عرض مشاركة واحدة
  #269  
قديم 01-04-2022, 01:14 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,740
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الثالث
الحلقة (267)

سُورَةُ مَرْيَمَ
صـ 473 إلى صـ 479





فقد أسند الضرب إلى بني عبس ، مع أنه صرح بأن الضارب الذي بيده السيف هو ورقاء وهو ابن زهير بن جذيمة العبسي ، وخالد هو ابن جعفر الكلابي ، وقصة قتله لزهير المذكور مشهورة .

وقد بين في هذه الآية : أن هذا الإنسان الكافر يقول منكرا البعث : أئذا ما مت لسوف أخرج حيا زعما منه أنه إذا مات لا يمكن أن يحيا بعد الموت ، وقد رد الله عليه مقالته هذه بقوله : أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا ، يعني : أيقول الإنسان مقالته هذه في إنكار البعث ، ولا يذكر أنا أوجدناه الإيجاد الأول ولم يك شيئا ، بل كان عدما فأوجدناه ، وإيجادنا له المرة الأولى دليل قاطع على قدرتنا على إيجاده بالبعث مرة أخرى .

وهذا البرهان الذي أشار له هنا قد قدمنا الآيات الدالة عليه في سورة البقرة والنحل وغيرهما ، كقوله تعالى : وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم [ 36 \ 78 - 79 ] ، وقوله تعالى : أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد [ 50 \ 15 ] ، وقوله : ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون [ 56 \ 62 ] ، وقوله : وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه الآية [ 30 \ 27 ] ، وقوله : فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة [ 17 \ 51 ] ، وقوله : ياأيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب الآية [ 22 \ 5 ] ، وقوله تعالى : كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين [ 21 \ 104 ] ، إلى غير ذلك من الآيات كما تقدم إيضاحه .

وفي الحديث الصحيح الذي يرويه صلى الله عليه وسلم عن ربه : " يقول الله تعالى كذبني ابن آدم ولم يكن له أن يكذبني ، وآذاني ابن آدم ولم يكن له أن يؤذيني ، أما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني ; وليس أول الخلق أهون علي من آخره ، وأما أذاه إياي ، فقوله إن لي ولدا ، وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد " ، فإن قيل : أين العامل في الظرف الذي هو إذا ، فالجواب : أنه منصوب بفعل مضمر دل عليه جزاء الشرط ; وتقديره : أأخرج حيا إذا ما مت ؟ أي : حين يتمكن في الموت والهلاك أخرج حيا ، يعني لا يمكن ذلك ، فإن قيل : لم لا تقول بأنه منصوب بـ أخرج ، المذكور في [ ص: 474 ] قوله : لسوف أخرج حيا ، على العادة المعروفة ، من أن العامل في " إذا " هو جزاؤها ؟ فالجواب : أن لام الابتداء في قوله : لسوف أخرج حيا ، مانعة من عمل ما بعدها فيما قبلها كما هو معلوم في علم العربية ، فلا يجوز أن تقول : اليوم لزيد قائم ; تعني لزيد قائم اليوم ، وما زعمه بعضهم من أن حرف التنفيس الذي هو سوف مانع من عمل ما بعده فيما قبله أيضا ، حتى إنه على قراءة طلحة بن مصرف : " أئذا ما مت سأخرج حيا " بدون اللام يمتنع نصب " إذا " بـ " أخرج " المذكورة ; فهو خلاف التحقيق .

والتحقيق أن حرف التنفيس لا يمنع من عمل ما بعده فيما قبله ، ودليله وجوده في كلام العرب ; كقول الشاعر :


فلما رأته أمنا هان وجدها وقالت أبونا هكذا سوف يفعل
فقوله " هكذا " منصوب بقوله " يفعل " كما أوضحه أبو حيان في البحر ، وعليه فعلى قراءة طلحة بن مصرف فقوله : " إذا " منصوب بقوله : " أخرج " لعدم وجود اللام فيها وعدم منع حرف التنفيس من عمل ما بعده فيما قبله .

تنبيه

فإن قلت : لام الابتداء الداخلة على المضارع تعطي معنى الحال ، فكيف جامعت حرف التنفيس الدال على الاستقبال ؟ فالجواب : أن اللام هنا جردت من معنى الحال ، وأخلصت لمعنى التوكيد فقط ، ولذلك جامعت حرف الاستقبال كما بينه الزمخشري في الكشاف ، وتعقبه أبو حيان في البحر المحيط بأن من علماء العربية من يمنع أن اللام المذكورة تعطي معنى الحال ، وعلى قوله يسقط الإشكال من أصله ، والعلم عند الله تعالى .

قوله تعالى : فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا ، لما أقام الله جل وعلا البرهان على البعث بقوله : أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا [ 19 \ 67 ] ، أقسم جل وعلا بنفسه الكريمة ، أنه يحشرهم - أي : الكافرين المنكرين للبعث - وغيرهم من الناس ، ويحشر معهم الشياطين الذين كانوا يضلونهم في الدنيا ، وأنه يحضرهم حول جهنم جثيا ، وهذان الأمران اللذان ذكرهما في هذه الآية الكريمة أشار إليهما في غير هذا الموضع ، أما حشره لهم ولشياطينهم فقد أشار إليه في قوله : احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم [ 37 \ 22 - 23 ] ، [ ص: 475 ] على أحد التفسيرات ، وقوله : أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا [ 43 \ 38 ] .

وأما إحضارهم حول جهنم جثيا ، فقد أشار له في قوله : وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون [ 45 \ 28 ] ، وقوله في هذه الآية الكريمة : جثيا ، جمع جاث ، والجاثي : اسم فاعل : جثا يجثو جثوا ، وجثى يجثي جثيا : إذا جلس على ركبتيه أو قام على أطراف أصابعه ، والعادة عند العرب : أنهم إذا كانوا في موقف ضنك وأمر شديد ، جثوا على ركبهم ، ومنه قول بعضهم :

فمن للحماة ومن للكماة إذا ما الكماة جثوا للركب إذا قيل مات أبو مالك فتى المكرمات قريع العرب وكون معنى قوله : جثيا في هذه الآية ، وقوله : وترى كل أمة جاثية الآية [ 45 \ 28 ] ، أنه جثيهم على ركبهم هو الظاهر ، وهو قول الأكثر ، وهو الإطلاق المشهور في اللغة ; ومنه قول الكميت :


هم تركوا سراتهم جثيا وهم دون السراة مقرنينا
وعن ابن عباس في قوله في هذه الآية الكريمة : جثيا ، أن معناه : جماعات ، وعن مقاتل جثيا ، أي : جمعا جمعا ، وهو على هذا القول جمع " جثوة " مثلثة الجيم ، وهي الحجارة المجموعة والتراب المجموع ، فأهل الخمر يحضرون حول جهنم على حدة ، وأهل الزنى على حدة ; وأهل السرقة على حدة . ; وهكذا ، ومن هذا المعنى قول طرفة بن العبد في معلقته :


ترى جثوتين من تراب عليهما صفائح صم من صفيح منضد
هكذا قال بعض أهل العلم ، ولكنه يرد عليه أن " فعلة " كجثوة ، لم يعهد جمعها على فعول كجثي ، وقرأ هذا الحرف حمزة والكسائي وحفص جثيا بكسر الجيم إتباعا للكسرة بعده وقرأ الباقون : " جثيا " بضم الجيم على الأصل .

قوله تعالى : ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا .

قوله في هذه الآية الكريمة : لننزعن [ 19 \ 69 ] ، أي : لنستخرجن [ ص: 476 ] من كل شيعة ، أي : من كل أمة أهل دين واحد ، وأصل الشيعة فعلة كفرقة ، وهي الطائفة التي شاعت غيرها ، أي : تبعته في هدى أو ضلال ; تقول العرب : شاعه شياعا : إذا تبعه .

وقوله تعالى : أيهم أشد على الرحمن عتيا ، أي : لنستخرجن ولنميزن من كل طائفة من طوائف الغي والفساد أعصاهم فأعصاهم ، وأعتاهم فأعتاهم ، فيبدأ بتعذيبه وإدخاله النار على حسب مراتبهم في الكفر ، والإضلال والضلال ، وهذا هو الظاهر في معنى الآية الكريمة : أن الرؤساء القادة في الكفر يعذبون قبل غيرهم ويشدد عليهم العذاب لضلالهم وإضلالهم .

وقد جاءت آيات من كتاب الله تعالى تدل على هذا ، كقوله تعالى : الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون [ 16 \ 88 ] ، وقوله تعالى : وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون [ 29 \ 13 ] ، وقوله : ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون [ 16 \ 25 ] ، ولأجل هذا كان في أمم النار أولى وأخرى ، فالأولى : التي يبدأ بعذابها وبدخولها النار ، والأخرى التي تدخل بعدها على حسب تفاوتهم في أنواع الكفر والضلال ، كما قال تعالى : قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون [ 7 \ 38 - 39 ] .

وقوله في هذه الآية الكريمة : ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا [ 19 \ 70 ] ، يعني : أنه جل وعلا أعلم بمن يستحق منهم أن يصلى النار ، ومن هو أولى بذلك ، وقد بين أن الرؤساء والمرءوسين كلهم ممن يستحق ذلك في قوله : قال لكل ضعف الآية ، والصلي : مصدر صلي النار - كرضي - يصلاها صليا ) بالضم والكسر ( إذا قاسى ألمها ، وباشر حرها .

واختلف العلماء في وجه رفع " أي " مع أنه منصوب ; لأنه مفعول لننزعن ، فذهب سيبويه ومن تبعه إلى أن لفظة " أي " موصولة ، وأنها مبنية على الضم إذا كانت مضافة وصدر صلتها ضمير محذوف كما هنا ، وعقده ابن مالك في الخلاصة بقوله :

[ ص: 477 ]
أي كما وأعربت ما لم تضف وصدر وصلها ضمير انحذف وبعضهم أعرب مطلقا . . .
. . . . . . .
إلخ .

ويدل على صحة قول سيبويه رحمه الله قول غسان بن وعلة :


إذا ما لقيت بني مالك فسلم على أيهم أفضل
والرواية بضم " أيهم " ، وخالف الخليل ويونس وغيرهما سيبويه في " أي " المذكورة ، فقال الخليل : إنها في الآية استفهامية محكية بقول مقدر والتقدير : ثم لننزعن من كل شيعة الذي يقال فيه أيهم أشد ; وأنشد الخليل لهذا المعنى الذي ذهب إليه قول الشاعر :


ولقد أبيت من الفتاة بمنزل فأبيت لا حرج ولا محروم
أي : فأبيت بمنزلة الذي يقال له : لا هو حرج ولا محروم .

وأما يونس فذهب إلى أنها استفهامية أيضا ; لكنه حكم بتعليق الفعل قبلها بالاستفهام لأن التعليق عنده لا يختص بأفعال القلوب ، واحتج لسيبويه على الخليل ويونس ومن تبعهما ببيت غسان بن وعلة المذكور آنفا ; لأن الرواية فيه بضم " أيهم " ، مع أن حروف الجر ، لا يضمر بينها وبين معمولها قول ولا تعلق على الأصوب ، وإن خالف فيه بعضهم ببعض التأويلات ، ومما ذكرنا تعلم أن ما ذكره بعضهم من أن جميع النحويين غلطوا سيبويه في قوله هذا في " أي " في هذه الآية الكريمة خلاف التحقيق ، والعلم عند الله تعالى .

وقرأه حمزة والكسائي وحفص عتيا بكسر العين ، و صليا بكسر الصاد للإتباع ، وقرأ الباقون بالضم فيهما على الأصل .
قوله تعالى : وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا .

اختلف العلماء في المراد بورود النار في هذه الآية الكريمة على أقوال :

الأول : أن المراد بالورود الدخول ، ولكن الله يصرف أذاها عن عباده المتقين عند ذلك الدخول .

الثاني : أن المراد بورود النار المذكور : الجواز على الصراط ; لأنه جسر منصوب على متن جهنم .

[ ص: 478 ] الثالث : أن الورود المذكور هو الإشراف عليها والقرب منها .

الرابع : أن حظ المؤمنين من ذلك الورود هو حر الحمى في دار الدنيا ، وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك : أن من أنواع البيان التي تضمنها الاستدلال على أحد المعاني الداخلة في معنى الآية بكونه هو الغالب في القرآن ، فغلبته فيه دليل استقرائي على عدم خروجه من معنى الآية ، وقد قدمنا أمثلة لذلك ، فإذا علمت ذلك فاعلم أن ابن عباس رضي الله عنهما استدل على المراد بورود النار في الآية بمثل ذلك الدليل الذي ذكرنا أنه من أنواع البيان في هذا الكتاب المبارك .

وإيضاحه أن ورود النار جاء في القرآن في آيات متعددة ، والمراد في كل واحدة منها الدخول ، فاستدل بذلك ابن عباس على أن " الورود في الآية التي فيها النزاع هو الدخول " ؛ لدلالة الآيات الأخرى على ذلك ، كقوله تعالى : يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود [ 11 \ 98 ] ، قال : فهذا ورود دخول ، وكقوله : لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون [ 21 \ 99 ] ، فهو ورود دخول أيضا ، وكقوله : ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا [ 19 \ 86 ] ، وقوله تعالى : إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون [ 21 \ 68 ] ، وبهذا استدل ابن عباس على نافع بن الأزرق في " أن الورود الدخول " .

واحتج من قال بأن الورود : الإشراف والمقاربة بقوله تعالى : ولما ورد ماء مدين الآية [ 28 \ 23 ] ، قال : فهذا ورود مقاربة وإشراف عليه ، وكذا قوله تعالى : فأرسلوا واردهم الآية [ 12 \ 11 ] ، ونظيره من كلام العرب قول زهير بن أبي سلمى في معلقته :


فلما وردن الماء زرقا جمامه وضعن عصي الحاضر المتخيم

قالوا : والعرب تقول : وردت القافلة البلد ، وإن لم تدخله ولكن قربت منه ، واحتج من قال بأن الورود في الآية التي نحن بصددها ليس نفس الدخول بقوله تعالى : إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون [ 21 \ 101 - 102 ] ، قالوا : إبعادهم عنها المذكور في هذه الآية يدل على عدم دخولهم فيها ; فالورود غير الدخول .

واحتج من قال : بأن ورود النار في الآية بالنسبة للمؤمنين : حر الحمى في دار [ ص: 479 ] الدنيا بحديث " الحمى من فيح جهنم ، فأبردوها بالماء " ، وهو حديث متفق عليه من حديث عائشة وأسماء ابنتي أبي بكر ، وابن عمر ورافع بن خديج رضي الله عنهم ، ورواه البخاري أيضا مرفوعا عن ابن عباس .

قال مقيده عفا الله عنه وغفر له : قد دلت على أن الورود في الآية معناه الدخول أدلة ، الأول : هو ما ذكره ابن عباس رضي الله عنهما من أن جميع ما في القرآن من ورود النار معناه دخولها غير محل النزاع ، فدل ذلك على أن محل النزاع كذلك ، وخير ما يفسر به القرآن القرآن .

الدليل الثاني : هو أن في نفس الآية قرينة دالة على ذلك ، وهي أنه تعالى لما خاطب جميع الناس بأنهم سيردون النار برهم وفاجرهم بقوله : وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا [ 19 \ 70 - 71 ] ، بين مصيرهم ومآلهم بعد ذلك الورود المذكور بقوله : ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها [ 19 \ 72 ] ، أي : نترك الظالمين فيها ، دليل على أن ورودهم لها دخولهم فيها ، إذ لو لم يدخلوها لم يقل : ونذر الظالمين فيها بل يقول : وندخل الظالمين ، وهذا واضح كما ترى ، وكذلك قوله : ثم ننجي الذين اتقوا ، دليل على أنهم وقعوا فيما من شأنه أنه هلكة ، ولذا عطف على قوله : وإن منكم إلا واردها قوله : ثم ننجي الذين اتقوا .

الدليل الثالث : ما روي من ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال صاحب الدر المنثور في الكلام على هذه الآية الكريمة : أخرج أحمد وعبد بن حميد ، والحكيم الترمذي ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، والبيهقي في البعث ، عن أبي سمية قال : اختلفنا في الورود فقال بعضنا : لا يدخلها مؤمن ، وقال بعضهم : يدخلونها جميعا ثم ينجي الله الذين اتقوا ، فلقيت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما فذكرت له ذلك فقال وأهوى بأصبعيه إلى أذنيه : صمتا إن لم أكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها ، فتكون على المؤمنين بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم ، حتى إن للنار ضجيجا من بردهم ، ثم ينجي الله الذين اتقوا ويذر الظالمين فيها جثيا " اهـ .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 48.25 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 47.63 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.30%)]