
18-03-2022, 10:01 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,690
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الاول
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(46)
الحلقة (61)
صــ 456إلى صــ460
يقول : كالشيء المنفوخ الذي ليس بمصمت . قال : ثم يدخل في فيه ويخرج من دبره ، ويدخل من دبره ويخرج من فيه ، ثم يقول : لست شيئا! - للصلصلة - ولشيء ما خلقت! لئن سلطت عليك لأهلكنك ، ولئن سلطت علي لأعصينك . قال : فلما نفخ الله فيه من روحه ، أتت النفخة من قبل رأسه ، فجعل لا يجري شيء منها في جسده إلا صار لحما ودما . فلما انتهت النفخة إلى سرته ، نظر إلى جسده ، فأعجبه ما رأى من حسنه ، فذهب لينهض فلم يقدر ، فهو قول الله : ( وكان الإنسان عجولا ) [ سورة الإسراء : 11 ] قال : ضجرا لا صبر له على سراء ولا ضراء . قال : فلما تمت النفخة في جسده عطس ، فقال : " الحمد لله رب العالمين " بإلهام من الله تعالى ، فقال الله له : يرحمك الله يا آدم . قال : ثم قال الله للملائكة الذين كانوا مع إبليس خاصة دون الملائكة الذين في السماوات : اسجدوا لآدم . فسجدوا كلهم أجمعون إلا إبليس أبى واستكبر ، لما كان حدث به نفسه من كبره واغتراره . فقال : لا أسجد له ، وأنا خير منه وأكبر سنا وأقوى خلقا ، خلقتني من نار وخلقته من طين - يقول : إن النار أقوى من الطين . قال : فلما أبى إبليس أن يسجد أبلسه الله - أي آيسه من الخير كله ، وجعله شيطانا رجيما [ ص: 457 ] عقوبة لمعصيته . ثم علم آدم الأسماء كلها ، وهي هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس : إنسان ودابة وأرض وسهل وبحر وجبل وحمار ، وأشباه ذلك من الأمم وغيرها . ثم عرض هذه الأسماء على أولئك الملائكة - يعني الملائكة الذين كانوا مع إبليس ، الذين خلقوا من نار السموم - وقال لهم : أنبئوني بأسماء هؤلاء ، يقول : أخبروني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين ، إن كنتم تعلمون أني لم أجعل خليفة في الأرض . قال : فلما علمت الملائكة مؤاخذة الله عليهم فيما تكلموا به من علم الغيب ، الذي لا يعلمه غيره ، الذي ليس لهم به علم ، قالوا : سبحانك - تنزيها لله من أن يكون أحد يعلم الغيب غيره - تبنا إليك ، لا علم لنا إلا ما علمتنا ، تبريا منهم من علم الغيب ، إلا ما علمتنا كما علمت آدم . فقال : يا آدم أنبئهم بأسمائهم ، يقول : أخبرهم بأسمائهم . فلما أنبأهم بأسمائهم قال : ألم أقل لكم - أيها الملائكة خاصة - إني أعلم غيب السماوات والأرض ، ولا يعلمه غيري ، وأعلم ما تبدون ، يقول : ما تظهرون ، وما كنتم تكتمون ، يقول : أعلم السر كما أعلم العلانية ، يعني ما كتم إبليس في نفسه من الكبر والاغترار .
قال أبو جعفر : وهذه الرواية عن ابن عباس ، تنبئ عن أن قول الله جل ثناؤه : " وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة " خطاب من الله جل ثناؤه لخاص من الملائكة دون الجميع ، وأن الذين قيل لهم ذلك من الملائكة كانوا قبيلة إبليس خاصة - الذين قاتلوا معه جن الأرض قبل خلق آدم - وأن الله إنما خصهم بقيل ذلك امتحانا منه لهم وابتلاء ، ليعرفهم قصور علمهم وفضل كثير ممن هو أضعف خلقا منهم من خلقه عليهم ، وأن كرامته [ ص: 458 ] لا تنال بقوى الأبدان وشدة الأجسام ، كما ظنه إبليس عدو الله . ومصرح بأن قيلهم لربهم : " أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء " كانت هفوة منهم ورجما بالغيب ، وأن الله جل ثناؤه أطلعهم على مكروه ما نطقوا به من ذلك ، ووقفهم عليه حتى تابوا وأنابوا إليه مما قالوا ونطقوا من رجم الغيب بالظنون ، وتبرأوا إليه أن يعلم الغيب غيره ، وأظهر لهم من إبليس ما كان منطويا عليه من الكبر الذي قد كان عنهم مستخفيا .
وقد روي عن ابن عباس خلاف هذه الرواية ، وهو ما :
607 - حدثني به موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي في خبر ذكره ، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : " لما فرغ الله من خلق ما أحب ، استوى على العرش ، فجعل إبليس على ملك سماء الدنيا ، وكان من قبيلة من الملائكة يقال لهم الجن ؛ وإنما سموا الجن لأنهم خزان الجنة . وكان إبليس مع ملكه خازنا ، فوقع في صدره كبر ، وقال : ما أعطاني الله هذا إلا لمزية لي - هكذا قال موسى بن هارون ، وقد حدثني به غيره ، وقال : لمزية لي على الملائكة - فلما وقع ذلك الكبر في نفسه ، [ ص: 459 ] اطلع الله على ذلك منه ، فقال الله للملائكة : " إني جاعل في الأرض خليفة " قالوا : ربنا ، وما يكون ذلك الخليفة ؟ قال : يكون له ذرية يفسدون في الأرض ويتحاسدون ويقتل بعضهم بعضا ، قالوا : ربنا ، " أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون " يعني من شأن إبليس . فبعث جبريل إلى الأرض ليأتيه بطين منها فقالت الأرض : إني أعوذ بالله منك أن تنقص مني أو تشينني . فرجع ، ولم يأخذ . وقال : رب إنها عاذت بك فأعذتها . فبعث الله ميكائيل ، فعاذت منه ، فأعاذها ، فرجع فقال كما قال جبريل . فبعث ملك الموت فعاذت منه ، فقال : وأنا أعوذ بالله أن أرجع ولم أنفذ أمره . فأخذ من وجه الأرض ، وخلط فلم يأخذ من مكان واحد ، وأخذ من تربة حمراء وبيضاء وسوداء ، فلذلك خرج بنو آدم مختلفين . فصعد به ، فبل التراب حتى عاد طينا لازبا - واللازب : هو الذي يلتزق بعضه ببعض - ثم ترك حتى أنتن وتغير . وذلك حين يقول : ( من حمإ مسنون ) [ سورة الحجر : 28 ] ، قال : منتن ، ثم قال للملائكة : ( إني خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ) [ سورة ص : 71 - 72 ] فخلقه الله بيديه لكيلا يتكبر إبليس عنه ، ليقول له : تتكبر عما عملت بيدي ، ولم أتكبر أنا عنه ؟ فخلقه بشرا ، فكان جسدا من طين أربعين سنة من مقدار يوم الجمعة : فمرت به الملائكة ففزعوا منه لما رأوه . وكان أشدهم منه فزعا إبليس ، فكان يمر به فيضربه فيصوت الجسد كما يصوت الفخار وتكون له صلصلة ، فذلك حين يقول : ( من صلصال كالفخار ) [ سورة الرحمن : 14 ] ويقول لأمر ما خلقت! ودخل من فيه فخرج من دبره . فقال للملائكة : لا ترهبوا من هذا ، فإن ربكم [ ص: 460 ] صمد وهذا أجوف . لئن سلطت عليه لأهلكنه . فلما بلغ الحين الذي يريد الله جل ثناؤه أن ينفخ فيه الروح ، قال للملائكة : إذا نفخت فيه من روحي فاسجدوا له . فلما نفخ فيه الروح فدخل الروح في رأسه عطس ، فقالت له الملائكة : قل الحمد لله . فقال : الحمد لله ، فقال له الله : رحمك ربك . فلما دخل الروح في عينيه نظر إلى ثمار الجنة . فلما دخل في جوفه اشتهى الطعام ، فوثب قبل أن تبلغ الروح رجليه عجلان إلى ثمار الجنة ، فذلك حين يقول : ( خلق الإنسان من عجل ) [ سورة الأنبياء : 37 ] . فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين - أي استكبر - وكان من الكافرين . قال الله له : ما منعك أن تسجد إذ أمرتك لما خلقت بيدي ؟ قال : أنا خير منه ، لم أكن لأسجد لبشر خلقته من طين . قال الله له : اخرج منها فما يكون لك - يعني ما ينبغي لك - أن تتكبر فيها ، فاخرج إنك من الصاغرين - والصغار : هو الذل - . قال : وعلم آدم الأسماء كلها ، ثم عرض الخلق على الملائكة ، فقال : أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين أن بني آدم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء . فقالوا له : سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم . قال الله : يا آدم أنبئهم بأسمائهم ، فلما أنبأهم بأسمائهم قال : ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون . قال قولهم : " أتجعل فيها من يفسد فيها " فهذا الذي أبدوا ، " وأعلم ما كنتم تكتمون " يعني ما أسر إبليس في نفسه من الكبر .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|