عرض مشاركة واحدة
  #105  
قديم 10-04-2022, 04:04 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,970
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله



تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سورة البقرة
المجلد الثالث
صـ 531 الى صـ 535
الحلقة (105)


وهذه الآية كآية: الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين
القول في تأويل قوله تعالى:

[215] يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم .

يسألونك ماذا ينفقون أي: أي شيء ينفقونه من أصناف الأموال؟: قل ما أنفقتم من خير فللوالدين قبل غيرهما ليكون أداء لحق تربيتهما مع كونه صلة الوصل وصدقة: والأقربين بعدهما ليكون صلة وصدقة: واليتامى بعدهم لأن فيهم الفقر مع العجز: والمساكين بعدهم لاحتياجهم: وابن السبيل بعدهم لأنه كالفقير لغيبة ماله. فإن قيل: كيف طابق الجواب السؤال، فإنهم سألوا عن بيان ما ينفقون، وأجيبوا ببيان المصرف؟ فالجواب: أن قوله: ما أنفقتم من خير قد تضمن بيان ما ينفقونه - وهو كل مال عدوه خيرا - وبني الكلام على ما هو أهم، وهو بيان المصرف، لأن النفقة لا يعتد بها إلا أن تقع موقعها. قال الشاعر:


إن الصنيعة لا تكون صنيعة حتى يصاب بها طريق المصنع

فإذا صنعت صنيعة فاعمد بها
لله أو لذوي القرابة أو دع



[ ص: 532 ] فيكون الكلام من الأسلوب الحكيم كقوله تعالى: يسألونك عن الأهلة فيما تقدم هذا.

وقال القفال: إنه وإن كان السؤال واردا بلفظ ما إلا أن المقصود السؤال عن الكيفية، لأنهم كانوا عالمين أن الذي أمروا به إنفاق مال يخرج قربة إلى الله تعالى. وإذا كان هذا معلوما لم ينصرف الوهم إلى أن ذلك المال أي شيء هو؟ وإذا خرج هذا عن أن يكون مرادا تعين أن المطلوب بالسؤال: أن مصرفه أي شيء هو؟ وحينئذ يكون الجواب مطابقا للسؤال. ونظيره قوله تعالى: قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول وإنما كان هذا الجواب موافقا لذلك السؤال، لأنه كان من المعلوم أن البقرة هي البهيمة التي شأنها وصفتها كذا. فقوله: ما هي لا يمكن حمله على طلب الماهية، فتعين أن يكون المراد منه طلب الصفة التي بها تتميز تلك البقرة عن غيرها، فبهذا الطريق قلنا: إن ذلك الجواب مطابق لذلك السؤال. فكذا ههنا، لما علمنا أنهم كانوا عالمين بأن الذي أمروا بإنفاقه ما هو - وجب أن يقطع بأن مرادهم من قولهم: ماذا ينفقون ؟ ليس هو طلب الماهية، بل طلب المصرف، فلهذا حسن هذا الجواب...!.

وأجاب الراغب بجوابين:

أحدهما: أنهم سألوا عنهما وقالوا: ما ننفق؟ وعلى من ننفق؟ ولكن حذف [ ص: 533 ] حكاية السؤال، أحدهما: إيجازا ودل عليه بالجواب بقوله: ما أنفقتم من خير كأنه قيل: المنفق الخير، والمنفق عليهم هؤلاء ; فلفف أحد الجوابين في الآخر، وهذا طريق معروف في البلاغة.

الجواب الثاني: أن السؤال ضربان: سؤال جدل، وحقه أن يطابقه جوابه. لا زائدا عليه ولا ناقصا عنه. وسؤال تعلم، وحق المعلم أن يكون كالطبيب يتحرى شفاء سقيم، فيطلب ما يشفيه - طلبه المريض أو لم يطلب. فلما كان حاجتهم إلى من ينفق المال عليهم كحاجتهم إلى ما ينفق من المال، بين لهم الأمرين جميعا. إن قيل: كيف خص هؤلاء النفر دون غيرهم..؟ قيل: إنما ذكر من ذكر على سبيل المثال لمن ينفق عليهم، لا على سبيل الحصر والاستيعاب، إذ أصناف المنفق عليهم على ما قد ذكر في غير هذا الموضع.

ولما بين تعالى وجه المصرف وفصله هذا التفصيل الحسن الكامل، أردفه بالإجمال فقال: وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم أي: وكل ما فعلتموه من خير - إما مع هؤلاء المذكورين وإما مع غيرهم - حسبة لله، وطلبا لجزيل ثوابه، وهربا من أليم عقابه، فإن الله به عليم، والعليم مبالغة في كونه عالما، يعني: لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء فيجازيكم أحسن الجزاء عليه، كما قال: أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى وقال: فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره
[ ص: 534 ] القول في تأويل قوله تعالى:

[216] كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون .

كتب أي: فرض: عليكم القتال أي: قتال المتعرضين لقتالكم، كما قال: وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا المراد بقتالهم الجهاد فيهم بما يبيدهم أو يقهرهم ويخذلهم ويضعف قوتهم.

قال بعض الحكماء: سيف الجهاد والقتال هو آية العز، وبه مصرت الأمصار، ومدنت المدن، وانتشرت المبادئ والمذاهب، وأيدت الشرائع والقوانين ; وبه حمي الإسلام من أن تعبث به أيدي العابثين في الغابر، وهو الذي يحميه من طمع الطامعين في الحاضر ; وبه امتدت سيطرة الإسلام إلى ما وراء جبال الأورال شمالا، وخط الاستواء جنوبا، وجدران الصين شرقا، وجبال البيرنه غربا..!

قال: فيجب على المسلمين أن لا يتملصوا من قول بعض الأوربيين: إن الدين الإسلامي قد انتشر بالسيف! فإن هذا القول لا يضر جوهر الدين شيئا ; فإن المنصفين من الأوربيين يعلمون أنه قام بالدعوة والإقناع، وأن السيف لم يجرد إلا لحماية الدعوة. وإنما التملص منه يضر المسلمين ; لأنه يقعدهم عن نصرة الدين بالسيف، ويقودهم إلى التخاذل والتواكل، ويحملهم على الاعتقاد بترك الوسائل، فيستخذون إلى الضعف كما هي حالتهم اليوم، وتبتلعهم الأمم القوية التي جعلت شعار تمدنها: السيف أو القوة..!

قال: يجب على المسلمين أن يدرسوا آيات الجهاد صباح مساء، ويطيلوا النظر في قوله تعالى: [ ص: 535 ] وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة لعلهم يتحفزون إلى مجاراة الأمم القوية المجاهدة في الأمم الضعيفة..!.

وقوله تعالى: وهو كره لكم من الكراهة، فوضع المصدر موضع الوصف مبالغة، كقول الخنساء:


فإنما هي إقبال وإدبار


كأنه في نفسه كراهة لفرط كراهتهم له، أو هو فعل بمعنى مفعول - كالخبز بمعنى المخبوز - أي: وهو مكروه لكم، وهذا الكره إنما حصل من حيث نفور الطبع عن القتال - لما فيه من مؤنة المال، ومشقة النفس، وخطر الروح والخوف - فلا ينافي الإيمان ; لأن كراهة الطبع جبلية، لا تنافي الرضاء بما كلف به، كالمريض الشارب للدواء البشع.

وفي القاموس وشرحه: الكره بالفتح ويضم: لغتان جيدتان بمعنى الإباء والمشقة.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.39 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.76 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.68%)]