
18-03-2022, 10:02 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,040
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الاول
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(48)
الحلقة (63)
صــ 466إلى صــ470
613 - [ حدثنا محمد بن جرير ، قال ] : حدثت عن عمار بن الحسن ، قال : أخبرنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بمثله : " ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين [ ص: 466 ] " إلى قوله : " إنك أنت العليم الحكيم " قال : وذلك حين قالوا : " أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك " قال : فلما عرفوا أنه جاعل في الأرض خليفة قالوا بينهم : لن يخلق الله خلقا إلا كنا نحن أعلم منه وأكرم . فأراد الله أن يخبرهم أنه قد فضل عليهم آدم . وعلم آدم الأسماء كلها ، فقال للملائكة : " أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين " إلى قوله : " وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون " وكان الذي أبدوا حين قالوا : " أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء " وكان الذي كتموا بينهم قولهم : " لن يخلق الله خلقا إلا كنا نحن أعلم منه وأكرم " فعرفوا أن الله فضل عليهم آدم في العلم والكرم .
وقال ابن زيد بما :
614 - حدثني به يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : لما خلق الله النار ذعرت منها الملائكة ذعرا شديدا ، وقالوا : ربنا لم خلقت هذه النار ؟ ولأي شيء خلقتها ؟ قال : لمن عصاني من خلقي . قال : ولم يكن لله خلق يومئذ إلا الملائكة ، والأرض ليس فيها خلق ، إنما خلق آدم بعد ذلك ، وقرأ قول الله : ( هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ) [ سورة الإنسان : 1 ] . قال : قال عمر بن الخطاب : يا رسول الله ليت ذلك الحين . ثم قال : قالت الملائكة : يا رب ، أويأتي علينا دهر نعصيك فيه! لا يرون له خلقا غيرهم ، قال : لا إني أريد أن أخلق في الأرض خلقا [ ص: 467 ] وأجعل فيها خليفة ، يسفكون الدماء ويفسدون في الأرض . فقالت الملائكة : " أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء " ؟ وقد اخترتنا ، فاجعلنا نحن فيها ، فنحن نسبح بحمدك ونقدس لك ونعمل فيها بطاعتك . وأعظمت الملائكة أن يجعل الله في الأرض من يعصيه فقال : " إني أعلم ما لا تعلمون " " يا آدم أنبئهم بأسمائهم " فقال : فلان وفلان . قال : فلما رأوا ما أعطاه الله من العلم أقروا لآدم بالفضل عليهم ، وأبى الخبيث إبليس أن يقر له ، قال : " أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين " قال : " فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها "
وقال ابن إسحاق بما :
615 - حدثنا به ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة بن الفضل ، عن محمد بن إسحاق قال : لما أراد الله أن يخلق آدم بقدرته ليبتليه ويبتلي به ، لعلمه بما في ملائكته وجميع خلقه - وكان أول بلاء ابتليت به الملائكة مما لها فيه ما تحب وما تكره ، للبلاء والتمحيص لما فيهم مما لم يعلموا ، وأحاط به علم الله منهم - جمع الملائكة من سكان السماوات والأرض ، ثم قال : " إني جاعل في الأرض خليفة " - ساكنا وعامرا ليسكنها ويعمرها - خلفا ، ليس منكم . ثم أخبرهم بعلمه فيهم ، فقال : يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء ويعملون بالمعاصي . فقالوا جميعا : " أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك " [ ص: 468 ] لا نعصي ، ولا نأتي شيئا كرهته ؟ قال : " إني أعلم ما لا تعلمون " - قال : إني أعلم فيكم ومنكم ولم يبدها لهم - من المعصية والفساد وسفك الدماء وإتيان ما أكره منهم ، مما يكون في الأرض ، مما ذكرت في بني آدم . قال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم : ( قل ما كان لي من علم بالملأ الأعلى إذ يختصمون إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ) [ ص : 69 - 72 ] . فذكر لنبيه صلى الله عليه وسلم الذي كان من ذكره آدم حين أراد خلقه ، ومراجعة الملائكة إياه فيما ذكر لهم منه . فلما عزم الله تعالى ذكره على خلق آدم قال للملائكة : إني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون بيدي - تكرمة له وتعظيما لأمره وتشريفا له - حفظت الملائكة عهده ووعوا قوله ، وأجمعوا الطاعة إلا ما كان من عدو الله إبليس ، فإنه صمت على ما كان في نفسه من الحسد والبغي والتكبر والمعصية . وخلق الله آدم من أدمة الأرض ، من طين لازب من حمأ مسنون ، بيديه ، تكرمة له وتعظيما لأمره وتشريفا له على سائر خلقه . قال ابن إسحاق : فيقال ، والله أعلم : خلق الله آدم ثم وضعه ينظر إليه أربعين عاما قبل أن ينفخ فيه الروح حتى عاد صلصالا كالفخار ، ولم تمسه نار . قال : فيقال ، والله أعلم : إنه لما انتهى الروح إلى رأسه عطس فقال : الحمد لله! فقال له ربه : يرحمك ربك ، ووقع الملائكة حين استوى سجودا له ، حفظا لعهد الله الذي عهد إليهم ، وطاعة لأمره الذي أمرهم به . وقام عدو الله إبليس من بينهم فلم يسجد ، مكابرا متعظما بغيا وحسدا . فقال له : ( يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ) إلى ( لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين ) [ سورة ص : 75 - 85 ] .
قال : فلما فرغ الله من إبليس ومعاتبته ، وأبى إلا المعصية ، أوقع عليه اللعنة وأخرجه من الجنة . ثم أقبل على آدم ، وقد علمه الأسماء كلها ، فقال : " يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم " [ ص: 469 ] أي إنما أجبناك فيما علمتنا ، فأما ما لم تعلمنا فأنت أعلم به . فكان ما سمى آدم من شيء ، كان اسمه الذي هو عليه إلى يوم القيامة .
وقال ابن جريج بما :
616 - حدثنا به القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : إنما تكلموا بما أعلمهم أنه كائن من خلق آدم ، فقالوا : " أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء " ؟ وقال بعضهم : إنما قالت الملائكة ما قالت : " أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء " لأن الله أذن لها في السؤال عن ذلك ، بعد ما أخبرها أن ذلك كائن من بني آدم . فسألته الملائكة ، فقالت ، على التعجب منها : وكيف يعصونك يا رب وأنت خالقهم ؟ فأجابهم ربهم : إني أعلم ما لا تعلمون ، يعني : أن ذلك كائن منهم - وإن لم تعلموه أنتم - ومن بعض من ترونه لي طائعا . يعرفهم بذلك قصور علمهم عن علمه .
وقال بعض أهل العربية : قول الملائكة : " أتجعل فيها من يفسد فيها " على غير وجه الإنكار منهم على ربهم ، وإنما سألوه ليعلموا ، وأخبروا عن أنفسهم أنهم يسبحون . وقال : قالوا ذلك لأنهم كرهوا أن يعصى الله ، لأن الجن قد كانت أمرت قبل ذلك فعصت .
وقال بعضهم : ذلك من الملائكة على وجه الاسترشاد عما لم يعلموا من ذلك ، فكأنهم قالوا : " يا رب خبرنا " مسألة استخبار منهم لله ، لا على وجه مسألة التوبيخ .
قال أبو جعفر : وأولى هذه التأويلات بقول الله جل ثناؤه ، مخبرا عن ملائكته قيلها له : " أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك " [ ص: 470 ] ، تأويل من قال : إن ذلك منها استخبار لربها ، بمعنى : أعلمنا يا ربنا أجاعل أنت في الأرض من هذه صفته ، وتارك أن تجعل خلفاءك منا ، ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ، لا إنكار منها لما أعلمها ربها أنه فاعل . وإن كانت قد استعظمت لما أخبرت بذلك ، أن يكون لله خلق يعصيه .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|