
10-04-2022, 05:04 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,740
الدولة :
|
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله

تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سورة البقرة
المجلد الثالث
صـ 526 الى صـ 530
الحلقة (104)
وقوله تعالى: والله يرزق من يشاء بغير حساب يعني: ما يعطي الله هؤلاء [ ص: 526 ] المتقين من الثواب بغير حساب أي: رزقا واسعا رغدا لا فناء له ولا انقطاع، كقوله سبحانه: فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب فإن كل ما دخل تحت الحساب والحصر والتقدير فهو متناه، فما لا يكون متناهيا كان لا محالة خارجا عن الحساب.
وقد استقصى الراغب: ما تحتمله الآية من وجوهها - وتلك سعة - وعبارته: أعطاه بغير حساب: إذا أعطاه أكثر مما يستحق، أو أقل مما يستحق ; والأول هو المقصود وهو المشار إليه بالإحسان، وقد فسر ذلك على أوجه لإجمال اللفظ وإبهامه.
الأول: يعطيه عطاء لا يحويه حصر العباد، كقول الشاعر:
عطاياه يحصى قبل إحصائها القطر
الثاني: يعطيه أكثر مما يستحقه.
الثالث: يعطيه ولا منة.
الرابع: يعطيه بلا مضايقة. من قولهم: حاسبه.
الخامس: يعطيه أكثر مما يحسبه أن يكفيه - وكل هذه الوجوه يحتمل أن يكون في الدنيا، ويحتمل أن يكون في الآخرة.
السادس: أن ذلك إشارة إلى توسيعه على الكفار والفساق الذين قال فيهم: ولولا أن يكون الناس أمة واحدة وتنبيها أن لا فضيلة في المال لمن يوسع عليه، [ ص: 527 ] ما لم يستعن عليه في الوصول إلى المطلوب منه ; ولهذا قال تعالى: أيحسبون أنما نمدهم الآية.
السابع: يعطي أولياءه بلا تبعة ولا حساب عليهم فيما يعطون، وذلك لأن المؤمن لا يأخذ من عرض الدنيا إلا ما يجب من حيث يجب على الوجه الذي يجب، ولا ينفقه إلا على ذلك، فهو يحاسب فلا يحاسب، ولهذا روي: من حاسب نفسه في الدنيا أمن الحساب في الآخرة. وعلى هذا قال تعالى لسليمان: هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب
الثامن: أن الله عز وجل يعامل في القيامة المؤمنين لا بقدر استحقاقهم بل بأكثر منه، كما قال: من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة الآية.
التاسع: وهو يقارب ذلك: أن ذلك إشارة إلى ما روي أن أهل الجنة لا حظر عليهم، وعلى ذلك قوله تعالى: وفيها ما تشتهيه الأنفس الآية، وقوله: {يدخلون الجنة } الآية.
وأما تعلقه بما تقدم، فعلى بعض هذه التفاسير، يتعلق بالذين كفروا، وعلى بعضه يتعلق بالذين آمنوا.
[ ص: 528 ] القول في تأويل قوله تعالى:
[213] كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنـزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .
كان الناس أمة واحدة أي: وجدوا أمة واحدة تتحد مقاصدها ومطالبها ووجهتها لتصلح ولا تفسد. وتحسن ولا تسيء، وتعدل ولا تظلم، أي: ما وجدوا إلا ليكونوا كذلك، كما قال في الآية الأخرى: وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا أي: انحرفوا عن الاتحاد والاتفاق، الذي يثمر كل خير لهم وسعادة، إلى الاختلاف والشقاق المستتبع الفساد وهلاك الحرث والنسل، ولما كانوا لم يخلقوا سدى من الله عليهم بما يبصرهم سبيل الرشاد في الاتحاد على الحق من بعثة الأنبياء وما نزل معهم من الكتاب الفصل، كما أشارت تتمة الآية: فبعث الله النبيين الذين رفعهم على بقية خلقه فأنبأهم بما يريد من أمره، وأرسلهم إلى خلقه: مبشرين لمن آمن وأطاع: ومنذرين لمن كفر وعصى: وأنـزل معهم الكتاب أي: كلامه الجامع لما يحتاجون إليه في باب الدين على الاستقامة والهداية التامة ; لكونه متلبسا: بالحق من جميع الوجوه: ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه من الاعتقادات والأعمال التي كانوا عليها قبل ذلك أمة واحدة، فسلكوا بهم، بعد جهد، السبيل الأقوم، ثم ضلوا على علم بعد موت الرسل، فاختلفوا في الدين لاختلافهم في الكتاب: وما اختلف فيه أي: الكتاب الهادي الذي [ ص: 529 ] لا لبس فيه، المنزل لإزالة الاختلاف: إلا الذين أوتوه أي: علموه فبدلوا نعمة الله بأن أوقعوا الخلاف فيما أنزل لرفع الخلاف. ولم يكن اختلافهم لالتباس عليهم من جهته بل: من بعد ما جاءتهم البينات أي: الدلائل الواضحة -: بغيا بينهم أي: حسدا وقع بينهم: فهدى الله الذين آمنوا بالكتاب: لما اختلفوا أي: أهل الضلالة: فيه من الحق أي: للحق الذي اختلفوا فيه. وفي إبهامه أولا، وتفسيره ثانيا، ما لا يخفى من التفخيم: بإذنه أي: بتيسيره ولطفه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم تقرير لما سبق. وفي " صحيح مسلم " عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان - إذا قام من الليل يصلي يقول: « اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل! فاطر السماوات والأرض! عالم الغيب والشهادة! أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم...! » .
القول في تأويل قوله تعالى:
[214] أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب .
أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم أي: من الأنبياء ومن معهم من المؤمنين، أي: والحال أنه لم يأتكم مثلهم بعد، ولم تبتلوا بما ابتلوا به من الأحوال الهائلة التي هي مثل في الفظاعة والشدة، سنة الله التي لا تتبدل: مستهم استئناف وقع جوابا عما ينساق إليه الذهن، كأنه قيل: كيف كان مثلهم؟ [ ص: 530 ] فقيل: مستهم البأساء والضراء أي: الشدائد والآلام: وزلزلوا أي: أزعجوا، مما دهمهم من الأهوال والإفراغ، إزعاجا شديدا شبيها بالزلزلة التي تكاد تهد الأرض وتدك الجبال: حتى يقول الرسول أي: انتهى أمرهم من الشدة إلى حيث اضطرهم الضجر إلى أن يقول الرسول - وهو أعلم الناس بشؤون الله تعالى، وأوثقهم بنصره، وداعيهم إلى الصبر -: والذين آمنوا معه - وهم الأثبت بعده، العازمون على الصبر، الموقنون بوعد النصر -: متى نصر الله - استبطاء له، واستطالة لمدة الشدة والعناء - فيقال لهم: ألا إن نصر الله قريب كما قال تعالى: فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا أي: فاصبروا كما صبروا تظفروا..!. وقد حصل من هذا الابتلاء جانب عظيم للصحابة رضي الله عنهم يوم الأحزاب، كما قال الله تعالى: إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا الآيات.
وروى البخاري عن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، فقلنا: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا؟ فقال: « قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها. فيجاء بالمنشار، فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، فما يصده ذلك عن دينه. والله! ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون» ...
[ ص: 531 ] وفي رواية: وهو متوسد بردة، وقد لقينا من المشركين شدة...
ولما سأل هرقل أبا سفيان: هل قاتلتموه؟ قال: نعم! قال: فكيف كانت الحرب بينكم قال: سجالا، يدال علينا وندال عليه. قال: كذلك الرسل تبتلى ثم تكون لها العاقبة!.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|