عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 07-04-2022, 01:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,352
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الرابع
الحلقة (104)

من صــ 5 الى صـ
ـ 12





سئل شيخ الإسلام - رحمه الله ورضي عنه -:
عن العمرة هل هي واجبة؟ وإن كان فما الدليل عليه؟
فأجاب:
فصل:
والعمرة في وجوبها قولان للعلماء هما قولان في مذهب الشافعي وأحمد والمشهور عنهما وجوبها. والقول الآخر لا تجب وهو مذهب أبي حنيفة ومالك. وهذا القول أرجح فإن الله إنما أوجب الحج بقوله: {ولله على الناس حج البيت} لم يوجب العمرة وإنما أوجب إتمامهما. فأوجب إتمامهما لمن شرع فيهما وفي الابتداء إنما أوجب الحج. وهكذا سائر الأحاديث الصحيحة ليس فيها إلا إيجاب الحج ولأن العمرة ليس فيها جنس غير ما في الحج فإنها إحرام وإحلال وطواف بالبيت وبين الصفا والمروة وهذا كله داخل في الحج.

وإذا كان كذلك فأفعال الحج لم يفرض الله منها شيئا مرتين فلم يفرض وقتين ولا طوافين ولا سعيين ولا فرض الحج مرتين. وطواف الوداع ليس بركن بل هو واجب وليس هو من تمام الحج ولكن كل من خرج من مكة عليه أن يودع.

ولهذا من أقام بمكة لا يودع على الصحيح فوجوبه ليكون آخر عهد الخارج بالبيت كما وجب الدخول بالإحرام في أحد قولي العلماء لسبب عارض لا كون ذلك واجبا بالإسلام كوجوب الحج. ولأن الصحابة المقيمين بمكة لم يكونوا يعتمرون بمكة. لا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا على عهد خلفائه بل لم يعتمر أحد عمرة بمكة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا عائشة وحدها لسبب عارض. وقد بسطنا الكلام على ذلك في غير هذا الموضع.
وقال - رحمه الله تعالى -:
والأظهر أن العمرة ليست واجبة وأن من حج ولم يعتمر فلا شيء عليه سواء ترك العمرة عامدا أو ناسيا؛ لأن الله إنما فرض في كتابه حج البيت بقوله: {ولله على الناس حج البيت}. ولفظ الحج في القرآن لا يتناول العمرة بل هو سبحانه إذا أراد العمرة ذكرها مع الحج كقوله: {وأتموا الحج والعمرة لله} وقوله: {فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما} فلما أمر بالإتمام أمر بإتمام الحج والعمرة وهذه الآية نزلت عام الحديبية سنة ست باتفاق الناس.
وآية آل عمران نزلت بعد ذلك سنة تسع أو عشر، وفيها فرض الحج. ولهذا كان أصح القولين أن فرض الحج كان متأخرا. ومن قال: إنه فرض سنة ست فإنه احتج بآية الإتمام وهو غلط فإن الآية إنما أمر فيها بإتمامهما لمن شرع فيهما لم يأمر فيها بابتداء الحج والعمرة. والنبي صلى الله عليه وسلم اعتمر عمرة الحديبية قبل أن تنزل هذه الآية ولم يكن فرض عليه لا حج ولا عمرة ثم لما صده المشركون أنزل الله هذه الآية. فأمر فيها بإتمام الحج والعمرة وبين حكم المحصر الذي تعذر عليه الإتمام. ولهذا اتفق الأئمة على أن الحج والعمرة يلزمان بالمشروع فيجب إتمامهما. وتنازعوا في الصيام والصلاة والاعتكاف.
وأيضا فإن العمرة ليس فيها جنس من العمل غير جنس الحج فإنها إحرام وطواف وسعي وإحلال وهذا كله موجود في الحج.
والحج إنما فرضه الله مرة واحدة لم يفرضه مرتين ولا فرض شيئا من فرائضه مرتين لم يفرض فيه وقوفين ولا طوافين؛ بل الفرض طواف الإفاضة وأما طواف الوداع فليس من الحج وإنما هو لمن أراد الخروج من مكة ولهذا لا يطوف من أقام بمكة وليس فرضا على كل أحد بل يسقط عن الحائض ولو لم يفعله لأجزأه دم ولم يبطل الحج بتركه بخلاف طواف الفرض والوقوف. وكذلك السعي لا يجب إلا مرة واحدة والرمي يوم النحر لا يجب إلا مرة واحدة ورمي كل جمرة في كل يوم لا يجب إلا مرة واحدة وكذلك الحلق والتقصير لا يجب إلا مرة واحدة. فإذا كانت العمرة ليس فيها عمل غير أعمال الحج وأعمال الحج إنما فرضها الله مرة لا مرتين علم أن الله لم يفرض العمرة.
والحديث المأثور في {أن العمرة هي الحج الأصغر} قد احتج به بعض من أوجب العمرة وهو إنما يدل على أنها لا تجب؛ لأن هذا الحديث دال على حجين: أكبر وأصغر. كما دل على ذلك القرآن في قوله: {يوم الحج الأكبر} وإذا كان كذلك فلو أوجبناها لأوجبنا حجين: أكبر وأصغر.
والله تعالى لم يفرض حجين وإنما أوجب حجا واحدا والحج المطلق إنما هو الحج الأكبر وهو الذي فرضه الله على عباده وجعل له وقتا معلوما لا يكون في غيره كما قال {يوم الحج الأكبر} بخلاف العمرة فإنها لا تختص بوقت بعينه بل تفعل في سائر شهور العام. ولأن العمرة مع الحج كالوضوء مع الغسل والمغتسل للجنابة يكفيه الغسل ولا يجب عليه الوضوء عند جمهور العلماء.

فكذلك الحج؛ فإنهما عبادتان من جنس واحد: صغرى وكبرى. فإذا فعل الكبرى لم يجب عليه فعل الصغرى ولكن فعل الصغرى أفضل وأكمل كما أن الوضوء مع الغسل أفضل وأكمل. وهكذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ لكنه أمرهم بأمر التمتع وقال: {دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة} كما قد بسط في موضع آخر. والله أعلم.

وسئل رحمه الله:
ماذا يقول أهل العلم في رجل ... آتاه ذو العرش مالا حج واعتمرا
فهزه الشوق نحو المصطفى طربا ... أترون الحج أفضل أم إيثاره الفقرا
أم حجة عن أبيه ذاك أفضل أم ... ماذا الذي يا سادتي ظهرا
فأفتوا محبا لكم فديتكمو ... وذكركم دأبه إن غاب أو حضرا
فأجاب رضي الله عنه:
نقول فيه بأن الحج أفضل من ... فعل التصدق والإعطاء للفقرا
والحج عن والديه فيه برهما ... والأم أسبق في البر الذي ذكرا
لكن إذا الفرض خص الأب كان إذا ... هو المقدم فيما يمنع الضررا
كما إذا كان محتاجا إلى صلة ... وأمه قد كفاها من برا البشرا
هذا جوابك يا هذا موازنة ... وليس مفتيك معدودا من الشعرا.
[مسألة الإحصار]
مسألة: (والمحصر يلزمه دم، فإن لم يجد فصيام عشرة أيام).

وجملة ذلك: أن المحرم بالحج إذا صده عدو عن البيت، ولم يكن له طريق آخر يذهب فيه، أو صد عن دخول الحرم: فإنه يجوز له التحلل ويرجع لقوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي} [البقرة: 196] والتحلل لا يكون إلا بنية الإحلال والخروج من الإحرام. فلو حلق، أو ذبح، أو فعل شيئا من المحظورات غير ناو للتحلل: لم يصر حلالا، بخلاف ما لو فعل ذلك بعد إتمام النسك؛ لأنه إذا تم نسكه صار حلالا بالشرع حتى لو نوى دوام الإحرام لم يصح، كالصيام إذا غربت الشمس؛ والمصلي إذا سلم.
وإذا لم يتم: فهو مخير بين الإتمام والإحلال كالمريض الصائم والمصلي الذي يجوز له قطع الصلاة. لا يخرج من العبادة إلا بما ينافيها من النية ونحوها، لكن المحرم لا يفسد إحرامه إلا بالوطء ولا بد من .. . .
وليس له أن يتحلل حتى ينحر هديا إن أمكنه؛ لأن الله يقول: {وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي} [البقرة: 196] فأمر بإتمام الحج والعمرة وجعل ما استيسر من الهدي في حق المحصر قائما مقام الإتمام.
وهذا يدل على وجوب الهدي من وجوه؛ أحدها: أن التقدير: فإن أحصرتم فعليكم ما استيسر من الهدي، أو ففرضكم ما استيسر فهو خبر مبتدأ محذوف، أو مبتدأ خبره محذوف، ترك ذكر المحذوف لدلالة سياق الكلام عليه، كما قال:

{ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} [البقرة: 196]، وكما قال: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر} [البقرة: 185].



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.53 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.90 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.87%)]