
30-03-2022, 11:04 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,405
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الاول
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(59)
الحلقة (74)
صــ 521إلى صــ525
فالصواب في ذلك أن يقال : إن الله جل ثناؤه نهى آدم وزوجته عن أكل [ ص: 521 ] شجرة بعينها من أشجار الجنة دون سائر أشجارها ، فخالفا إلى ما نهاهما الله عنه ، فأكلا منها كما وصفهما الله جل ثناؤه به . ولا علم عندنا أي شجرة كانت على التعيين ، لأن الله لم يضع لعباده دليلا على ذلك في القرآن ، ولا في السنة الصحيحة . فأنى يأتي ذلك ؟ وقد قيل : كانت شجرة البر ، وقيل : كانت شجرة العنب ، وقيل : كانت شجرة التين ، وجائز أن تكون واحدة منها ، وذلك علم ، إذا علم لم ينفع العالم به علمه ، وإن جهله جاهل لم يضره جهله به .
القول في تأويل قوله تعالى ذكره ( ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين ( 35 ) )
قال أبو جعفر : اختلف أهل العربية في تأويل قوله : " ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين "
فقال بعض نحويي الكوفيين : تأويل ذلك : ولا تقربا هذه الشجرة ، فإنكما إن قربتماها كنتما من الظالمين . فصار الثاني في موضع جواب الجزاء . وجواب الجزاء يعمل فيه أوله ، كقولك : إن تقم أقم ، فتجزم الثاني بجزم الأول . فكذلك قوله " فتكونا " لما وقعت الفاء في موضع شرط الأول نصب بها ، وصيرت [ ص: 522 ] بمنزلة " كي " في نصبها الأفعال المستقبلة ، للزومها الاستقبال . إذ كان أصل الجزاء الاستقبال .
وقال بعض نحويي أهل البصرة : تأويل ذلك : لا يكن منكما قرب هذه الشجرة فأن تكونا من الظالمين . غير أنه زعم أن " أن " غير جائز إظهارها مع " لا " ولكنها مضمرة لا بد منها ، ليصح الكلام بعطف اسم - وهي " أن " - على الاسم . كما غير جائز في قولهم : " عسى أن يفعل " عسى الفعل . ولا في قولك : " ما كان ليفعل " : ما كان لأن يفعل .
وهذا القول الثاني يفسده إجماع جميعهم على تخطئة قول القائل : " سرني تقوم يا هذا " وهو يريد سرني قيامك . فكذلك الواجب أن يكون خطأ على هذا المذهب قول القائل : " لا تقم " إذا كان المعنى : لا يكن منك قيام . وفي إجماع جميعهم على صحة قول القائل : " لا تقم " وفساد قول القائل : " سرني تقوم " بمعنى سرني قيامك الدليل الواضح على فساد دعوى المدعي أن مع " لا " التي في قوله : " ولا تقربا هذه الشجرة " ضمير " أن " وصحة القول الآخر .
وفي قوله " فتكونا من الظالمين " وجهان من التأويل :
أحدهما أن يكون " فتكونا " في نية العطف على قوله " ولا تقربا " فيكون تأويله حينئذ : ولا تقربا هذه الشجرة ولا تكونا من الظالمين . فيكون " فتكونا " حينئذ في معنى الجزم مجزوما بما جزم به " ولا تقربا " كما يقول القائل : لا تكلم عمرا ولا تؤذه ، وكما قال امرؤ القيس :
فقلت له : صوب ولا تجهدنه فيذرك من أخرى القطاة فتزلق
فجزم " فيذرك " بما جزم به " لا تجهدنه " كأنه كرر النهي . [ ص: 523 ]
والثاني أن يكون " فتكونا من الظالمين " بمعنى جواب النهي . فيكون تأويله حينئذ : لا تقربا هذه الشجرة ، فإنكما إن قربتماها كنتما من الظالمين . كما تقول : لا تشتم عمرا فيشتمك ، مجازاة . فيكون " فتكونا " حينئذ في موضع نصب ، إذ كان حرفا عطف على غير شكله ، لما كان في " ولا تقربا " حرف عامل فيه ، ولا يصلح إعادته في " فتكونا " فنصب على ما قد بينت في أول هذه المسألة .
وأما تأويل قوله : " فتكونا من الظالمين " فإنه يعني به فتكونا من المتعدين إلى غير ما أذن لهم وأبيح لهم فيه ، وإنما عنى بذلك أنكما إن قربتما هذه الشجرة ، كنتما على منهاج من تعدى حدودي ، وعصى أمري ، واستحل محارمي ، لأن الظالمين بعضهم أولياء بعض ، والله ولي المتقين .
وأصل " الظلم " في كلام العرب ، وضع الشيء في غير موضعه ، ومنه قول نابغة بني ذبيان :
إلا أواري لأيا ما أبينها والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد
فجعل الأرض مظلومة ، لأن الذي حفر فيها النؤي حفر في غير موضع الحفر ، فجعلها مظلومة ، لموضع الحفرة منها في غير موضعها . ومن ذلك قول ابن قميئة في صفة غيث : [ ص: 524 ]
ظلم البطاح بها انهلال حريصة فصفا النطاف له بعيد المقلع
وظلمه إياه : مجيئه في غير أوانه ، وانصبابه في غير مصبه . ومنه : ظلم الرجل جزوره ، وهو نحره إياه لغير علة . وذلك عند العرب وضع النحر في غير موضعه .
وقد يتفرع الظلم في معان يطول بإحصائها الكتاب ، وسنبينها في أماكنها إذا أتينا عليها إن شاء الله تعالى . وأصل ذلك كله ما وصفنا من وضع الشيء في غير موضعه .
القول في تأويل قوله تعالى : ( فأزلهما الشيطان عنها )
قال أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة ذلك . فقرأته عامتهم ، " فأزلهما " بتشديد اللام ، بمعنى : استزلهما ، من قولك زل الرجل في دينه : إذا هفا فيه وأخطأ ، فأتى ما ليس له إتيانه فيه . وأزله غيره : إذا سبب له ما يزل من أجله في دينه أو دنياه ، ولذلك أضاف الله تعالى ذكره إلى إبليس خروج آدم وزوجته من الجنة ، فقال : " فأخرجهما " يعني إبليس " مما كانا فيه " لأنه كان الذي سبب لهما الخطيئة التي عاقبهما الله عليها بإخراجهما من الجنة .
وقرأه آخرون : " فأزالهما " بمعنى إزالة الشيء عن الشيء ، وذلك تنحيته عنه .
وقد روي عن ابن عباس في تأويل قوله : " فأزلهما " ما : [ ص: 525 ]
741 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس في تأويل قوله تعالى : " فأزلهما الشيطان " قال : أغواهما .
وأولى القراءتين بالصواب قراءة من قرأ : " فأزلهما " لأن الله جل ثناؤه قد أخبر في الحرف الذي يتلوه . بأن إبليس أخرجهما مما كانا فيه . وذلك هو معنى قوله " فأزالهما " فلا وجه - إذ كان معنى الإزالة معنى التنحية والإخراج - أن يقال : " فأزالهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه " فيكون كقوله : " فأزالهما الشيطان عنها فأزالهما مما كانا فيه . ولكن المفهوم أن يقال : فاستزلهما إبليس عن طاعة الله ، كما قال جل ثناؤه : " فأزلهما الشيطان " وقرأت به القراء ، فأخرجهما باستزلاله إياهما من الجنة .
فإن قال لنا قائل : وكيف كان استزلال إبليس آدم وزوجته ، حتى أضيف إليه إخراجهما من الجنة ؟
قيل : قد قالت العلماء في ذلك أقوالا سنذكر بعضها
فحكي عن وهب بن منبه في ذلك ما :
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|