
26-03-2022, 09:17 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 167,035
الدولة :
|
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله

تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سورة البقرة
المجلد الثالث
صـ 506 الى صـ 510
الحلقة (100)
ثم قال: الأيام المعدودات: أيام التشريق.
وفي القاموس وشرحه: التشريق تقديد اللحم، ومنه سميت أيام التشريق وهي ثلاثة أيام بعد يوم النحر، لأن لحوم الأضاحي تشرق فيها، أي: تشرر في الشمس - حكاه يعقوب، وقيل: سميت بذلك لقولهم: أشرق ثبير كيما نغير ; أو لأن الهدي لا ينحر حتى تشرق الشمس - قاله ابن الأعرابي. قال أبو عبيد: وكان أبو حنيفة يذهب بالتشريق إلى التكبير، ولم يذهب إليه غيره.
فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه أي: فمن تعجل النفر الأول من هذه الأيام الثلاثة، فلم يمكث حتى يرمي في اليوم الثالث. واكتفى برمي الجمار في يومين من هذه الأيام الثلاثة، فلا يأثم بهذا لتعجيل. وإيضاحه: أنه يجب على الحاج المبيت بمنى الليلة الأولى والثانية من ليالي أيام التشريق. ليرمي كل يوم بعد الزوال إحدى وعشرين حصاة. يرمي عند كل جمرة سبع حصيات. ثم من رمى في اليوم الثاني وأراد أن ينفر ويدع البيتوتة الليلة الثالثة ورمى يومها، فذلك واسع له: ومن تأخر أي: حتى رمى في اليوم الثالث، وهو النفر الثاني: فلا إثم عليه في تأخره. واعلم: السنة هو التأخر فإنه صلى الله عليه وسلم لم يتعجل في يومين، بل تأخر حتى أكمل رمي أيام التشريق الثلاثة. ولا يقال هذا اللفظ - أعني: فلا إثم عليه إنما يقال في حق المقصر لا في حق من أتى بتمام العمل، لأنا نقول: أتى به لمشاكلة اللفظ الأول كقوله: وجزاء سيئة سيئة مثلها وقوله: فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ونحن نعلم أن جزاء السيئة والعدوان ليس بسيئة [ ص: 507 ] ولا عدوان. فإذا حمل على موافقة اللفظ ما لا يصح في المعنى ; فلأن يحمل على موافقة اللفظ ما يصح في المعنى أولى ; لأن المبرور المأجور يصح في المعنى نفي الإثم عنه - قاله الواحدي.
وقال الراغب: رفع الإثم عن المتعجل والمتأخر على وجه الإباحة - أي: كناية عنها - وقيل: رفع الإثم: أنه حط ذنوبهما بإقامتهما الحج - تعجل أو تأخر - بشرط أن يكون مقياسهما الاعتبار بالتقوى، وعلى ذلك دل حديث: « من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه » .
وقوله تعالى: لمن اتقى خبر لمبتدأ محذوف، أي: الذي ذكر - من التخيير ونفي الإثم عن المتعجل والمتأخر، أو من الأحكام - لمن اتقى، لأنه الحاج على الحقيقة والمنتفع به، على حد: ذلك خير للذين يريدون وجه الله وقوله: هدى للمتقين واتقوا الله في مجامع أموركم: واعلموا أنكم إليه تحشرون أي: للجزاء على أعمالكم، وهو تأكيد للأمر بالتقوى وبعث على التشدد فيه، لأن من تصور أنه لا بد من حشر ومحاسبة ومساءلة، وأن بعد الموت لا دار إلا الجنة أو النار ; صار ذلك من أقوى الدواعي له إلى التقوى. والحشر: اسم يقع على ابتداء خروجهم من الأجداث إلى انتهاء الموقف.
[ ص: 508 ] القول في تأويل قوله تعالى:
[204] ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام .
ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا أي: يعظم في نفسك حلاوة حديثه وفصاحته في أمر الحياة الدنيا التي هي مبلغ علمه: ويشهد الله على ما في قلبه أي: يحلف بالله على الإيمان بك والمحبة لك، وأن الذي في قلبه موافق للسانه لئلا يتفرس فيه الكفر والعداوة، أو معناه: يظهر لك الإسلام ويبارز الله بما في قلبه من الكفر والنفاق - على نحو ما وصف به أهل النفاق حيث قالوا: نشهد إنك لرسول الله وكقوله تعالى: يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله الآية: وهو ألد الخصام شديد الخصومة جدل بالباطل.
القول في تأويل قوله تعالى:
[205] وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد
وإذا تولى انصرف عمن خدعه بكلامه: سعى - مشى -: في الأرض ليفسد فيها بإدخال الشبه في قلوب المسلمين، وباستخراج الحيل في تقوية الكفر، وهذا [ ص: 509 ] المعنى يسمى فسادا، كقوله تعالى حكاية عن قوم فرعون: أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض أي: يردوا قومك عن دينهم ويفسدوا عليهم شرعتهم. وسمي هذا المعنى فسادا لأنه يوقع الاختلاف بين الناس، ويفرق كلمتهم، ويؤدي إلى أن يتبرأ بعضهم من بعض، فتنقطع الأرحام، وتنسفك الدماء. وهذا كثير في القرآن المجيد ويهلك الحرث أي: الزرع: والنسل أي: المواشي الناتجة.
قال بعض المحققين: وإن إهلاك الحرث والنسل كناية عن الإيذاء الشديد، وإن التعبير به عن ذلك صار من قبيل المثل ; فالمعنى: يؤذي مسترسلا في إفساده ولو أدى إلى إهلاك الحرث والنسل.
والله لا يحب الفساد أي: لا يرضى فعله.
قال الراغب: إن قيل: كيف حكم تعالى بأنه لا يحب الفساد وهو مفسد للأشياء؟ قيل: الإفساد في الحقيقة: إخراج الشيء عن حالة محمودة لا لغرض صحيح، وذلك غير موجود في فعل الله تعالى، ولا هو آمر به، ولا محب له، وما يرى من فعله، ويظهر بظاهره فسادا، فهو بالإضافة إلينا واعتبارنا له كذلك. فأما بالنظر الإلهي فكله صلاح، ولهذا قال بعض الحكماء: يا من إفساده إصلاح! أي: ما نظنه إفسادا ; لقصور نظرنا ومعرفتنا - فهو في الحقيقة إصلاح. وجملة الأمر: إن الإنسان هو زبدة هذا العالم وما سواه مخلوق لأجله، ولهذا قال تعالى: هو الذي خلق لكم ما في الأرض والمقصد من الإنسان سوقه إلى كماله [ ص: 510 ] الذي رسخ له. فإذن: إهلاك ما أمر بإهلاكه، لإصلاح الإنسان وما منه أسباب حياته الأبدية. ولشرح هذه الجملة موضع آخر....
القول في تأويل قوله تعالى:
[206] وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد .
وإذا قيل له على نهج العظة: اتق الله في النفاق، واحذر سوء عاقبته. أو في الإفساد والإهلاك وفي اللجاج بالباطل: أخذته العزة بالإثم أي: حملته الأنفة وحمية الجاهلية على الفعل بالإثم وهو التكبر ; أو المعنى: أخذته الحمية للإثم الذي في قلبه فمنعته عن قبول قول الناصح: فحسبه أي: كافيه: جهنم إذا صار إليها واستقر فيها جزاء وعذابا: ولبئس المهاد أي: الفراش الذي يستقر عليه بدل فرش عزته.
قال الراغب: المهد معروف، وتصور منه التوطئة، فقيل لكل وطيء مهد. والمهاد يجعل تارة جمعا للمهد، وتارة للآلة نحو فراش. وجعل جهنم مهادا لهم كما جعل العذاب مبشرا به في قوله: فبشرهم بعذاب أليم
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|