عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 10-04-2022, 05:05 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,740
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله



تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سورة البقرة
المجلد الثالث
صـ 541 الى صـ 545
الحلقة (107)


قل في جوابهم: قتال فيه كبير أي: أمر كبير مستنكر، وقد كانت العرب لا تسفك دما ولا تغير على عدو في الأشهر الحرم وهي: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب. وسنذكر في تنبيه يأتي التحقيق في كون تحريم القتال فيها محكما أو منسوخا.

قال الراغب: إن قيل: لم لم يقل: القتال فيه كبير، وشرط النكرة المذكورة إذا أعيد ذكرها أن يعاد معرفا، نحو: سألتني عن رجل والرجل كذا وكذا؟ قيل: في ذكره منكرا تنبيه على أن ليس كل القتال في الشهر الحرام هذا حكمه، فإن قتال النبي صلى الله عليه وسلم لأهل مكة لم يكن هذا حكمه، فقد قال: « أحلت لي ساعة من نهار ولم تكن تحل لأحد قبلي» .

وصد عن سبيل الله أي: عن دينه الموصل إلى رضوانه، أو عن البيت الحرام، فإن النبي صلى الله عليه وسلم: سمى الحج: سبيل الله.

قال الحرالي: والصد: صرف إلى ناحية بإعراض وتكره، والسبيل: طريق الجادة السابلة عليه الظاهر لكل سالك منهجه. وصد مبتدأ.

[ ص: 542 ] وكفر به أي: بالسبيل - أعني الدين - أو بالله، عطف عليه والمسجد الحرام عطف على: سبيل الله أي: وصد عن سبيل الله وعن المسجد الحرام. وزعم الفراء أنه معطوف على الهاء في: ( به ) أي: كفر به وبالمسجد الحرام وإخراج أهله أي: أهل المسجد الحرام - وهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون الذين هم أولياؤه - وهو عطف على: صد أيضا: منه من المسجد الحرام ; وخبر الأسماء الثلاثة: أكبر عند الله جرما مما فعلته السرية: من قتلهم إياهم في الشهر الحرام ; لأن الإخراج فتنة: والفتنة أكبر من القتل في الشهر الحرام، أي: فقد فعلوا بكم في المسجد الحرام ما هو أكبر من القتل فيه، وحرمة المسجد كحرمة الشهر..! هذا، وقيل: خبر: صد و: كفر محذوف لدلالة ما تقدم عليه.

وأشار الرازي إلى إعراب آخر وهو: إن: صد و: كفر معطوفان على: كبير أي: قتال فيه، موصوف بهذه الصفات. وعليه فأكبر خبر إخراج فقط.

وقد جنح لهذا المهايمي حيث قال في " تفسيره ":

قل قتال فيه كبير من المعاصي الكبائر، كيف وهو: وصد عن سبيل الله أي: عن التجارة التي جعلها الله سبيل الرزق لعباده، ولو استبيح هذا القتل فهو: وكفر به وصد عن: المسجد الحرام إذا قتل الحجاج الخارجون في الشهر الحرام، فهذا وجه تحريم القتال في هذا الشهر، ولكن: {إخراج أهله } أي: إخراجهم أهل المسجد الحرام وهم: النبي والمؤمنون: منه أكبر عند الله إلى آخره، وهذا الوجه من الإعراب بديع، والأكثرون على الأول.

قال ابن القيم في " زاد المعاد " في تأويل هذه الآية: يقول الله سبحانه: هذا الذي أنكرتموه عليهم - وإن كان كبيرا - فما ارتكبتموه أنتم من الكفر بالله، والصد عن سبيله وعن بيته، وإخراج المسلمين - الذين هم أهله - منه، والشرك الذي أنتم عليه، والفتنة التي حصلت [ ص: 543 ] منكم به ; أكبر عند الله من قتالهم في الشهر الحرام. ومما نسب لأبي بكر الصديق رضي الله عنه في هذا المعنى هذه الأبيات، ويقال هي لعبد الله بن جحش:


تعدون قتلا في الحرام عظيمة وأعظم منه لو يرى الرشد راشد

صدودكم عما يقول محمد
وكفر به، والله راء وشاهد

وإخراجكم من مسجد الله أهله
لئلا يرى لله في البيت ساجد

فإنا وإن عيرتمونا بقتله
وأرجف بالإسلام باغ وحاسد

سقينا من ابن الحضرمي رماحنا
بنخلة لما أوقد الحرب واقد

دما، وابن عبد الله عثمان بيننا
ينازعه غل من القد عاند



قال الإمام ابن القيم في " زاد المعاد ": وأكثر السلف فسروا الفتنة هنا بالشرك، كقوله تعالى: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويدل عليه قوله: ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين أي: لم يكن مآل شركهم وعاقبته وآخر أمرهم إلا أن تبرأوا منه وأنكروه. وحقيقتها: أنه الشرك الذي يدعو صاحبه إليه، ويقاتل عليه، ويعاقب من لم يفتتن به. ولهذا يقال لهم وقت عذابهم بالنار وفتنتهم بها: ذوقوا فتنتكم

قال ابن عباس: تكذيبكم. وحقيقته: ذوقوا نهاية فتنتكم وغايتها ومصير أمرها، كقوله: ذوقوا ما كنتم تكسبون وكما فتنوا عباده عن الشرك، فتنوا على النار وقيل لهم: [ ص: 544 ] ذوقوا فتنتكم ومنه قوله تعالى: إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فسرت الفتنة - هنا - بتعذيبهم المؤمنين وإحراقهم إياهم بالنار، واللفظ أعم من ذلك. وحقيقته، عذبوا المؤمنين ليفتنوهم عن دينهم. فهذه الفتنة المضافة إلى المشركين. وأما الفتنة التي يضيفها الله سبحانه إلى نفسه ويضيفها رسوله إليه كقوله: وكذلك فتنا بعضهم ببعض وقول موسى: إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء فتلك بمعنى آخر، وهي بمعنى الامتحان والاختبار والابتلاء من الله لعباده بالخير والشر، بالنعم والمصائب. فهذه لون، وفتنة المشركين لون. وفتنة المؤمن في ماله وولده وجاره لون آخر. والفتنة التي يوقعها بين أهل الإسلام كالفتنة التي أوقعها بين أصحاب علي ومعاوية، وبين أهل الجمل وصفين، وبين المسلمين حتى يتقاتلوا ويتهاجروا - لون آخر - وهي الفتنة التي قال فيها محمد صلى الله عليه وسلم: « ستكون فتنة، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير [ ص: 545 ] من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي.... » . وأحاديث الفتنة - التي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها باعتزال الطائفتين - هي هذه الفتنة. وقد تأتي الفتنة مرادا بها المعصية، كقوله تعالى: ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني يقوله الجد بن قيس لما ندبه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك، يقول: ائذن لي في القعود ولا تفتني بتعرضي لبنات الأصفر، فإني لا أصبر [ ص: 546 ] عنهن..!





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.47 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.84 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.68%)]