عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 24-03-2022, 03:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,201
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[كتاب النكاح]
صـــــ 157 الى صــــــــ
168
الحلقة (186)


مبحث في مهر السر والعلانية وهدية الزوج وجهاز المرأة

-جرت عادة بعض الناس أن يتفقوا على مهر قليل سراً، ويعلنون في العقد مهراً كبيراً، كما جرت العادة بأن يهدي الزوج إلى المرأة بعد العقد وتسمية الصداق هدايا تناسب حالها، وقد يسميها بعض الناس نفقة، وكذا جرت العادة بأن المرأة تدخل بجهاز يناسب حالها، فهل يعتبر عند التنازع مهر السر. أو مهر العلانية؟ وهل تلحق الهدية بالمهر أو لا؟ وهل للزوج أن يطلب بالجهاز. أو لا؟ في ذلك تفصل المذاهب (1) .
العيوب التي يفسخ بها النكاح ومسائل العنين - والمجبوب - والخصي - ونحوهم
-العيوب التي توجد في الزوجين تنقسم إلى قسمين (2) : قسم يوجب لكل منهما حق طلب فسخ عقد الزواج بدون اشتراط، وقسم يوجبه إذا اشترطه أحد الزوجين، والأول ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
__________
(1) (الحنفية - قالوا: في سرية الصداق. وعلانيته وجهان:
الوجه الأول: أن يتفقا على قدر المهر في السر من غير عقد، ثم يتعاقدان على مهر أكثر منه في الجهر، وفي هذا الوجه صور:
الصورة الأولى: أن تكون الزيادة التي زادت في العقد من جنس المهر الذي اتفقا عليه في السر، فإن اتفقا على ذلك بعد العقد، فالمظهر هو الذي اتفقا عليه بدون عقد وأن تنازعا كان المهر هو المذكور في العقد ما لم يبرهن الزوج على أنه مهر سمعة. الصورة الثانية: أن تكون الزيادة من جنس المهر، وفي هذه الحالة إن اتفقا على أن الزيادة التي في العقد للسمعة، فإن كان ما اتفقا على تسميته يساوي مهر المثل فذاك، وإلا لزم مهر المثل.
الصورة الثالثة: أن يتفقا في السر على أن مهرها مائة جنيه مثلاً، ويتعاقدان على أن لا مهر خوفاً من ضريبة ونحوها، وفي هذه الحالة يكون المهر ما اتفقا عليه.
الوجه الثاني: أن يعقدا في السر على مهر، ثم يعقدا في العلانية على مهر آخر، مثال ذلك أن يعقدا في السر على مائة جنيه، ثم يعقدا في العلانية على مائتين. أو يقرا بأن الصداق مائتان بدون عقد وفي هذه الحالة إن اتفقا أو أشهدا على ما وقع كان المهر المعتبر هو الذي وقع عليه العقد في السر، وإن تنازعا، ففي المسألة خلاف، وهو أن الصاحبين يقولان، إن المهر هو الذي جرى عليه العقد الأول، وأبا حنيفة يقول: إن اختلاف الجنس وجب ما سماه في الأول. وفي الثاني، على أن الثاني يعتبر زيادة على الأول، فإذا عقد في الأول على مائة ريال، وعقد في الثاني على مائة جنيه اعتبر الجميع صداقاً، وأن الثاني زيادة زادها الزوج، وإذا اتحد الجنس يعتبر الثاني هو المهر فقط مع زيادة عن الأول. مثلاً إذا عقدا في السر على مائة جنيه، وعقدا في العلانية. أو - أقرا بدون عقد - على مائتين كان المهر هو المائتين، لأن الجنس وهو الجنيهات، واحد وتعتبر المائة التي زيدت في العقد الثاني من باب الزيادة على المهر.
وأما ما جرت العادة من الهدية، فإن لها تفصيلاً، وهو أنها إما أن تكون من المأكولات التي
تستهلك عادة، كالفاكهة. والسمك. واللحم، وإما تكون من الأعيان التي تدخر، كالسمن والعسل والشاة الحية. وإما أن تكون من الأشياء التي لا تؤكل، ولكن تستعمل عادة في شؤون الزوجة، كالشمع والحناء، وإما أن تكون كسوة ونقوداً منحت في العيد ونحوه فإن كان من النوع الأول، وزعم الزوج أنه محسوب من الصداق وقالت الزوجة: إنه هدية كان القول لها دونه بلا كلام، لأن هذه الأشياء لم تجر العادة بكونها صداقاً، وأما غير المأكولات المستهلكة، فالذي ينبغي أن يتبع فيها ما حققه الكمال، وهو النظر إلى العرف وقد جرى العرف في زماننا على أن كل هذه الأشياء هدية لا مهر، فإذا زعم الزوج أنها مهر ولا بينة له، فالقول فيها للزوجة بيمينها، ومثل ذلك ما يسمونه في زماننا - بالشبكة - وهو أسورة أو خاتم ومعه حلوى أو ثياب منقوشة أو نحو ذلك فإن العرف قد جرى على أنها ليست من الصداق، بل هي مقدمة تهدى للزوجة كي لا تقبل خاطباً آخر، فإذا ادعى الزوج أنها محسوبة من الصداق ولا بينة له على ذلك كان القول للزوجة بيمينها.
وبالجملة فالحكم في مثل هذه الحالة العرف والعادة، ويعضهم يقول: إن القول قول الزوجة في المأكول المستهلك عادة، كالفاكهة واللحم والسمك. أما في غير ذلك مما ذكر فالقول للزوج بيمينه عند عدم الإثبات، فإن حلف الزوج وكانت الهدية باقية، فللزوجة أن ترجعها وتأخذ مهرها، وإن كانت قد استهلكت حسبت قيمتها وطرحت من المهر، وإن كانت تساوي المهر كله، فلا يرجع واحد منها بشيء، والذي ينبغي أن يعمل به في زماننا هو الرأي الأول، وهو النظر إلى العرف، فإن كان جارياً على أن الهدايا غير المهر عمل به، وكان فيه القول للزوجة عند عدم الإثبات.
أما مسألة الجهاز فإن الصحيح الذي لا ريب فيه أن كل شيء يذكر مهراً ويقع التعاقد عليه بصفته مهراً فإنه لا مقابل له إلا نفس الزوجة دون شيء آخر مهما كان كثيراً فإذا تزوجها على ألف جنيه مهراً وكانت العادة أن مثل هذا المهر يقابل بجهاز كبير يليق بحالهما، ولكنها لم تفعل فإنه لا حق للزوج في مطالبتها بالجهاز، وإذا جاءت بجهاز كان ملكاً لها لا حق للزوج فيه، أما إذا تعاقد على مهر، ثم أعطى لها مبلغاً آخر تجهز به نفسها فأخذته ودخلت له بدون جهاز. فإن سكت زمناً يدل على رضاه فقد سقط حقه في المطالبة، وإلا كان له الحق في المطالبة، لأنه لم يتبرع لها، وإنما أعطاها لعمل ما هو واجب عليه، فإنه يجب على الرجل أن يعد للمرأة محلاً يشتمل على حاجيات المعيشة.
وإذا جهز الأب ابنته من ماله واستلمته، فلا حق له ولا لورثته في الرجوع عليها ما دام العرف يقتضي أن الأب يجهز بنته، وكذا لو اشتراه لها في صغرها، فإنه يصير ملكاً لها فإذا تنازعا، ولا بينة لأحدهما، وقال الأب: إنما دفعته لها عارية، وقالت: هو تمليك، أو قال الزوج بعد موتها، إنه ملكها ليرث منه، فإن المعتمد الذي عليه الفتوى أن القول للزوجة، ولزوجها بعد موتها لا للأب ما دام العرف جارياً على أن الأب يدفع لابنته مثل هذا الذي تنازعا فيه جهازاً لا عارية، ولا يقال: إن في هذا اعترافاً بملكية الأب، وانتقال الملكية إليها يحتاج إلى دليل، لأنا نقول: إن الجهاز ومتاع البيت يكتفي فيه بالظاهر.
وإذا أعطت الأم لابنتها أشياء من أثاث منزلها المملوكة للأب وسكت الأب صارت جهازاً للبنت لا يصح له استردادها.
وإذا أعطى الزوج لأهل الزوجة شيئاً لأجل أن يبادروا بتمكينه من زوجته، فإن له الحق في استرداده لأنه رشوة.
خاتمة: إذا أنفق الرجل على معتدة الغير ليتزوج بها بعد انقضاء عدتها، فإنه وإن كان لا يجوز إلا أن في حكمه أقوالاً، والذي اعتمده المحققون أنه إن شرط التزوج بها وتزوجت بغيره رجع عليها بما أنفقه، وإن لم يشترط، فقيل: يرجع، وقيل: لا يرجع، والوجه أنه يرجع، لأنه إذا علم في العادة أنها إن لم تتزوجه لا ينفق عليها كان ذلك بمنزلة الشرط، وقيل: له حق الرجوع عليها مطلقاً، لأن ذلك بمنزلة الرشوة، سواء شرط التزوج بها، أو لا.
المالكية - قالوا: إذا اتفق الزوجان، أو الزوج والولي على صداق في السر، وأظهرا في العلانية صداقاً يخالفه، فإن المعتبر ما اتفقا عليه في السر، سواء كان شهود العلانية هم بعينهم شهود السر، أو غيرهم. إلا أن بعض المالكية يشترط ضرورة إخبار شهود السر بما وقع في العلانية ليكون عندهم علم بالحقيقة، فإذا تنازعا، وادعت المرأة على الرجل أنه رجع عن مهر السر واتفقا على أن يكون المهر هو مهر العلانية، وأنكر الزوج دعواها كان لها أن تحلفه على دعواها حيث لا بينة، فإن حلف عمل بصداق السر، وإن نكل حلفت المرأة، فإن حلفت عمل بصداق العلانية، وإن نكلت عمل بصداق السر، فإن شهدت البينة بأن صداق العلانية لا أصل له. وإنما هو أمر ظاهري، والمعتبر إنما هو صداق السر عمل بالبينة، وإن اتفقا على عكس ذلك، بأن اتفقا على أن مهر السر أكثر من مهر العلانية بسبب الخوف من ضريبة أو نحو ذلك صح وعمل بالاتفاق فإن تنازعا، وادعى الزوج أن المهر هو المعلن أخيراً، وأنكرت، ولا بينة تحالفا على الوجه المتقدم.
أما الهدية فلها تسع صور، وذلك لأنه إما أن يهديها للزوجة، أو لوليها، أو لأجنبي. وعلى كل إما أن تكون قبل العقد أو معه أو بعده، فالتي أهديت قبل العقد. أو معه سواء كانت بشرط صريح. أو بلا شرط - لأنها في هذه الحالة تكون مشترطة حكماً - فإنها تكون ملحقة بالصداق سواء أهديت للزوجة أو لوليها أو لغيرهما، فإذا طلقها قبل البناء بها كان للزوجة نصفها وللزوج نصف الآخر، كما هو الحال في أصل الصداق وفي هذه الحالة إذا كانت الهدية لغير الزوجة كان لها الحق في أخذ نصفها من ذلك الغير. أو من الزوج، لأن الهدية أصبحت بالشرط مهراً، كما أن للزوج الحق في أخذ نصفه الذي يستحقه ممن أهداه، ولا يرجع على الزوجة بشيء لأنه هو الذي أهدى.
فإذا هلكت الهدية وهي بيد أمين غير الزوجة. أو الزوج وشهدت البينة، بهلاكها، سواء كانت من الأشياء التي يمكن إخفاؤها، كالأسورة، والثياب، أو لا، كالبقرة والجمل. أو لم تشهد بينة بهلاكها، وكانت من الأشياء المذكورة التي لا يمكن دعوى هلاكها مع سلامتها وطلقها قبل البناء فضمانها عليهما فلا يرجع أحدهما على صاحبه بشيء، فإذا طلقها بعد البناء، وهلكت الهدية وهي في يد أمين وشهدت بذلك، أو كانت الهدية مما لا يمكن إخفاؤه، ولو لم تشهد الشهود فقد هلكت عليها، وكذا إذا ماتت هي، أو الزوج فإن الهدية كلها تهلك على الزوجة لأنها تستحقها كلها بالموت والدخول، وكذا إذا فسخ العقد قبل الدخول، فإنها تهلك كلها على الزوج، لأنه في هذه الحالة يستحقها كلها.
أما إذا كانت بيد الزوج أو بيد الزوجة، وهلكت، ولم تسهد بينة بهلاكها، أو كانت من الأشياء التي لا يمكن إخفاؤها ولا تحتاج لبينة، فإن ضمانها يكون على من كانت بيده، فإن طلقها قبل البناء كان عليها النصف إذا كانت بيدها، وإن كانت بيده وهلكت، وطلقها قبل البناء كان عليه النصف، وبعد الدخول والموت يكون عليه الكل، فإن كان متقوماً أعطاها قيمته. وإن كان مثلياً أعطاها مثله. هذا كله في الهدية قبل العقد أو حال العقد، أما إذا كانت الهدية بعد العقد، فإن كانت لغير الزوجة من ولي، أو غيره فاز بها المهداة له، وإن كانت الهدية للزوجة وطلقها قبل البناء ففيها رأيان:
أحدهما: أنه لا شيء للزوج من الهدية بعد العقد، سوءا هلكت في يد الزوجة، أو بقيت سليمة. وهذا هو الراجح.
والثاني أن للزوج نصفها إن كانت قائمة، ونصف مثلها. أو نصف قيمتها إن هلكت.
أما الجهاز فإن المالكية يقولون: إن الزوجة ملزمة بأن تجهز نفسها من المهر المقبوض جهازاً يناسب مثلها لمثل زوجها بشروط:
الشرط الأول: أن تقبضه قبل الدخول، سواء كان حالاً أو مؤجلاً وحل، فإن دخل بها قبل القبض، فلا يلزمها التجهيز به إلا إذا اشترط عليها التجهيز به بعد الدخول. أو كان العرف يقتضي ذلك. وإذا أرادت الزوجة أن تتخلص من الجهاز بعد قبض مقدم الصداق الحال، فللزوج مقاضاتها، ويقضى لها عليها بقبضه لتتجهز به، أما إذا دعاها لقبض الصداق المؤخر الذي لم يحل أجله لتتجهز به فلا يقضى له به، لأنه يكون سلفاً جر نفعاً للزوج، وذلك لأن من عجل ما هو مؤجل يعتبر سلفاً، فإذا قبضته أجبرت على التجهز به.
الشرط الثاني: أن لا سمي الزوج شيئاً غير ما قبضته للجهاز، أو يجري العرف بأن يدفع الزوج شيئاً للجهاز، فإن سمى الزوج شيئاً للجهاز فإنه يلزم ما سماه، وكذا ما جرى به العرف فإنه يلزم، سواء كان المسمى أو الذي جرى به العرف أكثر من الصداق. أو أقل وكذا إذا سمى الولي أشياء للزوج ورضي بها فإنها هي التي تلزم بصرف النظر عن الصداق. الشرط الثالث: أن يكون الصداق عيناً، فإذا كان عروض تجارة أو كان مما يكال أو يوزن، أو كان حيواناً فإنها لا تلزم ببيعه للتجهز على المعتمد.
على أن الجهاز والصداق ملك للزوجة فإذا ماتت ورث عنها، يتفرع على هذا مسألة وهي ما إذا
تزوج شخص امرأة بصداق قدره مائة مثلاً، ودفع منه خمسين، وشرط على وليها أو على جهازاً بمائتين، ثم ماتت قبل الدخول فأصبحت المائة كلها حقاً لورثتها. فإذا طلب ورثتها الزوج بأن يدفع ما بقي من الخمسين بعد خصم ميراثه منها. فهل للزوج أن يطلب إبراز جهازها المشترط أيضاً ليأخذ منه ميراثه. أو لا؟ رأيان فقيل: لا يلزمهم إبراز الجهاز وعلى الزوج في هذه الحالة صداق مثلها فقط لا المسمى، ويحسب جهازها بالخمسين التي قبضتها، ثم إلى قيمة صداق من تتجهز بخمسين، فإن كان خمسين لا يدفع الزوج شيئاً، لأنه دفع الخمسين ويأخذ ميراثه من جهاز الخمسين، وهو النصف، حيث لا ولد. أو الربع إن كان لها ولد من غيره، وإن كان ثمانين دفع لهم الزوج ثلاثين، ويكون ميراثه في الثلاثين التي دفعها. وفي جهاز قدره خمسون. وإن كان صداق مثلاً ثلاثين لزمهم أن يدفع للزوج عشرين ونصيبه في جهاز قيمته خمسون، وإذا جهز البنت أبوها اختصت بجهازها دون سائر الورثة، فكل ما دفعه زيادة على مهرها بشرط أن ينتقل إلى بيتها الذي بنى بها الزوج فيه. أو يشهد الأب على أن لها، وإن بقي تحت يده. أو يشتريه لها باسمها ويضعه عند غيره كأمانة. أو أقر الوارث بذلك.
الحنابلة - قالوا: إذا تزوج رجل امرأة بعقدين على صداقين، أحدهما في السر والآخر في العلانية، كأن عقد عليها في السر على خمسين، وفي العلانية عقد عليها على مائة وبالعكس، كانت الزيادة حقاً للزوج، سواء كان الزائد عقد السر أو عقد العلانية، أما الهدية فإن كانت بعد العقد فهي ليست من المهر، إذا طلقها قبل الدخول، واستحقت نصف المهر، فلا ترد شيئاً من الهدية وكذا إذا طلقت بعد الدخول من باب أولى، فالهدية تثبت كلها ولا ترد متى تقرر للمرأة كل المهر. أو نصفه، أما الفرقة التي يسقط بسببها المهر، كأن جاءت من جهة الزوجة فإنها ترد معها الهدية، وإن كانت الهدية قبل العقد بناء على وعد منهم بتزويجه ولم يزوجوه، رجع عليهم بهديته، لأنهم أخلفوا وعده فلا معنى لأكلهم هديته.
الشافعية - قالوا: إذا ذكروا مهراً في السر، وذكروا أكثر منه في العلانية لزم ما عقد به أولاً، فإذا عقد أولاً سراً على ألف، ثم أعيد العقد للشهرة على ألفين جهراً لزم الذي عقدوا به أولاً، وهو الألف، أما إذا اتفقوا على ألف في السر بدون عقد، ثم عقدوا في الجهر بألفين لزم الألفين المذكورين في العقد. فيعتبر مهر السر إذا كان مذكوراً في العقد، أما إذا لم يذكر فلا يعتبر، ويعتبر مهر العلانية) .
(2) (الحنفية - قالوا: ليس في النكاح عيوب توجب الحق في طلب الفسخ، لا بشرط ولا بغير
شرط مطلقاً إلا في ثلاثة أمور: وهي: كون الرجل عنيناً أو مجنوناً أو خصياً أما ما عدا ذلك فلا يترتب عليه فسخ النكاح، ولو اشتد، كالجذام والبرص ونحوهما، سواء حدث قبل العقد أو بعده وسواء اشترط السلام منه. أولا، وقد يقال: إن رأي الحنفية هنا يترتب عليه ضرر شديد بالزوجة. وذلك لا تملك فراق الرجل، فإذا رأت نفسها عرضة للخطر فماذا تصنع؟! نعم لا ضرر على الرجل لأنه إن لم يرض بها يفارقها، أما هي فماذا يكون حالها، ولا حق لها في طلب الفسخ؟! والجواب: أن مذهب الحنفية مبني على أن علاقة الزوجية لها احترام وقدسية لا تقل عن قدسية القرابة، فإذا ارتبط اثنان برابطة الزوجية، وجب على كل منهما أن يحتمل ما ينزل بصاحبه من بلواء، فلا يصح أن ينفصل منه لمصيبة حلت به، بل يجب عليه مواساته بقدر ما يستطع فكما أن الإنسان لا يمكنه أن يقطع لحمة القرابة عندما يصاب أخوه أو قريبه بداء، فكذلك لا يصح له أن يقطع علاقة الزوجية لذلك. ولا فرق في ذلك بين أن يكون الداء أو العيب موجوداً قبل العقد أو وجد بعده، لأن كلا الزوجين مكلف بالبحث عن الآخر قبل العقد، وقد تقدم أن من السنة أن ينظر أحدهما الآخر.
وهذه الأحكام إنما هي للمؤمنين الذين يعملون بدينهم، فإذا أهمل أحدهما دينه كان هو الملوم، وكان من اللازم المحتم أن تنظر إلى قدسية علاقة الزوجية واحترامها ومتى وقعت على أي حال ومع ذلك فإذا فرض أن زوجين عاشاً معاً في أول أمرهما سليمين ورزقا بأولاد ثم نزلت بأحدهما مصيبة مرض أو عيب كهذا فهل من المعقول أن يفارقه السليم رغم أنفه؟! أظن أن الجواب: لا، وما ذلك إلا لاحترام علاقة الزوجية، وهي حاصلة بالعقد لا محالة.
ولولا أن الجب - قطع عضو التناسل - والعنة والخصاء تتنافى معها الزوجية، لأن المجبوب، والعين والخصي كالمرأة - والمرأة لا تتزوج المرأة - لولا ذلك لما جاز طلب فسخ عقد الزواج بحال. فإن قلت: إن هذا يستلزم أن لا يفارق الزوج زوجته بالطلاق أيضاً، والجواب: أن الطلاق قد شرع في الإسلام لأعراض اجتماعية هامة ضرورية، وقد يكون واجباً كما إذا قام بين الزوجيين شقاق تقطعت به علائق الزوجية وحلت محلها الكراهية والنفر ولم يتمكن المصلحون من إزالتها، فإن الدواء لمثل هذه الحالة الطلاق، وإلا انقلبت الزوجية إلى عكس الغرض المطلوب، فإنها ما شرعت إلا للجمع بين صديقين تنشأ بينهما مودة ورحمة لا للجمع بين عدوين لا يستطيع أحدهما أن ينظر إلى الآخر، وسيأتي بيان حكمة مشروعية الطلاق في بابه منفصلة.
ومن هذا يتضح أن الشارع لم يجعل الفرقة بين الزوجين مبنية على العيب، أو المرض، لأنهما يوجبان الشفقة والرحمة لا الفرقة والقسوة، وجعل للرجل حق الطلاق ليستعمله عند الضرورة، فإذا أساء استعماله كان آثماً يستحق عقاب الله في الدنيا والآخرة، فالفرق بين الحالتين واضح لا يخفى.
المالكية - قالوا: العيوب التي يفسخ بها النكاح ثلاثة عشر عيباً، وتنقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: عيوب مشتركة بين الزوجين بمعنى أنها قد توجب في الرجل. وقد توجد في
المرأة. وقد توجد فيهما معاً، وهي أربعة: الجنون، والجذام، والبرص، والخراءة عند الوطء، وتسمى - عذيطة - بفتح العين وسكون الذال، فمتى وجد عيب من هذه العيوب في أحد الزوجين كان للآخر أن يطلب مفارقته بفسخ النكاح، ولو كان معيباً مثله، لأن الإنسان يكره من غيره ما لا يكسره من نفسه، فأما الجنون فإنه يثبت به الخيار للرجل والمرأة لأنه مشترك كما ذكرنا، وله ثلاث صور:
الصورة الأولى: أن يحدث قبل الدخول. الثانية: أن يحدث بعد العقد وقبل الدخول. الثالثة: أن يحدث بعد الدخول. فإن حدث قبل العقد في الزوجة ولم يعلم به الزوج أو العكس، فلكل من الزوجين أن يرد به الآخر قبل الدخول وبعده، بشرط أن يقع من صاحبه ضرر كضرب أو إفساد مال، أما إذا كان يتخبط ويفيق، كالمصروع، فإنه لا يرد به، وإن حدث الجنون بعد العقد، فإن كان الجنون قد عرض للزوج فإن الخيار يثبت للزوجة، فلها الحق في فسخ النكاح إما إن كان قد عرض للزوجة فلا يثبت الخيار للزوج، سواء كان ذلك قبل الدخول أو بعده، وهذا هو المعتمد، ولعل أن المرأة مستضعفة بطبيعها وإنها رهينة المنزل، فيمكن اتقاء الضرر الذي يترتب على جنونها، ويمكن الاستمتاع بها وهي على هذه الحالة بخلاف الزوج، على أن الزوج بيده عقد النكاح فيمكنه أن يطلق عند عدم تمكنه من دفع ضررها، وبعضهم يقول: إنه لا فرق في ذلك بين الزوج والزوجة، فالجنون العارض بعد العقد يجعل الخيار لكل من الزوجين قبل الدخول وبعده، وبعضهم يقول: إن حدث قبل الدخول كان للمرأة الرد دون الرجل، وإن حصل بعد الدخول ليس لها الرد كالرجل، وقيل: لا يرد بالجنون الحاصل بعد العقد مطلقاً سواء عرض للرجل أو للمرأة فالأقوال أربعة، والمعتمد منها واحد، كما عرفت.
وأما الجذام فإنه يثبت به الخيار للزوجة، سواء وجد في الرجل قبل العقد. أو بعده، سواء كان قليلاً أو كثيراً بشرط أن يكون محققاً، أما إذا كان مشكوكاً في أنه جذام، أو لا. فإنه لا يرد به اتفاقاً أما الرجل فله حق الفسخ إن كان موجوداً في المرأة قبل العقد أو عند العقد، سواء كان قليلاً أو كثيراً، ولا حق له في الفسخ بالجذام الحادث بعد العقد مطلقاً، كما لا حق لأحدهما في الفسخ بالجذام القائم بأصولهما كالأب، والجد والأم خوفاً من وصول الداء بطريق الوراثة لأن ذلك غير مستيقن، فلا عبرة به.
أما البرص، وهو الداء المعروف، سواء كان أبيض. أو أسود. فغن كان قبل العقد، وكان كثيراً، فإنه يجعل لكل من الزوجين الخيار في الفسخ، أما إذا كان يسيراً فترد به المرأة باتفاق، وفي رد الرجل باليسير من البرص قولان، هذا إذا حدث قبل العقد، أما إذا حدث بعد العقد فإن كان يسيراً، فلا رد به لأحدهما، سواء وجد في الزوج أو الزوجة، وإن كان كثيراً وكان في الرجل كان للمرأة الحق في الفسخ، وإن كان في المرأة فليس للرجل حق الفسخ على المذهب، وذلك لأن الرجل بيده الطلاق، فإن تضرر منها فارقها بالطلاق، والفرق بين حدوثه بعد العقد وقبله ظاهر، لأن المفروض قبل العقد
أن تكون المرأة سليمة من العيوب المنفرة، أما بعد العقد فالبرص مصيبة من المصائب التي تعرض لأحد الزوجين، ولما كانت الزوجة لا تملك الفراق جعل لها الخيار بخلاف الرجل الذي يملكه.
أما العذيطة، فإنها عيب يرد به الزوجان إذا كان قديماً موجوداً في أحدهما قبل العقد، أما إذا حدث بعد العقد أو شك في حدثه بعد العقد، فإنه لا يثبت لأحدهما به الخيار، فإنه وإن كان مرضاً قذراً تنفر منه النفس ولكن شره أهون من غيره، فإن كان الرجل يتقذر به ويعاف المرأة بسببه، فله مفارقتها بالطلاق، أما المرأة فإنها يمكنها الإغضاء عنه، وبعضهم يقول، إن العذيطة إذا حدثت على الرجل بعد العقد كان للمرأة حق الفسخ بها، بخلاف ما إذا حدثت على المرأة فإنها لا تجعل للرجل الحق في الفسخ، كالجذام، لما عرفت من أن الرجل بيده الطلاق دونها.
هذان ولا فسخ بالبول على الفراش أو عند الجماع أو بالريح، فهذه هي العيوب الأربعة المشتركة بين الزوجين.
ومن العيوب المشتركة أن يكون أحدهما خنثى واضح الخنوثة، فإذا كان للزوج ذكر ينتصب ويمني كالرجل، ولكن له شق غير نافذ يشبه الفرج حقيقة، فإنه ليس بعيب يرد به، أما المرأة إذا كان لها فرج تام لا عيب فيه، ولكن لها ما تشبه الآلة، وليست بآلة، بل هي قطعة لحم زائدة، فقيل: إنها عيب، وقيل: لأنها كالخنثى المشكل، فلا يصح تزوجه على أي حال.
يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 40.37 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 39.74 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.56%)]