عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 26-03-2022, 08:15 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,716
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله


تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سورة البقرة
المجلد الثالث
صـ 496 الى صـ 500
الحلقة (98)


القول في تأويل قوله تعالى:

[198] ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين .

ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم قال الراغب: كانت العرب تتحاشى من التجارة في الحج، حتى إنهم كانوا يتجنبون المبايعة إذا دخل العشر، وحتى سموا من تولى متجرا في الحج: الداج دون الحاج ; فأباح الله ذلك، وعلى إباحة ذلك، دل [ ص: 496 ] قوله: وأذن في الناس بالحج - إلى قوله -: ليشهدوا منافع لهم وقوله: وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله

وقد روى البخاري عن ابن عباس قال: كان ذو المجاز وعكاظ متجر الناس في الجاهلية، فلما جاء الإسلام كأنهم كرهوا ذلك حتى نزلت: ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج.

ففي الآية الترخيص لمن حج في التجارة ونحوها من الأعمال التي يحصل بها شيء من الرزق - وهو المراد بالفضل هنا - ومنه قوله تعالى: فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله أي: لا إثم عليكم في أن تبتغوا في مواسم الحج رزقا ونفعا وهو الربح في التجارة مع سفركم لتأدية ما افترضه عليكم من الحج..!: فإذا أفضتم من عرفات - أي: دفعتم منها -: فاذكروا الله عند المشعر الحرام أي: بالتلبية، والتهليل، والتكبير، والثناء والدعوات و " المشعر الحرام ": موضع بالمزدلفة. ميمه مفتوحة وقد تكسر، وقد وهم من ظنه جبيلا بها. سمي به لأنه معلم للعبادة وموضع لها - كذا في القاموس وشرحه.

ونقل الفخر عن الواحدي في " البسيط ": إن المشعر الحرام هو المزدلفة. سماها الله تعالى بذلك، لأن الصلاة والمقام والمبيت به، والدعاء عنده. واستقر به الفخر قال: لأن الفاء في قوله: فاذكروا الله إلخ تدل على أن الذكر عند المشعر الحرام يحصل عقيب الإفاضة من عرفات، وما ذاك إلا بالبيتوتة بالمزدلفة. انتهى.

[ ص: 497 ] قال البيضاوي: ويؤيد الأول ما روى جابر: أنه صلى الله عليه وسلم لما صلى الفجر - يعني بالمزدلفة بغلس - ركب ناقته حتى أتى المشعر الحرام. أي: فإنه يدل على تغاير المزدلفة، والمشعر الحرام لمكان مسيره صلى الله عليه وسلم منها إلى المشعر الحرام! وإنما قال: يؤيد لأنه يجوز أن يؤول المشعر الحرام في الحديث بالجبل، إما بحذف المضاف، أو بتسمية الجزء باسم الكل - أفاده السيلكوتي.

قال ابن القيم في " زاد المعاد " في سياق حجته صلى الله عليه وسلم: فلما غربت الشمس واستحكم غروبها أفاض من عرفة بالسكينة من طريق المأزمين، ثم جعل يسير العنق - وهو ضرب من السير ليس بالسريع ولا البطيء - فإذا وجد فجوة - وهو المتسع - نص سيره - أي: رفعه فوق ذلك - وكان يلبي في مسيره ذلك لا يقطع التلبية، حتى أتى المزدلفة فتوضأ، ثم أمر المؤذن بالأذان فأذن، ثم أقام فصلى المغرب قبل حط الرحال وتبريك الجمال ; فلما حطوا رحالهم أمر فأقيمت الصلاة، ثم صلى العشاء الآخرة بإقامة بلا أذان، ولم يصل بينهما شيئا، فلما طلع الفجر صلاها في أول الوقت، ثم ركب حتى أتى موقفه عند المشعر الحرام، فاستقبل القبلة وأخذ في الدعاء والتضرع والتكبير والتهليل والذكر حتى أسفر جدا، وذلك قبل طلوع الشمس. انتهى المقصود منه.

قال بعض الأئمة: ما أحق الذكر عند المشعر الحرام بأن يكون واجبا أو نسكا لأنه مع كونه مفعولا له صلى الله عليه وسلم، ومندرجا تحت قوله: « خذوا عني مناسككم » فيه أيضا النص القرآني بصيغة الأمر فاذكروا الله عند المشعر الحرام

واذكروه كما هداكم بدلائل الكتاب، أي: اذكروه ذكرا حسنا كما هداكم هداية حسنة! فمفاد التشبيه: التسوية في الحسن والكمال، كما تقول: اخدمه كما أكرمك، [ ص: 498 ] يعني: لا تتقاصر خدمتك عن إكرامه. وفيه تنبيه لهم على ما أنعم الله به عليهم من الهداية والبيان والإرشاد إلى مشاعر الحج!: وإن كنتم من قبله أي: من قبل الهدي: لمن الضالين الجاهلين بالإيمان والطاعة. و " إن " هي المخففة، و " اللام " هي الفارقة.

القول في تأويل قوله تعالى:

[199] ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم .

ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس أي: من عرفة لا من المزدلفة. وفي الخطاب وجهان:

أحدهما: أنه لقريش وذلك لما كانوا عليه من الترفع على الناس والتعالي عليهم، وتعظمهم عن أن يساووهم في الموقف، وقولهم: نحن أهل الله، وقطان حرمه، فلا نخرج منه. فيقفون بجمع، وسائر الناس بعرفات.

وقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنه قالت: كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة، وكانوا يسمون الحمس، وكان سائر العرب يقفون بعرفات ; فلما جاء الإسلام أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأتي عرفات، ثم يقف بها، ثم يفيض منها فذلك قوله تعالى: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس

وثانيهما: أنه أمر لجميع الناس أن يفيضوا من حيث أفاض الناس يعني: إبراهيم عليه السلام.

قال الراغب: وسماه الناس لأن " الناس " يستعمل على ضربين: أحدهما: للنوع من غير [ ص: 499 ] اعتبار مدح وذم، والثاني: المدح اعتبارا بوجود تمام الصورة المختصة بالإنسانية، وليس ذلك في هذه اللفظة، بل في اسم كل جنس ونوع - نحو: هذه فرس، وفلان رجل، وليس هذا بفرس ولا فلان برجل - أي: ليس فيه معناه المختص بنوعه، وبهذا النظر نفي السمع والبصر عن الكفار! فعلى هذا سمي إبراهيم " الناس " على سبيل المدح - وهو أن الواحد يسمى باسم الجماعة تنبيها على أنه يقوم مقامهم في الحكم - وعلى هذا قول الشاعر:


وليس على الله بمستنكر أن يجمع العالم في واحد


وعلى هذا قال: إن إبراهيم كان أمة اهـ.

فإن قيل: ما معنى كلمة ثم فإنها تستلزم تراخي الشيء عن نفسه، سواء عطف على مجموع الشرط والجزاء أو الجزاء فقط..؟

فالجواب: إن كلمة ثم ليست للتراخي، بل مستعارة للتفاوت بين الإفاضتين - أي: الإفاضة من عرفات والإفاضة من مزدلفة- والبعد بينهما بأن أحدهما صواب والآخر خطأ.

قال التفتازاني: لما كان المقصود من قوله تعالى: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس المعنى التعريضي، كان معناه: ثم لا تفيضوا من مزدلفة، والمقصود من إيراد كلمة ثم التفاوت بين الإفاضتين في الرتبة بأن أحدهما صواب والأخرى خطأ.

وأجاب بعضهم بأن ثم بمعنى الواو.

واستغفروا الله عما سلف من المعاصي: إن الله غفور رحيم

قال ابن كثير عليه الرحمة: كثيرا ما يأمر الله بذكره بعد قضاء العبادات. ولهذا ثبت في " صحيح مسلم " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من الصلاة يستغفر الله ثلاثا [ ص: 500 ] وثلاثين، وفي الصحيحين: أنه ندب إلى التسبيح والتحميد والتكبير ثلاثا وثلاثين. وقد روى ابن جرير ههنا حديث عباس بن مرداس السلمي في استغفاره صلى الله عليه وسلم لأمته عشية عرفة.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 25.32 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.69 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.48%)]