عرض مشاركة واحدة
  #103  
قديم 10-04-2022, 05:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,805
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله



تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سورة البقرة
المجلد الثالث
صـ 521 الى صـ 525
الحلقة (103)


ورضي الله عن الإمام مالك حيث قال: أوكلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما جاء به جبريل إلى محمد صلى الله عليه وسلم، لجدل هذا؟ وكل من هؤلاء مخصوم بمثل ما خصم به الآخر. وهو من وجوه:

[ ص: 521 ] أحدها: بيان أن العقل لا يحيل ذلك.

والثاني: أن النصوص الواردة لا تحتمل التأويل.

الثالث: أن عامة هذه الأمور قد علم أن الرسول جاء بها بالاضطرار، كما أنه جاء بالصلوات الخمس وصوم شهر رمضان. فالتأويل الذي يحيلها عن هذا بمنزلة تأويلات القرامطة والباطنية في الحج والصوم والصلاة وسائر ما جاءت به النبوات، على أن الأساطين من هؤلاء الفحول معترفون بأن العقل لا سبيل له إلى اليقين في عامة المطالب الإلهية. فإذا كان هكذا، فالواجب تلقي علم ذلك من النبوات على ما هو عليه، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

قال البقاعي: وتجلي الملائكة في ظلل من الغمام أمر مألوف. منه ما في الصحيح عن البراء رضي الله عنه قال: كان رجل يقرأ سورة الكهف وإلى جانبه حصان مربوط بشطنين، فتغشته سحابة فجعلت تدنو وتدنو، وجعل فرسه ينفر، فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال: « تلك السكينة تنزلت بالقرآن» !.

وعن أسيد بن حضير قال: بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة وفرسه مربوط عنده إذ جالت الفرس. فسكت فسكتت. فقرأ فجالت الفرس، فسكت وسكتت الفرس، ثم قرأ فجالت الفرس. فانصرف. وكان ابنه يحيى قريبا منها، فأشفق أن تصيبه. فلما اجتره رفع رأسه إلى السماء حتى ما يراها. فلما أصبح حدث النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: « اقرأ يا ابن حضير، اقرأ يا ابن حضير » . قال: فأشفقت يا رسول الله أن تطأ يحيى وكان منها قريبا فرفعت رأسي فانصرفت إليه. فرفعت رأسي إلى السماء فإذا مثل الظلة فيها أمثال المصابيح فخرجت حتى لا أراها. [ ص: 522 ] قال: « وتدري ما ذاك؟ » قال: لا. قال: « تلك الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها. لا تتوارى منهم» .

وقال البقاعي أيضا: لما كان بنو إسرائيل أعلم الناس بظهور مجد الله في الغمام لما رأى أسلافهم منه عند خروجهم من مصر وفي جبل الطور وقبة الزمان وما في ذلك - على ما نقل إليهم - من وفور الهيئة وتعاظم الجلال، قال تعالى جوابا لمن كان قال: كيف يكون هذا؟
القول في تأويل قوله تعالى:

[211] سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته فإن الله شديد العقاب

سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة المراد بهذا السؤال: تقريع بني إسرائيل وتوبيخهم على طغيانهم وجحودهم الحق بعد وضوح الآيات، لا أن يجيبوا فيعلم من جوابهم أمر. كما إذا أراد واحد منا توبيخ أحد، يقول لمن حضره: سله كم أنعمت عليه؟ أي: كم شاهدوا المعجزات الظاهرة على أيدي أنبيائهم، القاطعة بصدقهم عليهم السلام فيما جاءوهم به: كعصا موسى، وفلقه البحر، وضربه الحجر، وما كان من تظليل الغمام عليهم في شدة الحر، ومن إنزال المن والسلوى، وغير ذلك من الآيات الدالة على وحدانيته تعالى وصدق من جرت على يديه هذه الخوارق. ومع هذا أعرض كثير منهم عنها، وبدلوا نعمة الله عليهم بها كفرا كما أشعر بذلك قوله تعالى: ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته فإن الله شديد العقاب فالمراد بنعمة الله: آياته، فهو من وضع الظاهر موضع المضمر بغير اللفظ السابق، لتعظيم الآيات ; ولا يخفى أنها من أجل أقسام نعم الله تعالى ; لأنها أسباب الهدى والنجاة من الضلالة. وتبديلهم إياها: استبدالهم [ ص: 523 ] بالإيمان بها، الكفر بها والإعراض عنها. كما قال تعالى إخبارا عن كفار قريش: ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها وبئس القرار وقوله: من بعد ما جاءته أي: وصلت إليه وتمكن من معرفتها أو عرفها، والتصريح بذلك - مع أن التبديل لا يتصور قبل المجيء - للإشعار بأنهم قد بدلوها بعد ما وقفوا على تفاصيلها، وفيه تقبيح عظيم بهم، ونعي على شناعة حالهم، واستدلال على استحقاقهم العذاب الشديد حيث بدلوا، بعد المعرفة..!.
القول في تأويل قوله تعالى:

[212] زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة والله يرزق من يشاء بغير حساب .

زين للذين كفروا حتى بدلوا النعمة: الحياة الدنيا لحضورها، فألهتهم عن غائب الآخرة.

قال الحرالي: ففي ضمنه إشعار بأن استحسان بهجة الدنيا كفر ما، من حيث إن نظر العقل والإيمان يبصر طيتها، ويشهد جيفتها، فلا يغتر بزينتها، وهي آفة الخلق في انقطاعهم عن الحق ; فأبهم تعالى المزين في هذه الآية ليشمل أدنى التزيين الواقع على لسان الشيطان، وأخفى التزيين الذي يكون من استدراج الله كما في قوله تعالى: كذلك زينا لكل أمة عملهم

[ ص: 524 ] وفي كلامه إشعار بما يجاب عن ورود التزيين، مسندا إلى الله تعالى تارة وإلى غيره أخرى، في عدة آيات من التنزيل الكريم.

وللراغب كلام بديع ينحل به مثل هذا الإشكال وهو قوله:

إن الفعل كما ينسب إلى المباشر له، ينسب إلى ما هو سببه ومسهله، وعلى هذا يصح أن ينسب فعل واحد تارة إلى الله تعالى وتارة إلى غيره، نحو قوله: قل يتوفاكم ملك الموت وفي موضع آخر: الله يتوفى الأنفس فأسند الفعل في الأول إلى المباشر له، وفي الثاني إلى الآمر به ; وهكذا، يتصور ما ذكر، تزول الشبهة فيما يرى من الأفعال منسوبا إلى الله تعالى، منفيا عن الله تعالى، نحو قوله: فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وقوله: وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى وقوله: ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك

ويسخرون - أي: يهزأون -: من الذين آمنوا وهذا كما قال تعالى: [ ص: 525 ] إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون وإذا مروا بهم يتغامزون الآيات: والذين اتقوا وهم المؤمنون، وإنما ذكروا بعنوان التقوى لحضهم عليها، وإيذانا بترتب الحكم عليها: فوقهم يوم القيامة لأنهم في عليين وهم في أسفل سافلين، أو لأنهم يتطاولون عليهم في الآخرة فيسخرون منهم كما سخروا منهم في الدنيا، كما قال تعالى: فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون على الأرائك ينظرون

ولذا قال الراغب: يحتمل قوله تعالى: فوقهم يوم القيامة وجهين:

أحدهما: أن حال المؤمنين في الآخرة أعلى من حال الكفار في الدنيا.

والثاني أن المؤمنين في الآخرة هم في الغرفات، والكفار في الدرك الأسفل من النار. انتهى.

لطائف:

قال السيلكوتي: اعلم أن قوله تعالى: زين للذين كفروا إلخ جملة معللة لما سبق من أحوال الكفار من المنافقين وأهل الكتاب ; يعني أن جميع ما ذكر من صفاتهم الذميمة، لأجل تهالكهم في محبة الحياة الدنيا وإعراضهم عن غيرها ; وأورد التزيين بصيغة الماضي لكونه مفروغا منه، مركوزا في طبيعتهم. وعطف عليه بالفعل المضارع - أعني: {يسخرون } - لإفادة الاستمرار، وعطف قوله: والذين اتقوا لتسلية المؤمنين.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.11 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.48 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.60%)]