن استدل عليه بأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا عامر في سرية إلى أوطاس في ذي القعدة، فقد استدل بغير دليل، لأن ذلك كان من تمام الغزوة التي بدأ فيها المشركون بالقتال ولم يكن ابتداء منه لقتالهم في الشهر الحرام.

ولا يزالون - يعني أهل مكة -: يقاتلونكم - أيها المؤمنون -: حتى يردوكم عن دينكم أي: يرجعوكم عن دينكم الإسلام إلى الكفر: إن استطاعوا أي: قدروا على ردتكم. وفيه استبعاد لاستطاعتهم. فهو كقول الرجل لعدوه: إن ظفرت بي [ ص: 549 ] فلا تبق علي. وهو واثق أنه لا يظفر به. وجملة: ولا يزالون إما معطوفة على: يسألونك أو معترضة. والمقصود: تحذير المؤمنين منهم وعدم المبالاة بموافقتهم في بعض الأمور، لاستحكام عداوتهم وإصرارهم على الفتنة في الدين.

وفي الآية إشعار بأنكم أحق بأن لا تزالوا تقاتلونهم، لأنهم قاطعون بأنكم على الحق وأنكم منصورون، وأنهم على الباطل وهم مخذولون، ولا بد وإن طال المدى ; لاعتمادكم على الله واعتمادهم على قوتهم. ومن وكل إلى نفسه ضاع. فالأمر الذي بينكم وبينهم أشد من الكلام. فينبغي الاستعداد له بعدته، والتأهب له بأهبته، فضلا عن أن يلتفت إلى التأثر بكلامهم الذي توحيه إليهم الشياطين طعنا في الدين، وصدا عن السبيل. أشار لذلك البقاعي. ثم حذر تعالى عن الارتداد بقوله: ومن يرتدد منكم عن دينه وهو الإسلام. وبناء صيغة الافتعال من الردة المؤذنة بالتكلف، إشارة إلى أن من باشر دين الحق يبعد أن يرجع عنه، فهو متكلف في ذلك: فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم أي: بطلت جميع مساعيهم النافعة لهم، وردت: في الدنيا - إذ يرفع الأمان عن أموالهم وأهلهم -: والآخرة - إذ يسقط ثوابهم، فلا يجزون ثمة بحسناتهم: {و } لا يقتصر عليه بل: أولئك أصحاب النار أي: أهل النار: هم فيها خالدون مقيمون لا يموتون ولا يخرجون كسائر الكفار.
القول في تأويل قوله تعالى:

[218] إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمت الله والله غفور رحيم .

إن الذين آمنوا بحرمة الشهر في نفسه وجواز قتال المخرجين أهل المسجد الحرام منه: والذين هاجروا تركوا مكة وعشائرهم إذ أخرجوا من المسجد الحرام: وجاهدوا في سبيل الله ولو في الشهر الحرام للدفع عن أنفسهم: أولئك وإن باشروا القتال [ ص: 550 ] في الشهر الحرام: يرجون رحمت الله أي: جنته على إيمانهم وهجرتهم وجهادهم. وإنما ثبت لهم الرجاء دون الفوز بالمرجو للإيذان بأنهم عالمون بأن العمل غير موجب للأجر، وإنما هو على طريق التفضل منه سبحانه، لا لأن في فوزهم اشتباها: والله غفور لهتكهم حرمة الشهر: رحيم بما تجاوز عن قتالهم، مع قيام دليل الحرمة فلم يعاقبهم.
القول في تأويل قوله تعالى:

[219] يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون .

يسألونك عن الخمر والميسر هذه الآية أول آية نزلت في الخمر، على ما قاله ابن عمر والشعبي ومجاهد وقتادة والربيع بن أنس وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم. ثم نزلت الآية التي في سورة النساء ثم نزلت الآية في المائدة.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.75 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.12 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.54%)]