عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 26-03-2022, 09:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,772
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله


تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سورة البقرة
المجلد الثالث
صـ 471 الى صـ 475
الحلقة (93)

تنبيه:

الجواب على الرواية الثانية في سبب نزول الآية من الأسلوب الحكيم. وهو تلقي السائل بغير ما يتطلب - بتنزيل سؤاله منزلة غيره ; تنبيها للسائل على أن ذلك الغير هو الأولى بحاله أو المهم له. فلما سألوا عن السبب الفاعلي للتشكلات النورية في الهلال، أجيبوا بما ترى من السبب الغائي ; تنبيها على أن السؤال عن الغاية والفائدة هو أليق بحالهم ; لأن درك الأسباب الفاعلية لتلك التشكلات مبني على أمور من علم الهيئة لا عناية للشرع بها. فلو [ ص: 471 ] أجيبوا: بأن اختلاف تشكلات الهلال، بقدر محاذاته للشمس، فإذا حاذاها طرف منه استنار ذلك الطرف. ثم تزداد المحاذاة والاستنارة، حتى إذا تمت بالمقابلة امتلأ. ثم تنقص المحاذاة والاستنارة حتى إذا حصل الاجتماع أظلم بالكلية ; لكان هذا الجواب اشتغالا بعلم الهيئة الذي لا ينتفع به في الدين، ولا يتعلق به صلاح معاشهم ومعادهم. والنبي صلى الله عليه وسلم إنما بعث لبيان ذلك وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « من اقتبس علما من النجوم اقتبس بابا من السحر، زاد ما زاد » . أخرجه الإمام أحمد. وأبو داود، وابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما. وقال علي رضي الله عنه: من طلب علم النجوم تكهن. وهو من العلم الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: « علم لا ينفع، وجهل لا يضر » . والمقصود أن الجواب، على الرواية الثانية من الأسلوب الحكيم ; إشعارا بأن الأولى السؤال عن الحكمة فيه.

قال السكاكي في " المفتاح ": ولهذا النوع - أعني إخراج الكلام لا على مقتضى الظاهر - أساليب متفننة، إذ ما من مقتضى كلام ظاهري إلا ولهذا النوع مدخل فيه بجهة من جهات البلاغة. ترشد إليه تارة بالتصريح، وتارة بالفحوى. ولكل من تلك الأساليب عرق في البلاغة يتشرب من أفانين سحرها، ولا كأسلوب الحكيم فيها، وهو تلقي المخاطب بغير ما يترقب كما قال:

[ ص: 472 ]
أتت تشتكي عندي مزاولة القرى وقد رأت الضيفان ينحون منزلي

فقلت كأني ما سمعت كلامها:
هم الضيف جدي في قراهم وعجلي


أو السائل بغير ما يتطلب كما قال تعالى: يسألونك عن الأهلة الآية، قالوا في السؤال: ما بال الهلال يبدو دقيقا...! إلخ؟ فأجيبوا بما ترى. وكما قال: يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل سألوا عن بيان ما ينفقون، فأجيبوا ببيان المصرف. ينزل سؤال السائل منزلة سؤال غير سؤاله، لتوخي التنبيه له بألطف وجه على تعديه عن موضع سؤال هو أليق بحاله أن يسأل عنه، أو أهم له إذا تأمل، وأن هذا الأسلوب الحكيم لربما صادف المقام فحرك من نشاط السامع ما سلبه حكم الوقور، وأبرزه في معرض المسحور ; وهل ألان شكيمة الحجاج لذلك الخارجي، وسل سخيمته، حتى آثر أن يحسن، على أن يسيء ; غير أن سحره بهذا الأسلوب؟ إذ توعده الحجاج بالقيد في قوله: " لأحملنك على الأدهم! " فقال متغابيا: مثل الأمير يحمل على الأدهم والأشهب! مبرزا وعيده في معرض الوعد، متوصلا أن يريه بألطف وجه: أن امرأ مثله - في مسند الإمرة المطاعة - خليق بأن يصفد لا أن يصفد، وأن يعد لا أن يوعد.

وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون

قال الراغب في " تفسيره ": الباب معروف. وعنه استعير لمدخل الأمور المتوصل به إليها. وقيل في العلم: باب كذا. وقد سئل عليه السلام عن زيادة القمر ونقصانه، فأنزل الله هذه الآية تنبيها على أظهر فائدته للحس، وأبينها له. ثم قال: وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها [ ص: 473 ] أي: بأن تطلبوا الأمر من غير وجهه. وذلك أنه يقال: أتى فلان البيت من بابه - إذا طلب الشيء من وجهه. وقال الشاعر:


أتيت المروءة من بابها


وأتى البيت من ظهره: إذا طلب الأمر من غير وجهه. وجعل ذلك مثلا لسؤالهم النبي صلى الله عليه وسلم عما هو ليس من العلم المختص بالنبوة. وإن ذلك عدول عن المنهج، وذلك أن العلوم ضربان:

دنيوي: يتعلق بأمر المعاش - كمعرفة الصنائع. ومعرفة حركات النجوم ومعرفة المعادن، والنبات، وطبائع الحيوانات، وقد جعل لنا سبيلا إلى معرفته على غير لسان نبيه عليه السلام.

وشريعة: وهو البر: ولا سبيل إلى أخذه إلا من جهته وهو أحكام التقوى...

فلما جاءوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم، عما أمكنهم معرفته من غير جهته، أجابهم، ثم بين لهم أنه ليس البر ترك المنهج في السؤال من النبي ما ليس مختصا بعلم نبوته. ولكن البر هو مجرد التقوى. وذلك يكون بالعلم والعمل المختص بالدين.

وقال أبو مسلم الأصفهاني: المراد من هذه الآية، ما كانوا يعملونه من النسيء. فإنهم كانوا يخرجون الحج عن وقته الذي عينه الله له. فيحرمون الحلال ويحللون الحرام. فذكر إتيان البيوت من ظهورها مثل لمخالفة الواجب في الحج وشهوره.

وأما ما رواه البخاري وغيره عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء رضي الله عنه يقول: نزلت هذه الآية فينا. كانت الأنصار إذا حجوا فجاؤوا لم يدخلوا من قبل أبواب بيوتهم ولكن من ظهورها. فجاء رجل من الأنصار فدخل من قبل بابه، فكأنه عير بذلك، فنزلت: وليس البر الآية، فالمراد من نزولها في ذلك، صدقها عليه حسبما رآه لا أن ذلك كان سبب نزولها. كما بينا مرارا معنى قولهم: نزلت الآية في كذا.

[ ص: 474 ] وقد أشار لهذا الراغب - بعد حكايته هذه الرواية، وما قاله أبو مسلم - بقوله: وكل ذلك لا يدفع أن تتناوله الآية، لكن الأليق أن تؤول الآية بما تقدم ذكره من أن معنى: وأتوا البيوت من أبوابها أي: تحروا في كل عمل إتيان الشيء من وجهه، تنبيها على أن ما يطلب من غير وجهه صعب تناوله. ثم قال: واتقوا الله حثا لنا أن نجعل تقوى الله شعارنا في كل ما نتحراه. وبين أن ذلك ذريعة إلى تحصيل الفلاح.
القول في تأويل قوله تعالى:

[190] وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين .

وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم المقاتلة في سبيل الله هو الجهاد لإعلاء كلمة الله وإعزاز الدين. وفي قوله: الذين يقاتلونكم تهييج وإغراء بالأعداء الذين همتهم قتال الإسلام وأهله. أي: كما يقاتلونكم فاقتلوهم أنتم. كما قال: وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة ولا تعتدوا أي: بابتداء القتال. أو بقتال من نهيتم عن قتاله، من النساء، والشيوخ، والصبيان، وأصحاب الصوامع، والذين بينكم وبينهم عهد. أو بالمثلة، أو بالمفاجأة من غير دعوة إن الله لا يحب المعتدين أي: المتجاوزين حكمه في هذا وغيره.
[ ص: 475 ] القول في تأويل قوله تعالى:

[191] واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين .

واقتلوهم أي: الذين يقاتلونكم: حيث ثقفتموهم أي: وجدتموهم: وأخرجوهم من حيث أخرجوكم أي: من مكة. فإن قريشا أخرجوا المسلمين منها. والمسلمون أخرجوا المشركين يوم الفتح والفتنة أشد من القتل أي: المحنة والبلاء الذي ينزل بالإنسان يتعذب به أشد عليه من القتل. أي: إن فتنتهم إياكم في الحرم عن دينكم - بالتعذيب، والإخراج من الوطن، والمصادرة في المال - أشد قبحا من القتل فيه. إذ لا بلاء على الإنسان أشد من إيذائه على اعتقاده الذي تمكن من عقله ونفسه. ورآه سعادة له في عاقبة أمره. فالجملة دفع لما قد يقع من استعظام قتلهم في مثل الحرم، وإعلام بأن القصاص منهم بالقتل دون جرمهم بفتنة المؤمنين، لأن الفتنة أشد من القتل: ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه لأن حرمته لذاته. وحرمة سائر الحرم من أجله. وهذا بمثابة الاستثناء من قوله تعالى: واقتلوهم حيث ثقفتموهم فإن قاتلوكم أي: فيه فلا تفتقرون إلى الفرار عن الحرم: فاقتلوهم فيه، إذ لا حرمة لهم لهتكهم حرمة المسجد الحرام: كذلك جزاء الكافرين لا يترك لهم حرمة كما لم يتركوا حرمة الله في آياته.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 25.41 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.78 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.47%)]