عرض مشاركة واحدة
  #98  
قديم 24-03-2022, 09:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,500
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الثالث
الحلقة (98)

من صــ 457 الى صـ
ـ 464


والتحقيق: أنها نعمة من وجه وإن لم تكن نعمة تامة من وجه وأما الإنعام بالدين الذي ينبغي طلبه فهو ما أمر الله به من واجب ومستحب فهو الخير الذي ينبغي طلبه باتفاق المسلمين وهو النعمة الحقيقية عند أهل السنة إذ عندهم أن الله هو الذي أنعم بفعل الخير. والقدرية عندهم إنما أنعم بالقدرة عليه الصالحة للضدين فقط.

والمقصود هنا: أن الله لم يأمر مخلوقا أن يسأل مخلوقا إلا ما كان مصلحة لذلك المخلوق إما واجب أو مستحب. فإنه سبحانه لا يطلب من العبد إلا ذلك فكيف يأمر غيره أن يطلب منه غير ذلك؟ بل قد حرم على العبد أن يسأل العبد ماله إلا عند الضرورة. وإن كان قصده مصلحة المأمور أو مصلحته ومصلحة المأمور فهذا يثاب على ذلك وإن كان قصده حصول مطلوبه من غير قصد منه لانتفاع المأمور فهذا من نفسه أتى ومثل هذا السؤال لا يأمر الله به قط بل قد نهى عنه إذ هذا سؤال محض للمخلوق من غير قصده لنفعه ولا لمصلحته والله يأمرنا أن نعبده ونرغب إليه، ويأمرنا أن نحسن إلى عباده وهذا لم يقصد لا هذا ولا هذا فلم يقصد الرغبة إلى الله ودعائه وهو الصلاة.
ولا قصد الإحسان إلى المخلوق الذي هو الزكاة وإن كان العبد قد لا يأثم بمثل هذا السؤال؛ لكن فرق ما بين ما يؤمر به العبد وما يؤذن له فيه ألا ترى أنه قال في حديث السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب: أنهم لا يسترقون. وإن كان الاسترقاء جائزا. وهذا قد بسطناه في غير هذا الموضع.
والمقصود هنا: أن من أثبت وسائط بين الله وبين خلقه كالوسائط التي تكون بين الملوك والرعية فهو مشرك؛ بل هذا دين المشركين عباد الأوثان كانوا يقولون: إنها تماثيل الأنبياء والصالحين وإنها وسائل يتقربون بها إلى الله؛ وهو من الشرك الذي أنكره الله على النصارى حيث قال: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} وقال تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون} أي فليستجيبوا لي إذا دعوتهم بالأمر والنهي وليؤمنوا بي أن أجيب دعاءهم لي بالمسألة والتضرع. وقال تعالى: {فإذا فرغت فانصب}. {وإلى ربك فارغب} وقال تعالى: {وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه} وقال تعالى: {أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض}. وقال تعالى: {يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن}. وقد بين الله هذا التوحيد في كتابه وحسم مواد الإشراك به حتى لا يخاف أحد غير الله ولا يرجو سواه ولا يتوكل إلا عليه.

وقال تعالى: {فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا} {إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه} أي يخوفكم أولياءه {فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين} وقال تعالى: {ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية} وقال تعالى: {إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله} وقال تعالى: {ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون}.

فبين أن الطاعة لله ورسوله وأما الخشية فلله وحده. وقال تعالى: {ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله} ونظيره قوله تعالى {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل}. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحقق هذا التوحيد لأمته ويحسم عنهم مواد الشرك؛ إذ هذا تحقيق قولنا لا إله إلا الله فإن الإله هو الذي تألهه القلوب؛ لكمال المحبة والتعظيم والإجلال والإكرام والرجاء والخوف حتى قال لهم: {لا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد؛ ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء محمد} {وقال له رجل: ما شاء الله وشئت.
فقال: أجعلتني لله ندا؟ بل ما شاء الله وحده} وقال: {من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت} وقال: {من حلف بغير الله فقد أشرك} وقال لابن عباس: {إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله جف القلم بما أنت لاق؛ فلو جهدت الخليقة على أن تنفعك لم تنفعك إلا بشيء كتبه الله لك ولو جهدت أن تضرك لم تضرك إلا بشيء كتبه الله عليك} وقال أيضا: {لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم وإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله} وقال: {اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد} وقال: {لا تتخذوا قبري عيدا وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث ما كنتم} وقال في مرضه: {لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور
أنبيائهم مساجد} يحذر ما صنعوا قالت عائشة: ولولا ذلك لأبرز قبره؛ ولكن كره أن يتخذ مسجدا. وهذا باب واسع.
ومع علم المؤمن أن الله رب كل شيء ومليكه: فإنه لا ينكر ما خلقه الله من الأسباب كما جعل المطر سببا لإنبات النبات. قال الله تعالى: {وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة} وكما جعل الشمس والقمر سببا لما يخلقه بهما وكما جعل الشفاعة والدعاء سببا لما يقضيه بذلك مثل صلاة المسلمين على جنازة الميت؛ فإن ذلك من الأسباب التي يرحمه الله بها ويثيب عليها المصلين عليه؛ لكن ينبغي أن يعرف في الأسباب ثلاثة أمور:
أحدها: أن السبب المعين لا يستقل بالمطلوب بل لا بد معه من أسباب أخر ومع هذا فلها موانع. فإن لم يكمل الله الأسباب ويدفع الموانع: لم يحصل المقصود وهو - سبحانه - ما شاء كان - وإن لم يشأ الناس - وما شاء الناس لا يكون إلا أن يشاء الله. الثاني: أن لا يجوز أن يعتقد أن الشيء سبب إلا بعلم فمن أثبت شيئا سببا بلا علم أو يخالف الشرع: كان مبطلا مثل من يظن أن النذر سبب في دفع البلاء وحصول النعماء. وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم {: أنه نهى عن النذر وقال: إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل}.
الثالث: أن الأعمال الدينية لا يجوز أن يتخذ منها شيء سببا إلا أن تكون مشروعة؛ فإن العبادات مبناها على التوقيف؛ فلا يجوز للإنسان أن يشرك بالله فيدعو غيره - وإن ظن أن ذلك سبب في حصول بعض أغراضه -
وكذلك لا يعبد الله بالبدع المخالفة للشريعة - وإن ظن ذلك - فإن الشياطين قد تعين الإنسان على بعض مقاصده إذا أشرك وقد يحصل بالكفر والفسوق والعصيان بعض أغراض الإنسان فلا يحل له ذلك إذ المفسدة الحاصلة بذلك أعظم من المصلحة الحاصلة به إذ الرسول صلى الله عليه وسلم بعث بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها فما أمر الله به: فمصلحته راجحة وما نهى عنه: فمفسدته راجحة وهذه الجمل: لها بسط لا تحتمله هذه الورقة. والله أعلم.

وسئل أحمد ابن تيمية - رحمه الله تعالى -:
عمن يزور القبور ويستنجد بالمقبور في مرض به أو بفرسه أو بعيره: يطلب إزالة المرض الذي بهم ويقول: يا سيدي أنا في جيرتك أنا في حسبك فلان ظلمني فلان قصد أذيتي ويقول: إن المقبور يكون واسطة بينه وبين الله تعالى وفيمن ينذر للمساجد والزوايا والمشايخ - حيهم وميتهم - الدراهم والإبل والغنم والشمع والزيت وغير ذلك يقول: إن سلم ولدي فللشيخ علي كذا وكذا وأمثال ذلك.

وفيمن يستغيث بشيخه يطلب تثبيت قلبه من ذاك الواقع؟ وفيمن يجيء إلى شيخه ويستلم القبر ويمرغ وجهه عليه ويمسح القبر بيديه ويمسح بهما وجهه وأمثال ذلك؟ وفيمن يقصده بحاجته ويقول: يا فلان ببركتك أو يقول: قضيت حاجتي ببركة الله وبركة الشيخ؟ وفيمن يعمل السماع ويجيء إلى القبر فيكشف ويحط وجهه بين يدي شيخه على الأرض ساجدا.

وفيمن قال: إن ثم قطبا غوثا جامعا في الوجود؟ أفتونا مأجورين وابسطوا القول في ذلك.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.09 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.46 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.90%)]