عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 18-03-2022, 10:05 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,040
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد





تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الاول
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(53)
الحلقة (68)
صــ 491إلى صــ495





قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية ، تأويل ابن عباس ومن قال بقوله . ومعنى ذلك : فقال أنبئوني بأسماء من عرضته عليكم أيتها الملائكة القائلون : أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء من غيرنا ، أم منا ؟ فنحن نسبح بحمدك [ ص: 491 ] ونقدس لك ؟ إن كنتم صادقين في قيلكم أني إن جعلت خليفتي في الأرض من غيركم عصاني ذريته وأفسدوا فيها وسفكوا الدماء ، وإن جعلتكم فيها أطعتموني ، واتبعتم أمري بالتعظيم لي والتقديس . فإنكم إن كنتم لا تعلمون أسماء هؤلاء الذين عرضتهم عليكم من خلقي ، وهم مخلوقون موجودون ترونهم وتعاينونهم ، وعلمه غيركم بتعليمي إياه ، فأنتم بما هو غير موجود من الأمور الكائنة التي لم توجد بعد ، وبما هو مستتر من الأمور - التي هي موجودة - عن أعينكم أحرى أن تكونوا غير عالمين ، فلا تسألوني ما ليس لكم به علم ، فإني أعلم بما يصلحكم ويصلح خلقي .

وهذا الفعل من الله جل ثناؤه بملائكته - الذين قالوا له : " أتجعل فيها من يفسد فيها " من جهة عتابه جل ذكره إياهم - نظير قوله جل جلاله لنبيه نوح صلوات الله عليه إذ قال : ( رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين ) [ سورة هود : 45 ] - : فلا تسألني ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين [ سورة هود : 46 ] . فكذلك الملائكة سألت ربها أن تكون خلفاءه في الأرض ليسبحوه ويقدسوه فيها ، إذ كان ذرية من أخبرهم أنه جاعله في الأرض خليفة ، يفسدون فيها ويسفكون الدماء ، فقال لهم جل ذكره : " إني أعلم ما لا تعلمون " يعني بذلك : إني أعلم أن بعضكم فاتح المعاصي وخاتمها ، وهو إبليس ، منكرا بذلك تعالى ذكره قولهم . ثم عرفهم موضع هفوتهم في قيلهم ما قالوا من ذلك ، بتعريفهم قصور علمهم عما هم له شاهدون عيانا ، فكيف بما لم يروه ولم يخبروا عنه ؟ بعرضه ما عرض عليهم من خلقه الموجودين يومئذ ، وقيله لهم : " أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين " [ ص: 492 ] أنكم إن استخلفتكم في أرضي سبحتموني وقدستموني ، وإن استخلفت فيها غيركم عصاني ذريته وأفسدوا وسفكوا الدماء . فلما اتضح لهم موضع خطأ قيلهم ، وبدت لهم هفوة زلتهم ، أنابوا إلى الله بالتوبة فقالوا : " سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا " فسارعوا الرجعة من الهفوة ، وبادروا الإنابة من الزلة ، كما قال نوح - حين عوتب في مسألته فقيل له : لا تسألني ما ليس لك به علم - : ( رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين ) [ سورة هود : 47 ] . وكذلك فعل كل مسدد للحق موفق له - سريعة إلى الحق إنابته ، قريبة إليه أوبته .

وقد زعم بعض نحويي أهل البصرة أن قوله : " أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين " لم يكن ذلك لأن الملائكة ادعوا شيئا ، إنما أخبر الله عن جهلهم بعلم الغيب ، وعلمه بذلك وفضله ، فقال : " أنبئوني إن كنتم صادقين " كما يقول الرجل للرجل : " أنبئني بهذا إن كنت تعلم " وهو يعلم أنه لا يعلم ، يريد أنه جاهل .

وهذا قول إذا تدبره متدبر ، علم أن بعضه مفسد بعضا . وذلك أن قائله زعم أن الله جل ثناؤه قال للملائكة ، إذ عرض عليهم أهل الأسماء : أنبئوني بأسماء هؤلاء ، وهو يعلم أنهم لا يعلمون ، ولا هم ادعوا علم شيء يوجب أن يوبخوا بهذا القول .

وزعم أن قوله : " إن كنتم صادقين " نظير قول الرجل للرجل : " أنبئني بهذا إن كنت تعلم " وهو يعلم أنه لا يعلم ، يريد أنه جاهل .

ولا شك أن معنى قوله : " إن كنتم صادقين " إنما هو : إن كنتم صادقين ، إما في قولكم ، وإما في فعلكم . لأن الصدق في كلام العرب ، إنما هو صدق في الخبر لا في [ ص: 493 ] العلم . وذلك أنه غير معقول في لغة من اللغات أن يقال : صدق الرجل بمعنى علم . فإذ كان ذلك كذلك ، فقد وجب أن يكون الله جل ثناؤه قال للملائكة ، على تأويل قول هذا الذي حكينا قوله في هذه الآية : " أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين " وهو يعلم أنهم غير صادقين ، يريد بذلك أنهم كاذبون . وذلك هو عين ما أنكره ، لأنه زعم أن الملائكة لم تدع شيئا ، فكيف جاز أن يقال لهم : إن كنتم صادقين ، فأنبئوني بأسماء هؤلاء ؟ هذا مع خروج هذا القول - الذي حكيناه عن صاحبه - من أقوال جميع المتقدمين والمتأخرين من أهل التأويل والتفسير .

وقد حكي عن بعض أهل التفسير أنه كان يتأول قوله : " إن كنتم صادقين " بمعنى : إذ كنتم صادقين .

ولو كانت " إن " بمعنى " إذ " في هذا الموضع ، لوجب أن تكون قراءتها بفتح ألفها ، لأن " إذ " إذا تقدمها فعل مستقبل صارت علة للفعل وسببا له . وذلك كقول القائل : " أقوم إذ قمت " فمعناه أقوم من أجل أنك قمت . والأمر بمعنى الاستقبال ، فمعنى الكلام ، لو كانت " إن " بمعنى " إذ " : أنبئوني بأسماء هؤلاء من أجل أنكم صادقون . فإذا وضعت " إن " مكان ذلك قيل : أنبئوني بأسماء هؤلاء أن كنتم صادقين ، مفتوحة الألف . وفي إجماع جميع قراء أهل الإسلام على كسر الألف من " إن " دليل واضح على خطأ تأويل من تأول " إن " بمعنى " إذ " في هذا الموضع .
القول في تأويل قوله تعالى ذكره : ( قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ( 32 ) )

قال أبو جعفر : وهذا خبر من الله جل ذكره عن ملائكته ، بالأوبة إليه ، وتسليم علم ما لم يعلموه له ، وتبريهم من أن يعلموا أو يعلم أحد شيئا إلا ما علمه تعالى ذكره . [ ص: 494 ]

وفي هذه الآيات الثلاث العبرة لمن اعتبر ، والذكرى لمن ادكر ، والبيان لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، عما أودع الله جل ثناؤه آي هذا القرآن من لطائف الحكم التي تعجز عن أوصافها الألسن .

وذلك أن الله جل ثناؤه احتج فيها لنبيه صلى الله عليه وسلم على من كان بين ظهرانيه من يهود بني إسرائيل ، بإطلاعه إياه من علوم الغيب التي لم يكن جل ثناؤه أطلع عليها من خلقه إلا خاصا ، ولم يكن مدركا علمه إلا بالإنباء والإخبار ، لتتقرر عندهم صحة نبوته ، ويعلموا أن ما أتاهم به فمن عنده ، ودل فيها على أن كل مخبر خبرا عما قد كان - أو عما هو كائن مما لم يكن ، ولم يأته به خبر ، ولم يوضع له على صحته برهان - فمتقول ما يستوجب به من ربه العقوبة . ألا ترى أن الله جل ذكره رد على ملائكته قيلهم : " أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك " قال : " إني أعلم ما لا تعلمون " وعرفهم أن قيل ذلك لم يكن جائزا لهم ، بما عرفهم من قصور علمهم عند عرضه ما عرض عليهم من أهل الأسماء ، فقال : " أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين " فلم يكن لهم مفزع إلا الإقرار بالعجز ، والتبري إليه أن يعلموا إلا ما علمهم ، بقولهم : " سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا " فكان في ذلك أوضح الدلالة وأبين الحجة ، على كذب مقالة كل من ادعى شيئا من علوم الغيب من الحزاة والكهنة والعافة والمنجمة . وذكر بها الذين [ ص: 495 ] وصفنا أمرهم من أهل الكتاب - سوالف نعمه على آبائهم ، وأياديه عند أسلافهم ، عند إنابتهم إليه ، وإقبالهم إلى طاعته ، مستعطفهم بذلك إلى الرشاد ، ومستعتبهم به إلى النجاة . وحذرهم - بالإصرار والتمادي في البغي والضلال - حلول العقاب بهم ، نظير ما أحل بعدوه إبليس ، إذ تمادى في الغي والخسار

قال : وأما تأويل قوله : " سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا " فهو كما :

674 - حدثنا به أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : " قالوا سبحانك " تنزيها لله من أن يكون أحد يعلم الغيب غيره ، تبنا إليك " لا علم لنا إلا ما علمتنا " تبريا منهم من علم الغيب ، " إلا ما علمتنا " كما علمت آدم .

وسبحان مصدر لا تصرف له . ومعناه : نسبحك ، كأنهم قالوا : نسبحك تسبيحا ، وننزهك تنزيها ، ونبرئك من أن نعلم شيئا غير ما علمتنا .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.33 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.70 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.69%)]