عرض مشاركة واحدة
  #109  
قديم 07-04-2022, 05:35 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,405
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الرابع
الحلقة (109)

من صــ 45 الى صـ
ـ 52



قال ابن جرير: " اختلف أهل التأويل فيمن نزلت هذه الآية فيه، ومن عني بها فقال بعضهم: نزلت في المهاجرين والأنصار، وعني بها المجاهدون في سبيل الله ".
وذكر بإسناده هذا القول " وعن قتادة قال: وقال بعضهم: نزلت في قوم بأعيانهم " وروى عن " القاسم قال: حدثنا الحسين، حدثنا حجاج، حدثنا ابن جريج، عن عكرمة قال: «نزلت في صهيب وأبي ذر جندب، أخذ أهل أبي ذر أبا ذر فانفلت منهم، فقدم على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما رجع مهاجرا عرضوا له، وكانوا بمر الظهران، فانفلت أيضا حتى قدم عليه، وأما صهيب فأخذ أهله، فافتدى منهم بماله، ثم خرج مهاجرا فأدركه قنفذ بن عمير بن جدعان،فخرج له مما بقي من ماله فخلى سبيله».
وقال آخرون: عني بذلك كل شار نفسه في طاعة الله وجهاد في سبيل الله، وأمر بمعروف ".
ونسب هذا القول إلى عمر بل وابن عباس، وأن صهيبا كان سبب النزول.
الثامن: أن لفظ الآية مطلق، ليس فيه تخصيص. فكل من باع نفسه ابتغاء مرضات الله فقد دخل فيها.
وأحق من دخل فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - وصديقه فإنهما شريا نفسهما ابتغاء مرضات الله، وهاجرا في سبيل الله، والعدو يطلبهما من كل وجه.

التاسع: أن قوله: " هذه فضيلة لم تحصل لغيره [فدل على أفضليته] فيكون هو الإمام ".
فيقال: لا ريب أن الفضيلة التي حصلت لأبي بكر في الهجرة لم تحصل لغيره من الصحابة بالكتاب والسنة والإجماع، فتكون هذه الأفضلية ثابتة له دون عمر وعثمان وعلي وغيرهم من الصحابة، فيكون هو الإمام.
فهذا هو الدليل الصدق الذي لا كذب فيه. يقول الله: {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا} [سورة التوبة: 40].
ومثل هذه الفضيلة لم تحصل لغير أبي بكر قطعا، بخلاف الوقاية بالنفس، فإنها لو كانت صحيحة فغير واحد من الصحابة وقى النبي - صلى الله عليه وسلم - بنفسه. وهذا واجب على كل مؤمن، ليس من الفضائل المختصة بالأكابر من الصحابة.
والأفضلية إنما تثبت بالخصائص لا بالمشتركات. يبين ذلك أنه لم ينقل أحد أن عليا أوذي في مبيته على فراش النبي، وقد أوذي غيره في وقايتهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: تارة بالضرب، وتارة بالجرح، وتارة بالقتل. فمن فداه وأوذي أعظم ممن فداه ولم يؤذ. وقد قال العلماء: ما صح لعلي من الفضائل فهي مشتركة، شاركه فيها غيره، بخلاف الصديق، فإن كثيرا من فضائله - وأكثرها - خصائص له، لا يشركه فيها غيره. وهذا مبسوط في موضعه.
(ياأيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين (208)
قال مجاهد: وقتادة: نزلت في المسلمين يأمرهم بالدخول في شرائع الإسلام كلها وهذا لا ينافي قول من قال: نزلت فيمن أسلم من أهل الكتاب أو فيمن لم يسلم لأن هؤلاء كلهم مأمورون أيضا بذلك والجمهور يقولون: {في السلم} أي في الإسلام وقالت طائفة:
هو الطاعة وكلاهما مأثور عن ابن عباس وكلاهما حق فإن الإسلام هو الطاعة كما تقدم أنه من باب الأعمال. وأما قوله: {كافة} فقد قيل: المراد ادخلوا كلكم. وقيل: المراد به ادخلوا في الإسلام جميعه وهذا هو الصحيح فإن الإنسان لا يؤمر بعمل غيره وإنما يؤمر بما يقدر عليه.
(كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم (213)
[فصل: بيان فساد قولهم في تفسير آية سورة البقرة (فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين)]
وقد تبين بما ذكرناه فساد قولهم: في تفسير آية البقرة، فإنهم قالوا: وقال: في سورة البقرة {فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه} [البقرة: 213] قالوا: فأعني بقوله: أنبياءه المبشرين ورسله ينحو بذلك عن الحواريين الذين داروا في سبعة أقاليم العالم وبشروا بالكتاب الذي هو الإنجيل الطاهر ; لأنه لو كان أعني عن إبراهيم وموسى وداود ومحمد لكان قال: ومعهم الكتب ; لأن كل واحد منهم جاء بكتاب دون غيره ولم يقل إلا الكتاب الواحد ; لأنه ما أتي جماعة مبشرين بكتاب واحد غير الحواريين الذين أتوا بالإنجيل الطاهر.
فيقال: لهم: قد تقدم بعض ما يدل على فساد هذا التفسير.
وأيضا، فإنه قال - تعالى -: {كان الناس أمة واحدة} [البقرة: 213] أي فاختلفوا. {فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين} [البقرة: 213].
والحواريون ليسوا من النبيين وإن كان المسيح أرسلهم ولا يلزم من إرساله لهم أن يكونوا أنبياء كمن أرسلهم موسى ومحمد وغيرهما ولهذا تسميهم عامة النصارى رسلا ولا يسمونهم أنبياء.
وأيضا فإنه قال: وأنزل معهم الكتاب.
والحواريون لم ينزل معهم الكتاب إنما أنزل الكتاب مع المسيح، ولكن الأنبياء أنزل معهم جنس الكتاب، فإن الكتاب اسم جنس فيدخل فيه الكتب المنزلة كلها ; كما في قوله: {ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين} [البقرة: 177] وفي قوله: {كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله} [البقرة: 285] وفي القراءة الأخرى (وكتابه ورسله) وكذلك قوله عن مريم: {وصدقت بكلمات ربها وكتبه} [التحريم: 12] وفي القراءة الأخرى (وكتابه) وأيضا قال - تعالى -: {كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين} [البقرة: 213].
وقال - تعالى -: في سورة يونس {وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا} [يونس: 19] وهذا يدل أنه لما اختلفت بنو آدم بعث الله النبيين، واختلافهم كان قبل المسيح بل قبل موسى بل قبل الخليل بل قبل نوح ; كما قال ابن عباس: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام، ثم حدث فيهم الشرك والاختلاف على وجهين تارة يختلفون فيؤمن بعضهم ويكفر بعضهم ; كما قال - تعالى -:
{ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر} [البقرة: 253] وقال - تعالى -: {هذان خصمان اختصموا في ربهم} [الحج: 19] يعني أهل الإيمان والكفر وقد يكون المختلفون كلهم على باطل كقوله:{وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد} [البقرة: 176] وقوله: {ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك} [هود: 118] وأيضا: فالإنجيل ليس فيه حكم بين الناس فيما اختلفوا فيه بل عامته مواعظ ووصايا وأخبار المسيح بخلاف التوراة والقرآن، فإن فيهما من الحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ما ليس في الإنجيل.
وأيضا فإنه قال: {وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه} [البقرة: 213].
وذلك يقتضي أن الله هدى الذين آمنوا بعد اختلاف الذين أوتوا الكتاب بغيا بينهم لما اختلفوا فيه من الحق وهذا ذم لمن أوتوا الكتاب فاختلفوا.

والنصارى داخلون في هذا الذم ولو كان المراد الإنجيل لكانوا هم المذمومين دون غيرهم وليس كذلك بل اليهود وغيرهم من المختلفين مذمومون أيضا، وإنما الممدوح هم المؤمنون الذين هداهم الله لما اختلف أولئك فيه من الحق بإذنه.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.02 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.39 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.90%)]