عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 26-03-2022, 08:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله


تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سورة البقرة
المجلد الثالث
صـ 501 الى صـ 505
الحلقة (99)

القول في تأويل قوله تعالى:

[200] فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق .

فإذا قضيتم مناسككم أي: فرغتم من أعمال الحج ونفرتم: فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا أي: فأكثروا ذكر الله، وابذلوا جهدكم في الثناء عليه، وشرح آلائه ونعمائه، كما تفعلون في ذكر آبائكم ومفاخرهم وأيامهم بعد قضاء مناسككم. وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان أهل الجاهلية يقفون في الموسم فيقول الرجل منهم: كان أبي يطعم ويحمل الحمالات ويحمل الديات..! ليس لهم ذكر غير فعال آبائهم، فأنزل الله هذه الآية. وفيها إشعار بتحويل القوم عما اعتادوه، وحث على إفراد ذكره جل شأنه.

ثم أرشد تعالى إلى دعائه - بعد كثرة ذكره - فإنه مظنة الإجابة، وذم من لا يسأله إلا في أمر دنياه وهو معرض على أخراه، فقال: فمن الناس أي: الذين نسوا قدر الآخرة وكانت الدنيا أكبر همهم: من يقول أي: في ذكره: ربنا آتنا أي: مرغوباتنا: في الدنيا لا نطلب غيرها: وما له في الآخرة من خلاق أي: نصيب وحظ لأنه استوفى نصيبه في الدنيا بتخصيص دعائه به. فالجملة إخبار منه تعالى ببيان حاله في الآخرة ; أو المعنى: ما له في الآخرة من طلب خلاق. فهو بيان لحاله في الدنيا، وتصريح بما علم ضمنا من قوله: آتنا في الدنيا أو تأكيد لكون همه مقصورا على الدنيا. وقوله: في الآخرة حينئذ متعلق بـ: خلاق حال منه، وتضمن هذا الذم والتنفير عن التشبه بمن هو كذلك.

قال سعيد بن جبير عن ابن عباس: كان قوم من الأعراب يجيئون إلى الموقف فيقولون: اللهم! اجعله عام غيث وعام خصب وعام ولاد حسن..! لا يذكرون من أمر الآخرة شيئا. فنزل فيهم ذلك.

[ ص: 502 ] وهؤلاء الذين حكى الله عنهم - أنهم يقتصرون في الدعاء على طلب الدنيا - قال قوم: هم مشركو العرب. وكونهم لا خلاق لهم في الآخرة ظاهر ; إذ لا نصيب لهم فيها من كرامة ونعيم وثواب. وقال قوم: هؤلاء قد يكونون مؤمنين ولكنهم يسألون الله لدنياهم لا لأخراهم، ويكون سؤالهم هذا من جملة الذنوب، حيث سألوا الله تعالى - في أعظم المواقف وأشرف المشاهد - حطام الدنيا وعرضها الفاني، معرضين عن سؤال النعيم الدائم في الآخرة..! ومعنى كونهم لا خلاق لهم في الآخرة، أي: إلا أن يتوبوا، أو إلا أن يعفو الله عنه، أو لا خلاق له في الآخرة، كخلاق من سأل المولى لآخرته، والله أعلم. كذا يستفاد من
الرازي.

القول في تأويل قوله تعالى:

[201] ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .

ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار جمعت هذه الدعوة كل خير في الدنيا والآخرة، وصرفت كل شر، فإن الحسنة في الدنيا تشمل كل مطلوب دنيوي - من عافية، ودار رحبة، وزوجة حسنة، ورزق واسع، وعلم نافع، وعمل صالح، ومركب هين، وثناء جميل... إلى غير ذلك مما اشتملت عليه عبارات المفسرين - ولا منافاة بينها - فإنها كلها مندرجة في الحسنة في الدنيا. وأما الحسنة في الآخرة: فأعلى ذلك رضوان الله تعالى ودخول الجنة، وتوابعه من الأمن من الفزع الأكبر في العرصات، وتيسير الحساب... وغير ذلك من أمور الآخرة الصالحة. وأما النجاة من النار: فهو يقتضي تيسير أسبابه في الدنيا من اجتناب المحارم والآثام، وترك الشبهات والحرام.

وقد ورد في السنة الترغيب في هذا الدعاء، فقد كان يقول صلى الله عليه وسلم كما رواه البخاري عن أنس.

[ ص: 503 ] وروى الإمام أحمد: يسأل قتادة أنسا: أي دعوة كان يدعو بها النبي صلى الله عليه وسلم أكثر؟ قال: كان أكثر دعوة يدعو بها يقول: « اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار » وكان أنس إذا أراد أن يدعو بدعوة دعا بها، وإذا أراد أن يدعو بدعاء دعا بها فيه! ورواه مسلم وهذا لفظه.

وروى الإمام الشافعي عن عبد الله بن السائب: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيما بين ركن بني جمح والركن الأسود: «: ربنا آتنا في الدنيا حسنة » الآية.

القول في تأويل قوله تعالى:

[202] أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب .

أولئك إشارة إلى الفريق الثاني باعتبار اتصافهم بما ذكر من النعوت الجميلة، وما فيه من معنى البعد ; لما مر مرارا من الإشارة إلى علو درجتهم، وبعد منزلتهم في الفضل: لهم نصيب مما كسبوا أي: من جنس ما كسبوا من الأعمال الحسنة وهو الثواب الذي هو المنافع الحسنة. أو من أجل ما كسبوا كقوله: مما خطيئاتهم أغرقوا أو لهم نصيب مما دعوا به نعطيهم منه في الدنيا والآخرة. وسمي الدعاء كسبا ; لأنه من الأعمال وهي موصوفة بالكسب: والله سريع الحساب إما بمعنى سريع في الحساب كسريع في السير، فالجملة تذييل لقوله: أولئك إلخ يعني: أنه يجازيهم على قدر أعمالهم وكسبهم ولا يشغله شأن عن شأن لأنه سريع في المحاسبة ; أو بمعنى: سريع حسابه كحسن الوجه. فالجملة [ ص: 504 ] تذييل لقوله: فاذكروا الله كذكركم آباءكم إلخ يعني: يوشك أن يقيم القيامة ويحاسب العباد. فبادروا إكثار الذكر وطلب الآخرة باكتساب الطاعات والحسنات.

وقال الراغب: لما كان الحساب يكشف عن جمل الشيء وتفصيله، نبه بذلك على إحاطته بأفعال عباده ووقوفه على حقائقها. وذكر السريع تنبيها أن ذلك منه لا في زمان ولا بفكرة، وذلك أبلغ ما يمكن أن يتصور به الكافة سرعة فعل الله.

تنبيه:

قال الرازي: اعلم أن الله تعالى بين أولا تفصيل مناسك الحج، ثم أمر بعدها بالذكر فقال: فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام إلخ، ثم بين أن الأولى أن يترك ذكر غيره وأن يقتصر على ذكره فقال: فاذكروا الله كذكركم آباءكم إلخ، ثم بين بعد ذلك الذكر كيفية الدعاء فقال: فمن الناس من يقول إلخ، وما أحسن هذا الترتيب! فإنه لا بد من تقديم العبادة لكسر النفس وإزالة ظلماتها، ثم بعد العبادة لا بد من الاشتغال بذكر الله تعالى لتنوير القلب وتجلي نور جلاله، ثم بعد ذلك الذكر، يشتغل الرجل بالدعاء، فإن الدعاء إنما يكمل إذا كان مسبوقا بالذكر....
القول في تأويل قوله تعالى:

[203] واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون .

واذكروا الله في أيام معدودات هي أيام التشريق، قاله ابن عباس رضي الله عنه. وروى الإمام مسلم عن نبيشة الهذلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أيام التشريق [ ص: 505 ] أيام أكل وشرب وذكر الله » . وقال عكرمة: معنى هذه الآية: التكبير في أيام التشريق بعد الصلوات المكتوبات: الله أكبر! الله أكبر!.

وروى البخاري عن ابن عمر: أنه كان يكبر بمنى تلك الأيام، وخلف الصلوات، وعلى فراشه، وفي فسطاطه، وفي مجلسه، وفي ممشاه في تلك الأيام جميعا. وفي رواية: أنه كان يكبر في قبته، فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى. أخرجه البخاري تعليقا.

ومن الذكر في هذه الأيام: التكبير مع كل حصاة من حصى الجمار كل يوم من أيام التشريق، فقد ورد في الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر مع كل حصاة.

وقد جاء في الحديث الذي رواه أبو داود وغيره: « إنما جعل الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله عز وجل » .

وروى مالك في موطئه عن يحيى بن سعيد أنه بلغه أن عمر بن الخطاب خرج الغد من يوم النحر حين ارتفاع النهار شيئا، فكبر، فكبر الناس بتكبيره. ثم خرج الثانية من يومه ذلك بعد ارتفاع النهار فكبر، فكبر الناس بتكبيره. ثم خرج الثالثة حين زاغت الشمس فكبر، فكبر الناس بتكبيره حتى يتصل التكبير ويبلغ البيت فيعلم أن عمر قد خرج يرمي.

ثم قال مالك: والتكبير في أيام التشريق على الرجال والنساء - من كان في جماعة أو وحده بمنى أو بالآفاق كلها واجب.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 25.90 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.27 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.42%)]