
10-04-2022, 05:05 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,740
الدولة :
|
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله

تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سورة البقرة
المجلد الثالث
صـ 536 الى صـ 540
الحلقة (106)
[ ص: 536 ] قال ثعلب: قرأ نافع، وأهل المدينة في سورة البقرة: وهو كره لكم بالضم في هذا الحرف خاصة، وسائر القرآن بالفتح. وكان عاصم يضم هذا الحرف والذي في الأحقاف: حملته أمه كرها ووضعته كرها ويقرأ سائرهن بالفتح. وكان الأعمش وحمزة والكسائي يضمون هذه الحروف الثلاثة والذي في النساء: لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ثم قرأو ا كل شيء سواها بالفتح. قال الأزهري: ونختار ما عليه أهل الحجاز: أن جميع ما في القرآن بالفتح إلا الذي في البقرة خاصة، فإن القراء أجمعوا عليه!. قال ثعلب: ولا أعلم بين الأحرف التي ضمها هؤلاء وبين التي فتحوها فرقا في العربية، ولا في سنة تتبع، ولا أرى الناس اتفقوا على الحرف الذي في سورة البقرة خاصة، إلا أنه اسم وبقية القرآن مصادر.
قال الأزهري: وقد أجمع كثير من أهل اللغة: أن الكره والكره لغتان، فبأي لغة وقع فجائز، إلا الفراء فإنه فرق بينهما بأن الكره بالضم: ما أكرهت نفسك عليه، وبالفتح: ما أكرهك غيرك عليه. تقول: جئتك كرها، وأدخلتني كرها، وقال ابن سيده: الكره: الإباء والمشقة تتكلفها فتحتملها، وبالضم: المشقة تحتملها من غير أن تكلفها. يقال: فعل ذلك كرها وعلى كره. قال ابن بري: [ ص: 537 ] ويدل لصحة قول الفراء قول الله عز وجل: وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها ولم يقرأ أحد بضم الكاف. وقال سبحانه: كتب عليكم القتال وهو كره لكم ولم يقرأ أحد بفتح الكاف. فيصير الكره بالفتح، فعل المضطر، والكره بالضم: فعل المختار.
وعسى أن تكرهوا شيئا - كالجهاد في سبيل الله تعالى -: وهو خير لكم إذ فيه إحدى الحسنين: إما الظفر والغنيمة، وإما الشهادة والجنة: وعسى أن تحبوا شيئا - كالقعود عن الغزو -: وهو شر لكم لما فيه من الذل والفقر وحرمان الغنيمة والأجر: والله يعلم ما هو خير لكم: وأنتم لا تعلمون ذلك، فبادروا إلى ما يأمركم به وإن شق عليكم، فهو رؤوف بالعباد لا يأمرهم إلا بخير.
قال الحرالي: فنفي العلم عنهم بكلمة لا أي: التي هي للاستقبال حتى تفيد دوام الاستصحاب. وما أوتيتم من العلم إلا قليلا. قال: من حيث رتبة هذا الصنف من الناس من الأعراب وغيرهم، وأما المؤمنون - أي: الراسخون - فقد علمهم الله من علمه ما علموا أن القتال خير لهم وأن التخلف شر لهم.
حتى إن علمهم ذلك أفاض على ألسنتهم ما يفيض الدموع وينير القلوب، حتى شاورهم النبي صلى الله عليه وسلم في التوجه إلى غزوة بدر، فقام أبو بكر رضي الله عنه فقال وأحسن، [ ص: 538 ] ثم قام عمر رضي الله عنه فقال وأحسن، ثم قام المقداد بن عمرو رضي الله عنه فقال: يا رسول الله امض لما أمرك الله، فنحن معك، والله! لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون! فوالذي بعثك بالحق لو سرت إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه..! فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ودعا له، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أشيروا علي أيها الناس » ! فقال له سعد بن معاذ الأنصاري رضي الله عنه: والله! لكأنك تريدنا يا رسول الله! قال: « أجل » . قال: فقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق! لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا، إنا لصبر في الحرب، صدق في اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله.
القول في تأويل قوله تعالى:
[217] يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون .
[ ص: 539 ] يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قال الراغب: السائل عن ذلك، قيل: أهل الشرك قصدا إلى تعيير المسلمين لما تجاوزوه من القتل في الشهر الحرام. وقيل: هم أهل الإسلام.
وقد أخرج الطبراني في " الكبير " والبيهقي في " سننه "، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن جندب بن عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رهطا، وبعث عليهم عبد الله بن جحش، فلقوا ابن الحضرمي فقتلوه ولم يدروا أن ذلك اليوم من رجب أو من جمادى. فقال المشركون للمسلمين: قتلتم في الشهر الحرام. فأنزل الله هذه الآية فقال بعضهم: إن لم يكونوا أصابوا وزرا فليس لهم أجر، فأنزل الله: إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله الآية.
وأخرجه ابن منده من الصحابة عن ابن عباس.
وملخص ما ذكره الإمام ابن القيم في " زاد المعاد " وابن هشام في " السيرة " في الكلام على هذه السرية ونزول هذه الآية: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن جحش الأسدي إلى نخلة في رجب على رأس سبعة عشر شهرا من الهجرة في اثني عشر رجلا من المهاجرين، كل اثنين يعتقبان على بعير، فوصلوا إلى بطن نخلة يرصدون عيرا لقريش، وفي هذه السرية سمي عبد الله بن جحش أمير المؤمنين. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب له كتابا وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم ينظر فيه. فلما سار يومين فتح الكتاب فوجد فيه: إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل بنخلة - بين مكة والطائف - فترصد بها عيرا لقريش، وتعلم لنا من أخبارهم، فقال: سمعا وطاعة! وأخبر أصحابه بذلك وبأنه لا يستكرههم فمن [ ص: 540 ] أحب الشهادة فلينهض، ومن كره الموت فليرجع، فأما أنا فناهض! فنهضوا كلهم، فلما كان في أثناء الطريق أضل سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان بعيرا لهما كانا يتعقبانه، فتخلفا في طلبه. فبعد عبد الله بن جحش حتى نزل بنخلة، فمرت به عير لقريش تحمل زبيبا وأدما وتجارة فيها عمرو بن الحضرمي وعثمان ونوفل ابنا عبد الله بن المغيرة والحكم بن كيسان مولى بني المغيرة، فتشاور المسلمون وقالوا: نحن في آخر يوم من رجب لئن تركتم القوم هذه الليلة ليدخلن الحرم فليمتنعن منكم به، ولئن قتلتموهم لتقتلنهم في الشهر الحرام! فتردد القوم وهابوا الإقدام عليهم، ثم شجعوا أنفسهم عليهم، وأجمعوا على مقاتلتهم، فرمى أحدهم عمرو بن الحضرمي فقتله، وأسروا عثمان والحكم، وأفلت نوفل فأعجزهم، ثم أقبل عبد الله بن جحش وأصحابه بالعير والأسيرين حتى قدموا على رسول الله وقد عزلوا من ذلك الخمس - وهو أول خمس كان في الإسلام، وأول قتيل في الإسلام، وأول أسيرين في الإسلام - فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعلوه واشتد تعييب قريش وإنكارهم ذلك، وزعموا أنهم قد وجدوا مقالا فقالوا: قد أحل محمد الشهر الحرام، واشتد ذلك على المسلمين حتى أنزل الله تعالى: يسألونك عن الشهر الحرام الآية.
وقوله تعالى: قتال فيه بدل من الشهر، بدل الاشتمال، لأن القتال يقع في الشهر.
وقال الكسائي: هو مخفوض على التكرير، يريد أن التقدير: عن قتال فيه وهو معنى قول الفراء: مخفوض بـ " عن " مضمرة. وهذا ضعيف جدا لأن حرف الجر لا يبقى عمله بعد حذفه في الاختيار...! وقال أبو عبيدة هو مجرور على الجوار. وهو أبعد من قولهما، لأن الجوار من مواضع الضرورة والشذوذ، ولا يحمل عليه ما وجدت عنه مندوحة. وفيه: يجوز أن يكون نعتا لقتال، ويجوز أن يكون متعلقا به كما يتعلق بقاتل.
وقد قرئ بالرفع في الشاذ، ووجهه على أن يكون خبر مبتدأ محذوف معه همزة الاستفهام، تقديره: أجائز قتال فيه؟.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|