عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 24-03-2022, 09:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,436
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام



فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الثالث
الحلقة (97)

من صــ 449 الى صـ
ـ 456

وشفاعة العباد بعضهم عند بعض: كلها من هذا الجنس. فلا يقبل أحد شفاعة أحد إلا لرغبة أو رهبة. والله تعالى: لا يرجو أحدا ولا يخافه ولا يحتاج إلى أحد بل هو الغني قال تعالى: {ألا إن لله من في السماوات ومن في الأرض وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون} إلى قوله: {قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني له ما في السماوات وما في الأرض}.

والمشركون: يتخذون شفعاء من جنس ما يعهدونه من الشفاعة. قال تعالى: {ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون} وقال تعالى: {فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة بل ضلوا عنهم وذلك إفكهم وما كانوا يفترون}.

وأخبر عن المشركين أنهم قالوا ": {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} وقال تعالى: {ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون} وقال تعالى: {قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا} {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة
أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا}.
فأخبر أن ما يدعي من دونه لا يملك كشف ضر ولا تحويله وأنهم يرجون رحمته ويخافون عذابه ويتقربون إليه. فهو - سبحانه - قد نفى ما من الملائكة والأنبياء؛ إلا من الشفاعة بإذنه والشفاعة هي الدعاء.

ولا ريب أن دعاء الخلق بعضهم لبعض نافع والله قد أمر بذلك لكن الداعي الشافع: ليس له أن يدعو ويشفع إلا بإذن الله له في ذلك فلا يشفع شفاعة نهي عنها؛ كالشفاعة للمشركين والدعاء لهم بالمغفرة. قال تعالى: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم} {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه}. وقال تعالى في حق المنافقين: {سواء عليهم أأستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم}.

وقد ثبت في الصحيح: أن الله نهى نبيه عن الاستغفار للمشركين والمنافقين وأخبر أنه لا يغفر لهم. كما في قوله: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} وقوله: {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون} وقد قال تعالى: {ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين} - في الدعاء - ومن الاعتداء في الدعاء: أن يسأل العبد ما لم يكن الرب ليفعله. مثل: أن يسأله منازل الأنبياء وليس منهم أو المغفرة للمشركين ونحو ذلك. أو يسأله ما فيه معصية الله كإعانته على الكفر والفسوق والعصيان.
فالشفيع الذي أذن الله له في الشفاعة: شفاعته في الدعاء الذي ليس فيه عدوان. ولو سأل أحدهم دعاء لا يصلح له لا يقر عليه؛ فإنهم معصومون أن يقروا على ذلك. كما قال نوح: {إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين} قال تعالى: {يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألني ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين} {قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين}. وكل داع شافع دعا الله - سبحانه وتعالى - وشفع: فلا يكون دعاؤه وشفاعته إلا بقضاء الله وقدره ومشيئته وهو الذي يجيب الدعاء ويقبل الشفاعة فهو الذي خلق السبب والمسبب، والدعاء من جملة الأسباب التي قدرها الله - سبحانه وتعالى -.
وإذا كان كذلك: فالالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد ومحو الأسباب أن تكون أسبابا نقص في العقل والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع؛ بل العبد يجب أن يكون توكله ودعاؤه وسؤاله ورغبته إلى الله - سبحانه وتعالى - والله يقدر له من الأسباب - من دعاء الخلق وغيرهم - ما شاء. والدعاء مشروع أن يدعو الأعلى للأدنى والأدنى للأعلى: فطلب الشفاعة والدعاء من الأنبياء كما كان المسلمون يستشفعون بالنبي صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء ويطلبون منه الدعاء؛ بل وكذلك بعده استسقى عمر والمسلمون بالعباس عمه والناس يطلبون الشفاعة يوم القيامة من الأنبياء

ومحمد صلى الله عليه وسلم وهو سيد الشفعاء وله شفاعات يختص بها - ومع هذا - فقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي؛ فإنه من صلى علي مرة صلى الله عليه عشرا ثم سلوا الله لي الوسيلة؛ فإنها درجة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون ذلك العبد فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه شفاعتي يوم القيامة} وقد {قال لعمر لما أراد أن يعتمر وودعه: يا أخي لا تنسني من دعائك}.

فالنبي صلى الله عليه وسلم قد طلب من أمته أن يدعوا له؛ ولكن ليس ذلك من باب سؤالهم، بل أمره بذلك لهم كأمره لهم بسائر الطاعات التي يثابون عليها مع أنه صلى الله عليه وسلم له مثل أجورهم في كل ما يعملونه فإنه قد صح عنه أنه قال: {من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الوزر مثل أوزار من اتبعه من غير أن ينقص من أوزارهم شيئا} وهو داعي الأمة إلى كل هدى فله مثل أجورهم في كل ما اتبعوه فيه.
وكذلك إذا صلوا عليه فإن الله يصلي على أحدهم عشرا وله مثل أجورهم مع ما يستجيبه من دعائهم له فذلك الدعاء قد أعطاهم الله أجرهم عليه وصار ما حصل له به من النفع نعمة من الله عليه وقد ثبت عنه في الصحيح أنه قال: {ما من رجل يدعو لأخيه بظهر الغيب بدعوة إلا وكل الله به ملكا كلما دعا لأخيه بدعوة قال الملك الموكل به: آمين ولك مثل ذلك} وفي حديث آخر: {أسرع الدعاء دعوة غائب لغائب}.
فالدعاء للغير ينتفع به الداعي والمدعو له وإن كان الداعي دون المدعو له فدعاء المؤمن لأخيه ينتفع به الداعي والمدعو له. فمن قال لغيره ادع لي وقصد انتفاعهما جميعا بذلك كان هو وأخوه متعاونين على البر والتقوى فهو نبه المسئول وأشار عليه بما ينفعهما، والمسئول فعل ما ينفعهما بمنزلة من يأمر غيره ببر وتقوى؛ فيثاب المأمور على فعله والآمر أيضا يثاب مثل ثوابه؛ لكونه دعا إليه لا سيما ومن الأدعية ما يؤمر بها العبد كما قال تعالى: {واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات} فأمره بالاستغفار ثم قال: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما}.
فذكر - سبحانه - استغفارهم واستغفار الرسول لهم إذ ذاك مما أمر به الرسول حيث أمره أن يستغفر للمؤمنين والمؤمنات ولم يأمر الله مخلوقا أن يسأل مخلوقا شيئا لم يأمر الله المخلوق به بل ما أمر الله العبد أمر إيجاب أو استحباب؛ ففعله هو عبادة لله وطاعة وقربة إلى الله وصلاح لفاعله وحسنة فيه وإذا فعل ذلك كان أعظم لإحسان الله إليه وإنعامه عليه.

بل أجل نعمة أنعم الله بها على عباده أن هداهم للإيمان. والإيمان قول وعمل يزيد بالطاعة والحسنات وكلما ازداد العبد عملا للخير. ازداد إيمانه. هذا هو الإنعام الحقيقي المذكور في قوله: {صراط الذين أنعمت عليهم} وفي قوله: {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم}. بل نعم الدنيا بدون الدين هل هي من نعمه أم لا؟ فيه قولان مشهوران للعلماء من أصحابنا وغيرهم.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.65 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.02 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.92%)]