عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 05-04-2022, 01:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,332
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أسرار البيان في التعبير القرآني

أسرار البيان
في التعبير القرآني
{10}
للدكتور / فاضل صالح السامرائي
أستاذ النحو في جامعة الشارقة
من صـ 62الى صـ 68


تقديم وتأخير فوقكم والطور
وكذلك قوله تعالى في الكلام عن بني إسرائيل والطور فقد قال تعالى في سورة البقرة (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ {63} ) وقال في سورة النساء (وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً {154} ) وقال في سورة الأعراف (وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ {171} ) .
من حيث التقديم والتأخير هو قائم على الإهتمام الذي يقتضيه سياق الآيات سواء كان ـفضل أو مفضول وإنما للأهمية. في سورة البقرة (ورفعنا فوقكم الطور) فوقكم أهمّ من الطور نفسه وكذلك في آية سورة النساء أما آية سورة الأعراف فالجبل أهم من فوقهم.
في آية سورة الأعراف وصف تعالى الجبل كأنه ظُلّة وذكر (وظنوا أنه واقع بهم) ومعنى واقع بهم أي أوقع بهم أو أهلكهم وهذا كله له علاقة بالجبل فالجبل في الأعراف أهمّ. ولم يذكر عن الطور شيئاً آخر في سورة البقرة أو النساء.
آية البقرة والنساء يستمر الكلام بعد الآيات على بني إسرائيل حوالي أربعين آية بعد الآية التي جاء فيها ذكر الطور لذا قدّم فوقهم في النساء وفوقهم في البقرة على الطور للأهمية. أما في سورة الأعراف فبعد الآية التي تحدث فيها عن الجبل انتهى الكلام عن بني إسرائيل ولم يذكر أي شيء عنهم بعد هذه الآية لذا قدّم الجبل.
والجبل: هو إسم لما طال وعظُم من أوتاد الأرض والجبل أكبر وأهم من الطور من حيث التكوين. أما النتق فهو أشد وأقوى من الرفع الذي هو ضد الوضع. ومن الرفع أيضاً الجذب والإقتلاع وحمل الشيء والتهديد للرمي به وفيه إخافة وتهديد كبيرين ولذلك ذكر الجبل في آية سورة الأعراف لأن الجبل أعظم ويحتاج للزعزعة والإقتلاع وعادة ما تُذكر الجبال في القرآن في موقع التهويل والتعظيم ولذا جاء في قوله تعالى (وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ {143} ) ولم يقل الطور. إذن النتق والجبل أشد تهديداً وتهويلاً.

تقديم وتأخير الأرض والسماء في قوله تعالى (وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء) وقوله (لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ)

التقديم والتأخير في السماء والأرض: الكلام في سورة يونس عن أهل الأرض فناسب أن يقدم الأرض على السماء في قوله تعالى (وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء) أما في سورة سبأ فالكلام عن الساعة والساعة يأتي أمرها من السماء وتبدأ بأهل السماء (فصعق من في السموات والأرض) و (ففزع من في السموات ومن في الأرض) ولذلك قدّم السماء على الأرض في قوله تعالى (لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض) .
واستخدمت السماء في سورة يونس لأن السياق في الإستغراق فجاء بأوسع حالة وهي السماء لأنها أوسع بكثير من السموات في بعض الأحيان. فالسماء واحدة وهي تعني السموات أو كل ما علا وفي سورة سبأ استخدم السموات حسب ما يقتضيه السياق.
تقديم الأكل على الشرب في سورة مريم (فكلي واشربي وقرّي عينا)نلاحظ الآية قبلها في سورة مريم (فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً {24} وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً {25} فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً {26} ) .
فقد وردت كلمة السري وهي تعني السيّد وجمعها سُراة أي السادة (ولا سُراة إذا جُهّالهم سادوا) ، وهي بمعنى أن الله تعالى قد جعلك تحتك سيّدا. أما التقديم والتأخير في الأكل والشرب فنلاحظ أنه في القرآن كله حيثما اجتمع الأكل والشرب قدّم تعالى الأكل على الشرب حتى في الجنّة (كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية) وقوله (كلوا واشربوا من رزق الله) وكذلك في آية سورة مريم (فكلي واشربي وقرّي عينا) والسبب في ذلك أن الحصول على الأكل أصعب من الحصول على الشرب.
ومثال آخر قوله تعالى سورة هود:
(قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيَ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ {28} ) وقوله تعالى في سورة هود أيضاً (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ {63} ) . في الآية الأولى قدّم الرحمة على الجارّ والمجرور، والآية تتكلم عن الرحمة (فعمّيت، أنلزمكموها، وأنتم لها كارهون) كلها تعود على الرحمة لذا اقتضى السياق تقديم الرحمة على الجارّ والمجرور. أما في الآية الثانية فالآية تتكلم عن الله تعالى (ربي، الله، منه، الضمير في عصيته) كلها تعود على الله تعالى لذا اقتضى السياق تقديم (منه) على الرحمة تقديم وتأخير الصابئين في آيتي سورة البقرة والمائدة
قال تعالى في سورة البقرة (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ {62} ) وقال في سورة المائدة (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ {69} ) الآيتان فيهما تشابه واختلاف وزيادة في إحداها عن الأخرى.
في سورة البقرة قدّم النصارى على الصابئين (النصب جاء مع العطف لتوكيد العطف) ، وفي آية سورة المائدة قدّم الصابئون على النصارى ورفعها بدل النصب.
فمن حيث التقديم والتأخير ننظر في سياق السورتين الذي يعين على فهم التشابه والإختلاف، ففي آية سورة المائدة جاءت الآيات بعدها تتناول عقيدة النصارى والتثليث وعقيدتهم بالمسيح وكأن النصارى لم يؤمنوا بالتوحيد فيما تذكر الآيات في السورة (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ {72} لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {73} ) ثم جاء التهديد (وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {73} ) (مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ {75} ) هذا السياق لم يذكر هذا الأمر في سورة البقرة وهكذا اقتضى تقديم الصابئين على النصارى في آية سورة المائدة. فلما كان الكلام في ذم معتقدات النصارى اقتضى تأخيرهم عن الصابئين.
ولا هم يحزنون: بتقديم (هم) الذين يحزن غيرهم وليس هم. نفي الفعل عن النفس ولكنه إثبات الفعل لشخص آخر كأن نقول (ما أنا ضربته) نفيته عن نفسي وأثبتّ وجود شخص آخر ضربه (يُسمّى التقديم للقصر) أما عندما نقول (ما ضربته) يعني لا أنا ولا غيري. نفى الحزن عنهم وأثبت أن غيهم يحزن (أهل الضلال في حزن دائم) .
ولم يقل لا خوف عليهم ولا حزن لهم لأنها لا تفيد التخصيص (نفى عنهم الحزن ولم يثبته لغيرهم) ولو قال ولا لهم حزن لانتفى التخصيص على الجنس أصلاً ولا ينفي التجدد وقوله تعالى (لا خوف ٌعليهم ولا هم يحزنون) لا يمكن أن يؤدي إلى حزن فنفى الخوف المتجدد والثابت ونفى الحزن المتجدد (لا هم يحزنون بمعنى لا يخافون) والثابت (لا خوف) ولا يمكن لعبارة أخرى أن تؤدي هذا المعنى المطلوب.
تقديم وتأخير اللهو على التجارة في آية سورة الجمعة
هذه الآية (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ {11} ) نزلت بينما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يخطب بعد صلاة الجمعة فجاءت العير بتجارة وكانت سنة شديدة فانفضّ الناس بسبب التجارة وليس بسبب اللهو لأنه كان هناك غلاء في الأسعار فعندما نودي أن القافلة وصلت انفضّ الناس عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم ولهذا قدّم التجارة في أول الآية (وإذا رأوا تجارة) . ثم في نهاية الآية قدّم تعالى اللهو على التجارة لأنه ليس كل الناس ينشغلون بالتجارة عن الصلاة فكثير ينشغلون باللهو وما عند الله تعالى خيرٌ من اللهو ومن التجارة لذا قدّم اللهو على التجارة.
وقوله تعالى (والله خير الرازقين) لأن التجارة مظنّة الرزق فوضع التجارة بجانب قوله تعالى (والله خير الرازقين) فليس لائقاً ولا مناسباً أن يقول تعالى (الله خير الرازقين) بجانب اللهو وفي اللغة عادة تترقّى من الأدنى إلى الأعلى فذكر الأدنى (اللهو) ثم الأعلى (التجارة) .
وهناك أمر آخر وهو تكرار (من) في قوله تعالى (من اللهو ومن التجارة) لأنه لو قال (من اللهو والتجارة) لأفاد أن الخيرية لا تكون إلا باجتماعهما أي اللهو والتجارة أما قوله تعالى (من اللهو ومن التجارة) فهي تفيد أن الخيرية من اللهو على جهة الإستقلال ومن التجارة على جهة الإستقلال أيضاً فإن اجتمعا زاد الأمر سوءاً.
تقديم الرحيم على الغفور في سورة سبأ وقد وردت في باقي القرآن الغفور الرحيم
لو قرأنا الآية في سورة سبأ (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ {1} يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ {2} ) لم يتقدّم الآية ما يخصّ المكلَّفين أبداً والمغفرة لا تأتي إلا للمكلَّفين والمذنبين الذين يغفر الله تعالى لهم وإنما جاء ذكرهم بعد الآيتين الأولى والثانية لذا اقتضى تأخير الغفور لتأخر المغفور لهم في سياق الآية. أما في باقي سور القرآن الكريم فقد وردت الغفور الرحيم لأنه تقدّم ذكر المكلَّفين فيذنبون فيغفر الله تعالى لهم فتطلّب تقديم المغفرة على الرحمة.
تقديم الإنس على الجان في آية سورة الرحمن (لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان)
قال تعالى في سورة الرحمن (فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ {56} ) ، والإنسان عادة تعاف نفسه المرأة إذا طمثها إنسي لذلك تقدّم ذكر الإنس لكن إذا عاشرها جان ليس لها نفس الوقع كالإنسي.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.51 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.88 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.56%)]