عرض مشاركة واحدة
  #102  
قديم 07-04-2022, 01:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,405
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الثالث
الحلقة (102)

من صــ 489 الى صـ
ـ 496





ثم صار هذا في لسان الشرع عند الإطلاق مختصا بالعكوف لله وعليه في بيته:
كما قال تعالى: {ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد} [البقرة: 187].
وقال تعالى: {طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود} [البقرة: آية 125].
وقال في موضع آخر: {للطائفين والقائمين} [الحج: آية 26].
ولم يذكر العكوف لمن, وعلى من؛ لأن عكوف المؤمن لا يكون إلا لله.
ويستعمل متعديا أيضا, فيقال: عكفه يعكفه ويعكفه عكفا: إذا حبسه ووقفه؛ كما قال تعالى: {والهدي معكوفا أن يبلغ محله} [الفتح: آية 25] , ويقال: ما عكفك عن كذا؟ أي: ما حبسك عنه, وعكف الجوهر في النظم.
والتاء في الاعتكاف تفيد ضربا من المعالجة والمزاولة؛ لأن فيه كلفة؛ كما يقال: لست وألست, وعمل واعتمل, وقطع واقتطع.
وربما حسب بعضهم أنه مطاوع عكفه فاعتكف, كما يقال: انعكف عليه, وهو ضعيف.
ولما كان المرء لا يلزم ويواظب إلا من يحبه ويعظمه؛ كما كان المشركون يعكفون على أصناهم وتماثيلهم, ويعكف أهل الشهوات على شهواتهم؛ شرع الله سبحانه لأهل الإيمان أن يعكفوا على ربهم سبحانه وتعالى.
وأخص البقاع بذكر اسمه سبحانه والعبادة له بيوته المبنية لذلك؛ فلذلك كان الاعتكاف لزوم المسجد لطاعة الله فيه.
ولو قيل: لعبادة الله فيه؛ كان أحسن؛ فإن الطاعة موافقة الأمر, وهذا يكون بما هو في الأصل عبادة؛ كالصلاة, وبما هو في الأصل غير عبادة, وإنما يصير عبادة بالنية؛ كالمباحات كلها؛ بخلاف العبادة؛ فإنها التذلل للإله سبحانه وتعالى.
وأيضا؛ فإن ما لم يؤمر به من العبادات, بل رغب فيه: هو عبادة, وإن لم يكن طاعة؛ لعدم الأمر.
ويسمى أيضا الجوار والمجاورة.
778 - قالت عائشة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصغي إلي رأسه وهو مجاور في المسجد, فأرجله وأنا حائض». رواه البخاري.
لأنه قد جاور الله سبحانه بلزوم بيته ومكانا واحدا لعبادته:
779 - كما في الحديث: يقول الله تعالى: أنا جليس من ذكرني».
ويسمى المقام بمكة مجاورة؛ لأنه مجاور بيت الله؛ كما يجاور الرجل بيت الرجل.
مسألة:
وهو سنة لا يجب إلا بالنذر.
في هذا فصلان:

أحدهما: أن الاعتكاف سنة وقربة بالكتاب والسنة والاجماع: أما الكتاب:
فقوله تعالى: {طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود} [البقرة: آية 125].
وقوله في الآية الأخرى: {والقائمين} [الحج: آية 26].
وقوله سبحانه: {ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد} [البقرة: آية 178].
وأما السنة:
780 - فروى ابن عمر؛ قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان».
781 - وعن عائشة؛ قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى, ثم اعتكف أزواجه من بعده». متفق عليهما.

782 - وقد تقدم حديث أبي سعيد: «أنه اعتكف هو وأصحابه العشر الأوسط والآخر».
وفي رواية: «اعتكف العشر الأول أيضا».

783 - وكان يعتكف أزواجه معه.
وفاته الاعتكاف عاما فاعتكف في العام القابل عشرين.
وتركه مرة في رمضان فاعكتف العشر الأول من شوال.
وهذا كله يدل على محافظته صلى الله عليه وسلم.
وأجمع المسلمون على أنه قربة وعمل صالح.
وأيضا؛ ففيه من القرب والمكث في بيت الله, وحبس النفس على عبادة الله, وإخلاء القلب من الشواغل عن ذكر الله, والتخلي لأنواع العبادات المحضة من التفكر وذكر الله وقراءة القرآن والصلاة والدعاء والتوبة والاستغفار إلى غير ذلك من أنواع القرب.
784 - وقد روي عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في المعتكف: «هو يعكف الذنوب, ويجري له من الحسنات كعامل الحسنات كلها». رواه ابن ماجه.
وهو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن المعتكف قد حبس الذنوب ووقفها, وامتنع منها؛ فلا تخلص إليه.
785 - كما قال: «الصوم جنة».
وقد تهيأ لجميع العبادات.
فإن قيل: هذا الحديث فيه فرقد السبخي, وقد تكلم فيه, ولهذا قال أبو داوود: قلت لأحمد: تعرف في فضل الاعتكاف شيئا؟ قال: لا؛ إلا شيئا ضعيفا. وكذلك تقل أبو طالب.
قيل: فرقد السبخي رجل صالح, قد كتب الناس أحاديثه, وأحاديث الترغيب والترهيب يتسامح في أسانيدها؛ كما قال أحمد: إذا جاء الترغيب والترهيب؛ سهلنا, إذا جاء الحلال والحرام؛ شددنا.
وقول أحمد: «إلا شيئا ضعيفا»: إشارة إلى أن إسناده ليس قويا, وهذا القدر قدر لا يمنع الاحتجاج به في الأحكام؛ فكيف في الفضائل.
786 - وقد روى إسحاق بن راهوية, عن أبي الدرداء؛ قال: «من اعتكف ليلة؛ كان له كأجر عمرة, ومن اعتكف ليلتين؛ كان له كأجر عمرتين. . .» ثم ذكر على قدر ذلك.

الفصل الثاني: أنه ليس بواجب في الشرع, بل يجب بالنذر, وهذا إجماع.

قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الاعتكاف لا يجب على الناس فرضا؛ إلا أن يوجب المرء على نفسه الاعتكاف نذرا, فيجب عليه.
وهذا لأن الله لم يوجبه ولا رسوله, وكان أكثر الناس لا يعتكفون على عهد النبي صلى الله عليه وسلم, فلم يأمرهم به.
787 - بل قال لهم لما اعتكف العشر الأوسط: «إني أتيت, فقيل لي: إنها في العشر الأواخر؛ فمن أحب منكم أن يعتكف؛ فليعتكف».
وترك الاعتكاف مرة, وهو مقيم, ثم قضاه في شوال.
وأما وجوبه بالنذر:
788 - فلما روت عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من نذر أن يطيع
الله؛ فليطعمه, ومن نذر أن يعصي الله؛ فلا يعصيه».
789 - وعن عمر: أنه قال: يا رسول الله! إني نذرت أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام. فقال: - «أوف بنذرك». متفق عليهما.
(يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون (189)
قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -:

قال الله تعالى: {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج} فأخبر أنها مواقيت للناس وهذا عام في جميع أمورهم وخص الحج بالذكر تمييزا له؛ ولأن الحج تشهده الملائكة وغيرهم ولأنه يكون في آخر شهور الحول. فيكون علما على الحول كما أن الهلال علم على الشهر ولهذا يسمون الحول حجة فيقولون: له سبعون حجة وأقمنا خمس حجج. فجعل الله الأهلة مواقيت للناس في الأحكام الثابتة بالشرع ابتداء. أو سببا من العبادة. وللأحكام التي تثبت بشروط العبد. فما ثبت من المؤقتات بشرع أو شرط فالهلال ميقات له وهذا يدخل فيه الصيام والحج ومدة الإيلاء والعدة وصوم الكفارة. وهذه الخمسة في القرآن.
قال الله تعالى: {شهر رمضان} وقال تعالى: {الحج أشهر معلومات} وقال تعالى: {للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر} وقال تعالى: {فصيام شهرين متتابعين} وكذلك قوله: {فسيحوا في الأرض أربعة أشهر}. وكذلك صوم النذر وغيره.
وكذلك الشروط من الأعمال المتعلقة بالثمن ودين السلم والزكاة والجزية والعقل والخيار والأيمان وأجل الصداق ونجوم الكتابة والصلح عن القصاص وسائر ما يؤجل من دين وعقد وغيرهما. وقال تعالى: {والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم} وقال تعالى: {هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق} فقوله: {لتعلموا} متعلق والله أعلم بقوله: {وقدره} لا بجعل. لأن كون هذا ضياء.
وهذا نورا لا تأثير له في معرفة عدد السنين والحساب؛ وإنما يؤثر في ذلك انتقالها من برج إلى برج. ولأن الشمس لم يعلق لنا بها حساب شهر ولا سنة وإنما علق ذلك بالهلال. كما دلت عليه تلك الآية ولأنه قد قال: {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم} فأخبر أن الشهور معدودة اثنا عشر والشهر هلالي بالاضطرار.
فعلم أن كل واحد منها معروف بالهلال. وقد بلغني أن الشرائع قبلنا أيضا إنما علقت الأحكام بالأهلة وإنما بدل من بدل من أتباعهم كما يفعله اليهود في اجتماع القرصين وفي جعل بعض أعيادها بحساب السنة الشمسية وكما تفعله النصارى في صومها حيث تراعي الاجتماع القريب من أول السنة الشمسية وتجعل سائر أعيادها دائرة على السنة الشمسية بحسب الحوادث التي كانت للمسيح وكما يفعله الصابئة والمجوس وغيرهم من المشركين في اصطلاحات لهم فإن منهم من يعتبر بالسنة الشمسية فقط ولهم اصطلاحات في عدد شهورها؛

لأنها وإن كانت طبيعية فشهرها عددي وضعي. ومنهم من يعتبر القمرية لكن يعتبر اجتماع القرصين وما جاءت به الشريعة هو أكمل الأمور وأحسنها وأبينها وأصحها وأبعدها من الاضطراب.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 34.73 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.10 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.81%)]