عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 07-04-2022, 01:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,352
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الرابع
الحلقة (103)

من صــ 497 الى صـ
ـ 4





وذلك أن الهلال أمر مشهود مرئي بالأبصار. ومن أصح المعلومات ما شوهد بالأبصار ولهذا سموه هلالا؛ لأن هذه المادة تدل على الظهور والبيان: إما سمعا وإما بصرا كما يقال: أهل بالعمرة وأهل بالذبيحة لغير الله إذا رفع صوته ويقال لوقع المطر الهلل. ويقال: استهل الجنين إذا خرج صارخا. ويقال: تهلل وجهه إذا استنار وأضاء.
وقيل: إن أصله رفع الصوت.
ثم لما كانوا يرفعون أصواتهم عند رؤيته سموه هلالا ومنه قوله: يهل بالفرقد ركبانها كما يهل الراكب المعتمر وتهلل الوجه مأخوذ من استنارة الهلال. فالمقصود أن المواقيت حددت بأمر ظاهر بين يشترك فيه الناس ولا يشرك الهلال في ذلك شيء فإن اجتماع الشمس والقمر الذي هو تحاذيهما الكائن قبل الهلال: أمر خفي لا يعرف إلا بحساب ينفرد به بعض الناس مع تعب وتضييع زمان كثير واشتغال عما يعني الناس وما لا بد له منه وربما وقع فيه الغلط والاختلاف.
ثم قال - رحمه الله تعالى -:
وأما الحول فلم يكن له حد ظاهر في السماء فكان لا بد فيه من الحساب والعدد فكان عدد الشهور الهلالية أظهر وأعم من أن يحسب بسير الشمس وتكون السنة مطابقة للشهور؛ ولأن السنين إذا اجتمعت فلا بد من عددها في عادة جميع الأمم؛ إذ ليس للسنين إذا تعددت حد سماوي يعرف به عددها فكان عدد الشهور موافقا لعدد البروج جعلت السنة اثني عشر شهرا بعدد البروج التي تكمل بدور الشمس فيها سنة شمسية فإذا دار القمر فيها كمل دورته السنوية. وبهذا كله يتبين معنى قوله: {وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب} فإن عدد شهور السنة وعدد السنة بعد السنة إنما أصله بتقدير القمر منازل.
وكذلك معرفة الحساب؛ فإن حساب بعض الشهور لما يقع فيه من الآجال ونحوها إنما يكون بالهلال وكذلك قوله تعالى {قل هي مواقيت للناس والحج}. فظهر بما ذكرناه أنه بالهلال يكون توقيت الشهر والسنة وأنه ليس شيء يقوم مقام الهلال ألبتة لظهوره وظهور العدد المبني عليه وتيسر ذلك وعمومه وغير ذلك من المصالح الخالية عن المفاسد. ومن عرف ما دخل على أهل الكتابين والصابئين والمجوس وغيرهم في أعيادهم وعباداتهم وتواريخهم وغير ذلك من أمورهم من الاضطراب والحرج وغير ذلك من المفاسد:
ازداد شكره على نعمة الإسلام مع اتفاقهم أن الأنبياء لم يشرعوا شيئا من ذلك وإنما دخل عليهم ذلك من جهة المتفلسفة الصابئة الذين أدخلوا في ملتهم وشرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله. فلهذا ذكرنا ما ذكرناه حفظا لهذا الدين عن إدخال المفسدين فإن هذا مما يخاف تغييره فإنه قد كانت العرب في جاهليتها قد غيرت ملة إبراهيم بالنسيء الذي ابتدعته فزادت به في السنة شهرا جعلتها كبيسا؛ لأغراض لهم.
وغيروا به ميقات الحج والأشهر الحرم حتى كانوا يحجون تارة في المحرم وتارة في صفر. حتى يعود الحج إلى ذي الحجة حتى بعث الله المقيم لملة إبراهيم فوافى حجه صلى الله عليه وسلم حجة الوداع وقد استدار الزمان كما كان ووقعت حجته في ذي الحجة فقال في خطبته المشهورة في الصحيحين وغيرهما:

{إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض: السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاثة متواليات: ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان} وكان قبل ذلك الحج لا يقع في ذي الحجة حتى حجة أبي بكر سنة تسع كان في ذي القعدة. وهذا من أسباب تأخير النبي صلى الله عليه وسلم الحج. وأنزل الله تعالى: {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم}.

فأخبر الله أن هذا هو الدين القيم؛ ليبين أن ما سواه من أمر النسيء وغيره من عادات الأمم ليس قيما؛ لما يدخله من الانحراف والاضطراب. ونظير الشهر والسنة اليوم والأسبوع. فإن اليوم طبيعي من طلوع الشمس إلى غروبها.
وأما الأسبوع فهو عددي من أجل الأيام الستة: التي خلق الله فيها السموات والأرض ثم استوى على العرش. فوقع التعديل بين الشمس والقمر: باليوم والأسبوع بسير الشمس.
والشهر والسنة: بسير القمر وبهما يتم الحساب. وبهذا قد يتوجه قوله: {لتعلموا} إلى {جعل} فيكون جعل الشمس والقمر لهذا كله. فأما قوله تعالى {وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا} وقوله: {الشمس والقمر بحسبان} فقد قيل: هو من الحساب. وقيل: بحسبان كحسبان الرحا. وهو دوران الفلك. فإن هذا مما لا خلاف فيه بل قد دل الكتاب والسنة وأجمع علماء الأمة على مثل ما عليه أهل المعرفة من أهل الحساب من أن الأفلاك مستديرة لا مسطحة.
فصل:
لما ظهر بما ذكرناه عود المواقيت إلى الأهلة. وجب أن يكون المواقيت كلها معلقة بها. فلا خلاف بين المسلمين أنه إذا كان مبدأ الحكم في الهلال حسبت الشهور كلها هلالية: مثل أن يصوم للكفارة في هلال المحرم أو يتوفى زوج المرأة في هلال المحرم أو يولي من امرأته في هلال المحرم أو يبيعه في هلال المحرم إلى شهرين أو ثلاثة. فإن جميع الشهور تحسب بالأهلة. وإن كان بعضها أو جميعها ناقصا.
فأما إن وقع مبدأ الحكم في أثناء الشهر. فقد قيل: تحسب الشهور كلها بالعدد بحيث لو باعه إلى سنة في أثناء المحرم عد ثلاثمائة وستين يوما وإن كان إلى ستة أشهر عد مائة وثمانين يوما فإذا كان المبتدأ منتصف المحرم كان المنتهى العشرين من المحرم. وقيل: بل يكمل الشهر بالعدد والباقي بالأهلة. وهذان القولان روايتان عن أحمد وغيره. وبعض الفقهاء يفرق في بعض الأحكام.

(فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين (194)

قال شيخ الإسلام - بعد كلام سبق -:
قال: وقوله: {فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} قال: والقصاص ليس بعدوان؟ فيقال: العدوان مجاوزة الحد لكن إن كان بطريق الظلم كان محرما وإن كان بطريق القصاص كان عدلا مباحا فلفظ العدوان في مثل هذا هو تعدي الحد الفاصل لكن لما اعتدى صاحبه جاز الاعتداء عليه والاعتداء الأول ظلم والثاني مباح ولفظ عدل مباح. ولفظ الاعتداء هنا مقيد بما يبين أنه اعتداء على وجه القصاص بخلاف العدوان ابتداء فإنه ظلم فإذا لم يقيد بالجزاء فهم منه الابتداء: إذ الأصل عدم ما يقابله.
(فصل)
وقال شيخ الإسلام - بعد كلام سبق -:

" وجماع الأمر " أن الذنوب كلها ظلم: فإما ظلم العبد لنفسه فقط أو ظلمه مع ذلك لغيره؛ فما كان من ظلم الغير فلا بد أن يشرع من عقوبته ما يدفع به ظلم الظالم عن الدين والدنيا كما قال تعالى: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير} فجعل السبب المبيح لعقوبة الغير التي هي قتاله: {بأنهم ظلموا}.

وقال: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين} فبين أن الظالم يعتدى عليه: أي بتجاوز. الحد المطلق في حقه؛ وهو العقوبة وهذا عدوان جائز كما قال: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}.

وقول بعضهم: إن هذا ليس بعدوان في الحقيقة وإنما سماه عدوانا على سبيل المقابلة كما قالوا مثل ذلك في قوله: {وجزاء سيئة سيئة مثلها}. لا يحتاج إليه؛ فإن العدوان المطلق هو مجاوزة الحد المطلق وهذا لا يجوز في حقه إلا إذا اعتدى فيتجاوز الحد في حقه بقدر تجاوزه.
(وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله ... (196)
جماع معنى الحج في أصل اللغة: قصد الشيء وإتيانه، ومنه سمي الطريق محجة لأنه موضع الذهاب والمجيء ويسمى ما يقصد الخصم حجة لأنه يأتمه وينتحيه، ومنه في الاشتقاق الأكبر الحاجة، وهو ما يقصد ويطلب للمنفعة به سواء قصده القاصد لمصلحته أو لمصلحة غيره، ومنه قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: " «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» ".
وقول في حاجة الله، وحاجة رسوله.
ومعلوم أنه إنما يقصد ويؤتى: ما يعظم ويعتقد الانتفاع به وإذا كان كذلك فلا بد أن يكثر اختلاف الناس إليه فكذلك يقول بعض أهل اللغة: الحج القصد، ويقول بعضهم: هو القصد إلى من يعظم، ويقول بعضهم: كثرة القصد إلى من يعظمه. ورجل محجوج، ومكان محجوج، أي مقصود مأتي. ومنه قوله:
وأشهد من عوف حلولا كثيرة ... يحجون سب الزبرقان المزعفرا قال ابن السكيت: يقول يكثرون الاختلاف إليه.
وقوله:
قالت تغيرتم بعدي فقلت لها ... لا والذي بيته يا سلم محجوج
ثم غلب في الاستعمال الشرعي، والعرفي على حج بيت الله - سبحانه وتعالى - وإتيانه. فلا يفهم عند الإطلاق إلا هذا النوع الخاص من القصد لأنه هو المشروع الموجود كثيرا وذلك كقوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله} [البقرة: 196] وقال تعالى: {وأذن في الناس بالحج} [الحج: 27] وقال سبحانه: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج} [البقرة: 196] وقد بين المحجوج في قوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت} [آل عمران: 97] وقوله تعالى: {فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما} [البقرة: 158] فإن اللام في قوله {البيت} [البقرة: 158] لتعريف الذي تقدم ذكره في أحد الموضعين وعلمه المخاطبون في الموضع الآخر.

وفيه لغتان قد قرئ بهما. الحج، والحج، والحجة بفتح الحاء وكسرها. ثم حج البيت له صفة معلومة في الشرع من الوقوف بعرفة، والطواف بالبيت، وما يتبع ذلك فإن ذلك كله من تمام قصد البيت، فإذا أطلق الاسم في الشرع انصرف إلى الأفعال المشروعة ; إما في الحج الأكبر، أو الأصغر.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.47 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.84 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.77%)]